
إقليم التيجراي.. أزمة إنسانية جديدة وسيناريو التحول لمواجهة حرب العصابات
حالة لا انسانية تعيشها الدولة الإثيوبية استدعت تدخلًا أمميًا في تحديد “الممر الإنساني” لتقديم المساعدات للفارين من النزاع بين الحكومة الفيدرالية بقيادة رئيس الوزراء آبي أحمد وإقليم التيجراي، بين التصريحات بانتهاء العمليات العسكرية، وتضاربها مع المراقبين الأممين باستمرار الصراع في الإقليم بين جبهة تحرير التيجراي والحكومة الفيدرالية، وما يمكن أن يؤول إليه الوضع نتيجة التفوق العددي للقوات العسكرية لجبهة تحرير شعب التيجراي، وكيف يمكن أن يتحول الأمر لحرب عصابات، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية على حدود الإقليم في ظل انتشار فيروس كورونا وضعف المساعدات والإجراءات الاحترازية التي يعاني منها الهاربون من العنف في الإقليم الذي يضم مخيمات للاجئين من إريتريا.
كما أن هناك تخوفًا من انتشار أعمال العنف في الدولة الإثيوبية التي ترفض سياسة آبي أحمد نحو التوجه لحكومة مركزية بعكس العرقية الفيدرالية، وكيف أدى النزاع الإثيوبي لإعطاء فرصة لاستغلال إسرائيلي للترويج لعملية نقل جديدة ليهود الفلاشا خوفًا من النزاع، متناسية أن الأمر في إطار خطة أعلنت عنها إسرائيل منذعام 2015، والحديث عن استعادة السودان لبعض الأراضي الحدودية، ولكن إذا صح التعبير عن توقف العمليات العسكرية هل ستتوقف بالفعل أعمال العنف أم ستتحول لحرب عصابات بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم؟
تحول الوضع في إقليم التيجراي لأزمة إنسانية وسط رفض الوساطة الدولية
بالرغم من إعلان مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد عن انتهاء الأعمال العسكرية، وسيطرة الجيش على أراضي واسعة في الإقليم المتنازع عليه، والذي سبق وأن أعلنت الحكومة الفيدرالية من قبل عن انتصارها وانهاءالنزاع، كانت هناك تصريحات أممية حول استمرار المعارك في أجزاء عدة في إقليم التيجراي؛ فقد صرح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدة الإنسانية سافيانو أبرو حول وجود معلومات بأن المعارك مستمرة في أجزاء عدة من تيجراي.
وأعلنت الحكومة الفيدرالية أن وجودها لرعاية الممر الإنساني لتقديم المساعدات للنازحين، عقب توقيع الأمم المتحدة مع الحكومة الإثيوبية اتفاقًا ينصّ على منحها ممرًا إنسانيًا “بدون قيود” في تيجراي طالبت بها منذ عدة أسابيع.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الإثيوبية عن أسر وقتل معظم قادة شعب تحرير تيجراي، وأن قادة الإقليم قد ألبست قواها زي الجيش الإريتري للإيحاء بوجود قوى دولية تتدخل في النزاع، فقد صرح ديبرصيون جبريمكائيل عن تنظيم احتجاجات شارك فيها 500 ألف نسمة ضد أعمال نهب قام بها جنود إريتريون. في إشارة واضحة للتدخل الخارجي في الحرب التي خلفت وراءها الآلاف من القتلى المدنيين وهروب ما يقرب من 45 ألف لاجئ على الحدود السودانية.
وكانت حكومة آبي أحمد قد رفضت وجود وساطة دولية من الأمم المتحدة ومبادرة الاتحاد الإفريقي عن توسط ثلاث رؤساء أفارقة سابقين لإيجاد حل للقضية في ظل رفض التفاوض مع ما أسماهم العصابات المسلحة لعدم إعطاءهم الشرعية؛ فيما رفضت جبهة تحرير التيجراي التفاوض مع آبي أحمد الذي ترى وجوده غير دستوري، وحاولت تدويل القضية من خلال محاولة إدخال إريتريا في النزاع لعدم صبغته بأنه تهديد داخلي من الإقليم كما يصفه آبي احمد.
ومن المتوقع أن يؤدي النزاع في الإقليم إلى أزمة إنسانية، فبجانب تزايد أعداد النازحين إلى الحدود السودانية، كان هناك مخيمات للاجئين من دولة إريتريا المجاورة على الإقليم، وأدى انقطاع الانترنت والاتصالات في البلاد كحالة طوارئ أعلنها آبي احمد إلى انقطاع الصلة بين النازحين وعائلاتهم في الإقليم. وهو ما دفع مفوض إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، جانيز لينارتشيتش، لدعوة الحكومة الإثيوبية إلى إعادة الاتصالات ووقف الأعمال العدائية.
وفي تقرير مطول لوكالة أسوشيتيد برس حذر من احتمالية تحول النزاع إلى أزمة إنسانية نتيجة تزاحم المخيمات وقلة الأدوات الاحترازية، وإصابة العديد من النازحين بألام في الصدر لكن لاتوجد أجهزة لقياس الإصابة بفيروس كورونا لدى عمال الإغاثة؛ مما ينذر بكارثة إنسانية وصحية في ظل تزايد أعداد اللاجئين على الحدود السودانية.
النزاع في التيجراي بين استعادة الأراضي السودانية واستغلال إسرائيل لتحسين صورتها
على جانب آخر استطاع السودان استعادة بعض الأراضي الحدودية مع إثيوبيا، وهي أراضي منطقة الفشقة السودانية والتي كان تسيطر عليها جماعة الشفتة الإثيوبية والمدعومة من القوات الإثيوبية. استفاد السودان من عملية نشر قوات إضافية على الحدود عقب تزايد أعداد النازحين لمنع تسلل عناصر مسلحة، ومتابعة عملية نقل النازحين إلى الحدود السودانية.
كما أدى انشغال القوات الإثيوبية والتي سحبت بعض وحداتها من الصومال إلى عدم دعم قبائل الشفتة المسيطرة على الأراضي السودانية بولاية القضارف، وهو ما أدى إلى تقدم الجيش السوداني في “مساحة عرضها 5 كم2 بمحلية الفريشة” وذلك بحسب صحيفة سودان تربيون.
وعلى الجانب الإسرائيلي، فقد استفاد من احتدام القتال في إقليم تيجراي، من خلال الترويج لعمليات الإجلاء الجوي لمئات اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل؛ فيما لا يزال الآلاف ينتظرون دورهم في قائمة طويلة، وسط اهتمام حازت عليه هذه القضية من خلال الترويج للمخاوف من وصول أعمال العنف إلى مدينة “جوندار” وهي المدينة التي يقطنها معظم أبناء المجتمع اليهودي في مخيمات انتظار مؤقتة.
جدير بالذكر، أن الحكومة الإسرائيلية قد سبق وتعهدت عام 2015 بنقل كل أبناء يهود الفلاشا –وهم اليهود من أصل إثيوبي- بنهاية عام 2020، وعلى الرغم من تقدم 16,600 من يهود الفلاشا بطلب هجرة إلى إسرائيل، إلا أنه قد سافر 2000 فقط ممن يستوفون الشروط وسط تساؤلات حول أهلية هؤلاء للحصول على حق المواطنة، خاصة بأن ليس كل من يصل إلى إسرائيل يحصل على الجنسية الإسرائيلية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في تغريدة له عبر موقع “تويتر”، نقلها موقع “روسيا اليوم” أعرب فيها عن تأييده لما تقوم به وزيرة الهجرة الإسرائيلية بنينا تامانو شطا، التي تعود أصولها إلى إثيوبيا، مؤكدًا أن الوزيرة ستعود إلى إسرائيل، برفقة مئات المهاجرين من إثيوبيا.
وعادةً ما تروج إسرائيل لنفسها بأنها المنقذ لما يتعرض له اليهود على مستوى العالم باعتبارها أرض الميعاد؛ فيما يعاني يهود الفلاشا من أعمال عنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، ولعل أبرزها ما شهده عام 2019 من اشتباكات مع قوات الشرطة بسبب مقتل شاب إسرائيلي من أصول إثيوبية على يد شرطي إسرائيلي خارج الخدمة، في أعمال وصفت بالعنصرية الممنهجة ضد يهود الفلاشا.
وعلى الرغم من أن النزاع في التيجراي قد أفاد الجانب السوداني في استعادة جزء من أراضيه؛ واستغلال إسرائيل للأمر للترويج لنفسها بأنها منقذ اليهود في العالم؛ إلا أن انشغال القوات الإثيوبية في النزاع الداخلي قد يعطي ميزة إضافية لحركة الشباب الإرهابية في الصومال، واحتمالية انتقال النزاع إلى الأقاليم المجاورة في إثيوبيا.
كيف يمكن أن يتحول النزاع في التيجراي إلى الدول المجاورة؟ وسيناريو التحول لحرب عصابات
تعاني الدولة الإثيوبية من نزاعات حدودية بين الأقاليم التي تسعى للانفصال بدعم من الدستور الإثيوبي الانفصالي 1994، والتهديد من تفكك الحدود مع دول الجوار، والذي من المحتمل أن يظهر في تغول حركة الشباب الإرهابية في الصومال، ورغبة إقليم أوجادين في الانفصال، ودعوات شعوب الجنوب وخاصة وولايتا الجنوبية، هذا إلى جانب ما يعانيه إقليم العفر من آثار الفيضانات من ناحية والنزاع مع قبائل العيساوية الممتدة على الحدود مع دولة جيبوتي، ونزاع أوجادين مع قومية الأورومو، إلى جانب نزاع إقليم تيجراي مع إقليم الأمهرة ثاني أكبر قومية بعد الأورمو والداعم الأوحد لحكومة آبي أحمد.
فهناك سيناريو متوقع أنه حتى مع إعلان حكومة آبي عن انتهاء العمليات العسكرية في الإقليم فمن الممكن أن يتحول النزاع إلى حرب عصابات تقودها القوة العسكرية الكبرى التي يملكها إقليم التيجراي والتي تصل إلى 250 ألف مقاتل مقابل 162 ألف مقاتل تابع للحكومة الفيدرالية، مما يضع الغلبة العسكرية لشعب التيجراي على الأرض بعيدًا عن استخدام أسلحة الدفاع الجوي للحكومة الفيدرالية، هذا إلى جانب الخبرة العسكرية التي اكتسبتها قوات التيجراي من النزاع الحدودي الذي استمر على مدار عقدين مع إريتريا.
وخبرة التيجراي السابقة التي استطاعت أن تكتسب ثقلها من دورها الرئيسي في إسقاط الحكم الشيوعي العسكري بقيادة منغستو هايلي ماريام (1974 ـ 1991)، استطاعت من خلاله أن تحكم وتسيطر ليس فقط على المناصب العليا للبلاد ولكن أيضاً الموارد الاقتصادية حتى جاء آبي أحمد إلى السلطة في أبريل عام 2018، ونبه إلى قوة التيجراي فعمد على تقويضها وشن حملة اعتقالات وإقالات قادها ضد قادة الإقليم، وآخرها ضد مانغستو أسفا الذي مازال فارًا في الإقليم.
وشهدت حكومة آبي أحمد أيضًا مناوشات مع القوات العسكرية العائدة من الحدود مع إريتريا من قوات التيجراي التي اعترضت طريق عودتهم عقب توقيع اتفاقية السلام مع إريتريا والتي رفضتها التيجراي المتنازعة معها على قرية “بادمي”.
وهو ما يضعنا أمام سيناريو استمرار العنف حتى مع انتهاء العمليات العسكرية، بل سيتمكن الإقليم من تنفيذ عمليات بوصفها قوة مدربة على “حرب العصابات” وتنفيذ عمليات على الأرض ضد القوات الفيدرالية التي سينشرها آبي في الإقليم، أو استمرار العمليات على الحدود مع إقليم الأمهرة، خاصة في ظل التصريحات المتضاربة حول اتهامات الطرفين بوجود عمليات ضد مدنيين، وهو ما يؤكده رشيد عبدي الخبير في شؤون القرن الأفريقي في منتدى عبر الإنترنت “هناك مناوشات في أجزاء كثيرة من تيجراي ونرى بصمات بداية تمرد”. وأضاف “تشير التضاريس والجغرافيا والتاريخ إلى أن هذا (التمرد) سيكون طويل الأمد”.
ومما سبق يتضح لنا أن استمرار إصرار آبي أحمد حول تشكيل حكومة مركزية سيقابله العديد من التحديات، وهي رفض الأقاليم التي ترغب في الحكم الذاتي لحزب آبي الموحد، وعدم وجود تأييد داخلي له بدايةً من قوميته الأورومو التي قادت احتجاجات واسعة ضده عقب اغتيال المطرب المنتمي إلى قومية الأورومو “هاشالو هونديسا” وحملة الاعتقالات التي قادها ضد قادة الإقليم وخسارته لأكبر حلفائه، فيما لم يقف معه غير قومية الأمهرة. وهو السبب الذي يقف أمام تحديد موعد لإجراء الانتخابات والتي تسببت في الخلاف مع القومية الأكثر تأثيرًا وهي التيجراي، والتي تراهن على انتهاك آبي للدستور في حال دعوتها للانفصال عن الدولة الإثيوبية بدعم الدستور، وأنه في حال رفض آبي للأمر فإنه سينتهك الدستور الذي اتخذ منه مبرراً لمهاجمة إقليم التيجراي.
مما سينتج عنه احتمالية تدخل أممي للحل ووضع إغراءات تجذب الطرفين في ظل عجز الاتحاد الإفريقي عن إقناع الطرفين بالدخول في مفاوضات، وأن عدم وجود اتفاق سيجلب مزيدًا من العنف، مما يهدد بتفكك الدولة الإثيوبية والذي لن تسمح به القوى الدولية نتيجة تهديد مصالحهم في منطقة القرن الإفريقي ككل.
وهو الأمر الذي دعا إليه الكتاب الأمريكيون بأن في حالة استمرار العنف ينبغي التعاون بين إدارتي ترامب وبايدن في إجبار رئيس الوزراء الإثيوبي على التحول الديمقراطي بفرض عقوبات ومنع المساعدات، وظهر أيضًا في تغريدة وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” حول ضرورة حل النزاع القائم وإبقاء إثيوبيا على طريق الديموقراطية”، واهتمام جو بايدن الرئيس الأمريكي المنتخب بالوضع حيث أرسل رسالة للأمين العام للأمم المتحدة أعرب فيها عن قلقه البالغ إزاء العنف المتصاعد في إثيوبيا.
باحثة بالمرصد المصري



