تركيا

ملاذ اللحظات الحرجة.. فرص ودوافع عودة العلاقات التركية-الإسرائيلية

على الرغم من قِدم العلاقات التركية-الإسرائيلية التي تعود لعام 1949 وقتما كانت أنقرة أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل رسميًا، وما شهده القرن العشرين من تعاون استراتيجي مفتوح على كافة المجالات؛ خاصة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية، جعل تركيا النافذة التي تتنفس تل أبيب من خلالها لتخفيف عزلتها في الشرق الأوسط، إلا أن العلاقات الثنائية دخلت منعطفًا صعبًا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إذ تدهورت عامي 2004 و2005 على خلفية تردد اللوبي اليهودي في واشنطن في الدفاع عن وجهة النظر التركية بشأن الإبادة الجماعية للأرمن، حتى وصلت إلى القطيعة الكاملة عام 2010 على إثر حادثة قتل تسعة ناشطين أتراك على متن السفينة “مافي مرمرة” التي كانت تنقل مساعدات إلى غزة.

وخلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ومع تخلي أنقرة عن سياسة “صفر مشاكل” وانخراطها في أزمات المنطقة على نحو مزعزع للاستقرار، وفقدانها حلفائها الإقليميين، ومحاولتها تقديم نفسها كقائد للعالم الإسلامي في ظل مشروع استعماري جديد، باتت علاقاتها مع إسرائيل رهنًا لمعادلة ثنائية أحد طرفيها المتاجرة بالقضية الفلسطينية لكسب شعبية داخلية، وعلى الطرف الآخر التقارب الحذر مع تل أبيب لفك العزلة الخارجية.

هذا ما نلحظه بوضوح؛ فعقب إسقاط طائرة روسية في 2015 ومع قيام موسكو بتوسيع وجودها العسكري وعملياتها في سوريا، شعر أردوغان بالحاجة للخروج من الوحدة المفروضة على بلاده، فلجأ لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في يونيو 2016.

ومع ذلك استمرت الخلافات الدبلوماسية حتى 2018 عندما قررت أنقرة سحب سفيرها من إسرائيل للتشاور على خلفية رفضها لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ولم تعيده مجددًا.  لكن الآن انقلبت الأوضاع إلى حد كبير الآن، إسرائيل انخرطت في علاقات ثنائية مع عدد من دول المنطقة بدأت بالإمارات ثم البحرين فالسودان وأخيرًا المغرب، إلى جانب مصر والأردن في السابق، وعلى الجانب الآخر، باتت تركيا معزولة إقليميًا ودوليًا، فلجأت للبحث في دفاتر علاقاتها القديمة في محاولة لكسر الحصار المفروض عليها.      

مظاهر التقارب التركي-الإسرائيلي

أمام العزلة التي وجدت أنقرة نفسها فيها، وفي ظل التحولات المتوقع أن يشهدها المسرح العالمي مع دخول الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، عمدت إلى تهدئة التوترات على بعض الجبهات؛ فعلى الصعيد الأوروبي، سحبت أنقرة سفينة المسح السيزمي، أوروك ريس، من المناطق المتنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط​، كمحاولة لإبداء حسن النية قبل قمة الاتحاد الأوروبي التي انعقدت يومي 10 و11 ديسمبر، إلا أن هذا لم يمنع بروكسل من اتخاذ قرارًا بفرض عقوبات على الأفراد والمؤسسات العاملة في مجال التنقيب غير المشروع. 

أما فيما يتعلق بروسيا، فقد وقعت وزارة الدفاع التركية مع موسكو اتفاقًا لإنشاء مركز مشترك في منطقة ناجورنو قره باغ لمراقبة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت له روسيا مع أرمينيا وأذربيجان في 10 نوفمبر، لمدة عام. وفي محاولة لمغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة، كشف أردوغان عن نيته إجراء إصلاحات قضائية تهدف لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث من المتوقع أن يحتل هذان الملفان مكانة متقدمة على أجندة العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة، في ظل المستوى المتراجع الذي حققته أنقرة على كافة المؤشرات الدولية المعنية بالحقوق والحريات والديمقراطية.

وفي السياق ذاته، وجدت أنقرة أنه من المناسب تحسين العلاقات مع إسرائيل في ظل مجموعة من المكاسب يُمكن تحقيقها، لذا انطلقت في إرسال إشارات لتل أبيب تفيد برغبتها في إعادة العلاقات، ومن ذلك:

• محادثات سرية بين البلدين: على الرغم من التواصل المستمر خلف الأبواب المغلقة بين المخابرات التركية والإسرائيلية على مدار العقد الماضي -عبر هاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركي- لمناقشة التحديات المشتركة لأمن البلدين وبالأخص الأزمة السورية، إلا أن تقارير حديثة أشارت إلى محادثات سرية أجراها فيدان مع مسؤولين إسرائيليين في 30 نوفمبر بغرض إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى السفراء، أعقبها إرسال مسؤولين آخرين إلى تل أبيب لإجراء محادثات بشأن خارطة الطريق لعودة العلاقات.

وكانت تقارير سابقة قد أفادت بلقاءين جمعا فيدان ونظيره الإسرائيلي يوسي كوهين، قبل اجتماع نوفمبر؛ الأول في برلين والثاني في واشنطن، وكانت قضايا سوريا وليبيا وشرق المتوسط محور المحادثات. 

مساعٍ لتعين سفير تركي في تل أبيب: سرعان ما تأكدت الرغبة التركية في إعادة العلاقات الثنائية، بعدما تواردت أنباء بشأن اختيار السيد أوفوك أولوتاس، ليكون سفير أنقرة في تل أبيب. لكن الملاحظ أن هذه هي المرة الأولى التي ترسل فيها تركيا دبلوماسيًا غير محترف إلى إسرائيل، وهو المنصب الذي تم تخصيصه تقليديًا لأفضل مبعوثيها أمثال نامق تان، السفير السابق في واشنطن. نستشرف هذا بوضوح من سيرته الذاتية فهو رئيس مركز البحوث الاستراتيجية في وزارة الخارجية التركية، ودرس السياسة العبرية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية بالقدس، وعمل مديرًا لمؤسسة SETA الفكرية المؤيدة للحكومة، وكتب العديد من الأوراق بشأن السياسة في الشرق الأوسط والتاريخ اليهودي، وهو أيضًا خبير في الشؤون الإيرانية، ومؤيد جدًا للفلسطينيين.

ومع ذلك، ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كان سيذهب بالفعل في مهمته الجديدة؟ ولا طبيعة الرد الإسرائيلي على تلك الخطوة، وما إذا كانت إسرائيل سترسل سفيرًا إلى أنقرة في أي وقت قريب؟ وهو أمر يراه البعض مستبعدًا الآن لعدة أسباب، منها: 

  1. رغبة تل أبيب في تنمية علاقاتها مع حلفائها الجدد من العرب إذ يرى بعضهم أنقرة مهددًا لأمنه القومي. 
  2. اتجاه إسرائيل إلى خوض انتخابات جديدة، وبالتالي ليس من مصلحة بنيامين نتنياهو تزويد خصومه بمكافأة أردوغان. 
  3. شعور إسرائيل بالغضب من دعم أردوغان المستمر لحماس وجماعة الإخوان الإرهابية، وقد زعمت مصادر إسرائيلية أن حماس خططت لهجمات على إسرائيل انطلاقًا من اسطنبول وأن تركيا منحت الجنسية لما لا يقل عن 12 من كبار أعضاء الحركة التي تصفها إسرائيل منظمة إرهابية. وفي أغسطس الماضي، انتقدت الخارجية الإسرائيلية أنقرة لاستضافتها اثنين من قادة حماس، من بينهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي للحركة. وأضافت في بيان أن “تواصل أردوغان المستمر مع هذه المنظمة الإرهابية لا يؤدي إلا إلى عزل تركيا عن المجتمع الدولي، ويضر بمصالح الشعب الفلسطيني، ويقوض الجهود العالمية لمنع الهجمات الإرهابية التي تنطلق من غزة. وتريد إسرائيل تطمينات بأن حماس لا تستخدم الأراضي التركية لتنفيذ هجمات ضدها.

دوافع أنقرة لعودة العلاقات بين البلدين

في حين أن التوتر وعدم الثقة يخيم على نظرة قائدي البلدين تجاه بعضهما البعض؛ إذ لا يخفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفوره من أردوغان، ولا يتورع الثاني عن وصف الأول بالإرهابي، إلا أن توازنات السياسة الواقعية قد تدفع البلدين إلى الخروج من نفق الخلافات إلى رحب المصالح المشتركة. 

• اختراق منظمة غاز شرق المتوسط: احتل ملف الطاقة أولوية أولى في تحركات تركيا الخارجية مؤخرًا، وكان دافعها الأول للتوغل في ليبيا وأذربيجان، وارتكاب ممارسات حمقاء في شرق المتوسط تمثل خرقًا للقانون الدولي واعتداء على سيادة دوله وبالأخص قبرص واليونان وليبيا (اتفاقية ترسيم الحدود البحرية غير الشرعية). وقد اكتسبت تلك المنطقة أهمية جيوستراتيجية متزايدة مع اكتشافات ضخمة من موارد الطاقة، أسالت لعاب أنقرة التي تفتقر إلى هذا النوع من الموارد الطبيعية ذات القيمة الاقتصادية والاستراتيجية المرتفعة. لكن كل محاولاتها لترسيخ موطئ قدم لها بتلك البقعة الحيوية باءت بالفشل، فقط دخلت في عداوات مع مصر والاتحاد الأوروبي، انتهت بها إلى الحبس في شريط مائي ضيق على حدودها الجنوبية، والأهم أنها باتت معزولة عن واحدة من أهم منظمات الطاقة الصاعدة بقوة وهي منظمة غاز شرق المتوسط (تضم مصر وقبرص واليونان وإسرائيل وإيطاليا وفلسطين والأردن) التي ينظر إليها باعتبارها نواة “أوبك” الغاز.

ويبدو أن أنقرة أرادت المناورة وللالتفاف على التأييد الأوروبي الأمريكي لقبرص واليونان، وضمان موضع لها على خريطة الطاقة العالمية في السنوات المقبلة عبر إسرائيل؛ إذا كشفت معلومات لصحيفة “إسرائيل اليوم”، عن رسالة تعود لأربع شهور من مسؤولون أتراك إلى نظرائهم الإسرائيليين يقترحون فيها بدء محادثات بين البلدين لترسيم الحدود البحرية، تكررت ثانيةً من خلال مقال نشره الأدميرال السابق جهاد يايجي، المقرب من أردوغان، على مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، في 7 ديسمبر، يحدد فيه بالتفصيل خط الحدود المقترح والمناطق الاقتصادية الحصرية.

map3 - تركيا سكوب

ويقترح يايجي –مهندس الاتفاق غير الشرعي لترسيم الحدود البحرية من تركيا وليبيا في نوفمبر 2019- أن تشمل الاتفاقية المنشودة نقل بلوكات 8 و9 و11 و12 في البحر المتوسط ​​من قبرص إلى إسرائيل. ومن الجدير بالذكر أن البلوك 12 هو موقع حقل يشاي-أفروديت للغاز المتنازع عليه بين البلدين، فبموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الثنائية في 2010 تقع الكتلة ضمن المياه القبرصية، ومع اكتشاف حقل أفروديت عام 2011 كان يعتقد أنه منفصل عن حقل يشاي الإسرائيلي، لكن تبين بعد ذلك أنهما متصلان، ما دفع تل أبيب للمطالبة بحصتها في الحقل والتي تقدر بما بين 7 إلى 10 مليار متر مكعب من الغاز، مقابل 100 مليار على الجانب القبرصي تقدر قيمتها بـ 9 مليار دولار. 

map4 - تركيا سكوب

ويقع حقل يشاي شمال غرب حقل ليفياثان الإسرائيلي، وتسيطر عليه شركات ديليك الإسرائيلية، وشل، ونوبل إنرجي الأمريكية. ولا يزال النزاع الحدودي بين البلدين قائمًا، كما أن قبرص وتركيا غارقتان في نزاعات عديدة بشأن حدودهما البحرية. لذلك، يسعى يايجي إلى حل مشاكل أنقرة وتل أبيب بضربة واحدة، من خلال اتفاق ثنائي بين تركيا وإسرائيل يترك قبرص في مأزق، وتحصل بموجبه إسرائيل على 16 ألف كيلومتر مربع 10 آلاف كيلومتر مربع لتركيا. كما يقترح ربط خط أنابيب الغاز الإسرائيلي المزمع إلى أوروبا بخط الأنابيب التركي الموجود بالفعل، بدلًا من مشروع إيست-ميد.

map8 - تركيا سكوب

ومثل هذا الاتفاق إذا تم فمن شأنه أن يقلب الموازين الجيوسياسية في المنطقة، كما أنه يفتح الباب على مصراعيه أمام أنقرة للمطالبة بعضوية منظمة غاز شرق المتوسط باعتبارها أحد الفاعلين في سوق الغاز الإقليمي. لكن السؤال هل ستقبل إسرائيل مثل هذا المقترح الذي يمثل اعتداءً صريحًا على السيادة القبرصية واعترافًا بموقف تركيا من المنطقة الاقتصادية الخالصة بالقرب من جزيرتي رودس وكاستيلوريزو اليونانيتين؟ الإجابة نسمعها بوضوح على لسان مسؤول إسرائيلي كبير لم تذكر “إسرائيل اليوم” اسمه، إذ قال: “إن تحسن العلاقات مع أنقرة تطور مرحب به، ومع ذلك، فإن أي اقتراح يأتي على حساب قبرص ليس بداية؛ فقبرص حليف لإسرائيل، والحدود البحرية بين البلدين معترف بها من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي”.

ويبين لنا الرد السابق عدم نية إسرائيل التضحية بعلاقاتها المميزة مع قبرص واليونان اللذان وقعت في بداية العام اتفاقية لمد خط أنابيب “إيست ميد” الهادف لجعل الدول الثلاث حلقة وصل مهمة في سلسلة إمدادات الطاقة لأوروبا. خاصة إن إسرائيل عبرت عن مخاوفها من “العدوانية” التركية في شرق المتوسط. وتفضل تل أبيب أن يبدأ التحسن في علاقات البلدين بإجراءات لبناء الثقة تتطلب أولًا إعادة تبادل السفراء والقناصل، وتوقف أنقرة عن مهاجمة إسرائيل وفك ارتباطها بحماس.

• التنسيق بشأن الملفات المشتركة: وبالأخص ما يتعلق بالأزمة السورية -وهو بالمناسبة أمر ليس بجديد وجرى التباحث بشأنه مرات ومرات خلف الأبواب المغلقة- فكلا البلدين يعارضان دور إيران ووكلائها، في هذا البلد الذي أنهكته الحرب على مدار عقد من الزمان. وكان القائم بالأعمال الإسرائيلي في أنقرة، روي جلعاد، قد دعا في وقت سابق إلى تنحية الخلافات جانبًا والتركيز على نقاط الاتفاق والمصالح المشتركة، معتبرًا أن تلاقي المصالح كان واضحًا عندما قصفت تركيا القوات المدعومة من إيران في إدلب بعد خسارة حوالي 50 جنديًا في هجوم للنظام السوري.

لكن حميد رضا عزيزي، الزميل الزائر في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، يرى أنه على الرغم من أن التوترات بين أنقرة وطهران في سوريا آخذة في التصاعد، لكن إمكانات التعاون التركي الإسرائيلي هناك مبالغ فيها؛ فلن تستطيع أنقرة تحقيق الهدف الإسرائيلي-الأمريكي المتمثل في استئصال نفوذ إيران في سوريا، إذ أقامت طهران بالفعل مواقعها في دير الزور بالجنوب الشرقي، ويبدو أن تركيا لا تملك الإمكانيات ولا الاستعداد للذهاب إلى هذا الحد. وترجع المواجهات بين القوات التركية والميليشيات الإيرانية في إدلب إلى رغبة أنقرة في إنشاء منطقة نفوذ في الأجزاء الشمالية من سوريا، بما يتعارض مع رغبة إيران في إخضاع كل الأراضي السورية لسيطرة الرئيس بشار الأسد.

الملف الآخر الذي تصاعدت أهميته مؤخرًا، هو التعاون في القوقاز والبحر الأسود، حيث لعبت المساعدة العسكرية من كل من أنقرة وتل أبيب دورًا أساسيًا في هزيمة أذربيجان لأرمينيا في الحرب الأخيرة بشأن إقليم ناجورنو قره باغ، وكانت الأراضي التركية ممرًا للأسلحة والأنظمة التكنولوجية عالية الدقة التي زودت بها إسرائيل باكو، بما في ذلك طائرات الاستطلاع “هيرون” وطائرات “كاميكازي” بدون طيار والذخائر العنقودية والصواريخ ونظام الدفاع الجوي “باراك 8” والصواريخ الباليستية بعيدة المدى وعالية الدقة من “لورا” وأنظمة القيادة والتحكم. وتعتبر إسرائيل أذربيجان شريكًا استراتيجيًا بالنظر إلى قربها الجغرافي من إيران وثرواتها النفطية والغازية، إلى جانب القرابة العرقية مع تركيا.

وفي منطقة البحر الأسود، قد تكون أوكرانيا مهتمة بشراكة ثلاثية مع تركيا وإسرائيل، حيث تتمتع بعلاقات جيدة مع كلا البلدين وتتوق إلى تعزيز نفوذها ضد روسيا. أيضًا، سيكون تبادل المعلومات الاستخباراتية مكسبًا آخر لتركيا، لا سيما في قتالها ضد الأكراد المتمركزين عبر الحدود في كردستان العراق، وهي المنطقة التي تتمتع فيها إسرائيل بوجود استخباراتي واقتصادي قوي. 

• محاولة كسب ود جو بايدن: تحمل كل من أنقرة وتل أبيب مخاوف مشتركة تجاه سياسات وتوجهات ساكن البيت الأبيض الجديد، بعدما تمتع البلدين بعلاقات مميزة مع الرئيس الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب، استطاعا من خلالها تحقيق مكاسب سياسية غير مسبوقة. لكن هذا الوضع لن يستمر على أي حال بحلول 20 يناير المقبل، وقد بدأت أولى تلك البشائر بإقرار الكونجرس ميزانية دفاعية تشمل عقوبات يجب فرضها خلال 30 يومًا، إثر حصولها على منظومة “إس-400″، التي أزعجت بشكل كبير حلفاء أنقرة في الناتو كونها ستعرض منظومته العسكرية للانكشاف أمام روسيا، بما يسهل عليها اختراقها وكشف أسرارها. وفي هذا الشأن، يعتقد أردوغان أن أقرب طريق إلى قلب بايدن وأجهزة البيروقراطية الأمريكية هو تل أبيب، لذا يحاول تسجيل نقاط لدى الإدارة الجديدة. 

ويجادل البعض بأن تركيا قد تأمل من تقاربها مع إسرائيل في استعادة دور اللوبي اليهودي لصالحها في الولايات المتحدة. لكنه أمر مستبعد إلى حد كبير حيث يشير أميكام ناشمانس، أستاذ العلوم السياسة بجامعة بار إيلان بتل أبيب، إلى أن أنقرة شعرت بالارتياح مع امتناع اللوبي اليهودي عن دعم الموقف التركي تجاه قضية الإبادة الجماعية للأرمن في وسائل الإعلام ودوائر صناعة القرار الأمريكي في 2004، معتبرة أنها علاقة محرجة وتمثل شكلًا من أشكال الابتزاز، فضلًا عن امتلاكها حاليًا لوبي خاص بها في واشنطن. 

• لعب دور أكبر في مفاوضات الحل الفلسطيني: القضية الفلسطينية بالنسبة لأردوغان هي أداة دعاية محلية في المقام الأول ليس على استعداد للتخلي عنها بهذه البساطة، لذا فإنه يسعى للعب دور أكبر في هذا الملف يتجاوز غزة إلى رام الله، مقر السلطة الفلسطينية الرسمية، وهو توجه لاقى استجابة من قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وبالتالي قد ترغب أنقرة في استغلال علاقاتها مع طرفي القضية الفلسطينية وطرح نفسها كوسيط في أي مفاوضات مقبلة. 

• توطيد العلاقات الاقتصادية: لا شك أن الاقتصاد محرك أساسي للسياسة الخارجية التركية في الفترة الراهنة، حيث يعيش اقتصادها أسوأ أزمة على الأطلاق تكاد تضاهي أزمة 2021، ومن المتوقع أن تزداد الأمور سوءًا بشكل كبير مع دخول العقوبات الأمريكية والأوروبية حيز التنفيذ، على الرغم من عدم انقطاع المال القطري. وبالتالي ترغب أنقرة في توسيع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع تل أبيب. لكن هذا الهدف -رغم أهميته– يأتي في مرتبة متأخرة مقارنة بما تم الإشارة إليه سلفًا، بالنظر إلى أن هذا النوع من العلاقات ظل بعيدًا تمامًا عن التوترات السياسية، بل على العكس شهد تحسنًا كبيرًا هذا العام بالرغم من تأثيرات جائحة كورونا السلبية.

فخلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020، بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل 3.2 مليار دولار، وهو نفس حجم الصادرات في نفس الفترة من العام الماضي 2019. والأكثر من ذلك شهدت الفترة ذاتها نموًا في صادرات الأغذية والمشروبات، إذ ارتفعت صادرات الفواكه المجففة بنسبة 64٪ مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، وكذلك صادرات المنتجات السمكية بأكثر من 36٪، وقفزت صادرات الحبوب والبقوليات بنحو 18٪، وحتى صادرات الفاكهة والخضروات ارتفعت بنسبة تزيد عن 25٪.وتعتبر تركيا سادس أكبر شريك تجاري لإسرائيل بـ 5.5 مليار دولار عام 2019، بنسبة تتراوح بين 2% و3% من إجمالي تجارة إسرائيل. وتأتي المنتجات الكيماوية على رأس الصادرات الإسرائيلية لتركيا بنسبة 50٪، تليها المواد البلاستيكية 12٪، والوقود 9٪، بحسب معهد التصدير الإسرائيلي. فيما كانت الواردات أكثر تنوعًا، تصدرتها المركبات بواقع 18٪، يليها الحديد والصلب 16٪، ثم البلاستيك 7٪، والآلات 6٪، والأسمنت 5٪. ويعتقد الخبراء وجود إمكانيات لرفع حجم التجارة مع تركيا إلى ما بين 10% و15% من إجمالي التجارة الإسرائيلي، إذا ما تحسنت العلاقات بينهما، اعتمادًا على تصدير السلع المتطورة مثل البرامج التكنولوجية والأجهزة الطبية والتبادل الزراعي.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى