إيران

مستقبل إيران بعد “على خامنئي”

رغم النفي الرسمي إلا أن الأخبار القادمة من العاصمة الإيرانية طهران حول تدهور الحالة الصحية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية آية الله على أكبر خامنئي ونقله لصلاحيات منصبه إلى ابنه “مجتبي خامنئي” قد أجابت على تساؤلات حول اختفاء المرشد الإيراني عن كاميرات الإعلام لفترة طويلة، وإلغائه بعض الارتباطات الرسمية في الفترة الأخيرة.

إن النقاش في طهران منذ سنوات لم يكن حول شخصية المرشد المقبل، ولكن في نظام ولاية الفقيه نفسه، وهي الفكرة الفقهية الدينية القديمة في الفقه الشيعي الاثنى عشري، والتي قام بتحديثها المرجع الديني “روح الله بن مصطفى بن أحمد الموسوي الخميني” وكثف الدعوة لها في سنوات المنفى في العراق وفرنسا قبل أن يتم تنصيبه قائداً للثورة الشعبية الإيرانية وقيامه بأسلمة الثورة واستحداث الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترأس الجمهورية الجديدة لبعض الوقت، قبل أن يستحدث هيكلًا إداريًا للجمهورية الجديدة على أنقاض الإمبراطورية الفارسية، يتمثل في منصب “المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية” وهو منصب يحتله من يراه ملالي إيران أو آيات الله في قم الإيرانية باعتباره الأحق بـ”ولاية الفقيه”.

ولم يعد رئيس الجمهورية المنتخب هو الرجل الثاني في الدولة فحسب، بل هو في المرتبة الثالثة بعد منصب “رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام” وهو مجلس يراقب أداء الرئيس والحكومة وباقي مكونات الدولة دون أن يكون منتخبًا من الشعب، بينما رئيس الجمهورية المنتخب هو القائم بأعمال رئيس الوزراء، واحتفظت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمنصب رئيس الوزراء طيلة الثمانينات من أجل بعض التوازنات بين مراكز القوى قبل إلغائه حتى اليوم.

ويمتلك منصب المرشد الأعلى صلاحيات مطلقة في كافة شؤون الدولة الإيرانية، بما في ذلك إقالة الرئيس المنتخب كما فعلها الخميني مع الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بنى صدر في يونيو 1981، بالإضافة إلى السيطرة الكاملة على الحرس الثوري الإيراني والزعامة الروحانية والعملية لعشرات الميلشيات والتنظيمات العسكرية والسياسية خارج إيران والموالية لطهران في لبنان والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان وسوريا، بالإضافة إلى عشرات الخلايا النائمة حول العالم.

وإذا كان الخميني قد بقي في هذا المنصب زهاء عشر سنوات، ما بين 3 ديسمبر 1979 و3 يونيو 1989، فإن خليفته المرشد الأعلى آية الله على خامنئي قد تولي هذا المنصب قرابة 32 عامًا، منذ 4 يونيو 1989 حتى اليوم، ليصبح أقدم حاكم على مستوى العالم كله.

وفى سنوات خامنئي الاثنين والثلاثين، اشتعل الصراع على منصب المرشد الأعلى، عكس سنوات الخميني المهيب مؤسس الجمهورية الإسلامية وقائد الثورة الإسلامية، وذلك على ضوء وجود عشرات العمائم الساعية للظفر بمنصب المرشد الأعلى المطلق.

وبينما يقسم البعض ساسة إيران ما بين المحافظين والإصلاحيين أو الصقور والحمائم، فإن خامنئي واجه مقاومة شرسة من الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رجل إيران القوي الذي تولى رئاسة إيران مؤقتًا مرتين قبل انتخابه لنفس المنصب لولايتين ما بين عامي 1989 و1997. وقد حاول رفسنجاني في بادئ الأمر خلافة خامنئي في المنصب، ولاحقًا كان من أنصار إلغاء المنصب برمته، وتاليًا تواصل مع بعض الدول العربية والغربية من ليصبح خيارًا مقبولًا للمجتمع الدولي لترؤس إيران مرة أخرى وإخراجها من العقوبات الدولية، ولكن وفاة رفسنجاني عام 2017 أزاحت أكبر خطر على خامنئي من داخل النظام الإيراني.

كما أن مير حسين موسوي آخر رئيس وزراء لإيران، ومعه مهدي كروبي، كانا زعماء الثورة الخضراء عام 2009، وكلاهما ينتمي إلى النظام الإيراني أيضًا. وتلاقى موسوي وكروبي ورفسنجاني في فكرة إلغاء منصب المرشد الأعلى، ولكن حتى الآن لا يعرف ملامح العلاقة بين الملالي وآيات الله في قم من جهة والسلطة في طهران من جهة أخرى حال إلغاء منصب المرشد الأعلى. 

ورغم أنه من المؤكد أن تظل إيران جمهورية إسلامية ولكن هل يعني ذلك أن الرئيس المنتخب هو صاحب الصلاحيات كاملة كما الحال مع النظام الإسلامي في تركيا على يد رجب طيب أردوغان؟ أو نظام إسلامي شبيه بما يجري في باكستان؟ أم أن هيمنة القيادة الدينية على الرئاسة الإيرانية سوف تأخذ شكلًا آخر متفقًا عليه بين قادة إيران ما بعد إلغاء منصب المرشد الأعلى؟

وبينما يطالب الإصلاحيون بإلغاء هذا المنصب، فإن المحافظين لم يكتفوا بالمطالبة بالمحافظة عليه فحسب، ولكن من داخل التيار المحافظ، ظهر تيار الخمينيين الجدد بقيادة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، وهو تيار يرى أن السلطة الحالية في مكتب الإرشاد ومكتب الرئيس قد ضعفت ووهنت وأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحاجة إلى تأسيس ثانٍ ومؤسس ثانٍ يعيد الشباب والروح للمشروع الإسلامي الإيراني.

وللمفارقة فإن النموذج العراقي الذي صنعته إيران في عراق ما بعد صدام حسين مطروح للتنفيذ في إيران لتعريف العلاقة ما بين المؤسسة الدينية في قم والرئاسة في طهران، ويقصد بهذا النموذج هو السلطة الروحانية لآية الله علي السيستاني في النجف الأشرف دون أي مناصب رسمية على كافة حكومات ورؤساء وبرلمانات الجمهورية العراقية منذ عام 2003 حتى اليوم.

هكذا يمكن رؤية مستقبل إيران بعد خامنئي، في توريث المنصب بشكل سوف يفجر خلافات هائلة في قم قبل طهران، أو نزاع بين بقايا الصف الأول من رجالات الثورة عام 1979، وما بين الذهاب إلى التيار المحافظ وقوته الضاربة الخمينيين الجدد، أو سيطرة الحرس الثوري الإيراني على الموقف بانقلاب عسكري صامت، وأخيرًا إلغاء المنصب برمته والذهاب إلى عدد من السيناريوهات الفرعية تتمثل في نموذج على السيستاني في إيران أو تركيا الأردوغانية، وأخيرًا باكستان الإسلامية.

يذكر أن خامنئي قد أطلق اسم مجتبي على ابنه، الذي يُعدُّ الوريث السياسي والديني له، وذلك على اسم أستاذه الأول مجتبى نواب صفوي، مؤسس وقائد جمعية فدائيان الإسلام الفرع الإيراني لتنظيم الإخوان، وهو التنظيم الذي شارك في التمرد الأمريكي والبريطاني على حكومة محمد مصدق الإيرانية في خمسينيات القرن العشرين، والعملية الاستخباراتية بقيادة كيم روزفيلت التي أعادت حكم الشاه إلى إيران في تلك المرحلة.

ويُعدُّ النظام الإسلامي في إيران سواء في زمن الخميني أو خامنئي هو الجناح الشيعي للتنظيم الدولي للإخوان، ويمتلك النظام الإيراني هيمنة ونفوذًا ضخمًا على الأنظمة الإخوانية الحركية والحكومية بعيدًا عن أكذوبة الخلافات بين الإسلام السياسي الإخواني السني والإسلام السياسي الإخواني الشيعي.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى