
انتخابات مجلس الأمة الكويتي لعام 2020.. قراءة في اتجاهات ودلالات النتائج
جرت انتخابات مجلس الأمة الكويتي في الخامس من ديسمبر الحالي في ظل إجراءات احترازية للحد من تفشي فيروس كورونا، فقد تنافس في هذه الانتخابات 326 مرشحًا، للفوز بمقاعد البرلمان الكويتي.
وقد أعلنت اللجنة الرئيسية لانتخابات مجلس الأمة الكويتي 2020، الأحد السادس من الشهر الجاري، نتائج التصويت والتي تضمنت فوز 50 عضوًا من الرجال وخسارة جميع المرشحات البالغ عددهن 29 مرشحة.
في بادئ الأمر، نجد أنه من الأهمية استعراض الإجراءات القانونية التي تتم لانتخاب مجلس الأمة الكويتي، فنجد أن انتخابات جرت وفق نظام الصوت الواحد بحيث يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوت واحد في دائرته الانتخابية، هذا النظام الذي تم إقراره بمرسوم أميري في 2012، كما تم تقسيم الدوائر الانتخابية في الكويت إلى خمس دوائر، وتنتخب كل دائرة 10 مرشحين لها في مجلس الأمة، ليصبح مجموع أعضاء مجلس الأمة 50 عضواً يتم اختيارهم عن طريق الانتخاب العام السري المباشر، ومدة الدورة البرلمانية 4 سنوات من تاريخ أول اجتماع له.
وفي ضوء ما سبق، يحاول هذا التقرير استعراض سياق ودلالات انعقاد انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2020، تناول ملامح مجلس الأمة الكويتي الجديد في ضوء النتائج المعلنة وأولوياته.
سياق ودلالات انعقاد انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2020
السياق الذي تم فيه عقد انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2020، مختلف عما كان في الانتخابات التشريعية السابقة، حيث تنعقد هذه الانتخابات في ظل جائحة كورونا، وهو ما تتطلب من الحكومة الكويتية اتباع إجراءات صارمة بهدف الحد من تفشي فيروس كورونا، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
- الدعاية الانتخابية: يقوم المرشح بعمل لقاءات حاشدة بالجماهير حتى يستطيع أن يعبر عن رؤيته لهم ويضمن الحصول على أصواتهم في الانتخابات، وكانت مدة الدعاية تستمر لشهرين، وتتسم مرحلة الدعاية الانتخابية بالازدحام خلال السنوات الماضية، ولذلك عملت الحكومة الكويتية على إلغاء تلك اللقاءات الحاشدة للحد من تفشي فيروس كورونا.
وبدلاً من عقد اللقاءات الجماهيرية الحاشدة، قام بعض المرشحين في انتخابات مجلس الأمة 2020 باستخدام منصات التواصل الاجتماعي والتي يأتي أبرزها “تويتر”، و”سناب شات”، و”إنستجرام”، للوصول إلى أكبر عدد من الناخبين دون الحاجة إلى التزاحم الجسدي، كما أن هذه المنصات تتسم بفاعلية في التواصل مع الناخبين لسهولة تبادل الآراء بين المرشح والناخب. كما أعتمد آخرون إلى آليات الدعاية التقليدية مثل: الصحف الورقية والإلكترونية، والاستضافة في القنوات التلفزيونية لعرض برامج المرشحين.
- اتباع إجراءات احترازية الصحية في اللجان الانتخابية: قد شددت وزارة الصحة الكويتية ارتداء الكمامات والقفازات قبل الدخول لمركز الاقتراع، ومنع التجمعات، والحفاظ على التباعد البدني، والالتزام بمسارات الدخول والخروج، للحفاظ على التباعد بين الناخبين.
نجد أن عقد الانتخابات في مثل هذه الظروف الاستثنائية، يبرهن على حرص القيادة السياسية في ظل عهد أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح لترسيخ الديمقراطية، والعمل على استقرار الكويت، بإجراء الانتخابات في أجواء تتسم بالشفافية، لتمكين الناخبين من اختيار ممثليهم بمجلس الأمة. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 60% وفقاً لوسائل إعلام كويتية، وهذه النسبة تبرهن على رغبة الناخب الكويتي في المشاركة في الحياة السياسية الكويتية بإيجابية باختيار نواب يعبرون عن توجهاتهم، والثقة في الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الكويتية للحد من تفشي فيروس كورونا أثناء انعقاد الانتخابات.
ملامح مجلس الأمة الكويتي الجديد في ضوء النتائج المعلنة لعام 2020
- يحاول هذا الجزء من التقرير إلقاء الضوء على تحليل نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي الذي يتمتع بسلطات تشريعية ورقابية، مجلس الأمة يختص بتشريع القوانين، حيث أن إصدار القوانين في الكويت يتطلب إقراره من مجلس الأمة، وتصديق أمير الكويت عليه. كما يتمتع أعضاء مجلس الأمة بدور رقابي على الأداء الحكومي، ويتضح ذلك من خلال توجيه الأسئلة البرلمانية واستجواب الوزراء بمن فيهم رئيس الحكومة، ويمكن لأعضاء مجلس الأمة حجب الثقة عن أي وزير، وهو ما يتطلب إقالته أو إعلان عدم التعاون مع الحكومة، وفي هذه الحالة يتم توجيه الأمر لأمير الكويت الذي قد يقيل الحكومة أو يقوم بحل مجلس الأمة.
وبموجب نتائج انتخابات مجلس الأمة الكويتي لعام 2020، فقد تغيرت تركيبة المجلس بنسبة كبيرة بلغت 62 %، ويمكن استعراض أبرز مظاهر التغير في تركيبة المجلس على النحو التالي:
- فشل غالبية الأعضاء السابقين في الاحتفاظ بمقاعدهم، حيث لم يفز سوى 19 نائباً من المجلس الأمة السابق 2016.
- زيادة عدد مقاعد المعارضة الكويتية من 16 مقعد في مجلس 2016 إلى 24 مقعد في مجلس 2020.
- فيما يتعلق بتمثيل الحركات الإسلامية في مجلس الأمة، فنجد أن التجمع الإسلامي السلفي قد فشل في التمثيل داخل مجلس الأمة، بينما فازت الحركة الدستورية الإسلامية، المحسوبة على الإخوان المسلمين، بثلاثة مقاعد برلمانية، وقد حصل التمثيل الشيعي على 6 مقاعد في مجلس الأمة.
- التمثيل القبلي في المجلس، نجد زيادة عدد المقاعد المخصصة للقبائل من 26 في مجلس 2016 إلى 31 مقعد في مجلس 2020.
ونجد أننا أمام تساؤل وهو لماذا تغيرت تركيبة مجلس الأمة بهذه النسبة الكبيرة، ويمكن الإجابة عن هذا التساؤل بتحليل نتائج الانتخابات التي أظهرت أن هناك رفض لأغلبية الناخبين لأداء مجلس الأمة السابق، وقد عبروا عن ذلك باختيار وجوه جديدة وضعوا فيها الثقة حتى تستطيع التعاطي مع القضايا التي تشغل الرأي العام الكويتي، أبرزها مواجهة التحديات الاقتصادية، اتخاذ ما يلزم لاحتواء فيروس كورونا والحد من انتشاره، محاربة الفساد، توفير وظائف للشباب الكويتي، القيام بإصلاح نظم التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية.
- هناك وجود لافت للشباب في مجلس الأمة 2020، فقد تم انتخاب 30 عضواً دون سن الخامسة والأربعين. ويُشكل الشباب الكويتي أغلبية المجتمع الكويتي، وهو ما يٌفسر ظاهرة صعود الشباب الكويتي في انتخابات مجلس الأمة 2020 حتى تنعكس أولوياتهم في السياسات الوطنية الكويتية، فهناك قضايا اجتماعية واقتصادية تؤثر على مستقبل الشباب الكويتي، مثل أزمة الإسكان وتوفير فرص عمل، حيث يواجه الشباب في الكويت صعوبات في الحصول على سكن اجتماعي ودخول سوق العمل الحكومي.
- خلو مجلس الأمة من النساء على الرغم من ترشح 29 سيدة في الانتخابات، كما أن أغلبية عدد الناخبين في الكويت من النساء، حيث تٌشكل أصوات النساء نحو 52% من إجمالي عدد الناخبين، وهذه الظاهرة تستحق التوقف عندها ومحاولة تفسيرها. فقد أشارت جريدة “القبس” الكويتية أن هناك أسباب عديدة لغياب تمثيل المرأة في مجلس الأمة 2020، أهمها الأداء النسائي السابق، كما أن الأوضاع الاستثنائية لانتخابات هذا العام، بسبب جائحة كورونا، فرض واقعاً مختلف، حيث أن قنوات التواصل مع الناخبين المتاحة للرجل قد لا تكون ذاتها المتاحة للرجل قد لا تتكون ذاتها المتاحة للمرأة، وعلى رأسها الدواوين في الكويت.
الجدير بالذكر أن، المرأة قد حصلت على مقعد واحد انتخابات مجلس الأمة 2016، والتي شغلته النائبة صفاء الهاشم، وقد خسرت النائبة مقعدها في مجلس 2020. وهناك عدة عوامل ساهمت في خسارة النائبة انتخابات مجلس الأمة 2020، أبرزها أدائها في المجلس السابق الذي أتسم بعدم التحلي بالدبلوماسية، وتصريحاتها العدائية تجاه الوافدين، خاصة الوافدين المصريين، وقد زعمت النائبة السابقة أنهم السبب وراء أزمة البطالة والازدحام المروري، وقد طالبت بفرض رسوم إضافية عليهم. عدم حصول النائبة السابقة صفاء الهاشمي على الأصوات الكافية لفوزها بمقعد في المجلس، يمكن تفسيره بأن هناك رفض من الناخبين في الكويت لتصرفات النائبة السابقة وتصريحاتها العدائية، وأنها لا تصلح لتمثيل الشعب الكويتي في المجلس والتعبير عن الرأي العام الكويتي، ولذلك لم تحصل على تجديد الثقة.
أولويات مجلس الأمة 2020
اتسمت العلاقة بين السلطة التشريعية (مجلس الأمة السابق2016) والسلطة التنفيذية بالشدّ والجذب فيما يتعلق بتداعيات تفشي فيروس كورونا وملفات الفساد، ولم يكن هناك توافق بين مجلس الأمة السابق والحكومة فيما يتعلق بالملف الاقتصادي حيث تعرض الاقتصاد الكويتي لضربات موجعة منذ بداية العام الحاليّ بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد، واعتماد الكويت على موارد النفط كأكبر مورد اقتصادي لديها، حيث تمثل الصناعة النفطية فيها أكثر من 50% من الناتج المحلي الإجمالي، و95% من الصادرات و80% من الإيرادات الحكومية، ووجدت الكويت نفسها في مأزق بسبب الهبوط الكبير الذي شهده سوق النفط خلال الآونة الأخيرة. وفي محاولة للخروج من هذا المأزق أحالت الحكومة لمجلس الأمة السابق مشروع قانون الدين العام، الذي يسمح لها باقتراض نحو 65 مليار دولار على مدى 30 عامًا، ولكن نجد بسبب عدم توافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مما أدى إلى عدم إقرار مجلس الأمة السابق قانون الدين العام.
- ومن ثمّ، فمن المرجح أن تكون من أبرز أولويات مجلس الأمة 2020، القيام بصياغة رؤية اقتصادية لتحفيز الاقتصاد الكويتي، وتحقيق نوع من المرونة لإقرار قانون الدين العام، والقيام بإصلاحات مالية واقتصادية لضمان الاستمرارية الحكومية في الصرف على الميزانية العامة، فقد أعلنت وزراه المالية الكويتية أن قيمة العجز المالي في الميزانية العامة خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية 2020 /2021 سجل 1.92 مليار دينار، وهو ما يتطلب أن يكون هناك تعاون بين السلطة التشريعية والتنفيذية لتحقيق رؤية قادرة على دفع الميزانية لتجاوز أزمتها.
- إصدار قانون العفو العام: فمن المرجح إجراء مصالحة وطنية تتضمن العفو الشامل عن سياسيين بارزين صدرت أحكام بالسجن بسبب مواقفهم السياسية.
- تعديل قانون الانتخابات: قد عكست نتائج مجلس الأمة 2020 عن تقدم الأصوات التي تعارض نظام الصوت الواحد والذي تم إقراره منذ 2012 من خلال مرسوم أميري، وبموجب هذا النظام تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها ويعتبر باطلا التصويت لأكثر من هذا العدد، وقد رفضت المعارضة هذا القانون بحجة أن القانون يضعف من تمثيلها في البرلمان، وبالتالي نجد أن المعارضة التي زاد عددها في برلمان 2020، ستعمل على إقرار نظام انتخابي جديد.
إجمالا لما سبق، يمكن القول إن إجراء انتخابات مجلس الأمة 2020 في ظل جائحة كورونا، وعدم تأجيلها يبرهن على حرص أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح منذ أن تولى مقاليد الحكم في الكويت خلفاً للأمير صباح الأحمد الجابر الصباح على ترتيب البيت الداخلي في الكويت، بوجود برلمان يٌحظى بسلطات تشريعية واسعة تم انتخابه من الشعب الكويتي، ومن المقرر دعوة مجلس الأمة الجديد للانعقاد في 15 ديسمبر الجاري، بناء على دعوة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية