السودان

“عهد جديد”: ما تَبعات رفع السودان من قائمة الإرهاب رسميًا؟

وقّع “مايك بومبيو” وزير الخارجية الأمريكي، اليوم المُوافق 14 ديسمبر 2020، إشعارًا بإلغاء تصنيف اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وفقًا للسفارة الأمريكية في الخرطوم، وجاء ذلك  بعد فترة إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، المنتهية ولايته، يوم الاثنين المُوافق 19 أكتوبر 2020، عبر حسابه الشخصي على موقع تويتر، أنه تم أخيرًا إزالة تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، وما تَبعه من إجراءات عملية لاستكمال رفع تصنيف السودان من قائمة الإرهاب التي تطلبت تعاونًا من الكونجرس واستغرقت مهلة 45 يومًا أمامه لإبداء الاعتراض أو قبول القرار، ولكن لم يعترض الكونجرس على ذلك، وأصبح القرار مُؤكدًا وساري المفعول بدايةً من اليوم، وسيُنشر في السجل الفيدرالي الأمريكي.   


وقبل أيام قليلة، تم تمرير مشروع مُراجعة موازنة الدفاع الأمريكية، حيث تم إلحاق بها مجموعة مشاريع أخري، ومنها مشروع قانون “دعم التحول الديمقراطي في السودان”، وعلاوةً على ذلك، لم يكن هناك اعتراض خلال فترة إخطار الكونجرس بشأن رفع السودان من قائمة الإرهاب، مما يعنى تفهم طبيعة التغيرات التي تحدث في السودان، ومُحاولةً لدعم هذا التحول.    

وفى هذا السياق، ما الذي يُتيحه هذا القرار للسودان؟ وكيف يستفيد الشعب السوداني من هذا القرار؟ وما عَقبات إعادة “الحصانة السيادية” للسودان بشأن عدم مُقاضاة ورفع دعاوى قضائية من قِبل ضحايا الإرهاب على السودان مُستقبلاً؟

أهمية الخطوة      

تُمثل هذه الخطوة مُنعطفًا تاريخيًا بالنسبة للسودان بعد سبعة وعشرين عامًا على تصنيف السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتبديد ثروات البلاد نتيجة لذلك، وحدوث سيولة أمنية في البلاد خلال نظام “البشير”.

وبهذا القرار ينفتح المجال لتحقيق مكاسب في مختلف القطاعات وأبرزها؛ قطاع الصحة، حيث سيُتاح الوصول إلى التكنولوجيا الصحية والعلاجية اللازمة، مع إمكانية الحصول على الموارد المالية المُخصصة لدعم الدول في تعاملها مع الآثار الصحية والاقتصادية لجائحة “كورونا”. وبجانب ذلك هناك آثار إيجابية أخرى يمكن توضيحها على النحو التالي:     

  • فتح آفاق اقتصادية: يَسمح هذا القرار لرؤوس الأموال الأجنبية وتحديدًا الأجنبية بالدخول للعمل والاستثمار في مختلف المجالات التي غابت لفترة طويلة عن السودان، فلم يعد لدى المستثمرين أية قيود قانونية، ومن المُتوقع تحّسُن نسبي في العملة السودانية، ولكن ليس بشكل عاجل، لعدم توافر احتياطات نقدية حقيقية تجعل النظام المصرفي العالمي يُعيد ثقته في النظام المصرفي السوداني، وسيتطلب ذلك وقتًا أو إجراءات عاجلة من خلال ضخ أموال من الخارج في البنك المركزي السوداني على الأقل لتقليل حجم الفجوة في الميزان التجاري وتعزيز ثقة النظام المصرفي العالمي مرةً أخرى.     
  • وبذلك، يُعدُّ القرار خطوة أولى يتبعها خطوات أخري لجذب المستثمرين، وفتح المجالات لديهم بعد تجاوز كافة العقبات الاقتصادية الحالية في السودان، وتوقف الحرب بتوقيع اتفاق “جوبا” للسلام، وقد بدأ بالفعل التعاون مع شركات مثل جنرال إلكتريك، وبوينغ، وغيرها.        
  • تدفق المساعدات وإعفاء الديون: من خلال تيسير إجراء العامليين في الخارج للتدفقات المالية، وستدخل هذه العمليات النظام المصرفي السوداني، مما يعزز قيمة الجنية السوداني، وعليه، يتوجب تعديل سعر الصرف، حيث أعلنت وزيرة المالية السودانية “هبة محمد على”، بأن بلادها ستعمل على صياغة قوانين جديدة للاستثمار، وتغيير سعر الصرف، ووقف الاستدانة وسداد ديون الحالية المُقدرة بحوالي 60 مليار دولار. وسيتم مُعالجة هذه الديون عن طريق مُبادرات مثل HIPC، وبالتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية، في ظل الوعود الكبيرة بإعفاء الديون من نادي باريس، والمجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي، والدول الدائنة الأخرى، ومن المُتوقع أن يحصل السودان على 7.1 مليار دولار سنويًا بعد سداد ديونه الخارجية، وتتوجه هذه الأموال في مجال تطوير البنية التحتية.   
  • وبذلك، يستطيع السودان الاستفادة من مؤسسات المجتمع الدولي؛ صندوق النقد الدولي، ومجموعة البنك الدولي، وصناديق التمويل الأخرى، من أجل تحسين الوضع الاقتصادي المُتردي، وتحويل الأموال بطريقة سلسة في ظل تعَثر التحويلات عن طريق قنوات رسمية سابقًا.       
  • دخول التكنولوجيا الحديثةالسماح للشركات السودانية بالوصول إلى رأس المال ودفع المشتريات عبر الإنترنت من خلال التكنولوجيا والبرمجيات؛ بطاقات الائتمان والخصم غير المتوفرة على نطاق واسع في السودان خاصًة التكنولوجيا الأمريكية والغربية، علاوًة على ذلك الانفتاح على التكنولوجيا بدايةً من الطائرات لنظم الملاحة المساعدة وأنظمة الرادار الحديثة، والخطوط الجوية والبحرية السودانية، وخطوط السكة الحديد، والتي دُمرت بنيتها التحية بنسبة 80% بسبب حظر استيراد قطع الغيار. بالإضافة إلى ذلك دخول مشروعات النقل البحري والنهري الجديدة، وإتاحة استخدام البرمجيات والماكينات وقطع الغيار الحديثة للمصانع السودانية.  
  • وعليه، سَتنعكس آثار التكنولوجيا على اقتصاد السودان بشكل سريع وتحديدًا في مجال الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين، والتنقيب عن الذهب والنفط، مما ينعكس ذلك على المواطنين السودانيين.   
  • وفيما يتعلق بالتعليم والبحث العلمي، بعد مُعاناة عشرات الطلاب والباحثين السودانيين، يمكنهم الآن الوصول للمصادر العلمية الأولية مع إمكانية قبولهم بمنح علمية في جامعات أمريكية، منعوا منها سابقًا. كما سيتم توفير خدمات الشركات الغربية على الإنترنت مثل شركة أوراكل، وأدوبي، وبعض خدمات جوحل التي حجبت من قبل.  

إشكالية إعادة “الحصانة السيادية” للسودان     

تعول الحكومة السودانية على قرار  رفع اسمها من قائمة الإرهاب إذ عملت من أجله منذ فترة وجعلته ضمن أولوياتها، ودفعت التعويضات التي بلغت 335 مليون دولار. ومع ظهور مُطالبات أخري، تتمسك الحكومة السودانية بشـأن الحصول على مشروع الحصانة السيادية الذي يُوفر للسودان الحماية ضد الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة مُستقبلاً.    

ولذا، تجري مُفاوضات بشكل شبه يومي بين وزارة الخارجية الأمريكية من جهة والمعارضين في الكونجرس من جهة أخرى مُحاولةً لتخطي العقبات وتمرير المشروع قبل رفع الكونجرس رسميًا لجلساته في 18 ديسمبر الجاري، ويمكن للكونجرس الجديد الذي سيتسلم أعماله رسميًا في الثالث من يناير2021 أن ينظر في إقراره.      

ولكن، لاتزال الحصانة السيادية للسودان من القضايا العالقة في الكونجرس الأمريكي، فأموال التعويضات التي تم تضمينها في الاتفاق الثنائي بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية، لن يتم الإفراج عنها دون تمرير مشروع الحصانة السيادية، وهذا المشروع عالق لسببين؛ الأول: المُعارضة من جانب الديمقراطيين، في ظل تمسكهم بعدم شمول مشروع الحصانة السيادية تعويضات ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، وكذلك عدم تضمين الدعاوى القضائية من أهالي الضحايا داخل المشروع، أما الثاني: ترى الخارجية الأمريكية أن  تكون تعويضات أسر الضحايا  من قبل أموال أمريكية وليس سودانية.    

قد يُمثل عدم عودة الحصانة السيادية للسودان مرةً أخري، حجر عثرة في طريق السودان بشأن المُستقبل، في حين يرى البعض أن ذلك لا يعني عودة السودان إلى قائمة الإرهاب مرةً ثانية، لاحتياج ذلك سياقات مُختلفة.

وفى هذا الصدد، هناك اتجاهان أحدهما مؤيد لإعطاء السودان الحصانة السيادية، والآخر مُعارض لذلك:    

  1. اتجاه مؤيد: يري هذا الاتجاه إعطاء الحصانة السيادية للسودان تماشيًا مع ما حدث في السودان من ثورة، وحفاظًا على الديمقراطية، حيث أكد “عبد الله حمدوك” رئيس الوزراء السوادني أن بقاء السودان في قائمة الإرهاب سيؤثر على التحول الديمقراطي، وبالتالي على المنطقة ككل، وربما على الأمن والسَلم الدوليين.     
  2. اتجاه مُعارض: يَتبني هذا الاتجاه السيناتور “بوب مننديز” عن ولاية نيو جرسي، والسيناتور “تشاك شومر” عن ولاية نيويورك، وهو اتجاه رافض لأي مشروع لا يتضمن حماية أي تعويضات مُحتملة لضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، ولا تزال المساعي جارية للتوصل إلى تسوية مع المشرعين في هذا الملف.    

فكل الأطراف تعلم جيدًا أهمية تمرير المشروع للإفراج عن التعويضات التي قدمها السودان لضحايا الهجمات الإرهابية على السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا عام 1998 والمدمرة الأميركية كول عام 2000، كما أن الحصانة السيادية ضرورية لعدم مُطالبة السودان بدفع مزيد من التعويضات في حال رفع دعاوى إضافية ضده في الولايات المتحدة.

فأموال التعويضات التي حوّلها السودان، والموجودة في حساب مُعلقة بانتظار إقرار المشروع، وستبقى في ذلك الحساب حتى أكتوبر المُقبل، وفي حال عدم تمرير المشروع قريبًا فإنه سينسحب من الاتفاق.    

ولذا يوجد ثلاثة احتمالات بشأن مشروع الحصانة السيادية السودانية:

  1. تمرير مشروع الحصانة السيادية، وذلك بشروط يتم التوافق عليها من قِبل الطرفين.
  2. مُحاولة الخارجية الأمريكية والجمهوريين اعتماد تمرير مشروع الحصانة السيادية للسودان بالبنود الأساسية التي لا تتضمن تعويضات ضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقد يتمكن الجمهوريون من ذلك في ظل الأغلبية بمجلس الشيوخ، ولكن قد يصطدم ذلك بمجموعة من العَقبات.
  3. انتظار الإدارة الأمريكية المُقبلة بقيادة “جو بايدن” للتطرق لمشروع الحصانة السيادية للسودان.  

وختامًا، يُمثل هذا القرار بالنسبة للسودان خطوة كبيرة في ظل انتظاره لفترة طويلة، ومُعاناة الشعب السوداني في سُبل عيشه سواء في مرحلتين العقوبات الأمريكية أو مرحلة التعافي خلال دفع التعويضات لضحايا الهجمات الإرهابية، والتي كَلفت السودانيين الكثير، واليوم أصبح السودان حرًا في التعامل لتطوير علاقاته مع المجتمع الدولي، ولكن رغم ذلك لاتزال أمامه عَقبةً أخيرة تتمثل في إعادة الحصانة السيادية للسودان حتى لا يتعرض لمزيد من الدعاوى القضائية والتعويضات مع المتضررين من الإرهاب في المُستقبل.   

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى