اليمن

“اخوان اليمن”… ارهاصات الميلاد ومراحل التمدد

أثارت عملية ضبط عدد من الأسلحة القطرية في منزل أحد قيادات تنظيم الإخوان في مديرية المعلا بمحافظة عدن، تساؤلات حول طبيعة الدور الإخواني في اليمن، خاصة في ظل تحالف إخواني حوثي يستهدف دول التحالف العربي في اليمن ويعمل على بسط نفوذه على عدد من الجبهات.

                        الارهاصات والتمدد

 لم تكن نشأة جماعة الإخوان في اليمن بعيدة عن مخططات مؤسس الجماعة حسن البنا والذي وجد فيها أرضا خصبة لنشر أفكاره حول أستاذية العالم وعالمية الدعوة، وقد تبلورت النواة الأولى للعلاقة الترابطية بين إخوان مصر واليمن في أعقاب محاضرة ألقاها حسن البنا عام 1929 حول الهجرة والدعوة الإسلامية وقد التقى وقتها مع السيد “محمد زبارة الحسن” أمير قصر السعيد في صنعاء آنذاك، وفي أعقاب هذا اللقاء قام الأخير بزيارة مصر وتعرف على طبيعة الأنشطة الاخوانية ومؤسسات الجماعة ومن هنا بدأت عملية نقل أفكار البنا للداخل اليمني.

وبمرور الوقت بدأت الأفكار الاخوانية في التسرب والتغلغل في الداخل اليمني وقد شكل عام 1948 محطة مهمة للتواجد الإخواني هناك خاصة بعدما شارك إخوان اليمن في الإطاحة بالأمام “يحي حميد الدين” من الحكم ومساعدة “عبد الله بن الوزير” في تولي مقاليد الأمور، إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلاً في ظل رفض شعبي للوجود الإخواني في اليمن وهو ما ساهم بدوره في تقليص هذا النفوذ. 

 ومن خلال إستراتيجية الإخوان المعهودة، وعبر تجمع عدد من الطلاب اليمنيين الذين درسوا في الأزهر وتأثروا بالمنطلقات الفكرية للإخوان تشكلت نواة أخرى للجماعة في الداخل اليمني وذلك تحت قيادة كل من “عبد المجيد الزنداني”و ” محمد المخلافي” وقد دأبت الجماعة على التغلغل في الأوساط اليمنية عبر عدد من الأنشطة الاجتماعية والدعوية وذلك من خلال تدشين دور تحفيظ قرآن وعدد من المدارس الدينية كمحاولة أولى لاستقطاب مزيد من الأنصار والمريدين عبر الشعارات الدينية والدعوية.

  اتصالا بما سبق، شكل وصول “على عبد الله صالح” للحكم محطة فارقة لإخوان اليمن حيث عمل صالح على تقريب الإخوان وتوظيفهم لمواجهة الاشتراكيين واليساريين في الجنوب اليمني، إذ رأي صالح وقتها أن الإخوان هم الضامن وحائط الصد لمواجهة أي نفوذ يساري يمكنه أن يؤثر على تواجده في السلطة.

     وبدأ ظهور الإخوان للعلن وبشكل مؤسسي خلال عام 1990، وهو العام الذي شهد تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح والذي أصبح ذراعاً سياسياً للإخوان، وقد تأسس الحزب على يد ” عبد الله بن حسين الأحمر” وانخرط الحزب في الحياة السياسية اليمنية عبر تحالفه مع المؤتمر الشعبي العام في الفترة من عام 1994 وحتى عام 1997، وقد استطاع الحزب حصد عدد من الحقائب السيادية في أعقاب انتخابات عام 1993 وعام 1994.

      وقد أسست أحداث 11 سبتمبر لعلاقة تباعديه بين على عبد الله صالح والإخوان، خاصة بعدما أقدمت الحكومة اليمنية على إغلاق جامعة الإيمان وطلبت من رئيسها ” عبد المجيد الزنداني” ترحيل عدد من الطلاب الأجانب الدراسين في الجامعة، وفي تطور مماثل أعلنت الحكومة اليمنية وضع المعاهد العملية التابعة للإخوان تحت إشرافها وطالبت بإدماج ميزانيتها ضمن مخصصات وزارة التعليم، وهو ما مثل ضرب قوية لإخوان اليمن حيث شكلت هذه المعاهد محطة مهمة في استقطاب ونشر الفكر الإخواني في اليمن.

ومع تخوف الإخوان من ملاحقات حكومة “على عبد الله صالح” لهم وتفادياً لاستمرار مثل هذه القرارات التي تطوق وتحجم نفوذ الإخوان سارعت الجماعة وذراعها السياسي بالانضمام الي تحالف اللقاء المشترك عام 2003، وقد ضم التحالف بجانب حزب التجمع اليمني للإصلاح عدد من الأحزاب والفرقاء اليمنيين ومنهم الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الناصري، وحزب البعث القومي، وحزب الحق، والتنظيم السبتمبري الديمقراطي، واتحاد القوى الشعبية اليمنية.

         مواقف متأرجحة تنتهي بدعم الإخوان للحوثي

شهدت مرحلة ما بعد أحداث 2011 في اليمن، حالة من المراوغة الإخوانية واللعب على كافة الأوتار بصورة براجماتية تضمن لها تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، ففي بداية أحداث 2011 أعلن الإخوان تأييدهم للحراك الشعبي ضد “على عبد الله صالح”، وبمرور الوقت وفي أعقاب سقوط صنعاء في يد الحوثيين ومع تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أعلن الإخوان دعمهم لعاصفة الحزم، ورغم إعلان هذا الدعم إلا أنإخوان اليمن لم يشاركوا بأي دور فعلي في مجابهة ومواجهة التمدد الحوثي، وقد كشفت الأحداث فيما بعد عن وجود علاقة بين الإخوان والحوثيين في اليمن وقد تجلت مشاهد هذه العلاقة في بعض المناسبات منها الدعم الإخواني للحوثيين في الحديدة، فضلاً عن موقف الإخوان المتخاذل في أعقاب سيطرة الحوثي على محافظة عمران في يوليو 2014، حيث أعلن الإخوان وقتها أنهم لن يقاتلوا نيابة عن حكومة ” عبدربه منصور هادي”، بالإضافة إلى ذلك برز التحالف الحوثي الإخواني إلى العلن في نوفمبر 2014 خلال لقاء جمع قيادات إخوانية وعلى رأسهم رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح “زيد الشامي” والناطق الرسمي للحزب ” سعيد شمسان”بزعيم الحوثيين” عبدالملك الحوثي” في صعدة وقد عقد الطرفان ما اسموه باتفاق التعايش والتصالح السلمي وهو ما عبر عنه “على القحوم” عضو المجلس السياسي للحوثيين والذي وصف اللقاء بأنه جاء “لطي صفحة الماضي، والتصالح ومعالجة تداعيات الصراع، والتحرك لتنفيذ اتفاق السلم والشراكة”.، كما أن التقارب الإخواني الحوثي قد برز في أشكال أخرى من بينها تجميد جبهات القتال ضد الحوثي في عدد من المحاور من بينها مناطق في مديرية ” ميدي”، ” صرواح”، ” الجوف”، ” نهم” وتعز على الرغم من أن عدد من التقارير تٌشير إلى امتلاك جماعة الإخوان وذراعهم السياسي عدد من المقاتلين يتراوح ما بين 30 إلى 40 الف مقاتل في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين.

ومع فشل الإخوان المسلمين في فرض أجندتهم في الجنوب، ومع استمرار تراجع نفوذهم عمل الإخوان على تبني مشروع “الإقليم الشرقي” بغرض تمزيق الجنوب بشكل خاص واليمن بشكل عام على أساس مفهوم الدولة اليمنية الاتحادية، ويعتمد هذا المشروع الذي يرعاه اللواء “علي محسن الأحمر”، ويشرف على تنفيذه عدد من العناصر الإخوانية على تقسيم اليمن إلى عدة أقاليم يضم حضر موت، المهرة، وشبوة ويهدف هذا المشروع إلى إخضاع المناطق النفطية والغنية بالثروات للسيطرة الإخوانية، كما يساعد هذا المشروع حال تنفيذه من دعم وإحياء المشروع الإخواني في شبة الجزيرة العربية، ورغم تبني الإخوان لهذا المشروع التقسيمي إلا أن عناصر الحراك الجنوبي في اليمن تقف لهذا المشروع بالمرصاد

             الدعم القطري التركي لإخوان اليمن

لم يختلف وضع الإخوان في اليمن عن غيرهم في البلاد الأخرى، حيث تمت رعاية هذه الجماعة من قبل عدد من الأطراف والفواعل الإقليمية وعلى رأسهم قطر وتركيا واتخذ هذا الدعم عدد من الإشكال المختلفة ويمكن عرض أبرزها فيما يلي:

  • نقل وتوفير الأسلحة، ارتكزت إستراتيجية قطر وكذا تركيا على توفير الأسلحة والمعدات العسكرية لإخوان اليمن، وقد اتضح ذلك في عدد من المناسبات منها ما تم الكشف عنها في يوليو 2019، عندما عثرت قوات الشرطة في عدن على عدد من الأسلحة في منزل القيادي الإخواني ” رامز الكمراني” وقد تم الكشف عن نوعية هذه الأسلحة ومن بينها بنادق قنص، كمية من سلاح الكلاشنكوف، ذخائر وصواعق متفجرة بالإضافة إلى العبوات والأحزمة الناسفة، وفي ديسمبر 2012، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية عن ضبط شحنة أسلحة على متن حاوية في ميناء عدن قادمة من تركيا، الأمر ذاته تكرار في يناير 2013 حيث ضُبطت سفينة أخرى قادمة مت تركيا لدعم الإخوان في اليمن.
  • تدريب المقاتلين، عملت قطر على تزويد ودعم عدد من المقاتلين الإخوان على عدد من المهارات القتالية والفنون العسكرية وذلك عبر تدريبهم على يد عدد من الخبراء العسكريين، وقد لفتت عدد من التقارير أن قطر بالتنسيق مع إخوان اليمن قامت بتدريب نحو 300 إخواني في أحد معسكرات محافظة مأرب “معسكر الرويك”، وذلك تحت قيادة “شيخان الدبعي” أحد القيادات الإخوانية ذات الصلة بقطر.
  • الدعم اللوجيستي والإعلامي، سخرت قطر نوافذها الإعلامية وفي مقدمتها قناة الجزيرة في انتقاد التحالف العربي ودوره في دعم الشرعية في اليمن، وقد زادت حدة الخطاب في أعقاب المقاطعة العربية مع قطر، وقد نجم عن ذلك إعادة فتح قناة الجزيرة في صنعاء،كما تم توظيف عدد من القيادات الإخوانية اليمنية إعلامياً لذات الغرض وفي مقدمتهم القيادي “حميد الأحمر” و “توكل كرمان” التي حصلت على 30 مليون دولار من قطر لتدشين قناة بلقيس” وقناة “يمن شباب” فضلاً عن عدد من المواقع الالكترونية، بالإضافة إلى إعادة فتح مكاتب مؤسسة قطر الخيرية والتي تعمل على توفير الدعم المالي للعناصر الإرهابية وعلى رأسهم الإخوان تحت غطاء العمل الخيري والمساعدات الإنسانية.

على أية حال يظل الدعم القطري والتركي لعناصر الإخوان المسلمين في اليمن جزء من مشروع البلدين لاستعادة المشروع الإخواني في المنطقة ومن ثم التمدد لعدد من الدول، وهو ما أكده “حسين عرب” وزير الداخلية اليمني في أكتوبر 2018، عندما أشار إلى دور قطر في دعم الميليشيات والتنظيمات الإرهابية، وهو ما أكدته أيضا بعض التقارير حول وجود تنسيق بين الإخوان والحوثيين في اليمن في عدد من المناطق بتوجيه ورعاية قطرية.

محمود قاسم

باحث ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى