سياسة

دور القاهرة الإقليمي والدولي… أوراق متعددة وزخم متزايد

دخلت مصر منذ يناير 2011، في خضم تطورات مفصلية متسارعة، تقلبت فيها القاهرة بين أمواج (الربيع العربي)، الذي كان في ظاهره يستهدف إحلال (الديمقراطية) في الربوع العربية، لكنه في باطنه كان يحمل أهوالًا اقتصادية وسياسية واستراتيجية، تسببت في دخول معظم دول الشرق الأوسط في مخاض عسير على كافة المستويات، لم تخرج بعضها منه حتى الآن.

التحديات الداخلية التي كانت أمام صانع القرار المصري خلال الفترة التي تلت عام 2011 كانت كبيرة ومتشعبة، لكن التحديات الإقليمية والدولية كانت أكبر وأهم، فالقاهرة وجدت نفسها عام 2013، أمام تراجع عام في آليات إدارة مصالحها الإقليمية وعلاقاتها الدولية، وكان لابد من تدخل عاجل ودقيق من أجل استعادة الدور المصري على المستوى الدولي، بالشكل الذي يليق بدولة لها حضارة ضاربة بجذورها في التاريخ، وبكيفية توازي حجم ومستوى التحديات التي تواجهها الدولة المصرية في فترة ما بعد ثورة 30 يونيو.

الذهنية المصرية في إدارة ملف استعادة الدور الإقليمي والدولي، كانت ترتكز على مجموعة من المحددات، بعضها يمكن اعتباره من ثوابت الاستراتيجية المصرية على مر العقود الماضية، وبعضها الآخر فرضته التحديات المستجدة على الأمن القومي المصري. من أهم هذه المحددات هو مبدأ دعم الحكومات والجيوش الوطنية، خاصة في النطاق العربي، وهو مبدأ يضم بين ثناياه السعي لحفظ الأمن الداخلي للدول العربية، ووحدة أراضيها، وتقديم الدعم الكامل بهذه الدول في حالة تعرضها لتهديدات خارجية أيا كان نوعها، وهذا المحدد يعيد إلى الساحة مرة أخرى مبدأ غاب لعقود عن العلاقات بين الدول العربية، وهو مبدأ (التضامن والعمل العربي المشترك)، الذي بسبب غيابه، اضمحل بشكل كبير الدور العربي الإقليمي على مدار العقود الماضية، وهذا أدى إلى بروز أدوار إقليمية غير عربية، ساهمت بشكل أساسي في تهديد وحدة وسلامة بعض الدول العربية، التي وجدت نفسها وحيدة أمام خطط التوسع والهيمنة الخارجية.

مصر في سوريا وليبيا … حفظ دوائر الأمن القومي المصري

في هذا الإطار يمكن قراءة التوجهات المصرية في الملفات العربية الأساسية، وهي ملفات ليبيا وسوريا والعراق واليمن، ففي الملف الليبي، كان القرار المصري بفرض خط أحمر على الحدود الغربية لمدينة سرت والجفرة وسط ليبيا، بجانب (إعلان القاهرة)، الذي يدعو إلى حل سلمي للأزمة الليبية، مبني على مفاوضات متكافئة دون أية تدخلات خارجية، من أهم الخطوات التي أدت إلى إيقاف إطلاق النار بشكل كامل، وإحباط المحاولات التركية للتقدم نحو الهلال النفطي الليبي، مما كان سيؤدي إلى وضع الثروات الليبية بشكل كامل تحت سيطرة أنقرة، وتكريس وجودها العسكري في ليبيا بشكل دائم. 

تحركات مصر في هذا الجانب اشتملت أيضًا على تقديم الدعم للجيش الوطني الليبي والقبائل الليبية المختلفة، بما في ذلك الدعم السياسي عبر اجتماعات ولقاءات متتالية استضافتها القاهرة خلال الأشهر الماضية.

توجهات مصر في ليبيا لم تكن دوافعها فقط تكريس مبدأ مهم من مبادئ السياسة الخارجية المصرية، ألا وهو (حفظ دوائر الأمن القومي المصري)، لكن كانت دوافعها أيضًا حفظ الكيان الليبي، ومنع المحاولات التركية لوضع اليد على مقدرات هذا الكيان السياسية والاقتصادية، واتخاذه ككيان تابع لأنقرة، يمكن من خلاله تهديد الأمن القومي العربي في الصميم، وكانت المواقف المصرية في هذا الإطار، متوافقة بشكل تام مع الشرعية الدولية، ومقررات المؤتمرات التي تم فيها بحث الأطر الأساسية للتسوية في ليبيا، وعلى رأسها مؤتمر برلين، وهي في هذا كانت تنتهج نهجًا دبلوماسيًا نزيهًا، يجعل المؤسسات الدولية هي المرجعية الأساسية في هذا الملف.

في سوريا كان الدور المصري حاضرًا، وذلك عبر مسارات متعددة فرضها الوضع الجيوسياسي للجمهورية السورية خلال السنوات الأخيرة. على الرغم من أن الدور المصري في الملف السوري منذ عام 2011 وحتى منتصف عام 2015، كان قد تقلص إلى مستوى الدور الاستخباري والأمني الذي يركز على تبادل ملفات المطلوبين والعناصر الإرهابية والتكفيرية مع أجهزة الأمن السورية، بفعل عدة عوامل منها الأوضاع الداخلية في مصر، وطبيعة المرحلة الانتقالية التي كانت مصر في خضمها، إلا أن الدور المصري في سوريا تصاعد بشكل تدريجي منذ أكتوبر 2016، عبر الرعاية المصرية لسلسلة من عمليات نقل المواد الإغاثية إلى عدة مناطق سورية خاصة مدينة حلب.

يضاف إلى ذلك دور مصري مهم في بلورة عدة اتفاقيات للهدنة والمصالحة بين الجيش العربي السوري والمجموعات المسلحة، مثل هدنة الغوطة الشرقية في يوليو 2017، واتفاقيات مماثلة في ريف حمص الشرقي، وحي (القدم) جنوبي العاصمة السورية. بجانب رعاية اتفاقيتين تم توقيعهما عام 2018، بين الحكومة السورية وفصائل معارضة.

يضاف كل ما سبق إلى جهود سياسية مصرية في هذا الملف، من بينها تكوين ما يعرف بـ “تيار القاهرة” في المعارضة السورية، والذي عقد اجتماعات متتالية في القاهرة، وساهمت مكوناته ومن بينها (تيار الغد) في معاونة القاهرة لتنفيذ وساطاتها لإيقاف إطلاق النار في سوريا، بالإضافة الى مؤتمرات عشائرية وقبائلية للمكونات السورية المتواجدة في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور.

تطور الدور المصري في الملف السوري بشكل أكبر أواخر عام 2018، حين بدأت القاهرة في الالتفات بشكل جدي لمواجهة التدخلات التركية العدوانية في الملف السوري، والتي تفاقمت بشكل كبير عبر عدة عمليات عسكرية في شمال وشمال شرق سوريا، أهمها عملية (نبع السلام)، لذا كان التحرك المصري في منطقة شرق الفرات، بهدف ردم الهوة التي تكونت عبر السنوات الماضية بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية الكردية، وهذا أفضى إلى اتفاق مهم عام 2019، انتشرت بموجبه وحدات عسكرية سورية في مناطق التماس بين قوات سوريا الديمقراطية والجيش التركي، وذلك برعاية مصرية وروسية. تحركات مصر شرقي الفرات نبعت من رغبة القاهرة في الحفاظ على ثوابتها فيما يتعلق بالملف السوري، وتحديدًا مبدأ وحدة الأراضي السورية، والحفاظ على السيادة السورية، يضاف الى ذلك رغبة مصرية في مزيد من الضغط على أنقرة التي باتت مطامعها في سوريا مصدر قلق متزايد للقاهرة التي تقوم بشكل متزامن بمحاصرة هذه المطامع في ليبيا وشرقي المتوسط.

الأداء المصري في هذا الملف، كان محل تقدير معظم الأطراف الدولية، نظرًا لأن الدور المصري في سوريا يعد الدور الدولي الوحيد الذي لا خلاف عليه من الأطراف السورية الرئيسية، والسواد الأعظم من الأطراف الدولية المنخرطة في الميدان السوري، لهذا حرصت روسيا على التعاون مع القاهرة في ملف المصالحات واتفاقيات الهدنة، كما حرصت كافة أطراف هذا الملف على حضور مصر الاجتماع الوزاري حول سوريا، الذي تم عقده في مدينة لوزان السويسرية عام 2016. 

وقد كثفت مصر منذ أبريل الماضي تحركاتها في الملف السوري، تحت مظلة القرار الدولي رقم 2254، وذلك من خلال مشاركة مصر في اجتماعات المجموعة الوزارية المصغرة حول سوريا، والتواصل مع المبعوث الأممي إلى سوريا، وممثلي تيار القاهرة المعارض، بهدف دفع نشاط اللجنة الدستورية السوري إلى الأمام، والوصول إلى صيغة توافقية لدستور سوري جديد، ينهي بشكل كامل أية فرص لتجدد القتال والنزاع على الأراضي السورية.

العراق والأردن … وحدة عربية بنكهة جديدة

اتسمت العلاقات المصرية مع كل من الأردن والعراق، بطابع خاص جعلها نموذجًا للعلاقات العربية – العربية، خاصة خلال حقبة ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن هذه العلاقات قد شابها تباطؤ ملحوظ خلال العقد الأول من الألفية الجديدة وصولًا إلى مرحلة الربيع العربي. لذلك كانت القاهرة حريصة على أن تعود هذه العلاقات لسابق عهدها، خاصة وأن العراق كان دومًا في الذهنية المصرية، البوابة الشرقية للعالم العربي، وأحد أهم الدول العربية على صعيد القوة العسكرية والاقتصادية، في حين كان الأردن لسنوات طويلة، رفيقًا للسلاح المصري، ونافذة مفتوحة دومًا تدفق عليها آلاف المصريين للعمل، وملايين الأطنان من السلع المصرية المختلفة. 

مبدأ “التكامل الاقتصادي العربي” كان من المباعث الأساسية للرغبة المصرية في استعادة الدور الاقتصادي الريادي في المنطقة العربية، وذلك عبر عدة أدوات من بينها، إحياء المشاريع الاقتصادية العربية المشتركة، وعلى رأسها مشروع (الشام الجديد)، الذي تلقى دفعات كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، تم تتويجها منذ أيام بترؤس رئيس مجلس الوزراء المصري الاجتماع الوزاري الأردني المصري العراقي، الذي تم فيه مناقشة كيفية التطبيق العملي لبنود هذا المشروع المبني بشكل رئيس على التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث.

تخطط بغداد لإنشاء خط لنقل النفط، من مدينة البصرة جنوبي البلاد، إلى مصر مرورًا بميناء العقبة الأردني، مع إعطاء كل من القاهرة وعمان أسعارًا تفضيلية لبرميل النفط الواحد، مقابل استيراد بغداد للطاقة الكهربائية من القاهرة عبر عمان، وفتح الأبواب أمام استثمارات كلا البلدين على الأراضي العراقية، خاصة في قطاع البناء والتعمير، وقطاع النفط، وبالتالي ستكون هذه الجهود مجتمعة سببًا في انفتاح أسواق الدول الثلاث على بعضها البعض، خاصة السوق العراقي المتعطش للمنتجات المصرية. بجانب دورة تنقل العمالة بين البلدان الثلاثة، والتي ستفرضها عمليات إعادة تأهيل منشآت النفط العراقية، وعمليات إنشاء خط النفط بين الدول الثلاث، وكذا منشآت وآليات الربط الكهربائي بين مصر والعراق.

عبر هذه الاستراتيجية الاقتصادية، تستهدف مصر استغلال المكتسبات اللوجيستية التي حققتها خلال السنوات الماضية، خاصة في قطاع الكهرباء، من أجل دعم التكامل الاقتصادي العربي، عبر مشاريع مشتركة مثل مشاريع الربط الكهربائي، التي أبرمتها القاهرة مع عدة دول عربية مثل السودان والمملكة العربية السعودية والأردن وغيرها.

الدور المصري العابر للمتوسط … تصحيح أخطاء الماضي

لا يخفى على المتابع للشأن المصري على المستوى الاستراتيجي، ملاحظة أن التأثير المصري في حوض البحر المتوسط خلال حقبة تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الجديدة كان شبه معدوم، رغم أن هذه المنطقة تعد من أهم الأجزاء المكونة للنطاق الحيوي للأمن القومي المصري، خاصة على الجانبين العسكري والاقتصادي. تصحيح هذا الخطأ جاء بخطوات هي الأسرع على الإطلاق للدبلوماسية المصرية خلال السنوات الأخيرة، حيث وضعت القاهرة نصب أعينها تقوية علاقاتها على كافة المستويات مع جيران الشمال (اليونان – قبرص)، في إطار من الصداقة والعلاقات الودية التي تشمل التعاون في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

وقد نجحت مصر بشكل كبير في تقديم نموذج حي لكيفية التعايش والتعاون بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث قامت بترسيم حدودها البحرية مع كل من قبرص واليونان عامي 2013 و2020، ووقعت معهما طائفة واسعة من الاتفاقيات الاقتصادية، منها اتفاقية لمد خط أنابيب بين حقل “أفروديت” القبرصي ومنشآت الإسالة في شمالي مصر، واتفاقية للربط الكهربائي، فتحت أبواب أوروبا على مصراعيها لتصدير الكهرباء المصرية، التي يزيد الفائض منها باضطراد مستمر. 

الدور المصري شرقي المتوسط لم يقتصر على كل من اليونان وقبرص، بل تبوأت القاهرة الدور القيادي فيما يتعلق بالغاز الطبيعي واستخراجه وإسالته وتصديره، عبر تأسيسها لمنتدى غاز شرقي المتوسط في يناير 2019، الذي ضم بجانب مصر واليونان وقبرص دول أخرى مثل إيطاليا والأردن وفلسطين، مضافًا إليها دول طلبت بشكل رسمي الانضمام إلى هذا التجمع مثل فرنسا. 

هذا المنتدى وفر لمصر مكانة ريادية أساسية في هذا الملف الذي سيشكل مستقبل الوضع السياسي والاقتصادي في حوض البحر المتوسط خلال السنوات القادمة، وستتمكن مصر من خلاله ومن خلال دورها الرئيسي في عمليات الإسالة والتصدير، من ضمان إدامة تصدرها لهذا الملف خلال السنوات المقبلة، وبالتالي تحجيم أطماع بعض الدول الإقليمية في ثروات هذه المنطقة، وإفشال محاولاتها لإيجاد موطئ قدم في المجال الحيوي المصري.

التعاون العسكري مع دول حوض المتوسط كان من ضمن الملامح المهمة في استراتيجية القاهرة في هذا النطاق، فقد أرست القاهرة تقليدًا دوريًا من خلاله تتدرب الوحدات العسكرية المختلفة لكل من مصر واليونان وقبرص، بمشاركة دول اخرى مثل إيطاليا وفرنسا، مثل سلسلة المناورات البحرية والجوية “ميدوزا”، التي فتحت آفاق أوسع للتعاون العسكري بين هذه الدول، بدء يتصاعد بشكل كبير ليشمل جوانب عسكرية أخرى، مثل الجانب التسليحي.

في هذا الصدد، لابد من ملاحظة أن التجربة المصرية في مجال مكافحة الإرهاب، كانت من أسباب رغبة عدد كبير من الدول الأوروبية، في تفعيل وتكثيف التعاون العسكري مع القاهرة، وهو ما انعكس بشكل كبير على استجابة هذه الدول، للتحذيرات المصرية بشأن عدة قضايا إقليمية، مثل الملف الليبي، الذي حذرت مصر مرارًا من الأضرار المدمرة لاستخدام أنقرة للرحلات الجوية والبحرية المدنية كستار لإرسال الأسلحة والمنظومات الحربية إلى ليبيا، وهذا أدى إلى تفعيل الاتحاد الأوروبي، لعملية “إيريني” البحرية لمراقبة الساحل الليبي. كذلك كانت المواقف المصرية بشكل عام من ملف الهجرة غير الشرعية، من مباعث التقارب بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، وكان هذا الملف تحديدًا من الملفات التي شهدت تعاونًا كثيفًا بين الجانبين خلال الفترة الماضية.

فالقاهرة تستضيف ملايين اللاجئين من مختلف الجنسيات، وتتعامل معهم بشكل إنساني ودون تمييز، بشكل جعل تجربة القاهرة في هذا المجل نموذجًا تستفيد منه الدول الأوروبية، التي تعاني من مشاكل جدية في هذا الصدد. 

يضاف إلى ذلك نجاح مصر في وقف تدفقات الهجرة إلى أوروبا وإحكام عمليات ضبط الحدود، عبر سلسلة من الإجراءات منها وضع إطار تشريعي وطني لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين، يتمثل في قانون الهجرة غير الشرعية، الذي تم إصداره أواخر عام 2016، وإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية التابعة لوزارة الخارجية، وتوقيع الدولة المصرية لعدة اتفاقيات مع بعض الدول الأوروبية حول هذا الملف، منها إيطاليا، التي وقعت معها وزارة الداخلية المصرية، بروتوكولًا مشتركًا لمكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.

أفريقيا في الذهنية المصرية … دور أساسي يعود بالتدريج

صعّدت مصر منذ عام 2014 دورها على الساحة الأفريقية، لمحاولة تلافي الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة المصرية السابقة، وفيها أهملت بشكل كبير تدعيم الزخم السياسي والاقتصادي المصري في القارة السمراء، مما أسفر عن العديد من التحديات التي باتت تواجه المصالح المصرية في هذه القارة، وهي تحديات نتجت بشكل أساسي من تنامي دور بعض الأطراف الدولية والإقليمية في هذه القارة، على حساب الدور المصري.

لهذا بدأت مصر في تصعيد دورها في أفريقيا بشكل أساسي عبر الجانب الاقتصادي، حيث تزايد تدفق الشركات المصرية العاملة في الدول الأفريقية المختلفة بشكل ملحوظ، خاصة الشركات العاملة في مجال المقاولات والتشييد والبناء، والتي تنفذ حاليًا مئات المشاريع، التي بعضها يتم تمويله من الجانب المصري، بهدف دفع عجلة التنمية في إفريقيا من جهة، ومن جهة أخرى توسيع الدور المصري في هذه الدول، وفتح أسواقها أمام المنتجات المصرية. 

يضاف إلى ذلك توجه القاهرة نحو بعض الدول الأفريقية ذات الأهمية الاستراتيجية الخاصة بالنسبة لمصر، مثل السودان وجنوب السودان، ففي السودان الذي يعاني منذ سنوات من تردٍ في أوضاعه السياسية والاقتصادية، بدأت القاهرة في لعب دور تنموي ملحوظ، عبر دعم التبادل التجاري بين البلدين، وعقد اتفاقيات مثل اتفاقية الربط الكهربائي، ورعاية مصر على المستوى السياسي للاتفاق بين المجلس السيادي السوداني وقوى التغيير، بجانب التعاون العسكري مع الجيش السوداني، والذي كان غائبًا خلال الأعوام الماضية، ولكن تم تفعيله بشكل ملحوظ مؤخرًا عبر مناورات عسكرية وزيارات متبادلة للقيادات العسكرية العليا في كلا البلدين.

فيما يتعلق بجنوب السودان، كانت القاهرة حريصة على تفعيل العلاقات معه، لما يمثله من خاصرة استراتيجية مهمة للأمن القومي المصري، ولحمايته من محاولات الاستقطاب التي تستهدف استغلاله كمكسر عصا على المستوى الدولي. كذلك دعمت القاهرة جنوب السودان اقتصاديا، وأيضًا على المستوى الإنساني، عبر سلسلة متصلة من المعونات العاجلة التي تدفقت عليه وعلى دول أفريقية أخرى، في تقليد كان قد توقف لعقود، ومن خلاله تتمكن مصر من دعم وتنمية العلاقات الثنائية بين هذه الدول.

يضاف إلى ما سبق، دور تنموي تقوم به مؤسسات مصرية عديدة، عبر إنشاء عدد من محطات المياه وإصلاحات في البنية التحتية لقرى دولة جنوب السودان ودول أفريقية أخرى، وهو ما يصب في خانة دعم الدور المصري في القارة، التي كان اتحادها قد جمد عضوية مصر عام 2013، على خلفية ثورة 30 يونيو.

الأمن والسلاح … مصر حاضرة دائمًا في الموعد

أرست مصر خلال الفترة الماضية، تقليدًا مهمًا في منطقة الشرق الأوسط، أصبحت فيه المناورات العسكرية المتنوعة، فرصة لتدعيم العلاقات بين الشعوب، وضمان الجاهزية القتالية لجيوشها، أكبر من كونها مجرد تدريبات روتينية، تتضمن رسائل سياسية. لكن النقطة البارزة في الرؤية المصرية للأمن القومي العربي، تتعلق بتأكيدها على مبدأ كانت قد أبرزته بشكل عملي عام 1991، وهو التضامن الكامل مع أي دولة عربية تتعرض لتهديد أو عدوان، لهذا كانت مواقفها المبدئية من الاعتداءات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية انطلاقا من الأراضي اليمنية، والتهديدات التي تتعرض لها حرية الملاحة التجارية في البحر الأحمر جراء عمليات زرع الألغام والهجمات بالزوارق الانتحارية، وهي مواقف ثابتة يؤيدها حرص البحرية المصرية على الحضور بشكل دائم جنوبي البحر الأحمر، الذي بات له أسطول خاص يحمل نفس الاسم، كذلك كانت مواقف مصر من العدوان التركي على السيادة السورية والعراقية والليبية، هي الأكبر والأبرز، سواء على جانب التصريحات أو على جانب الأداء العملي الذي فيه تتصدر مصر المجهود العربي الذي يستهدف إنهاء هذه التدخلات ومنعها.

الملف الفلسطيني الذي تؤكد القاهرة بشكل دائم على مركزيته كقضية أولى للعرب يبقى من أهم الملفات التي استمرت القاهرة في إدارتها حتى في سنوات اضمحلال دورها الإقليمي، وذلك عبر التواصل المستمر مع كافة المكونات الفلسطينية، ومحاولة توحيد المؤسسات الرسمية في الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر مسار طويل من التفاوض الذي ترعاه القاهرة، ناهيك عن المساعدات المستمرة من جانب مصر لقطاع غزة، على مستويات عدة، وهو دور لم يتقلص رغم محاولات بعض الأطراف الدخول على خط استقطاب هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك.

الرؤية المصرية للأمن القومي العربي، وتأييد قيادتها الواضح للجيوش الوطنية العربية جعل بعض الدول العربية مثل لبنان والعراق تلجأ إلى القاهرة للتزود بالأسلحة والمنظومات القتالية، مدفوعة بالتطور الكبير الذي طرأ على الصناعات الحربية المصرية. والأهم هنا أن دول الإقليم كافة باتت تنظر للتجربة المصرية على المستوى التسليحي، بنظرة إعجاب واضحة، نتيجة لنجاح مصر في تفادي خطأ وقع فيه معظم الدول العربية خلال الحقب الماضية، ألا وهو (وحدة مصادر التسليح).

فمصر ما بعد 2013، وضعت نصب أعينها ألا تكون تحت رحمة أي دولة أجنبية في ما يتعلق بالمنظومات القتالية والذخائر، فشرعت في خطة عاجلة وسريعة لتنويع مصادر التسليح، جعلت القوات المسلحة المصرية في الوقت الحالي هي الأكبر عربيا، ومن ضمن الأكبر إقليميًا ودوليًا، وباتت تستطيع تنفيذ كافة المهام المطلوبة منها، خاصة على المستوى الخارجي، وهي إمكانيات نوعية لم تكن متوفرة من قبل.

بجانب أن مصر لم تعد مضطرة لموازنة علاقاتها مع هذه الدولة أو تلك، خشية من أن تتوتر علاقاتها معها، ويؤثر ذلك على الصفقات العسكرية فيما بينهما، فقد باتت تمتلك في كل صنف من أصناف السلاح الرئيسية بديلًا واثنين وثلاثة، ففي سلاح الجو تمتلك الأنواع الروسية والأمريكية والفرنسية، وفي سلاح البحرية تمتلك الأنواع الروسية والأمريكية والإيطالية والفرنسية والصينية. 

وأخيرًا، مصر في صفقاتها باتت تشترط أن يتم التصنيع على أراضيها، بموجب اتفاقيات تتضمن نقل تكنولوجيا التصنيع، وهذا يأتي ضمن خطة بنهايتها تكون القاهرة مكتفية ذاتيًا من الأسلحة المختلفة بشكل كامل، وهو ما ينقلها إلى مستوى جديد تمامًا على المستوى الاستراتيجي.

مصادر

1- https://2u.pw/85hj0

2- https://2u.pw/zrhrw

3- https://2u.pw/Zwr17

4- https://2u.pw/TrprU

5- https://2u.pw/ugefm

6- https://2u.pw/5eLjp

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى