أوروبا

المجتمع الأوروبي يستيقظ متأخرا ..بعد أربع سنوات من الرصد ، ماذا يجري على أبوابنا ؟! ( الحلقة الأولى )

عرض – بلال منظور

*- المجتمع الأوروبي يستيقظ متأخرا ..بعد أربع سنوات من الرصد ، ماذا يجري على أبوابنا ؟!

*- انتهاكات للسلطات الأوروبية بحق أكثر من 12 ألف مهاجر

*- انتهاكات متكررة واسعة النطاق لحقوق الإنسان على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي

*-روايات مروعة لا نهاية لها عن العنف والسادية والإهانات التي تذكر بالديكتاتوريات الوحشية.

*- تقرير شهري يشمل مستجدات حالات دفع السلطات للاجئين وممارسات العنف ضدهم.

تزامنًا مع اليوم العالمي للمهاجرين والموافق 18 ديسمبر، قدمت الكتلة اليسارية في البرلمان الأوروبي والتي تضم المجموعة الكونفدرالية لليسار الأوروبي المتحد والمعروفة بمجموعة يسار الشمال الأخضر European United Left – Nordic Green Left تقريرًا حديثًا بعنوان “الكتاب الأسود- عمليات الدفع” Black Book – Pushbacks أمام البرلمان الأوروبي.

إذ يتناول التقرير والمؤلف في أكثر من 1600 صفحة، وقائع تفصيلية عن ممارسات غير قانونية وانتهاكات واسعة للسلطات الأوروبية بحق أكثر من 12 ألف مهاجر على طول الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، ودفعهم للعودة إلى خط الحدود بدون إتاحة الفرصة لهم لطلب اللجوء، والذي يعد أحد حقوق الإنسان المنصوص عليها في المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي ميثاق الاتحاد الأوروبي.

الإعداد لرصد أربع سنوات من الانتهاكات الممنهجة ضد المهاجرين

عكف على إعداد “الكتاب الأسود” مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية والهيئات المتحدة والمتعاونة من مختلف الدول الأوروبية مثل كرواتيا ، صربيا ، فرنسا ، إسبانيا ،سلوفينيا ،اليونان وألمانيا، وتحمل اسم “شبكة مراقبة العنف على الحدود” Border Violence Monitoring Network ويقع مقرها في دول البلقان واليونان. تختص تلك الشبكة بمراقبة انتهاكات حقوق الإنسان على الحدود الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي وتقديم دعاوى وتقديرات إلى كل المسئولين الأوروبيين والجهات المسئولة التي تطلب عون الشبكة في إعداد تقاريرها وإفاداتها، بهدف وقف العنف بشكل عام.

وتسهم التقارير الدورية الصادرة عن الشبكة في الجهود المنوط بها على المستوى الأوروبي عبر عقد سلسلة اجتماعات موسعة مع أعضاء البرلمان الأوروبي، والتنديد بالانتهاكات المتكررة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، واقتراح آليات وسياسات وحلول لتحسين أشكال إدارة تدفقات الهجرة واللاجئين في إطار يستعيد احترام حقوق الإنسان الغائبة تمامًا في التعامل الأوروبي مع المهاجرين.

تكشف الوثائق والشهادات المدرجة في الكتاب الأسود نمطا منهجيا لتعامل الدول الأوروبية مع أزمة المهاجرين منذ 2016.

وقالت كارولينا إرنست من ألمانيا في البيان الصحفي الصادر عن المجموعة البرلمانية اليسارية :“طوال فترة تواجدي في البرلمان الأوروبي، زرت العديد من الأماكن داخل وخارج حدود الاتحاد الأوروبي: جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، جزيرة ليسفوس اليونانية، مقاطعة أدرنة التركية، مقاطعة بيهاتش بالبوسنة والهرسك، ومقاطعة بريسيفو بصربيا. أينما ذهبنا وجدنا الأطفال والنساء والرجال  يعانون من أوضاعهم. إلا أن الوضع تفاقم في السنوات الأخيرة. لقد صُدمنا بشكل مروع من الروايات التي لا نهاية لها عن العنف والسادية والإهانات التي تذكرنا بالديكتاتوريات الوحشية. ويلقي هذا “الكتاب الأسود” بعض الضوء على هذا الفصل المظلم من الاتحاد الأوروبي. ونأمل أن يساهم الكتاب الأسود في وضع حد للجرائم ومحاسبة الحكومات المسؤولة “.

جاءت فكرة إنشاء تلك الشبكة عام 2016 نتيجة مراقبة وملاحظة عدد كبير من منظمات المجتمع المدني ( 11 منظمة غير حكومية من مختلف دول الاتحاد الأوروبي) لوجود انتهاكات جسيمة وعمليات دفع غير قانونية لطالبي اللجوء على طول خط دول البلقان واليونان. حينذاك، شرعت تلك المنظمات بالبدء في تسجيل وتدوين تلك الأحداث واستيفاء شهادات ونماذج حية للضحايا.
فقد اعتمدت منهجية الشبكة على السماع لإدلاء اللاجئين والمهاجرين لشهاداتهم، وذلك عقب تقديمهم لدلائل ملموسة بعد تحقق الشبكة من مدى واقعية الحادث وحقيقته، ثم نشر تلك الشهادات في صورة تقارير دورية وإيفادها للمسئولين الأوروبيين. وتتضمن تلك الوقائع  صورا للجرحى وتقارير طبية موثقة على مدى سوء حالة اللاجئين وسوء المعاملة التي يتلقونها، فضلًا عن تقرير مفصل وشامل للحوادث بشكل موثق.

تنشر الشبكة وفق برنامج عملها تقريرا شهريا يشمل مستجدات حالات دفع السلطات للاجئين وممارسات العنف ضدهم ، فيما يستعرض كل تقرير منطقة جغرافية محددة ومعدلات تزايد ممارسة العنف فيها والاستخدام المفرط للقوة ووقائع التعذيب ضد الضحايا.

وعلى خلاف كل التقارير الدورية أو الخاصة التي تصدرها الشبكة، يأتي الكتاب الأسود كتقرير شامل وجامع لمجمل الانتهاكات الأوروبية في حق المهاجرين والذي يحتوى على أكثر من 1600 صفحة من الدلائل والشهادات على انتهاكات السلطات الأوروبية، بالإضافة إلى تحليل سياسات العنف والجسد الممنهجة في حق المهاجرين والذي يزيد عددهم عن 12 ألف فرد.  

تضم محتويات الكتاب الأسود حالات الدفع غير الشرعية وفق القانون الدولي، في الوقت الذي تغاضت فيه الدول الأوروبية عن هذا الخرق القانوني وتداعياته على أوضاع حقوق الإنسان للمهاجرين، الأمر الذي أغفل المواثيق الدولية مثل العهد الدولي لحماية اللاجئين لعام 1951 والبروتوكول الملحق به لعام 1967 والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الأوروبي لحقوق الإنسان.

وذكر بيان للمتحدث الرسمي لشبكة مراقبة العنف على الحدود عن الكتاب الأسود أن هذا الكتاب :”يجمع أربع سنوات من العمل قامت بها شبكة مراقبة العنف على الحدود، وقام بسماع وتوثيق ما يقرب من 900 شهادة عن عمليات صد ودفع عنيفة على الحدود الأوروبية. وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات قد قوبلت بإنكار من الدول المعتدية، فإن ما نقدمه في هذه الصفحات هو تحليل للأنماط والأدلة المصورة التي تكشف عن ممارسة منهجية مستمرة. وهذه هي القصص التي تمكنت الشبكة من تسجيلها، إلا أن الواقع أوسع بكثير وأبعد مدى. ندعو إلى وضع حد للإفلات من العقاب، وتجديد الالتزام بالمساءلة  كأسس لإنهاء مثل هذه الانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان”.

تدفقات المهاجرين ومعضلات حقوق الإنسان

تعد تدفقات اللاجئين أزمة رئيسية يعاني منها الاتحاد الأوروبي ليس فقط منذ 2015 في أعقاب الأحداث التي شهدها الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وزيادة أعداد المهاجرين، وإنما منذ الفترة ما بين الحربين العالميتين. إذ شهدت الدول الأوروبية موجات عاتية من اللاجئين الأوروبيين المحرومين من حقوقهم، وتمثلت المعضلة الرئيسية في أن فقدان الأفراد لمجتمع سياسي يشملهم حولهم بموجب هذا الوضع إلى أفراد بدون دولة Stateless ، وبالتالي بدون حقوق. فالمعضلة الرئيسية هي أن خروج الأفراد من الدولة الضامنة لوصول الحقوق لأفرادها، يحرمهم من التمتع بحقوقهم الإنسانية، ما يترتب عليه تجردهم من إنسانيتهم بشكل كامل.

دفع هذا الأمر الكتابات الأوروبية للدفاع عن حق الأفراد في الانتماء إلى مجتمع سياسي باعتباره حق للحصول على حقوق الإنسان، وهو مفهوم  “الحق في الحصول على حقوق” The Right to have Rights”  الذي طرحته الفيلسوفة الألمانية حنا أرندت. ونتيجة لتلك الظروف والدعوات تم إقرار اتفاقيات الأمم المتحدة لأعوام 1954 و 1961 لتقنين أوضاع الأفراد بدون دولة وفاقدي الجنسية.

في المقابل، جاء التعامل الأوروبي عبر سياسات أمننة الحدود والإقصاء التام للمهاجرين، إلا أن الوضع تفاقم حين إدراك الدول الأوروبية أن كون الفرد لاجئًا بدون دولة، فهو محروم من حقوق الإنسان.

 تشير البيانات الصادرة عن المجلس الأوروبي منذ بداية 2015 وحتى نوفمبر 2020 إلى وجود ثلاثة مسارات لتدفق اللاجئين لأوروبا وهم: المسار الشرقي عبر قبرص واليونان وبلغاريا والمسار الغربي عبر إسبانيا ومسار وسط المتوسط عبر إيطاليا ومالطا.

وفي 2020 فقط، تدفق عبر المسارات الثلاث حوالي 90 ألف مهاجر ولاجئ غير مقنن، منهم حوالي 35 ألفا عبر مسار وسط المتوسط و19 ألفا عبر مسار شرق المتوسط و38 ألفا عبر مسار غرب المتوسط. وبشكل عام،  انخفضت تدفقات الأعداد منذ 2015 إلى 2020، ففي حين كانت الأعداد في 2015 أكثر من مليون مهاجر، انخفضت إلى 370 ألف مهاجر في 2016 وصولًا إلى 90 ألف في عام 2020.

إن الأزمة التي تواجه اللاجئين والمهاجرين في الاتحاد الأوروبي هي أنهم أصبحوا محرومين من حقوق الإنسان نتيجة خروجهم من إطار الدولة من ناحية، وعدم وجود مجتمع سياسي يقبل تواجدهم أو يقنن أوضاعهم من ناحية أخرى، في الوقت الذي يتعرضون فيه لانتهاكات تمارسها السلطات المحلية ضدهم. وفي هذا السياق، يعرض الكتاب الأسود حالات التعدي في كل من إيطاليا وسلوفينيا والبلقان والمجر واليونان وكرواتيا، وهو ما سيتم عرضه في التقرير اللاحق.

انتظرونا في الحلقة القادمة…

غلاف الكتاب:

https://www.borderviolence.eu/news/

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى