إسرائيل

التشكيل السياسي في إسرائيل .. اليمين “القومي” مقابل “الديني”

تعرضت إسرائيل لتداعيات اجتماعية-اقتصادية جراء أزمة “كورونا”، تمثلت في بلوغ نسبة البطالة 27% (سبتمبر 2020)، كما لم تنجح الحكومة في إنقاذ رواد الأعمال من الخسارة، بخلاف انخفاض معدلات الاستهلاك.

وقد مثّل هذا الوضع العامل الأهم ضمن العوامل التي تسببت في تآكل شعبية حزب “الليكود” (الحزب الحاكم في إسرائيل). وهو أيضا الوضع الذي راهنت عليه نصف أحزاب إسرائيل من أجل إقصاء نتانياهو من الحياة السياسية، تُرجم ذلك مؤخرا في التصويت على القانون ” القراءة الأولى” على حل “الكنيست” والذهاب إلى الانتخابات الرابعة.

تميل التقديرات للقول إن الليكود (وزعيمه نتانياهو) لن ينجحا في تشكيل حكومة مستقرة بناء على توقعات بخروج الليكود بنتيجة مدوية بعد الانتخابات؛ كون أن هناك تكتلات سياسية تتكاتف ضده.

ولكن لن يتم التطرق لأي توقعات لنتائج الانتخابات أو ما إذا سيسعى نتانياهو لغلق صفحة الانتخابات بعد النزول إلى رغبة شريكه في الحكومة “بيني جانتس” بتقديم قانون الميزانية إلى الكنيست قبل 23 ديسمبر الجاري بل ستتم قراءة التشكيل السياسي الطارئ في إسرائيل مؤخرا.

أولا: سيطرة حزب الليكود.. كيف؟

بعد هزيمة إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، بدأ حزب الليكود كحزب “وسط يميني-قومي” يتبنى رواية أن أحزاب اليسار لن تقدر على قيادة دفة إسرائيل؛ مما قاد الحزب إلى امتلاك قاعدة سياسية تتسع بشكل ملحوظ حتى انتخابات 2006 التي حصل فيها الحزب على 9% فقط. حينها استهدف حزب الليكود مجموعة من الركائز من أجل استعادة المكانة ومن ثم احتكار الحياة السياسية، يمكن عرض أبرزها كالتالي:

*- تبني الشعبوية-اليمينية: تعني كلمة “ليكود” في العبرية أي “التكتل”، ويرجع ذلك إلى أن حزب الليكود هو مجموعة من التكتلات الايديولوجية التي تعكس جميع التيارات السياسية في إسرائيل تقريبا ما عدا اليسار المتطرف. هيمن على هذه التكتلات الصفة الشعبوية، واليمينية الدينية، والقومية، دمجت ثلاث فئات اجتماعية تتصاعد شريحتها الديموغرافية في إسرائيل، وهي: “المزراحيم” (أي يهود من أصل شرق أوسطي وشمال أفريقي)، والطبقات الدنيا والمتوسطة، و”الحريديم” (وهم المتشددون دينيا؛ بشكل أساسي المستوطنين في الضفة الغربية). وبالتالي نجح الليكود في التعبير عن أكبر قاعدة سياسية في إسرائيل.

*- سياسات اقتصادية لصالح الطبقة المتوسطة: من أجل الحفاظ على تماسك هذه الكتلة، دمج التحالف اليميني الخطاب الإقصائي الشعبوي مع سياسات اقتصادية معينة استهدفت تمكين الطبقة المتوسطة وتعظيم حجمها، من خلال تطبيق نظام ضريبة الدخل السلبية، وإعانات مدرسية، وتحفيز الادخار الفردي، إعانات سكنية. وُجهَت تلك السياسات بالأساس لدعم المستوطنين في الضفة الغربية، مما شكل أساسا اقتصاديا لتمكين كتلة ديموغرافية شعبوية راديكالية هائلة.

*- الإقصاء السياسي: خاصة تجاه الأقلية العربية الفلسطينية، والأحزاب اليسارية، ونجح الليكود في تشكيل وعي سياسي يقوم على رفض وجود الآخر (والمقصود هنا الفلسطينيون). كما أن الطابع النخبوي لليبرالية يسار الوسط، والوسط منع جاذبيتها في أعين الطبقات الشعبية التي تدعم الليكود، في مجتمع تكون فيه قيم المجتمع اليهودي التقليدية-الدينية بارزة.

يمكن القول في هذا السياق إن “نتانياهو” نجح في دمج التيار القومي لأحزاب الوسط، ضمن التيار الديني الراديكالي لأحزاب اليمين المتطرف في تكتل واحد وهو حزب الليكود. مما دفع الليكود لأن يكون قاطرة أحزاب الوسط اليميني، واليمين المتطرف في إسرائيل، بعد إدراكه أثر وقوة الدين لدى قطاع ديموغرافي واسع وصاعد، يمثل 21% من المجتمع الإسرائيلي، وهو المجتمع الحريدي.

ثانيا: اليمين في إسرائيل ينافس نفسه

تمكنت الأحزاب اليمينية بشقيها الوسط والمتطرف، طيلة السنوات الأخيرة، في تنظيم ذاتها وصياغة رواية متماسكة تفرض ضرورة دمج الهوية الدينية ضمن السياسة والسعي لتحويل إسرائيل إلى دولة يهودية (وهو ما تم تنفيذه عبر قانون القومية في 2018)، ورفض الوجود الفلسطيني، وإقصاء أي تيار يدعم قيام دولة فلسطينية، وهو ما عدّ نجاحا طيلة العقد الأخير منذ 2009.

ولكن عاق هذا المشهد؛ هو أنها لم تنجح بشكل كبير عملية الاقصاء السياسي لتيار اليسار والوسط الرافض للأحزاب الدينية، بل تمكنت من صياغة رواية غير منتظمة نسبيا تناهض فكرة دمج الدين في السياسة، وتوافق على فكرة قيام دولة فلسطينية. اعتمدت هذه الأحزاب مؤخرا على فشل نتانياهو والأحزاب الدينية في إدارة أزمة كورونا بل والتسبب في نشر الفيروس عبر الاجتماعات الدينية التي يقوم بها المستوطنون، مما مكّنهم من التصويت على قانون حل الكنيست بشكل مبدئي (من قبل 61 نائبا من أصل 120).

مؤخرا، أعلن جدعون ساعار انشقاقه من حزب الليكود وتشكيله حزب “أمل جديد” (حزب يميني، حصل في أول استطلاع رأي له على 18 مقعد) وطرد كتلة “ديريخ هاآرتس” من حزب أزرق-أبيض وانضمامها لحزب أمل جديد، ونفتالي بينيت زعيم تكتل يمينا (التكتل اليميني المتطرف، حصل على 16 مقعد في أحدث استطلاع رأي).

فمن الملاحظ أن التيار اليميني يسعى لتشكيل أحزاب جديدة، فيمكن فهم هذا المشهد على أنه محاولة لإحداث زخم سياسي يفضي بسيطرة رواية واحدة على المشهد في إسرائيل، وهي الرواية اليمينية؛ وهو ما سينتج عنه إحداث مزيد من الهشاشة على الأحزاب اليسارية أو الأحزاب الداعمة لقيام دولة فلسطينية.

ولكن من خلال ملاحظة تسلسل الانشقاقات الحزبية يتبين أن التيار اليميني يرغب في فصل نفسه إلى معسكرين متماسكين؛ المعسكر اليميني القومي، والمعسكر اليميني الديني. لعدة عوامل، هي:

*- تكريس الاستيطان ومخططات الضم: إذ لاحظت الأحزاب الدينية أن نتانياهو يعتبر للعوامل السياسية الإقليمية والدولية أكثر من العوامل الأيديولوجية.

*- فساد حزب الليكود: ترغب الأحزاب الدينية بعدم وصم نفسها بالاتهامات المتلاحقة على نتانياهو والتي قد تقلل من شعبيتها. وهو اتجاه بدأ يتنامى داخل الليكود ذاته، بأن نتانياهو بات عبئا على شعبية الحزب.

*- تصاعد القوة الديموغرافية للأحزاب الدينية: يدرك اليهود المتشددون أن أصبح لهم قوة ديموغرافية مستقلة تتصاعد حتى وصلت إلى 16% من حجم السكان حسب جهاز الإحصاء الإسرائيلي. مما يتيح لهم أن يصبحوا قوة سياسية غير تابعة.

الخلاصة

مما سبق يمكن تأكيد مجموعة من النقاط الأساسية، وهي:

*- يتشكل المشهد السياسي الإسرائيلي من أجل القضاء على الأحزاب اليسارية أو الأحزاب التي تدعم القضية الفلسطينية، والاتجاه نحو أحادية قطبية يمينية في إسرائيل.

*- لا يعني انقسام اليمين إلى قومي وديني العداء الأيديولوجي بينهما، بل محاولة استغلال تفكك القاعدة السياسية الشعبية لحزب الليكود جراء أزمة كورونا، ومن ثم الاستحواذ على أكبر قدر من الداعمين، وبالتالي إمكانية تشكيل ائتلاف يميني مستقر.

*- الوقت ليس في صالح الفلسطينيين، فالأحزاب الإسرائيلية (اليمينية) تتنافس فيما بينها على تقاسم هدر حقوق الفلسطينيين والقضاء على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، بسبب الاستيطان أو ضم الأراضي. *- لا يمكن الجزم بعد بمستقبل نتانياهو السياسي، فلا يزال لديه القدرة على تحويل دفة الأمور إلى صالحه حتى في حالة الإعلان عن انتخابات مبكرة في مارس المقبل.

+ posts

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

شادي محسن

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى