الصحافة الإسرائيلية

معهد إسرائيلي: الصين هي التهديد الأكبر لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل

عرض – هبة شكري

نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريرًا تحت عنوان ” الصين هي التهديد الأكبر لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل”، أعده الجنرال المتقاعد “أساف أوريون”، رئيس برنامج العلاقات الإسرائيلية الصينية بالمركز؛ تناول فيه خطورة الصين كمهدد للأمن القومي الأمريكي والإسرائيلي. وبدأ التقرير بالإشارة إلى تأكيد “نشر جون راتكليف”، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية أن الصين تشكل تهديدًا رئيسيًا على الأمن القومي للولايات المتحدة، ووصفه للصراع ضدها بأنه أصعب من الصراع ضد موسكو في الحرب الباردة. ونوه التقرير إلى ضرورة أن تأخذ إسرائيل في الاعتبار طبيعة التحدي المباشر الذي تفرضه عليها الصين، مع إدراك حساسية الموقف للولايات المتحدة حليفها الاستراتيجي. 

حيث نشر راتكليف مقالًا في 3 ديسمبر 2020 تحت عنوان “لصين هي تهديد الأمن القومي رقم 1″، وصف فيه بكين بأنها أكبر تهديد للولايات المتحدة اليوم، وأكبر تهديد للديمقراطية والحرية في جميع أنحاء العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وقارن راتكليف مقاومة التهديد الصيني بهزيمة الفاشية وسقوط الستار الحديد، كما أكد أن المعلومات الاستخباراتية تُظهر أن الصين تسعى للهيمنة على الولايات المتحدة باقي دول العالم اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، وأشار إلى أن العديد من المبادرات العامة الصينية الكبرى والشركات البارزة لا تقدم سوى تمويهًا لأنشطة الحزب الشيوعي الصيني.

ووفقًا لراتكليف، تستخدم الصين تجسسها الاقتصادي لانتهاك الملكية الفكرية للشركات الأمريكية وتكرار تقنياتها واستبدالها في السوق العالمية، مما يتسبب في إلحاق ضرر جسيم بقيمة هذه الشركات ونسب التوظيف فيها. فضلًا عن ذلك، فلدى الصين برنامج لمكافأة كبار العلماء الأجانب الذين يقومون بسرقة المعلومات نيابة عنها، وكثيرًا ما يعتقل مكتب التحقيقات الفدرالي المواطنين الصينيين لسرقة أسرار البحث والتطوير.

إذ تقدر الإدارة الأمريكية أن سرقة الصين للملكية الفكرية تكلف الولايات المتحدة ما يصل إلى 500 مليار دولار سنويًا، حيث تسرق الصين تقنيات الدفاع من أجل أن تصبح قوة عسكرية رائدة، وتستخدم أجهزتها الاستخباراتية شركات التكنولوجيا مثل Huawei وغيرها لخدمة أغراضها، وبناء على ذلك حذر حلفاء الولايات المتحدة من أن استخدام التقنيات الصينية سيحد من قدرة واشنطن على تبادل المعلومات الاستخباراتية معهم.

وأشار التقرير إلى ما ورد ذكره بالمقال من معلومات حول الجهود الصينية الإضافية والتي تتمثل في التركيز على التأثير في السياسيين، من بينهم أعضاء في الكونجرس ومساعديهم. وذكر مثالًا على ذلك، حيث قام ممثلو مصنع مملوك للصين في الولايات المتحدة، يوظف آلاف العمال الأمريكيين، قاموا بإبلاغ زعيم نقابة المصنع أن عضوة الكونغرس المحلية تتخذ موقفًا متشددًا بشأن التشريعات التي تتعارض مع مصالح بكين، وحثوه على العمل على تغيير موقف عضوة الكونجرس وإلا فسيتم إغلاق المصنع، وهو ما دفع بالزعيم النقابي للاتصال بعضوة الكونجرس وإبلاغها بأن النقابة لن تدعم إعادة انتخابها دون تغير مواقفها. وبالتالي فإنه في كل الأحوال هناك خضوع للتأثير الصيني من كلاهما. 

وأفاد مدير الاستخبارات الوطنية في مقاله أن مجتمع الاستخبارات يقوم بالتركيز على تزويد صانعي القرار برؤى موثوقة حول نوايا الصين وأفعالها، فإذا كان الاتحاد السوفيتي وروسيا كانا محور الجهود الاستخباراتية خلال الحرب الباردة، ثم كانت الحرب ضد الإرهاب هي العنصر المهيمن منذ عام 2001، فشدد على أن هناك ضرورة لأن تكون الصين بؤرة اهتمام أمريكا من الآن فصاعدًا.

ودعا راتكليف الدول الأخرى إلى إدراك الخطر الصيني، وأكد أن العالم يواجه خيارًا بين أيديولوجيتين غير متوافقين، إذ تحاول الصين جر العالم مرة أخرى إلى الظلام ووقف انتشار الحرية والاستعداد لمواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة. وينتهي المقال بدعوة واشنطن لسد الفجوات الحزبية وإدراك التهديد والتحدث عنه علانية ومواجهته. ويختتم بوصف هذا الجهد بالتحدي الأكبر في الوقت الراهن.

وحول علاقة المقال بإسرائيل، ألمح التقرير إلى أن المخاوف التي أثارتها المقال ليست جديدة، وقد تم توضيحها مسبقًا بالتفصيل في الولايات المتحدة في العالم أجمع. وتسائل، هل ينبغي لإسرائيل أن تعتبر الصين تهديدا رئيسيا لأمنها القومي؟. وفي محاولته للإجابة على ذها التساؤل، أشار التقرير إلى ضرورة التركيز على التحديات الرئيسية التي تواجهها من الصين، مع ملاحظة أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين التحديات التي تواجه الولايات المتحدة. وأكد على أن إسرائيل ليست الولايات المتحدة وليست في تحالف القوى العظمى، ولا هي على رأس أولويات الصين الاستراتيجية. 

فإسرائيل بعيدة عن شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ، مناطق التنافس العسكرية الرئيسية بين القوى العظمى. فضلًا عن أن الجيش الصيني لا يشكل تهديدًا لإسرائيل، فبالرغم من تأثر إسرائيل بصادرات الأسلحة الصينية إلى المنطقة، إلا أنه نادرًا ما تلعب الاعتبارات الأيديولوجية دورًا مركزيًا في السياسة الخارجية الإسرائيلية. لكن بشكل عام، فتلك ليست المرة الأولى التي لا تتوافق فيها مصالح إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة بشكل كامل. 

ووفقًا للتقرير، فمن المؤكد أن التنافس الأمريكي مع الصين سيستمر خلال فترة ولاية الرئيس بايدن وبعدها، رغم علاقاتهما الاقتصادية الواسعة، وأشار إلى وجود إجماع استثنائي ثنائي الحزب في الرأي العام بشأن الصين، وبشكل خاص بين المؤسسة الأمنية والاستخباراتية التي ترى أن الصين هي التحدي الرئيسي الذي يواجه جمهورية الصين الشعبية. 

وأضاف، أنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون غير مبالية بمسألة إضعاف الولايات المتحدة، التي تشكل قوتها ودعمها حجر الزاوية في الأمن القومي لإسرائيل.وأشار إلى أن إسرائيل تتعامل مع الصين ضمن الحدود التي رسمتها الولايات المتحدة، فمنذ بداية العقد الأول من القرن الـ21، توقفت الصادرات الإسرائيلية الدفاعية للصين بناءً على طلب واشنطن، رغم أن إسرائيل تعتبر الصين شريكًا تجاريًا مهمًا، وهي محقة في ذلك، لأن رأس المال والأسواق والقدرة الإنتاجية للصين، والقدرة على بناء البنية التحتية، تقدم مساهمة كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي، ويتوقع أن تنمو بشكل أكبر.

وهو ما أدركته إسرائيل جيدًا وتعمل على استغلاله، لكنها تميل لتحديد جانب المخاطرة في علاقاتها مع الصين بشكل أساسي، مع استجابة الولايات المتحدة لها، مع أن التحذير الأمريكي من تقويض التعاون الاستخباراتي ليس موجهًا لإسرائيل، التي ستستند بنيتها التحتية للاتصالات من الجيل الخامس على الشركات المصنعة من الغرب، بدلًا من الصين.

وأكد التقرير أن صناعة التكنولوجيا الفائقة هي المحرك الرئيسي للنمو في إسرائيل، وقد تم تصميم الشراكة الابتكارية الشاملة بين الصين وإسرائيل، في عام 2017، لزيادة التوافق بين الابتكار التكنولوجي الإسرائيلي والطلب الصيني. وفي هذا السياق، تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تجنب التنظيم المرهق لصناعة التكنولوجيا العالية، وبشكل عام تترك القطاع الخاص بهامشًا واسعًا للمناورة، باستثناء الصادرات الدفاعية.

من هذا المنظور، أكد التقرير على أن التجسس الصناعي والاقتصادي يمثل مشكلة يجب على الشركات التعامل معها، لكن الضرر الناجم عن التهديد الصيني في الولايات المتحدة يثبت أن الاحتمالات بين القوة العالمية والشركات الخاصة يمكن أن يفرض تكاليفًا باهظة على الاقتصاد بأكمله؛ إذ أن إسرائيل على دراية بمخاطر التجسس الصناعي في صناعة الدفاع، وأشار إلى نشر القليل في إسرائيل حول تسرب التكنولوجيا أو نقلها غير المقصود من الشركات أو من خلال قنوات البحث أو التعاون الأكاديمي أو برامج البحث عن الرؤساء.

واستطرد، أن التقارير التي تتحدث عن جهود الصين للتأثير على المسؤولين الأمريكيين المنتخبين مثيرة للقلق، على الرغم من عدم وجود جالية صينية في إسرائيل لها الحق في التصويت أو الترشح للمناصب. وأشار إلى أن من مثال زعيم النقابة وعضو الكونجرس، يظهر أن الحزب الشيوعي الصيني يطبق النفوذ الاقتصادي على مجموعات منظمة من المواطنين الأمريكيين ذوي التأثير السياسي، من أجل تعزيز المصالح الصينية في الولايات المتحدة. وأضاف أنه في إسرائيل أيضًا، يشغل المسؤولون المنتخبون والمعينون مناصب ذات نفوذ مقابل المصالح الصينية سواء في التشريع، أوالتنظيم أوالسياسة أوالمناقصات الحكومية والقرارات الحكومية. 

وأفاد التقرير أن الصين ليست التهديد الأول لإسرائيل، ومن الضروري ألا تصبح كذلك. فمن الضروري أيضًا الاستمرار في الاستفادة من المزايا الاقتصادية المتزايدة للعلاقات. لكن هناك ضرورة أيضًا إلى استخلاص الدروس المستفادة من الولايات المتحدة في ضوء تحذير للتحديات والمخاطر الفريدة الكامنة في العلاقات مع الصين، والتي تتعرض لها إسرائيل أيضًا، إذ يجب عدم تجاهلها. 

وفي ضوء الاختلافات بين كلا الدولتين أكد التقرير أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تستفيد مباشرة من تجارب وسياسات الولايات المتحدة، بل عليها أن تصوغ سياساتها المستقلة الخاصة بها بما يتماشى مع خصائصها واحتياجاتها الفريدة. وكخطوة أولى، يجب أن تصوغ تقديرًا ملائمًا لمرجعية التحدي الصيني لإسرائيل، بناءً على الخبرة المتنوعة والغنية للدول الأخرى ذات الصلة حول العالم التي تشترك معها في خصائص مماثلة، ثم يتم الاستجابة بشكل متوازن وحكيم. كما أكد التقرير أنه لا يجب أن تحتل الصين على رأس أولويات المخابرات الإسرائيلية، لكن يجب على إسرائيل زيادة الموارد الاستخباراتية المخصصة للصين وتعميق الكفاءة المهنية للحكومة والأوساط الأكاديمية فيما يتعلق بالتحديات التي تطرحها.

واختتم التقرير بتأكيد ضرورة الأخذ في الاعتبار السياسة الأمريكية تجاه الصين، فعندما تحدد الولايات المتحدة الصين باعتبارها التهديد الأول لها، وتعتبرها التحدي الأكبر والمشابه للحرب ضد النازيين، فمن المتوقع أن تضيق مساحة المناورة الإسرائيلية في علاقاتها مع الصين، بينما ترتفع الحساسية الأمريكية تجاه هذه العلاقات بشكل صاروخي. وشدد على ضرورة ألا تكتفي إسرائيل بالابتعاد عن أي ضرر يلحق بالمصالح الحيوية لحليفها الاستراتيجي فحسب، بل يجب أن تولي اهتمامًا كبيرًا للمزاج السائد في واشنطن، بما يتناسب مع العلاقات مع صديق مقرب ومخلص في فترة شديدة الحساسية.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

هبة شكري

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى