
القطاع السياحي المصري.. التحديات والفرص
يتطلع القطاع السياحي المصري في 2021 إلى تجاوز أحدث أزماته، والتي بدأت تداعيتها مع ظهور وباء COVID-19، حيث أدى الانتشار العالمي السريع للفيروس بداية من شهر فبراير الماضي إلى تسجيل القطاع لانخفاض ملحوظ في أعداد السائحين وأيضًا في أعداد الحجوزات المستقبلية، وهو ما أدى إلى خسارة ما يقرب من 85% من جملة إيراداته خلال 2020. لكن التوقعات المتفائلة بقرب عودة النشاط السياحي تتصاعد في هذه الأيام، خاصة وأن العديد من الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وإنجلترا والصين بدأت فعليًا في إنتاج لقاحات فعالة ضد كورنا المستجد، وهو ما من شأنه أن يعيد الطمأنينة لكافة السائحين، وسيشجعهم على الخروج من بلدانهم بهدف السياحة والترفيه.
تعافٍ مستمر رغم توالي الأزمات
واجه القطاع السياحي المصري خلال العقد الماضي سلسلة من الأزمات المتعاقبة التي أثرت عليه بشدة، ولقد ظهرت أولى تلك الأزمات عقب اندلاع الفوضى السياسية والأمنية في البلاد مطلع 2011؛ حيث اعتبرت العديد من الدول المصدرة للسائحين في ذلك الوقت أن مصر دولة غير آمنة، لذلك منعت تلك الدول رعاياها من السفر إلى مصر.
مع بداية العام التالي 2012 حدث تعافٍ ملحوظ في الحركة السياحية، حيث انطبعت الخطوات المتخذة من أجل إيجاد حل سياسي ديمقراطي في مصر على وجهة نظر الدول الأجنبية المصدرة للسائحين، وهو ما شجعها كي تخفف قراراتها بمنع السفر إلى مصر، لكن وضع القطاع السياحي تراجع للوراء أواخر 2012، وذلك مع محاولات التيارات الإسلاموية السياسية للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد وهو ما أدى إلى حدوث حراك مجتمعي مضاد أشعل فتيل الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013م.
موجة الإرهاب التي نفذتها الجماعات المتطرفة عقب 30 يونيو كان لها دور هي الأخرى في استمرار تدني حالة القطاع السياحي، إذ أدت الهجمات المتعددة التي نفذتها عناصر الإرهاب خلال الفترة 2013-2016 والتي كان أكبرها حادث اسقاط الطائرة الروسية -متروجيت 9268- إلى تدني عدد السائحين الوافدين إلى مصر بنسبة 62%.
لكن مع تولي النظام الحالي لمقاليد الأمور في البلاد، وعمله على تثبيت الاستقرار والامن، وأيضًا تركيزه على قضية دحر الإرهاب خاصة في سيناء، بدأ القطاع السياحي يشهد تعافيًا ملحوظًا، فتصاعدت أعداد السائحين الوافدين إلى مصر لـ 13 مليون سائح –انظر الشكل التالي رقم 1-, وهو أعلى رقم مسجل في تاريخ القطاع بعد أرقام عام 2010م والتي بلغت أعداد السائحين الواصلين إلى مصر فيها 14 مليون.

هذا ما دفع الخبراء السياحيين إلى توقع حدوث إنجازات استثنائية خلال 2020، فلقد كان منتظرًا أن تستقبل البلاد في هذا العام أكثر من 15 مليون سائح، كما كان يجري الاعداد لافتتاح عدد من المشروعات الأثرية والسياحية العملاقة مثل المتحف المصري الكبير ومتحف الحضارة، بالإضافة إلى عدد من مشروعات البنية التحتية المتعلقة بالمجال السياحي كمطاري سفنكس والعاصمة الإدارية، لكن وباء كورونا جاء ليعطل كل تلك الخطط والمشروعات الجارية.
أزمة الوباء المستجد أحدثت حالة عالمية من الهلع، فبعد أن كان فيروس Covid-19 محصورًا في ووهان الصينية خلال ديسمبر 2019 ويناير 2020 بدأ في الانتشار السريع بكافة أنحاء الصين، ثم أخذ في التوسع داخل عدد من البؤر الجديدة داخل قارتي آسيا واوروبا مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا، وهو ما دفع معظم دول العالم ومنها مصر إلى اتخاذ إجراءات عزل اجتماعي مشددة، لتتسبب تلك الإجراءات في تعطيل حركة السياحة بشكل كامل داخل مصر.
إجراءات ناجعة لعودة الحركة السياحية رغم استمرار أزمة COVID-19
لم تستسلم الدولة المصرية لحالة التعطل التي وصل اليها قطاع السياحة عقب اندلاع جائحة كورونا، لهذا عملت على تخفيف عبء الأزمة من عن كاهل المؤسسات والعمالة السياحية، حيث قررت صرف إعانات شهرية من الخزانة العامة لصالح العاملين بالقطاع السياحي وذلك حتى نهاية العام الحالي 2020. كما أجلت سداد فواتير الكهرباء والغاز والمياه المستحقة على المنشآت السياحية والفندقية، بالإضافة إلى تأجيل سداد الرسوم الحكومية والمديونيات ليبدأ سداد تلك المستحقات مع بداية 2021 بشكل مجدول.
كما عملت الدولة على اتخاذ عدد من الإجراءات التي من شأنها تأمين المواقع السياحية ضد خطر انشار فيروس COVID-19؛ وذلك حتى تتمكن من افتتاحها أمام السائحين، فأطلقت في يونيو 2020م كتيبًا بضوابط استئناف الحركة السياحية، ليشمل ذلك الكتيب إرشادات عمل وسائل النقل الجوي وضوابط تشغيل المنشآت الفندقية والمطاعم السياحية والأنشطة الترفيهية، بالإضافة إلى ضوابط زيارة المواقع الاثرية والمتاحف.
ولقد منحت الدولة أيضًا عددًا من الحوافز للقطاع السياحي وذلك لتعزيز الإقبال الدولي على المقاصد السياحية المصرية، فأعفت السائحين القادمين إلى محافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء والأقصر وأسوان من تأشيرة الدخول، وأقرت استمرار العمل ببرامج تحفيز الطيران حتى الربع الأول من العام القادم 2021م.
إلى جانب كل ما سبق، شددت الدولة إجراءاتها الصحية على القادمين إلى البلاد، ففرضت عليهم تقديم شهادة تحليل فيروسات لا تتجاوز مدتها 72 قبل زمن الوصول إلى مصر، ووفرت في المطارات الدولية عددًا من أجهزة الكشف لإجراء الفحص على من ليس لديه شهادة تثبت عدم إصابته بفيروس كورونا المستجد. إلى جانب ذلك خصصت الدولة مستشفيات في كل من شرم الشيخ والغردقة؛ لعزل من ثبتت إصابته من السائحين بالفيروس.
ولقد أدت محصلة تلك الإجراءات التي نفذتها الدولة إلى نجاح القطاع السياحي في اجتذاب قرابة 300,000 سائح إلى محافظات البحر الأحمر وجنوب سيناء، وذلك في الفترة من يوليو إلى نوفمبر 2020.
عام جديد مليء بالتحديات والفرص
يقبل عام 2021 والأخبار تتوارد عن بدء توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في عدد من دول العالم مثل المملكة المتحدة وجمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، فضلًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، إذ من المتوقع أن يتم خلال هذا العام تطعيم كافة مواطني تلك الدول، وهو ما سيحد من إصابات COVID-19 إلى أدنى المستويات.
ومن حسن الحظ أن تلك الدول سالفة الذكر هي من أكبر الدول المصدرة للسياحة الأجنبية إلى مصر، حيث يمثل مجموع السائحين الوافدين من تلك الدول أكثر من 40% من جملة السائحين الذين تستضيفهم البلاد خلال كل عام، كما أن سائحي تلك الدول هم الأكثر إنفاقًا؛ إذ يبلغ متوسط إنفاق الفرد 2,000 دولار خلال الرحلة الواحدة.
لكن ظهور اللقاح حاليًا لا ينهي المشكلة، فمن المتوقع أن تأخذ فترة تلقيح المواطنين في بريطانيا وألمانيا وأمريكا أكثر من 6 أشهر، وهو ما يعني استمرار حالة الأزمة التي تواجهها السياحة المصرية حتى نهاية النصف الأول من العام المقبل 2021، كما أن هناك عاملًا آخر قد يضغط القطاع السياحي الوطني، فالناتج الإجمالي المحلي الإجمالي لتلك الدول تراجع ما بين 10% و32%, وهو مؤشر على انحسار القدرة الإنفاقية للسائح القادم منها، مما سيعني هبوطًا عامًا في الإيرادات التي يتوقعها القطاع خلال العام القادم 2021.
على جانب آخر، فإن التوقعات المتفائلة بعودة نشاط القطاع السياحي تزداد؛ إذ يرى بعض الخبراء أن مصر تمتاز بتنوع الجنسيات الواردة إليها بغرض السياحة, بين وافدين من أقاليم الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق أوروبا ووسط وجنوب آسيا, كما أن مصر أصبحت تشتهر الآن بقلة الأعداد المسجل إصابتها بفيروس كورونا وذلك بالمقارنة مع بعض المقاصد السياحية الدولية الشهيرة –انظر الشكل التالي رقم 2-, لذلك قد نرى في 2021 إقبالًا كثيفًا من جنسيات لم نعهد قدومها إلى مصر إلا بشكل محدود، وإن كانت تلك الجنسيات ضعيفة نسبيًا في قدرتها الإنفاقية.

تحركات مطلوبة
تؤكد جميع الشواهد أن عودة الحركة السياحية في 2021 ستكون ثقيلة، ليست في مصر فقط ولكن في كل دول العالم العاملة بالمجال السياحي، لذلك على مصر أن تبذل الكثير من المجهودات لكي تقتنص أكبر حصة ممكنة من السائحين الدوليين، معتمدة بذلك على ميزتي الأمان النسبي من خطر انتشار فيروس كورونا، وأيضًا انخفاض التكلفة داخل المقاصد السياحية المصرية، وهو ما سيناسب الوضع الاقتصادي الجديد لأغلب سائحي العالم.
لكن لكي تتفوق مصر سياحيًا خلال 2021، لابد لمسؤولي القطاع وأصحاب المصلحة من الشركات والمؤسسات العاملة بمجال السياحة والسفر أن يلتفتوا إلى عدد من النقاط:
– يجب أن يتم استئناف حملات الدعاية التي تبرز أمان المقاصد السياحية في مصر من الناحية الصحية.
– تحتاج الدولة إلى تحفيز شركات الطيران الوطنية على إطلاق رحلات جوية منخفضة التكاليف إلى المدن السياحية الرئيسية كالغردقة والأقصر واسوان.
– يجب على الحكومة ممثلة في وزارة السياحة والآثار أن تحث الشركات والوكالات السياحية على تنفيذ برامج سياحية منخفضة التكاليف مع مراعاة عامل الجودة.
– يجب أن يُراعى خلال الفترة القادمة عامل تشديد الرقابة على المنشآت السياحية والفندقية المقدمة للخدمات السياحية والتأكد من تنفيذها للاشتراطات الوقائية المنصوص عليها.
– التعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة السياحة العالمية ومجلس السياحة والسفر العالمي في إطلاق دراسات تبرز دور مصر الرائد في تنفيذ ما عُرف في بداية 2020 بـ ” السياحة والسفر الآمن “safe travel.
باحث ببرنامج السياسات العامة