روسيا

هجوم إرهابي في روسيا يسفر عن 6 إصابات من بينهم مسؤولون أمنيون

شهدت جمهورية “كارتشايفو تشيركسيا” –إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة- وقوع انفجارين متتالين، أمس الجمعة 11 ديسمبر استهدفا بشكل رئيسي مقر مبنى الأمن الفيدرالي في قرية “أوتشكين”، بمنطقة “مالوكاراتشيفسكي” داخل الجمهورية.

ووفقًا لما نقلته وكالة إنترفاكس الروسية، على لسان مصدر مطلع، فإن دوي الانفجار الأول قد سُمع قرابة الساعة السابعة صباحًا من يوم الجمعة، عندما انفجرت عبوة ناسفة مجهولة الهوية وغير شديدة القوة، ولهذا السبب لم يسفر الانفجار الأول عن أي وفايات أو إصابات. وتلى ذلك مباشرة، أن شاهد مجموعة من ضباط إنفاذ القانون رجلا يركض في اتجاه العاملين في الموقع، وعندها وقع الانفجار الثاني. وقد أسفر الهجوم عن تعرض 6 أشخاص من بينهم مسؤولون أمنيون لإصابات.

يذكر أن الانتحاري صاحب الهجوم الثاني، هتف قبل وقوع الانفجار مباشرًا قائلاً “الله أكبر”. كما نشر المكتب الإقليمي للهيئة الأمنية في القوقاز، في وقتٍ لاحق عقب وقوع الهجوم، مقطع فيديو مسجل يظهر جثة المهاجم وهي ملقاة على الأرض مباشرة بعد وقوع التفجير وقرب المدخل الرئيسي للجهاز الأمني.

وعقب الهجوم مباشرة، نشرت مصادر إعلامية تفاصيل بيانات السيارة التي استقلها الانتحاري في طريقه لموقع التفجير، لافتة إلى أن هذه السيارة مسجلة لدى دوائر المرور الحكومية باعتبارها سيارة تالفة وخارج الخدمة منذ خمس سنوات. مما يكشف عن جوانب تؤكد انتماء المُهاجم إلى جماعات إسلامية متشددة تقطن المنطقة.

“لطخات من الدم.. لحظات عرفتها المنطقة قبل وقوع التفجير الأخير

ليس من الممكن النظر إلى هذا الهجوم بشكل منفصل عما سبقه من أحداث خلال شهر نوفمبر الماضي، والذي من الممكن أن نُطلق عليه أنه الشهر الذي شهد أسوأ موجهة مسلحة في الشيشان برمته منذ سنوات، والتي أسفر عنها مقتل ثلاثة من عناصر الأمن وأربعة من المتشددين، تربطهم صلات واضحة بالتنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الشرق الأوسط مقرًا لها.  وكانت هذه المواجهات المسلحة قد وقعت بسبب القاء الشرطة بالقبض على متورطين في أنشطة إرهابية بالمنطقة، كما أنها تعد جزء لا يتجزأ من الجهود التي تبذلها السلطات الروسية في إطار مكافحة الأنشطة الإرهابية على أراضيها.

كما أن المنطقة تعرف تاريخًا حافلاً من الأنشطة الإرهابية، التي عادة ما ترتبط بنشوء ظواهر العنف والعنف المضاد. وفي ماضي ليس ببعيد، تحديدًا في خلال التسعينيات من القرن الماضي، خاضت روسيا حربين شرستين ضد انفصاليين في الشيشان، وهي المنطقة المجاورة “لكراتشايفو تشيركسيا” في شمال القوقاز. وعلى الرغم من تراجع وتيرة الهجمات على الشرطة خلال السنوات الماضية في شمال القوقاز، إلا أن الهجمات التي تستهدف عناصر الأمن لا تزال تحدث من حين لآخر.

مكافحة الإرهاب في روسيا.. عنف مُتبادل أم قوة الدولة في مواجهة التطرف؟!

وفقًا لسجلات رصد مكافحة الأنشطة الإرهابية في روسيا خلال العام 2020، قالت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا، إن رجال الأمن، أحبطوا أكثر من 40 هجوما إرهابيا في البلاد، منذ مطلع العام الجاري.

وأضافت اللجنة في بيانها، أنه تم القضاء على 49 مسلحا إرهابيا في روسيا، خلال هذه الفترة، فضلا عن نجاحها في اعتقال 36 شخصا وصفوا بأنهم من رؤوس العصابات الإرهابية في روسيا.

وأشارت اللجنة كذلك الوطنية لمكافحة الإرهاب كذلك إلى أن السلطات الروسية حظرت خلال العام دخول 149 أجنبيا إلى روسيا، للاشتباه بتورطهم بنشاطات إرهابية ومتطرفة.

وفيما قبل عام 2020، لطالما عرفت روسيا تاريخًا حافلاً من الأنشطة الإرهابية، التي تخللتها أشكالاً مختلفة من العنف الموجه ضد أجهزة الدولة أو في أحيان كثيرة كان هذا العنف يستهدف توقيع ضحايا من بينهم مدنيين وسلميين. وليس من الممكن مراجعة أحداث العنف من دون النظر عبر طبيعة الجغرافية السكانية لعدد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقًا، وتحديدًا التي تحتوي على كتل إسلامية تتركز عبر بقاع متفرقة من الأراضي الروسية، من ضمنها جمهوريات أوزبكستان وطاجكستان وتركمنستان وكازخستان بالإضافة الى قوميات أخرى موجودة في بقاع مختلفة داخل جمهورية الاتحاد السوفيتي سابقا. وقبل الحديث عن مدى تأثير تيارات الإرهاب المتأسلم على هذه الكتل، ينبغي تسليط الضوء على الطبيعة الديموغرافية للشعوب المسلمة الناطقة بالروسية.

إذ يتشارك أغلب المسلمين من قاطني هذه المناطق في سمات عريضة محددة، مثل الحب الشديد والإخلاص الكبير للإسلام، مع وجود نسبة مرتفعة من الجهل بجوهر القواعد الإسلامية للدين القويم. بالإضافة إلى الإخلاص الشديد لكل ما يطرحه العرب المسلمون من معتقدات وآراء، إذ ينظر سكان هذه المناطق الى العرب بحد ذاتهم باعتبارهم مصدرا من مصادر الدين والشريعة، استنادا إلى قدراتهم الطبيعية على التوغل والتعمق في معاني القرآن الكريم بلغته الأصلية العربية. وبناء عليه ينظر المسلم المتحدث باللغة الروسية إلى كل ما يقدمه المسلم العربي من سلوك باعتباره سلوكا إسلاميا قويما ورشيدا، ويجدر تقليده وتصديقه والعمل به بدون تفكير.

وهو ما يفسر بشكل كبير السبب وراء سهولة انزلاق الكثيرين منهم نحو الإرهاب الداعشي أو السلفي أو حتى الانضمام الى جماعة الاخوان المسلمون. إذ لم تكن أبدا مهمة استخدام الإسلام لتطويع وتجنيد هؤلاء بالمهمة الصعبة أمام التيارات الإرهابية، التي اخترقت المنطقة بسهولة.

ويمكن في ضوء ما سبق، ملاحظة طريقة ارسال التأُثير “الإسلامي المتطرف والمتشدد” والموجه خصيصًا إلى شعوب هذه المناطق، من خلال متابعة قنوات كثيرة على منصة الفيديوهات العالمية “يوتيوب”، إذ توجد قنوات مخصصة ، استخدمتها جهات راعية عن عمد لطرح خطاب شخصيات لها باع طويل في التطرف المبني على مظهر ديني على غرار أبو اسحق الحويني وغيره، وتخصيص ميزانية لانتاج وترجمة هذه الخطابات باللغة الروسية. وبالمتابعة ايضًا يمكن ملاحظة حجم التفاعل الإيجابي الكبير مع الأفكار المتطرفة التي يدعو اليها هؤلاء المشايخ سواء على منصة يوتيوب أو أي صفحات مشابهة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعتبر القوقاز بشكل عام، من أكثر المناطق انتشارا للإرهاب، وهي ايضا مصدرا للهجرة الداخلية، حيث نشر المتشددون من مهاجريها التأثير الإسلامي المتشدد إلى مناطق داخلية أخرى في روسيا. كما تعتبر المنطقة بأكملها بمثابة تربة خصبة لنشأة الأنشطة الإرهابية. ويتألف السكان المحليون من شرائح وقوميات اجتماعية مختلفة، يتمتع اغلبهم بخلفية عسكرية عدا “الأوسيتيين”. كما ذكر أن منظمات إرهابية عدة انبثقت عن هذه المنطقة، مثل “المجلس الأعلى العسكري لشورى قوات مجاهدي القوقاز المتحدة”، “ومنظمة الحرمين”، و”إمارة القوقاز”، بالإضافة إلى المقاتلين في صفوف داعش والمنحدرين من هذه المنطقة تحديدًا. كما تأتي منطقة الفولجا، وعلى وجه التحديد تتارستان وباشكيريا، على قائمة أهم المناطق التي تلعب دورا مهما كمنبع من منابع الإرهاب في روسيا، وفي هذا السياق أيضًا لا يُخفى الدور الذي لعبه مهاجرو القوقاز في نشر وتعميم الإرهاب الإسلامي المتشدد هناك.

وتعتبر المنطقة ساحة مفتوحة لتجنيد المتطوعين وتصديرهم للمشاركة في العمليات القتالية التي تحدث في سوريا والعراق. بحيث انضمت اعداد هائلة من سكان هذه المنطقة الى جماعات إرهابية شهيرة مثل الاخوان المسلمون، ومنظمة حزب التحرير الإسلامي، وداعش وغيرها.

وفي 2015، ووفقًا لتقديرات وزارة الشئون الداخلية الروسية، شارك حوالي ألف ونصف مهاجر من روسيا الاتحادية في أنشطة الجماعات الإرهابية الدولية، وتم رفع أكثر من 300 قضية جنائية ضد مهاجرين روسيون انضموا إلى منظمات ارهابية دولية. وفي الوقت الحالي، يوجد هناك آلاف من الناطقين باللغة الروسية الذين يقاتلون في صفوف داعش في سوريا والعراق، ويتراوح تعدادهم بين 5,000 إلى 7,000 مما يعني أن اللغة الروسية تأتي باعتبارها ثاني أكثر اللغات الأكثر انتشارا في التخاطب في أوساط داعش. ووفقا لتقرير أصدرته مجموعة صوفان، فإن روسيا بالفعل هي أكبر مصدر للمقاتلين الأجانب في صراعات سوريا والعراق

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى