أفريقيا

“الانسحاب الأمريكي من الصومال”.. الأبعاد والتداعيات

بعد العراق وأفغانستان يستمر تراجع الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط وأفريقيا في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع إعلان واشنطن عن انسحاب جديد للقوات الأمريكية من الصومال. وقد أثارت هذه الانسحابات قلقًا بين مسؤولين أمريكيين، وحلفاء واشنطن في الخارج. فالقوات الأمريكية الموجودة بالصومال تُمثل حجر زاوية في جهود البنتاجون العالمية لمحاربة حركة الشباب الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي، والتي تنشط بشكل كبير في منطقة القرن الأفريقي. وقد قوبل قرار الانسحاب بالاستهجان والرفض، حيثُ رأى منتقدوه أن تداعياته كبيرة على جهود مساعدة القوات في مكافحة الإرهاب، فضلًا عن تقويض الثقة في الولايات المتحدة، وهنا تُثار عدة تساؤلات ترتبط بأبعاد وتداعيات هذا القرار على الداخل الأمريكي، وعلى جهود مُكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي.

طبيعة الوجود الأمريكي في الصومال

نشرت واشنطن نحو 700 جندي من القوات الخاصة في الصومال تتوزع على عدد من المناطق على الأراضي الصومالية، وكانت مهمة هذه القوات تدريب القوات الصومالية الخاصة والمعروفة ب “دانب” وتقديم المشورة لها، بالإضافة إلى تنفيذ غارات لمكافحة الإرهاب ضد حركة الشباب الإرهابية المتطرفة المصنفة على قوائم الإرهاب الدولي.

وفى خطوة غير متوقعة أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية الجمعة الماضية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر بسحب معظم القوات الأمريكية من الصومال على أن يتم نقل عدد من هذه القوات إلى دول مجاورة مما يسمح لها بتنفيذ عمليات عبر الحدود، وسيتم تكليف قوات أخري بمهام خارج شرق أفريقيا، ويأتي هذا في إطار عملية انسحاب عالمية للقوات قبل مغادرة ترامب للبيت الأبيض في يناير المقبل. وسبق أن انسحبت القوات الأمريكية من مدينتي بوساسو وجالكايو الصوماليتين في وقت سابق من هذا العام، وظلت القوات الأمريكية متمركزة في مدينة كسمايو الجنوبية وقاعدة بيلدوجى الجوية وفى العاصمة مقديشيو.

أبعاد القرار

  • يتعلق قرار الانسحاب بأسباب تعود إلى رغبة الرئيس ترامب في إنهاء ولايته مع تنفيذ كامل الوعود التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية منذُ أربع سنوات، فمنذُ تولية السلطة وعد بإعادة الجنود الأمريكيين إلى البلاد، وعدم الانغماس في حروب خارجية لا طائل منها، فضلًا عن رغبته في تحجيم الخسائر البشرية والمادية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية جراء مشاركتها في الحروب الخارجية في إطار جهودها لمحاربة الإرهاب.
  • ويُمكن تفسير هذا القرار أيضًا في ضوء الهدف الاستراتيجي الأكبر للبنتاجون وهو التفرغ لمواجهة الصين وروسيا وليس فقط مُحاربة الإرهاب. فالأولوية الآن للولايات المتحدة الأمريكية هي كيفية مواجهة صعود الصين كقوة عظمى تُمثل تحديًا للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، وكيفية مواجهة التمدد الروسي في أوروبا الشرقية.
  • أما ما يتعلق بملف محاربة الإرهاب في الصومال فالولايات المُتحدة ترغب في متابعة هذا الملف، ولكن ليس بمفردها وإنما بالتعاون مع الحلفاء، مثل: القوات الخاصة الصومالية، وقوات الجيش الصومالي، والقوات المشتركة الأفريقية الموجودة بالصومال.

تداعيات القرار

أثارت تصريحات الإدارة الأمريكية الأخيرة حول سحب القوات الأمريكية الموجودة في الصومال تساؤلات كثيرة حول تداعيات هذا القرار على الداخل الأمريكي وعلى جهود مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي. ويُمكن استخلاص تداعيات القرار فيما يلي:

  1. تحدي الإدارة الديمقراطية الجديدة: يُمثل هذا القرار تحديًا لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مع استمرار نشاط حركة الشباب الإرهابية، والتي تؤرق المصالح الأمريكية في المنطقة. فمع الانسحاب الأمريكي تزداد احتمالية قيام الحركة بتجنيد أعضاء جُدد في الخارج للقيام بعمليات انتحارية إرهابية، فالحركة لديها القدرة على جذب وتجنيد العشرات من المتطوعين الأمريكيين للقتال في الصومال، خاصة في مدينة مينابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية.
  2. تهديد الوضع الأمني بالصومال: يُمثل قرار الانسحاب في هذا التوقيت تهديدًا للوضع الأمني في الصومال في ظل الأجواء المتوترة التي تعيشها الصومال على خلفية النزاعات القبلية الداخلية، والانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع إقامتها في الأشهر القادمة. وعلى الجانب الآخر يأتي هذا الانسحاب في وقت توتر الأجواء واندلاع الحرب في إثيوبيا وهي مُساهم رئيس في قوات حفظ السلام، ولديها آلاف من القوات في الصومال، ولكن مع الصراع الداخلي في إثيوبيا الذي اندلع في الشهر الماضي قامت بنزع سلاح المئات من قوات السلام التابعة لمواجهة صراعاتها الداخلية، الأمر الذي يُمثل تحديًا كبيرًا للحكومة الصومالية، وسيشكل ضغوطًا كبيرة على قدرة وكالات الأمن على التصدي لخطر حركة الشباب الإرهابية.
  3. تعزيز مصالح روسيا وإيران والصين وتقويض مصالح الولايات المُتحدة في منطقة القرن الأفريقي: فالانسحاب الأمريكي من الصومال يُمثل فرصة سانحة لخصومها لتعزيز مصالحهم الاقتصادية والسياسية في جميع انحاء القارة السمراء، حيثُ تسعي كل من الصين وروسيا وإيران إلى توسيع مصالحها العسكرية والتجارية والدبلوماسية في أفريقيا، وذلك على حساب المصالح الأمريكية.
  4. مُكافحة الإرهاب: انسحاب القوات الأمريكية يقوض من جهود مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، ويشجع التنظيمات الإرهابية النشطة وعلى رأسها حركة الشباب الصومالية على القيام بشن جرائمها الإرهابية، والتورط في المزيد من الاغتيالات والتفجيرات، كما يُعطيها القٌدرة على التوسع الإقليمي في المنطقة.

تصاعد نفوذ حركة الشباب الصومالية

وفقًا لتقرير مؤشر العمليات الإرهابية في أفريقيا خلال شهر أكتوبر الصادر عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، كثّفت حركة الشباب الصومالية الإرهابية، لتصبح الأكثر نشاطًا ودموية في القارة الأفريقية. وأشار التقرير إلى أن الحركة نفذت نحو حوالي 35 عملية انتحارية وإرهابية في الصومال على مدار شهر أكتوبر الماضي؛ أسفرت عن سقوط ما يقرب من 100 شخص، وإصابة 100 آخرين، فضلًا عن اختطاف 20 آخرين.

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من الجهود الحثيثة التي يقوم بها الصومال، والقوات الدولية المشاركة في مكافحة الإرهاب في الصومال، تسعى حركة الشباب إلى عدم التأثر بالعمليات العسكرية التي تشنها قوى التحالف هناك ضدها، وفى المقابل تقوم بالتوسع في الصومال، تحديدًا في منطقة “شبيلي الوسطى” الواقعة في جنوب الصومال، والتي تُعدُّ أهم معاقلها في الصومال.

(المصدر: )

وتُعدُّ حركة الشباب الصومالية بجانب حركة طالبان، وتنظيم داعش، وبوكو حرام الجماعات الأربع الأكثر دموية في العالم خلال العام الماضي، وفقًا لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020.

وأشار التقرير إلى أن الحركة كانت مسؤولة عن 88% من إجمالي الوفيات في الصومال عام 2019، وواصلت الحركة القيام بتفجيرات ضد المدنيين، والشركات فضلًا عن الاغتيالات المستهدفة لشخصيات حكومية بارزة، كما ترتكز الحركة في جنوب الصومال، وقامت بتنفيذ 44% من عملياتها في العاصمة مقديشيو.

ووفقًا للتقرير، قامت قوات الأمن الصومالية بدعم من الولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال عام 2019 بممارسة الضغط على الحركة من خلال عمليات مكافحة الإرهاب، وتم شن 37 غارة جوية ضد عناصر حركة الشباب، ولكن في المقال غيرت حركة الشباب وجهتها وقامت بالتركيز على المناطق الحضرية مثل مقديشيو، مما ترتب علية صعوبة استهداف القوات الأمريكية والصومالية للجماعة الإرهابية نظرًا لقربها من المدنيين.

إجمالًا، يُمكن القول بأن سحب القوات الأمريكية في هذا التوقيت الحرج المتزامن مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال، والصراع الداخلي في إثيوبيا، والنشاط الإرهابي المتزايد لحركة الشباب الصومالية يُمثل تحديًا كبيرا لجهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، ويعزز من تصاعد نشاط حركة الشباب الإرهابية، وما يترتب عليه من تقويض للمصالح الأمريكية في المنطقة.

المصادر:

  1. انسحاب أمريكي مرتقب: مستقبل حركة الشباب المجاهدين في منطقة القرن الأفريقي، .
  2. U.S. decision to withdraw troops dismays some Somalis, https://reut.rs/3oChceP.
  3. GLOBAL TERRORISM INDEX 2020, . 
  4. التقرير الشهري لمرصد الأزهر- أكتوبر2020م، .
  5. Trump orders a near total withdrawal of American troops from Somalia, . 
+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

منى قشطة

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى