أوروبا

ملف طالبي اللجوء … حقوق الإنسان من وجهة النظر الأوروبية

تثير طريقة إدارة الاتحاد الأوروبي بصفة عامة والبرلمان الأوروبي بصفة خاصة لملف حقوق الإنسان على المستوى الدولي الجدل من وقت لآخر؛ بسبب الازدواجية الفاضحة التي ينتهجها الاتحاد في إعلانه لمواقفه من هذا الملف من دولة لأخرى، وهي مواقف تتحكم فيها بامتياز الاعتبارات السياسية، وتخضع فيها دول القارة العجوز في بعض الأحيان لابتزاز بعض الدول، مما يدفعها إلى غض الطرف عن انتهاكات واضحة وضوح الشمس لحقوق الإنسان، تمارسها هذه الدول، مقابل تسليطها الضوء بشكل مسيس وموجه، نحو دول أخرى لا تتوافق بشكل تام مع السياسات الأوروبية، أو لا تمتلك سبلًا لابتزاز أوروبا.

بالطبع يمكن وضع قرار البرلمان الأوروبي الأخير بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر في نفس سياق هذه المعادلة السالف ذكرها، لكن كي تتضح الصورة أكثر حيال هذه الازدواجية، التي من خلالها غضت أوروبا الطرف عن انتهاكات أنقرة غير المسبوقة لحقوق الإنسان، سواء تلك الانتهاكات التي مارستها وتمارسها تجاه المعارضين السياسيين والنشطاء داخل تركيا، أو تلك التي يمارسها جنودها في العديد من المناطق حول العالم، مثل سوريا والعراق وليبيا. لمزيد من الإيضاح، لابد من العودة بالذاكرة إلى عام 2016، والذي تم وصفه من جانب العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية، على أنه عام (العار الأوروبي).

2016 … عام العار الأوروبي

كانت القارة العجوز دومًا الوجهة الأساسية لطالبي اللجوء بمختلف أنواعهم، خاصة أولئك القادمين من أفريقيا، لكن شهد شهر مارس عام 2016، قرارًا أوروبيًا تعسفيًا بمنع هؤلاء من الوجود على الأراضي الأوروبية، وذلك عبر اتفاق تشوبه العديد من النقائص أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا يقضى بالترحيل الجماعي للاجئين الذين تمكنوا من الوصول إلى الأراضي اليونانية، وإعادتهم إلى الأراضي التركية، ليصبحوا تحت رحمة أنقرة، بالمخالفة لكافة المواثيق الأوروبية والدولية المتعلقة باللاجئين وحقوقهم، وذلك في مقابل منح أنقرة نحو ستة مليارات يورو، كمساهمة في تحمل النفقات المترتبة على تركيا من جراء استضافة هؤلاء اللاجئين على أراضيها، بالإضافة إلى منح المواطنين الأتراك حق السفر بدون تأشيرة إلى معظم الدول الأوروبية، على أن يتم الشروع في خطة لنقل اللاجئين السوريين من تركيا إلى دول أوروبية أخرى مستقبلًا، في حالة انخفاض معدل تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

هذا الاتفاق ظهرت نقائصه بشكل فوري، فعلى الرغم من محاولة القادة الأوربيين مرارًا تصويره على أنه اتفاق ناجح ساهم في تقليل تدفق اللاجئين إلى الأراضي الأوروبية بشكل واضح، إلا أن حقيقة ما حدث هو أن أوروبا أغلقت أبوابها بشكل كامل أمام اللاجئين، ووضعتهم أمام أمر واقع مرير، إما تحت رحمة الحكومة التركية، أو تحت نير معسكرات تجميع اللاجئين في اليونان، والتي تعاني من ظروف متصاعدة السوء.

بداية سلسلة النقائص كانت بمجرد توقيع هذا الاتفاق، حيث قررت المحاكم اليونانية أن الأراضي التركية لا تمثل ملاذًا آمنًا للاجئين، ومن ثم أُجبرت الحكومة اليونانية على تجميع اللاجئين في معسكرات على الحدود بينها وبين تركيا، خاصة في جزيرة ليسبوس وجزر بحر إيجة الأخرى، تمهيدًا للبت في إمكانية ترحيلهم إلى تركيا من عدمها.

وتراكمت أعداد اللاجئين في هذه المخيمات، قادمين من أنحاء مختلفة من أوروبا، وسط ظروف غير إنسانية على الإطلاق، وقد وثقت منظمة العفو الدولية كيف أُعيد بعض طالبي اللجوء السوريين قسرًا إلى تركيا، دون الحصول على حق اللجوء ودون أن يتمكنوا من الطعن في قرار ترحيلهم، في انتهاك واضح للقانون الدولي، وعاد آخرون “طواعية” إلى تركيا بسبب الظروف السيئة التي لاقوها في مخيمات اللاجئين.

في تركيا، يحصل اللاجئون السوريون على حماية مؤقتة، لكن يترك أغلبهم دون تزويدهم بضروريات المعيشة اليومية، فالحكومة التركية لا تمنح غير الأوروبيين وضع (اللاجئ الكامل)، وبالتالي لا يحصل أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ على الأراضي التركية، على نصيبهم من المليارات التي تلقتها أنقرة مقابل استضافتهم.

يضاف إلى ذلك فشل تركيا في ضمان أمن اللاجئين وطالبي اللجوء سواء على أراضيها أو بعد مغادرتهم إياها، حيث أكدت تقارير منظمة العفو الدولية حقيقة أن تركيا أجبرت طالبي اللجوء واللاجئين على العودة إلى بلدان معرضين فيها لمخاطر جسيمة تتعلق بأمنهم، مثل سوريا والعراق وأفغانستان، وهو ما يمثل انتهاكًا إضافيًا لحقوق الإنسان التي تدعي أوروبا أنها تهتم بها وتحرص عليها.

يضاف إلى ما سبق، تحول أوروبا إلى ما يشبه (ثكنة عسكرية)، تستهدف منع أي لاجئ مهما كانت حالته من الوصول إلى الأراضي الأوروبية، وذلك عبر سلسلة من النقاط العازلة على الحدود الأوروبية المشتركة، مثل الحدود البلغارية التركية، والحدود اليونانية المقدونية، والحدود بين النمسا وسلوفينيا، ناهيك عن زيادة قياسية في ميزانية الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس)، حيث بلغت ميزانية هذه الوكالة لعام 2020 نحو 420 مليون يورو، بزيادة أكثر من 34 في المائة عن عام 2019، علمًا بأن ميزانية هذه الوكالة كانت نحو ستة ملايين دولار فقط عام 2005. 

وقد أعلنت الوكالة مؤخرًا، أنها شكلت قوة حدودية من المشاة والآليات المدرعة، ستصل إلى نحو عشرة آلاف جندي بحلول عام 2027، وقد نفذت هذه القوة دوريات على النقاط الحدودية للاتحاد الأوروبي، للحيلولة دون دخول أية لاجئين إليها، وهذه الدوريات شملت حتى دولًا خارج الاتحاد، مثل ألبانيا.

نشاط هذه الوكالة تشوبه العديد من شبهات انتهاك حقوق الإنسان، خاصة وأن المنتدى الاستشاري الخاص بهذه الوكالة لم يتلق سوى تقارير قليلة للغاية ترصد كيفية تنفيذ آليات احترام وحفظ الحقوق الأساسية للاجئين، وهو ما يثير مخاوف جدية بشأن فاعلية مثل هذه التدابير.

جدير بالذكر أن تقارير صحفية فرنسية وألمانية، أفادت أن هذه الوكالة سمحت لعناصرها باستخدام الكلاب ورذاذ الفلفل والهراوات لمطاردة المهاجرين، بخاصة قرب حدود الاتحاد الأوروبي في بلغاريا والمجر واليونان، بهدف منعهم من طلب اللجوء على أراضي الاتحاد، وقد رصدت هذه التقارير أيضًا حالات ترحيل قُصَّر على متن طائرات من دون أي مرافق، وحالات تخدير لاجئين بواسطة الأدوية خلال رحلات الطرد، مما يشكل انتهاكًا للأنظمة الدولية المتعلقة بكيفية التعامل مع اللاجئين.

المآسي الناتجة عن هذا الاتفاق، تمثلت بشكل واضح في الحريق الذي شب منتصف العام الجاري في مخيم موريا، أكبر مخيم للاجئين في أوروبا، والذي يقع في جزيرة ليسبوس اليونانية، ناهيك عن تفشي جائحة كورونا في عدة مخيمات للاجئين في اليونان دول أوروبية أخرى، وهو تفشٍ ساهم فيه بشكل أساسي التكدس الكبير الذي تعاني منه هذه المخيمات، فمخيم موريا مثلًا يضم أكثر من ثلاثة عشر ألف لاجئ، في حين أن تصميمه الأساسي مخصص لاستيعاب نحو ثلاثة آلاف شخص.

وهذا ما أدى إلى تدهور سريع في ظروف المعيشة داخل المخيم، حيث يقف اللاجئون في طوابير طويلة لتلقى الطعام، الذي في النهاية لا يكفي الجميع، وانهارت البنية التحتية للمخيم بشكل كبير، حيث لم تتمكن إمدادات المياه المتوفرة من الوفاء باحتياجات كل سكان المخيم.

المعاملة السيئة لطالبي اللجوء إلى أوروبا، شملت أيضًا اتخاذ بعض الدول الأوروبية، نهجًا انتقائيًا في التعامل مع هذا الملف، فحكومة المجر مثلًا قمعت الآلاف اللاجئين على أراضيها، نظرًا لأنها ترى أن مشكلة اللاجئين هي مشكلة ألمانية في الأساس، ناهيك عن بروز توجهات مناهضة للمهاجرين المسلمين في صفوف القيادات الكنسية في المجر وبولندا، وتلك الأخيرة بالتحديد اشترطت مع سلوفاكيا أن يكون اللاجئون الموجودون على أراضيها من المسيحيين فقط!

آخر مساوئ هذا الاتفاق، الذي ينتهي عمليًا أواخر العام الجاري، تمثلت في فتح الرئيس التركي لحدود بلاده مع اليونان في مارس الماضي، واستخدامه اللاجئين كورقة ابتزاز لا تضع وزنًا لمعاناة اللاجئين التي تزايدت بسبب التصادم الحدودي على خلفية هذا الملف بين تركيا واليونان، وهو ما يمكن اعتباره مؤشرًا واضحًا على فشل الاتفاقية التي أبرمها الجانبان في تحقيق أية فائدة إيجابية للاجئين، وحل مشكلاتهم أو المساهمة في تقليلها، بل بالعكس، تفاقمت هذه المشكلة أكثر فأكثر، وبات اللاجئون في معاناة أكبر من الانتهاكات المتنوعة، سواء في عرض البحر، أو في معسكرات اللاجئين، أو على الأراضي التركية، وهو ما يضرب في الصميم، كل قرار أو بيان يصدره الاتحاد حول حقوق الإنسان في أي دولة من دول العالم، فمأساة اللاجئين مازالت ماثلة للعيان، وآثار اتفاق العار بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة، مازالت ساخنة ولم تبرد بعد.

مصادر

https://2u.pw/NNGb3

https://2u.pw/IaZ9X

https://2u.pw/WwTiT

https://2u.pw/Nz4zVhttps://2u.pw/OjbRc

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى