مصر في أرقام

سوق العملات الرقمية.. هل تلقى “ليبرا” رواجا في مصر

ظهرت العملات الرقمية في عام 1993 ولكنها تطورت على مر الأعوام إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي في آخر صورها والتي أعلن عنها موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” وهي عملة “الليبرا”.

وتعد العملات الرقمية نوعا من العملات والتي تتاح فقط بشكل رقمي، ولا وجود لها على أرض الواقع بشكل مادي مثل النقود المعدنية والأوراق النقدية.

ويتميز هذا النوع من العملات بأنها تسمح بالمعاملات الفورية وتتيح لمستخدميها شراء السلع والخدمات، فهي رصيد مالي مسجل بشكل إليكتروني ولكنها ظهرت في مصر واقتصر التعامل بها على مواقع “سوشيال ميديا” وكذلك الألعاب الإليكترونية. 

وأدت الابتكارات المرتبطة بمنصات الدفع الإليكتروني إلى تقليص دور العملة النقدية حيث أوضحت مؤسسة UK Cards Association أنه في عام 2016فقط أُجريت 78 % من عمليات الإنفاق في المملكة المتحدة باستخدام البطاقات بمختلف أنواعها، وهو ما يُنبئ عن ظهور جيل جديد من أشكال تداول العملات، مما يُمهد الطريق إلى انتشار العملات الرقمية والتي لا وجود مادي لها. 

         منصات العملات الرقمية

ظهرت المنصات والوسائط الجديدة للمعاملات النقدية قبل وقت ليس ببعيد، حيث ظهرت لها أدوار مختلفة منها إتاحة النقود الإليكترونية في نظام تبادل القيمة، وهي بدورها تعرض أوجه الكفاءة في عمليات الدفع من أمثلتها مواقع Venmo وPaypal وتطبيقات Nutmeg الاستثمارية والتي تتيح للأفراد سهولة التعامل من خلال واجهة بسيطة يمكنهم التعامل معها بدون أدنى قواعد التعامل المالي والتقني. ومن المتوقع أن تقدم هذه المنصات تقنية دفاتر حسابات موزعة والتي قامت عليها في الأساس عملة “بتكوين” لتبادل العملات والأصول الرمزية بين المنظمات والأفراد. 

قدمت كذلك العملات المشفرة والتي تعد عملات رقمية يتحكم بها أفراد بشكل سري ذات رموز وتشفيرات آمنة، ولا علاقة لها بالعملة الورقية أو المعدنية المادية المتداولة حاليًا. وتوجد أمثلة كثيرة للعملات الرقمية الآن أبرزها عملة “بتكوين” والتي تجري بها معاملات تتراوح ما بين 150.000 و350.000 معاملة بشكل يومي فقط عام 2016، والتي لا تخضع لأي سلطة مركزية. في حين ظهر توجه نحو إصدار العملات الرقمية من خلال البنك المركزي CBDC والذي يتحكم بحجم وكمية انتاج هذه العملات.

بدأت المؤسسات العالمية والبنوك في التعامل مع العملات الرقمية بداية من “بتكوين” مثل البنوك السويسرية والشركات العالمية مثل شركات مايكروسوفت وإيكيسبديا للسياحة ومايكروسوفت، بينما اعتمدت روسيا عملة كريبتو روبل كعملتها الرقمية الرسمية، ولم تقف عند هذا الحد، بل قامت روسيا بإخضاع كريبتو روبل لرقابة البنك المركزي الروسي وفرض الضرائب الثابتة عليها والتي تُقدر بـ 13 % وذلك في خطوة منها لتجنب عمليات غسيل الأموال. وأطلقت فنزويلا عملتها الرقمية باسم بترو في محاولة منها لتجنب العقوبات المالية الأمريكية والتي أدت بدورها لتدهور اقتصاد فنزويلا، ولهذا خصصت 5 مليار برميل نفط لتغطية إصدار البترو. بينما قامت الإمارات العربية بإطلاق عملتها الرقمية الرسمية كذلك إم كاش والتي يمكن استخدامها في خدمات الدفع الإليكتروني الحكومي والغير حكومي، في حين تُخطط مؤسسة النقد العربي في السعودية لإطلاق عملتها الرقمية الخاصة كذلك بشكل تجريبي للتداول بين البنوك، بينما تسعة للتوسع في التعاملات المالية الرقمية مستقبلًا. بدأت اليابان في دراسة إطلاق عملة رقمية جديدة تنوي الإعلان عنها بالتزامن مع دورة الألعاب الأوليمبية في طوكيو عام 2020. 

       “بتكوين” في مواجهة التحول التكنولوجي

تعد “بتكوين” عملة إليكترونية استطاعت أن تجذب انتباه العالم مؤخرا حتى تتضح معالم مختلفة في تحول المجتمعات وتمثل نظام دفع عالمي يمكن مقارنته بالعملات الأخرى المختلفة مثل اليورو والدولار، وهي أول عملة رقمية لا مركزية تعمل على نظام بدون مستودع مركزي ولا تخضع لهيئة تنظيمية مركزية. ويتم تداولها بدون وسيط مالي باستخدام التشفير، اخترعها ساتوشي ناكاموتو عام 2009. 

بدأ اعتماد “بتكوين” منذ فبراير 2015 من خلال إعلان أكثر من 100.000 متجر لها كعملة مقبولة للدفع مقابل منتجاتهم وخدماتهم، في حين قدمت دراسة في جامعة كامبريدج إحصاءات تشير إلى أنه في عام 2017 فقط أصبح ما بين 2.9 و5.8 مليون مستخدم يمتلكون محفظة لعملة رقمية ومعظمهم يستخدمون “بتكوين”. 

وقد وصلت قيمة “بتكوين” إلى أعلى سعر لها حيث تجاوزت 14 ألف دولار وظهرت بعد هذه القفزة عدد من العملات الأخرى إلى أن وصلت الآن عدد هذه العملات حوالي 2100 عملة رقمية.

     “فيس بوك” يقتحم سوق العملات الرقمية

ومن المدهش توجه منصات التواصل الاجتماعي والتي من أشهرها وأولها موقع الفيس بوك إلى إصدار عملتها الرقمية الخاصة بها، وذلك ليتحول الموقع إلى منصة تُجارية بحتة، فقد أثار إعلانه عن إطلاق عملته الرقمية باسم ليبرا والتي تُشاركه فيها حوالي 27 مؤسسة حول العالم، والتي يهدف بها إلى إنشاء بنية تحتية عالمية مالية لمساعدة مليارات الأفراد حول العالم خاصة وأنها تعتمد تقنية بسيطة تدعم بلوك تشين، ومن المتوقع أن يبدأ تداول الليبرا خلال عام 2020. 

في إطار إعلان مارك زوكربيرج مؤسس الفيس بوك لإطلاقه ليبرا فإنه يسعى من خلالها بتطوير شراكاته لتقوم الشركات على مستوى العالم بتداول ليبرا كبديل للعملات المادية التي استمرت في تداولها، وتدعم بعض الشركات التعامل بـ ليبرا مثل شركات الدفع مثل فيزا وماستر كارد، وشركات التجارة والاتصالات الإليكترونية مثل ستريب وباي بال وبوكينج دوت كوم وأوبر، وكذلك شركات الدمج المالي مثل كيفا وميرسي كروب، وشركات التشفير مثل كوين بايز وإيكسابو وبيسون تريل وغيرها مما يسمح بالابتكار في شبكة ليبرا الجديدة. 

هل يمكن لمصر أن تنافس في سوق العملات الرقمية؟ 

أصبحت مصر في مصاف الدول التي تتجه لرقمنة الخدمات وخاصة الخدمات الحكومية والتي من شأنها تيسير التعامل ومواكبة التطورات المتسارعة التي لم تترك لنا طريق للانطلاق دون اللحاق بالركب. 

فقد أصبح من المؤكد أن لخطوة البنك المركزي المصري والتي تتمثل في إطلاق عملة رقمية مقابلة للجنيه مع ارتفاع سعر الصرف للجنيه مقابل العملات الأجنبية وأبرزها الدولار الأمريكي، وكذلك مع تسجيل الجنيه مركز متقدم في معدلات النمو النقدي خلال هذا العام، وهو ما يجعل من المهم أن يبدأ المجتمع والحكومة هذا التوجه الرقمي، فمن المتوقع أن يؤثر هذا بشكل كبير على الخزانة العامة للدولة واحتياطي النقد الأجنبي الذي سيتوفر بشكل كبير.

       العملات الرقمية في مصر

بدأ التعامل بالعملات الرقمية في مصر منذ بداية ظهور “بتكوين”، ولكن الحكومة اتجهت إلى الاندماج في سوق العملات الرقمية بنهاية 2018، حيث أعلن البنك المركزي اجراءه لدراسة جدوى حول إطلاق عملة رقمية موازية للجنيه المصري وذلك تحت إشراف البنك المركزي.

 ويسعى البنك المركزي إلى التحول الرقمي الذي يؤدي إلى تقليل اعتماد المؤسسات والمجتمع على العملات النقدية وتقليل تداول الكاش بالإضافة إلى زيادة العائد على الاقتصاد القومي. 

ومن المتوقع أن توفر مثل هذه الخطوة الجهد والتكلفة والوقت الذي يستغرقه المتعاملون بالعملات النقدية. في حين يقنن البنك المركزي التعاملات النقدية الرقمية، حيث يحظر تشغيل أو إنشاء منصات لتداول أو إصدار النقود الإليكترونية أو العملات المشفرة أو الترويج لها بدون الحصول على تراخيص يقننها المركزي، في حين يتحكم البنك المركزي بحقوق إصدار القواعد التنظيمية التي ترتبط بحجم وكمية وتنظيمات تداول هذه العملات. 

            مستقبل العملات الرقمية

يوجد أكثر من سيناريو لمستقبل سوق تداول العملات الرقمية فمن غير المنطقي أن تستحوذ هذه العملات على السوق ككل، حيث ستسعى بالضرورة البنوك المركزية إلى الحفاظ على عملاتها الخاصة. ولكن في سبيل مواكبة البنوك المركزية للأسواق المنافسة المتنامية للعملات الرقمية ستتجه حتما إلى إطلاق عملاتها الرقمية المقننة المملوكة للدولة للحفاظ على خصوصيتها بالإضافة إلى الحفاظ على الأمان المالي في عمليات التداول الرقمية وحماية عملاءها من عمليات القرصنة المتوقعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى