
“يحقق تنمية مستدامة ويرفع مستوى المعيشة”.. مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل
اتخذت سياسات تمكين المرأة اقتصاديًا موقعًا متقدمًا على سلم أولويات كثير من الدول. ويرجع هذا الاهتمام إلى وجود أسباب اقتصادية منطقية. أوَّلها هو أن النساء في جميع المجتمعات حول العالم يُشكَّلنَ حوالي نصف إجمالي السكان.
وبناء عليه، فإن عدم مساهمة المرأة في سوق العمل يعني أن تتخلى هذه الدول عن نصف طاقتها الإنتاجية، وأن تقبل بنصف قدراتها فقط، ثانيها؛ أن تمكين المرأة اقتصادياً وانخراطها بسوق العمل لهُ دور كبير في الحد من الفقر في المجتمع وتحقيق التنمية البشرية المستدامة، وارتفاع مستوى معيشة الاسرة، علاوة على ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي بشكل عام. ولكن لا يمكن أن تحقق المرأة هذا الدور إلا من خلال أعمال دائمة آمنة مدفوعة الأجر لذلك التحدي ليس فقط في “توليد” فرص عمل وانما في “توفير” فرص عمل أفضل لعمل النساء.
واقع المشاركة في سوق العمل
على الرغم من الاهتمام الذي حظيت به قضية التمكين الاقتصادي للمرأة، إلا أن مساهمتها في النشاط الاقتصادي والنمو مازالت أقل بكثير من المستوى الممكن، فحسب تقرير منظمة العمل الدولية الذي حمل عنوان “الاستخدام والآفاق الاجتماعية في العالم: لمحة عامة عن اتجاهات المرأة لعام 2018“، وقف معدل مساهمة النساء في القوى العاملة في العالم عند مستوى 48.5 % في عام 2018، أقل بمقدار 26.5% من معدل مساهمة الرجال. ولا تختلف المعدلات كثيرًا في مصر حيث قدّر تقرير البنك الدولي لعام 2020 قوة العمل للمرأة بحوالي 23.7.

ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء عام 2019, بلغ معدل مساهمة المرأة في قوة العمل 15,6% من اجمالي قوة العمل (15عاما فأكثر) مقابل67,3% للرجال, وبلغت نسبة الإناث المشتغلات (15عاما فأكثر) 15,3% مقابل الذكور 84,7%، و نسبة الإناث اللائي يعملن عمل دائم 89,2% مقابل 70,3 % للذكور. , وعلي الرغم من التحسن الطفيف علي مدار السنوات الاخيرة الا ان النسبة لا تزال منخفضة وبحاجة إلى بذل المزيد من الجهود التي تتعلق بتوفير بيئة عمل آمنة للنساء.
البطالة بين الاناث
وفقا لنتائج بحث القوى العاملة للربع الثاني لعام 2019، فإن عدد المتعطلين خلال الفترة المذكورة بلغ 2.094 مليون متعطلا (962 ألف ذكور، 1.132 مليون إناث) بنسبة 7.5٪ من إجمالي قوة العمل.
وأوضح البيان انخفاض معدل البـطالة بين الذكور ليصل إلى 4.2٪ في قوة العمل مقابل 5.7٪ في الربع الأول من عام 2019، بينما ارتفع معدل البطالة بين الإناث ليصل إلى 22.4٪ من إجمالي الإناث في قوة العمل، مقابل 18.9٪ خلال الربع السابق عليه. وهو الأمر الذي يثير تساؤلًا يخص مشكلات النساء في دخول سوق العمل وقدرة القطاعات المولدة للوظائف على استيعاب عمالة النساء وتوفير بيئة عمل مناسبة لهن.
النساء في المناصب القيادية
تعد مشاركة الاناث في المناصب القيادية مؤشرًا جيدًا لقياس مقدار انخراط المرأة في سوق العمل، وعلي الرغم من اتخاذ الحكومة المصرية خطوات غير مسبوقة لزيادة تمثيل المرأة ومسئولياتها القيادية وفقًا للاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030 الا انه لا يزال تمثيل الإناث في الوظائف الإدارة العليا، منخفضًا فحسب تقرير المنتدي الاقتصادي العالمي 2018 كانت الفجوة بين الجنسين لصالح الرجل اكثر اتساعًا في مؤشر الوظائف التشريعية ومناصب المدراء وكبار المسؤولين بنسبة %6.4 للنساء مقابل 93.6 % للرجال.
وعلي المستوي المحلي فحسب التقرير الاحصائي الوطني لمتابعة مؤشرات اهداف التنمية المستدامة 2019 بلغ نسبة شغل المرأة للوظائف المتعلقة بالتشريع وكبار المسؤولين حوالي 10.5% وحوالي 6% في وظائف مديرو المؤسسات وحوالي 25.5% في شغل وظائف مديرو العموم.
و على مستوى الوزارات فقد رصد تقرير متابعة دور الوزارات والجامعات في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030, الصادر من المجلس القومي للمرأة 2018, نسب النساء في المناصب القيادية في الوزارات المختلفة وكانت اعلي الوزارات تمثيلًا للنساء, وزارة العدل بنسبة 48% ووزارة الاستثمار بنسبة مئوية 41%, ووزارة الاثار بواقع 42% واقل الوزارات تمثيلًا للنساء وزارة التنمية المحلية بنسبة 7% ووزارتا الاوقاف والبترول والثروة المعدنية بنسبة 8% بينما خلت وزارتا الداخلية والدفاع والانتاج الحربي من التمثيل القيادي للنساء.

المصدر: تقرير متابعة دور الوزارات (المجلس القومي للمرأة) 2018
وعلى مستوي المحافظات فكانت اعلي المحافظات تمثيلًا في المناصب القيادية للنساء هي الاسكندرية بنسبة 56% واسيوط 50% والجيزة 41%, اما المحافظات الاقل تمثيلًا للنساء شمال سيناء بنسبة 14% ومحافظة الوادي الجديد 13%, بينما خلت محافظات مطروح والاسماعيلية واسوان من شغل النساء للمناصب القيادية.
تحديات تعوق تمكين المرأة في سوق العمل
بموجب الدستور المصري، تتمتع المرأة بحقوق متساوية في العمل دون تمييز، ويضمن قانون الخدمة المدنية الصادر عام 2016، خمسة عشر حقًا للمرأة، وقد مثلت هذه الحقوق مكتسبات جادة وحقيقية للمرأة المصرية، كان من بينها؛ حق شغل الوظائف العامة، وتقلد المناصب القيادية، فضلًا عن تخفيض عدد ساعات العمل اليومية في بعض الحالات، والحصول على إجازة وضع لمدة 4 أشهر، وهى مواد إيجابية تستوجب الإشادة، هذا علي صعيد القطاع الحكومي أما في القطاع الخاص فتضمن مشروع قانون العمل الجديد المقدم من الحكومة والمعروض أمام البرلمان، ضمانات لحماية المرأة العاملة، حيث شمل القانون فصل كامل تحت عنوان “تشغيل النساء” لا تختلف مواده عن مواد قانون الخدمة المدنية. ورغم ذلك فهناك عدة معوقات تحول دون تمكين المرأة فعليًا في سوق العمل.
أولا: الأمية
تحد الامية والمستوى التعليمي المنخفض من قدرة النساء على الالتحاق بمجالات العمل المختلفة، فحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء لعام 2017 بلغ معدل الأمية للذكور 21.1% مقابل 30.8% للإناث.
وأشارت الاحصائية الي ان اغلب هذه النسبة من الاناث لا يتاح لهن الحصول على وظيفة في القطاع الرسمي مما يضطرهن الي العمل الغير رسمي في ظروف قاسية وأجور منخفضة.
ثانيًا: الانجاب ومتطلبات الأسرة
أظهرت نتائج المسح التتبعي لسوق العمل المصري لعام 2018 ، بأن الانجاب يأتي كمحدد رئيسي لإمكانية تشغيل المرأة ، حيث تقل احتمالية تشغيلها اذا كان لديها اطفال، وذلك لأنه في اغلب الأحيان لا تتوفر خدمات رعاية للأطفال في الفئات المنخفضة والمتوسطة الدخل، وحتي بالنسبة لمن يستطعن تحمل نفقات هذه الخدمات فان الخيارات المتاحة تصبح محدودة ولا تتماشى مع ساعات العمل، ولا تتوافر فيها فرص الحصول علي الرعاية للأطفال دون الثالثة من العمر.
فوفقًا لتعداد السكان في مصر 2017 بلغ عدد الاطفال دون السادسة ما يقرب من 15,4 مليون طفل في حين كشفت الدكتورة غادة والي بأن عدد دور الحضانة المرخصة من سن يوم إلى أربع سنوات حوالي 14500 حضانة فقط موزعة علي انحاء الجمهورية المختلفة مما يعكس مدي الفجوة بين عدد الحضانات الرسمية الخاضعة لرقابه الدولة وبين مجمل عدد الاطفال.
ثالثًا : تدني الاجور لعمل المرأة
اظهرت نتائج مسوح القوى العاملة في فترة السنوات من 2010 الي 2016 ، أن متوسط الاجر الاسبوعي للذكور يزيد عن الإناث في القطاع الخاص، وقد افاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، في هذا الصدد، بانخفاض متوسط الأجر النقدي الأسبوعي للإناث وفقاً للمهن مقارنة بالذكور، فعلى سبيل المثال ، يفوق متوسط رواتب الذكور علي الإناث، في مستوى القطاعين العام والخاص حيث سجل المتوسط العام للأجر الشهري للذكور 4480 جنيهاً، بواقع 1120 جنيها في الأسبوع، مقابل 4088 جنيها متوسط الراتب الشهري للإناث، بواقع 1022 جنيها في الأسبوع وذلك خلال عام 2018.

متوسط رواتب الذكور علي الاناث في القطاعين العام والخاص لعام 2017و 2018
يوضح الشكل المرفق, تباين معدل تفاوت الأجور بين الجنسين برغم المكاسب التي حققتها المرأة المصرية علي كافة المستويات خلال السنوات الماضية, ولهذا التفاوت تداعياته السلبية لا سيما فيما يتعلق برواتب التقاعد الخاصة بالنساء, وبالتالي تكون النساء الأكبر سنًا أكثر عرضة لمواجهة الفقر.
رابعا: الثقافة والأعراف
تلعب الثقافة بما فيها التقاليد الموروثة والأعراف الاجتماعية دورًا اساسيًا في مساهمة المرأة في سوق العمل، حيث يعتقد نسبة كبيرة من المجتمع بعدم احقية المرأة في الحصول على وظيفة ملائمة لأن وظيفتها الأساسية تكمن في رعاية المنزل والأسرة و حتى إذا لزم خروج المرأة للعمل لاعتبارات معيشية فحينها يجب أن تكون الأولوية في التشغيل للرجال وليس للكفاءة إذا ما كانت الوظائف شحيحة.
والجدير بالذكر بان هذا الاتجاه لا يقتصر على مصر فقط، فقد أكد المسح الدولي التابع لمنظمة بروموندو” وهي منظمة تهتم بإرساء قيم المساواة وعدم التمييز بين الجنسين ومناهضة العنف ضد المرأة” بالشراكة مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2018، بأن ثلاثة ارباع الرجال والنساء الذين شملهم المسح في لبنان والمغرب وفلسطين وكذلك مصر يؤيدون اولوية تشغيل الرجال على النساء.
في ضوء ما سبق فان المشاركة الفعّالة في جميع مجالات سوق العمل و مستويات صنع القرار، يُعد مطلبًا أساسيًا لتحقيق المساواة والتنمية، فعلى الرغم من التقدم الملموس الذى تم إحرازه لزيادة معدل تمكين النساء الا انه يمكن بذل المزيد في سبيل انخراطهن في سوق العمل وذلك من خلال ؛
- انتاج ونشر بيانات مصنفة حسب النوع بانتظام ومتابعة تمكين المرأة من خلال توثيق مشاركتها في الحكومة والقطاع الخاص.
- زيادة معدلات التحاق الإناث بالتعليم، بما فيه الجامعي وبما يتلاءم مع المجالات التي من شأنها تنمية مهاراتها بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل.
- أن تعمل الحكومة علي زيادة التمثيل المناسب للمرأة في مجالس ادارة الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات العامة والوزارات ذات نسب التمثيل المنخفضة.
- دراسة تطبيق ترتيبات العمل من المنزل وساعات العمل المرنة في القطاعين العام والخاص بما يساهم في مشاركة المزيد من النساء في سوق العمل غرارًا علي تجربة العديد من الدول من بينها دول الاتحاد الأوروبي واليابان.
- تفعيل المواد القانونية التي تلزم المنشآت الحكومية والخاصة بتوفير حضانات لأبناء العاملين والعاملات.
باحثة ببرنامج السياسات العامة