الصحافة الدولية

جونسون .. “ترامب” بريطانيا الداعي للخروج الكبير

 يواجه رئيس الوزراء البريطاني الجديد “بوريس جونسون ” عددا من الملفات الشائكة والمعلقة وأبرزها بالطبع أزمة “بريكسيت” وتفاقم التوتر مع طهران لاحتجازها ناقلة نفط بريطانية. 

ولد جونسون في مدينة نيويورك الأمريكية في 1964 وترجع أصوله لتركيا حيث أن جده هو صحفي وسياسي تركي ، أبوه هو ستانلي جونسون وهو مستشار بيئي عمل في عدة دول مما يعني أن بوريس و أخواته الثلاثة الذي كان بوريس أكبرهم انتقلوا من منزل لمنزل ومن بلد إلى بلد وهو ما كان له دوره في وتأثيره على شخصية جونسون.

 برزت شخصية جونسون منذ الصغر وبالأخص أثناء تلقيه تعليمه الثانوي في مدرسة (إيدن) المعروفة بتخريجها لثلث رؤساء وزراء بريطانيا وزامله بها رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون ثم برزت شخصيته أكثر فأكثر أثناء دراسته الجامعية بجامعة أوكسفورد المرموقة التي حاز منصب رئيس إتحاد طلابها في عامه الدراسي الثالث فيها .

                        بدايته المهنية  

بدأ بوريس جونسون حياته المهنية فور تخرجه صحفيا في الـ”تايمز” البريطانية التي فصل منها لاختلاقه أخبار ( تخص القضية المشهورة بعلاقة الملك ادوارد الثاني بشخص شاذ جنسيا) ثم عمل كمحرر لصحيفة التليجراف في بروكسل لتغطية الشؤون الأوروبية في الفترة من 1989 إلى 1994 غطى خلالها الشؤون الأوروبية وبرع في كتابة المقالات التحليلية واختيار موضوعات جذابة الأمر الذي ساعده في بداياته كسياسي وأسهمت في وصوله نحو الشهرة مبكرا .

            بداية مسيرته السياسية 

ومع عودته لبريطانيا تحول جونسون إلى العمل السياسي في 1997 وترشح لتمثيل مقاطعة باكن ساوث في مجلس العموم البريطاني وخسر الانتخابات حينها، لم توقفه خسارته للانتخابات حينها عن صعود سلم الشهرة حيث دأب جونسون أو كما يحب أن يطلق عليه البريطانيون بوريس في استغلال شخصيته الكاريزمية والظهور الإعلامي المتكرر ليصبح وجهاً مألوفاً لدى البريطانيين، وفي 1999 عين مدير لتحرير مجلة ” ذا سبكتروم” وأنتخب في عام 2001 كنائب عن مدينة همبلي وهو في سن 37 عاما. 

                        صعود سياسي 

ومع وصوله لمجلس العموم البريطاني لمع اسمه أكثر في أوساط حزب المحافظين بسبب أرائه الصادمة وشخصيته المثيرة للجدل، وعندما نجح في الوصول إلى عضوية الصف الأول لحزب المحافظين بمجلس العموم، قام السير مايكل هاورد بفصله بسبب كذبه حول علاقاته الشخصية وخيانته لزوجته التي طردته حينها من منزله وتسببت في تصدره لعناوين الصحف.

ورغم فصله استمر نجم بوريس جونسون في السطوع مستغلا كاريزميته الشخصية في كل لقاء إعلامي له مما أسهم في تنامي شعبيته الأمر الذي أدى لوصوله لمنصب عمدة لندن في 2008 ، وهو المنصب الذي كان نقطة تحول في مسيرته المهنية حيث أستغل بوريس منصبه وأضحى أسمه معروف لكل منزل في بريطانيا بسبب حنكته السياسية وأبرز مثال على ذلك كان صموده كعمدة لندن أمام ما عرف إعلامياً حينها ب ” صحوة لندن” التي عبر فيها  اللندنيون عن غضبهم وقاموا بأعمال شغب بسبب غلاء المعيشة وغلاء السكن وغياب قوانين التخطيط العمراني لكنه تمكن من الخروج من تلك الأزمة بسلام.

أسهم مشروع ” دراجات لندن” وهو المشروع الذي وفر لسكان المدينة دراجات للتنقل في شوارعها في توسع شهرة جونسون أكثر وأكثر بسبب دعايته لهذا المشروع، حتى الأن ومنذ ذلك الحين يطلق البريطانيون على هذا المشروع اسم دراجات بوريس أو “بوريس بايكس” برغم أنه ليس الاسم الرسمي للمشروع وهو ما يدلل على شعبية الرجل داخل الشارع البريطاني حينها.

وكانت الألعاب الأولمبية بلندن صيف 2012 كانت خطوة بارزة في مسيرة عمدة لندن حينها حيث أصبح اسمه معروفا ليس فقط للبريطانيين بل للعالم بأسره مستغلا كاريزميته الشخصية والنجاح الباهر لتنظيم البطولة. 

وأثناء فترته “عمدة لندن” هاجم بوريس رئيس الوزراء ديفيد كاميرون وانتقد قراراته علنا مثل قرار فرض ضرائب عقارية وغيرها من القضايا التي تمس الحياة اليومية للبريطانيين مما أسهم في صعود أسهمه لخلافة كاميرون . 

             فرصة الخروج

في 2015 أعلن رئيس وزراء بريطانيا حينها ديفيد كاميرون أنه لن يستمر لدورة ثالثة بالمنصب الذي طالما وضعه بوريس جونسون نصب عينيه ولكنه احتاج لفرصة ليعلن عن نفسه ويقترب من 10 داونينج ستريت أكثر ، هذه الفرصة سنحت له عندما وعد ديفيد كاميرون بطرح استفتاء شعبي حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليبدأ جونسون فصل جديد من الصعود نحو قمة هرم السياسة البريطانية .

برز اسم جونسون أكثر فأكثر في تلك الفترة بسبب كتابته لسلسة مقالات في صحيفة “تليجراف” بعنوان الرحيل أو البقاء مستغلا منصبه السياسي لطرح وجهة نظره التي لاقت قبول واسع. 

التقى جونسون حينها بوزير البيئة الأسبق مايكل جلوف وشكلا معا تحالف لقيادة حملة إخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الشعبي وهو ما حدث بالفعل وانتصرت حملة الخروج على البقاء في استفتاء 2016 .

اتهم بوريس حينها بقيادة الحملة والتأثير على رأي الناخبين عن طريق الكذب والتضليل الإعلامي والتخويف من قضايا بعينها مثل قضية المهاجرين كما وأتهم بالتلاعب بالإحصائيات الاقتصادية واستخدام النعرات الشعبية للتأثير على الناخبين.

 يذكر أن جونسون طاف مختلف المدن البريطانية أثناء حملة ” الخروج” بحافلة كتب عليه ” نحن ندفع لأوروبا 350 مليون جنيه كل أسبوع دون مقابل ” لإقناع الناخبين بضرورة خروج بريطانيا من منظومة الاتحاد الأوروبي.

ومع فوز حملة الخروج في الاستفتاء خرج  كامرون من 10 داونينج ستريت وبدأ السباق بين بوريس جونسون الداعم الأكبر لخروج بريطانيا وتريزا ماي التي كانت في صفوف فريق حملة البقاء ولكن إعلان شريكه ومدير حملته مايكل جلوف بالتخلي عنه والشروع في حملته الشخصية لرئاسة الوزراء  وتصريحه بأن جونسون لا يستحق المنصب وليس لديه ما يلزم له كان بمثابة الطعنة من الظهر التي أدت لتسرب الفوز من بين أيدي بوريس جونسون وأدى لوصول أول سيدة منذ مارجريت تاتشر لمنصب رئاسة وزراء بريطانيا .

                      فرصة جديدة 

استهانت تريزا ماي بقدرة حزب العمال بقيادة السياسي المعروف جرمي كوربن ودعت لانتخابات عامة مبكرة حاولت من خلالها السيطرة على مجلس العموم البريطاني لكنها خسرت الأغلبية وكان للخطوة مردود عكسي على حزب المحافظين الذي خسر أغلبيته في مجلس العموم وأفقد ماي سيطرتها على الحزب.

 وهنا ظهرت الفرصة من جديد أمام بوريس الذي عينته تريزا ماي وزيرا للخارجية بسبب شعبيته وموقفه من البريكسيت ، القرار الذي لم يثر فقط حفيظة الساسة البريطانيين بل الأوروبيين أيضا ومنهم وزير الخارجية السويدي الذي غرد بأنه يتمنى أن يكون هذا القرار مزحة ووزير الخارجية الفرنسي الذي علق على القرار حينها باستغرابه منه بسبب افتقار جونسون لأبسط أبجديات الدبلوماسية ، لم يستمر بوريس طويلا في المنصب حيث استقال من منصبه اعتراضا منه على سياسات تريزا ماي في يوم استضافة لندن لمؤتمر دول غرب البلقان الذي غاب عنه بوريس جونسون وسبب حرجا كبيرا للحكومة البريطانية.

ومع تفاقم أزمة “بركسيت” وفشل تريزا ماي في الوصول لاتفاق يرضي البريطانيين استقالت أول سيدة تصل لمنصب رئاسة وزراء بريطانيا  بعد ” المرأة الحديدية” مارجريت تاتشر مما فتح الباب على مصرعيه أمام بوريس جونسون صاحب الشعبية وأكبر مناصري خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تفضيل البريطانيين له كخليفة لتريزا ماي بسبب تصميمه على إخراج بريطانيا وانتقاده المستمر  لسياسات تريزا ماي التي أثبتت فشلها .

                   ترامب البريطاني 

تتسم شخصية بوريس جونسون بالعديد من السمات التي تتشابه مع السمات الشخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، فكلاهما يعتمد على الشعبوية وأسلوب الحشد الجماهيري بالأخص حول القضايا التي تتمحور حول القومية والوطنية مثل مشكلة المهاجرين بالإضافة لذلك يتسم الإثنين بالطموح العالي والشخصية التنافسية والكاريزما العالية .

ويتفق جونسون وترامب في عدد من التوجهات والقضايا ويتسم الرجلان بآرائهم ا المثيرة للجدل فمن المقولات المعروفة لدى البريطانيين ان ” بوريس هو بوريس”  وهي مقولة تدلل على مدى جدلية الرجل الأمر الذي يتشارك فيه أيضا مع ترامب، وبالإضافة للتشابه في الشخصيات لا يمكن تجاهل التشابه الشكلي بين الرجلين حتى أن البعض يصفه بترامب البريطاني بالإضافة إلى ذلك يمتلك بوريس جونسون سجلا من الفضائح والأخطاء الشخصية والتصرفات المثيرة للجدل التي كان لها تأثيرها على مسيرته مثل فضيحة مؤتمر ميونخ للأمن الذي حضره بوريس جونسون كأول لقاء له مع نظرائه الأوروبيين منذ تقلده المنصب ذكر فيه وبكل فخر ان ” خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو تحرير لها ”  الجملة التي أثارت حفيظة الألمان وأثارت جدلاً واسعاً لدى الحضور ،كذلك تغيبه عن حضور مؤتمر دول غرب البلقان التي تستضيفه بريطانيا لانشغاله بتقديم استقالته في نفس التوقيت مثل هذه التصرفات وغيرها تدلل على مدى التشابه بين بوريس والرئيس الأمريكي ترامب الذي دعمه في زيارته الأخيرة للندن وأثنى على عمله كوزير سابق للخارجية وأكد أنه سيكون اختيار مثالي لرئاسة وزراء بريطانيا .

محمد هيكل

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى