كيف أضرت العولمة بالولايات المتحدة الأمريكية
دراسة جديدة بعنوان “التحول الخاطئ للعولمة وكيف أضر بالولايات المتحدة
“Globalization’s Wrong Turn And How It Hurt America” للكاتب Dani Rodrik أستاذ الاقتصاد السياسي بكلية جون إف كينيدي بجامعة هارفارد، بالعدد الجديد يوليو- أغسطس 2019 من مجلة Foreign Affairs.
وتدور الدراسة حول الآثار السلبية للعولمة والتي بدأت جذورها من التسعينات، حيث تم وضع سياسات تجعل الاقتصاديات المحلية في خدمة الاقتصاد العالمي بدلا من الاتجاه المعاكس. وكيف ساهمت المنظمات الدولية كمنظمة التجارة الدولية دوراً في تعزيز ذلك المسار.
التحول من نظام معيار الذهب إلى نظام بريتون وودز
لمدة 50 عاما تقريبا قبل الحرب العالمية الأولى، بالإضافة إلى فترة قصيرة خلال فترة ما بين الحربين، حدد المعيار الذهبي قواعد الإدارة الاقتصادية. ويعنى معيار الذهب إن على الحكومة تحديد قيمة عملتها وفقا لسعر الذهب، والحفاظ على حدود مفتوحة للتمويل، وسداد ديونها الخارجية في جميع الظروف. وكانت تلك القواعد تعني أن على الحكومة فرض أي إجراءات لضمان تحقيق ذلك حتى لو اتبعت ما يسميه الاقتصاديون اليوم سياسات التقشف مهما كان الضرر الذي يلحق بالدخل المحلي والعمالة.
كانت المملكة المتحدة أول من خرج عن هذا النظام برغم من أنها من كانت تتحكم به، بسبب ما سببته لها الحرب العالمية الأولي من خسائر وعزز ذلك فترة الكساد العظيم التي كانت موجودة بثلاثينات القرن الماضي، فتخلت عنه في عام 1931 وتبعتها الولايات المتحدة برئاسة فرانكلين روزفلت بعدها بعامين بالتخلي عنه كمخرج من فترة الكساد.
تولد بعد التخلي عن هذا النظام التأسيس لنظام “بريتون وودز” الذي صاغه الحلفاء عام 1944، والذي أعطي للدول مجالاً للتحكم في سياستها النقدية ولكن في إطار الضوابط التي تم وضعها في ذلك المؤتمر على حركة رأس المال الدولي، حيث اعتمد نظام بريتون وودز على الاعتقاد بأن أفضل طريقة لتشجيع التجارة الدولية والاستثمار طويل الأجل هي تمكين الحكومات الوطنية من إدارة اقتصاداتها وهو ما منح الدول المتقدمة هذه الحرية في تنظيم وفرض ضرائب على اقتصاداتها حسب رغبتها وحماية قطاعتها الحساسة أيضاً، كما نوّعت الدول النامية اقتصاداتها أيضاً من خلال استخدامها للقيود التجارية والسياسات الصناعية المختلفة.
نمت الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء بمعدلات غير مسبوقة حيث توسعت التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر بشكل أسرع، متجاوزين نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتضاعفت حصة الصادرات في الإنتاج العالمي أكثر من ثلاثة أضعاف، من أقل من خمسة في المائة في عام ١٩٤٥ إلى ١٦ في المائة في عام ١٩٨١ وكان هذا النجاح بمثابة تأكيد لفكرة الباحث الاقتصادي كينيز بأن الاقتصاد العالمي يعمل بشكل أفضل عندما تهتم كل حكومة باقتصادها ومجتمعها.
الرغبة في العودة لنظام معيار الذهب
كانت فرضية نظام بريتون وودز هي أن اتفاقية الجات وغيرها من الاتفاقات الدولية ستكون بمثابة ثقل موازن للحمائيين الأقوياء في الداخل مثل نقابات العمال والشركات التي تخدم السوق المحلية بشكل رئيسي.
ومع ذلك، بحلول التسعينيات، كان ميزان القوى السياسية في الدول الغنية قد ابتعد عن الحمائية لمصلحة جماعات الضغط التي تمثل المصدرين والمستثمرين، ونتج عن ذلك تعاظم أرباح تلك الشركات التي اتجهت للتصنيع في البلدان النامية للاستفادة من العمالة الرخيصة وغيرها من المزايا، فتضررت العديد من المجتمعات المعتمدة على التصنيع في الولايات المتحدة وعانت من عواقب اقتصادية واجتماعية خطيرة، تتراوح من البطالة إلى إدمان المخدرات ولم يتم تعويض الصناعات من قبل الحكومة الأمريكية بسبب الاعتقاد السائد بأن المكاسب ستكون كبيرة بحيث يفوز الجميع في النهاية. وأغري انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية الاعتقاد بأن النظم الاقتصادية والاجتماعية ستتماثل في النهاية وأن أكبر نموذج للتدخل الحكومي سينهار وهو مالم يحدث.
نحو عولمة صحية أكثر
لقد أدى التوجه نحو العولمة المفرطة في التسعينات للتوجه نحو اقتصاد دولي متكامل يخدم أفراد وكيانات وأكثر بعداً عن الاقتصادات المحلية، ولكن انتقدت الدراسة توجه ترامب نحو الحمائية وقد اقترح مجموعة من التوصيات لتأسيس نظام معولم يحافظ على مزايا التجارة الخارجية ويتجنب المخاطر التي خلقتها العولمة والتي ساهمت في وصول الشعبويين اليوم وكان أبرزها:
– تحرير حركة السلع والخدمات وخلافه ليس هو الأهم ولكن تحرير حركة العمالة هو الأهم فهو الأقدر على تحقيق طفرات اقتصادية، وقد اقترح لتجنب سيئاته المتمثلة في تهديد العمالة الأجنبية للعمالة المحلية بفرض ضرائب على العمال الأجانب توُجه لتطوير العمال المحليين.
– مواجهة الممارسات التي تنتهجها بعض الدول من انتهاك لحقوق العمال لصالح الحفاظ على تكلفة انتاج منخفضة. وعلى الجانب الأخر يجب إعانة الدول النامية لتحسين هيكل اقتصاداتها وتخفيف القواعد الخاصة بالمساعدات والاستثمار وحقوق الملكية الفكرية التي تقيد قدرة البلدان النامية على تعزيز صناعات معينة بالإضافة للعديد من الإصلاحات للنظام المالي الذي لا يحمي الاقتصادات الكلية ولا يحارب التهرب الضريبي للأثرياء.
ختاماً يقول الكاتب أن الجزء الأكبر من العمل اللازم لإصلاح النظم الاقتصادية والسياسية المحلية يجب القيام به في الداخل وإن سد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية التي تتسع بسبب العولمة المفرطة، سوف يتطلب استعادة الأولوية للمجال المحلي في التسلسل الهرمي للسياسات الحكومية وتقليص تدخلات المستوى الدولي.