هل باتت الانتخابات الأمريكية غير آمنة من الهجمات
عقب ثلاث سنوات من إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومع اقتراب موعد الانتخابات التمهيدية وبدء التصويت في عام 2020 بولاية “نيو هامبشير”، ومع بقاء نحو ستة أشهر فقط حتى الانتخابات التمهيدية، دفع الكاتبان لورانس نوردن، ودانيال فينر نحو دراسة احتمالية تكرار الهجمات الروسية والتلاعب الخارجي في الانتخابات الأمريكية في مقال بعنوان “الانتخابات الأمريكية غير آمنة من الهجمات” في مجلة فورين أفيرز.
وتناول الباحثان الظاهرة من خلال وصفها وتحديد مدى صعوبتها ووضع الحل لها من خلال تدابير الكونجرس الأمريكي ولجنة الانتخابات الفيدرالية وغيرهم من صانعي السياسات لتخفيف أي هجوم في المستقبل من خلال ترقية المعدات ، والحماية من القرصنة، ومكافحة عمليات التأثير الأجنبي،فعلى الرغم من التقدم الضئيل نسبياً الذي أحرزته الولايات المتحدة نحو تشديد نظامها الانتخابي ضد التدخل، إلا أن عدم تفعيل آلية محددة قد يعرضها للهجمات مرة أخرى.
وأحرزت الحكومة الفيدرالية بعض التقدم نحو حماية هذه الأنظمة في السنوات التي تلت ذلك، من خلال تزايد فرصة مكاتب الانتخابات الحكومية والمحلية للوصول إلى مستشاري الأمن السيبراني وتقييم المخاطر، وتشترك الولايات والحكومة الفيدرالية والشركات التي توفر المعدات المستخدمة في صناديق الاقتراع بمعلومات أكثر مما كانت عليه في السابق. فقد قدم الكونغرس عام 2018 للولايات 380 مليون دولار للإنفاق على أمن الانتخابات.
وشددا على احتمالية قيام كل من روسيا والصين وغيرها من القوى المؤرقة كإيران استغلال الثغرات التي سبق وأن استغلتها روسيا على حد وصف الكاتبين في هجومها على الانتخابات الأمريكية في عام 2016، والذي وصف في تقرير المستشار الخاص روبرت مولر الأخير بأنه “كاسح ومنهجي” ، حيث أدى الاعتماد الشامل للتصويت المحوسب إلى إضعاف الضمانات ضد التدخل، وهو ما كان يحذر منه الخبراء قبل عام 2016، وكذلك فإن التحول إلى الوسائط الرقمية والاتصالات قد فتح فجوات جديدة في الأمن والقانون الذي يمكن استخدامه للتلاعب والابتزاز، والذي مكن روسيا من الوصول لشبكات الناخبين في مقاطعتين على الأقل في فلوريدا، واختراقها للبنية التحتية نفسها كما أكد تقرير حديث لوزارة الأمن الداخلي.
عوائق تأمين الانتخابات وآليات المواجهة
لخص الكاتبان العوائق التي تقف أمام تأمين الانتخابات في البنية التحتية اللامركزية الشاسعة للولايات، والتي تتألف من أكثر من 8000 دائرة انتخابية محلية منفصلة، واختلاف آليات التصويت التي تعتمد على العد اليدوي للأصوات الورقية إلى التسجيل الرقمي، فهناك 22 ولاية فقط من أصل 39 ولاية لديها سجلات ورقية لكل صوت تتطلب إجراء عمليات تدقيق بعد الانتخابات لضمان دقة المجاميع الإلكترونية.
ويمكن مواجهاتها في تحديث معدات التصويت في العديد من الدوائر الانتخابية إذا كانت محمية من التدخل الخارجي، واستبدال آلات التصويت القديمة والورقية التي لا تسمح بوجود نسخ احتياطية يمكن الرجوع إليها في حالات التلاعب. لكن النسخ الاحتياطية للورق لا تساعد إلا عند قيام المقاطعات والدول بمراجعتها، ويبقى العائق في إدارة مثل هذه المخاطر إلى ضعف الموارد المالية؛ فقد أبلغ مسئولو الانتخابات المحليون في 31 ولاية مؤخرًا عن حاجتهم إلى استبدال معدات التصويت الخاصة بهم قبل انتخابات عام 2020، لكن ما يقرب من ثلثهم قالوا إنهم لا يملكون المال للقيام بذلك، حتى بعد تخصيص 380 مليون دولار من الكونجرس العام الماضي، بعد إقرار الديمقراطيين في مجلس النواب مؤخرًا مشروع قانون مخصصات من شأنه أن يوفر للولايات والانتخابات المحلية 600 مليون دولار إضافية؛ بينما اقترح الجمهوريون في مجلس النواب 380 مليون دولار، وهو ما لم يمكنه تأمين البنية الأساسية للانتخابات الأمريكية بشكل كامل، لكنه سيعمل فقط على تحسينها.
الانتخابات أمر يمس السيادة
وما يجب أن يعيه أعضاء الكونجرس الأمريكي،هو أن تأمين الانتخابات مثل الحرب على الإرهاب، وفي حالة عدم رغبته في تمويل إضافي لإجراءات الحماية من الابتزاز الرقمي، فهناك قوانين تحتاج لتعديلات لضمان الحماية.
والتي تكمن في تقديم الكونجرس إعفاء للشركات التي تقوم بتمويل تحسينات الأمن السيبراني من القيود المفروضة عليها بنفس المقدار المتاح للمنظمات التابعة للأحزاب الوطنية.
ترامب كان على علم بالتدخل الروسي
أشارا الكاتبان إلى أن الهجمات الروسية لم تتدخل بشكل مباشر في صناديق الاقتراع، ولكن من خلال اختراق وإصدار رسائل البريد الإلكتروني المحرجة من خوادم الحزب الديمقراطي والحسابات الخاصة ونشرها بحجة التغطية الإعلامية الشاملة في الولايات المتحدة، وتمت الإشارة إلى أن حملة الرئيس ترامب كانت على علم بهذه الاستراتيجية وشجعتها واستفادت منها ، ولكنها لم تشارك فيها.
فقد استخدمت روسيا وسائل التواصل الاجتماعي والمنشورات المدفوعة وغير المدفوعة وعددًا كبيرًا من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الوهمية وصفحات Facebook ومواقع الويب لمعالجة وتمرير رئاسل إعلامية لمساعدة دونالد ترامب ضد هيلاري كلينتون، وساعدها في نشر ذلك الوسائل الإعلامية الروسية مثل “سبوتنيك وروسيا اليوم”، هذا إلى جانب الدعم المادي من خلال شخصيات مدعومة من الحكومة الروسية لإدارة حملات ترامب، فوفقًا لمراسلين استقصائيين لصحيفة “ذي جارديان”، قدم الأشخاص الذين تربطهم صلات بالحكومة الروسية تبرعات كبيرة إلى جمعية غير ربحية أمريكية وهي National Rifle Association ، التي أنفقت أكثر من 30 مليون دولار على إعلانات الحملات في دعم دونالد ترامب.
وأرجع المحللون الاسباب الاساسية نتيجة الثغرات في القانون الامريكي، من عدم مطالبة مجموعات الأموال بكشف عن مصادر تمويلها، مما يجعلها قنوات سهلة للنقد الأجنبي، وكذلك تمويل الحملات الإعلانية على الإنترنت تقع في منطقة رمادية نتيجة لمنعها كلمات صريحة فقط ضد المرشحين، ويحتوي القانون أيضاً على العديد من الاستثناءات التي يجب تقليلها.
ومن المحتمل أن يمنع التعديل القانوني الحكومة من تقييد استخدام وسائل الإعلام للمعلومات المسروقة، لكنه يمكن للحكومة أن تشجع وسائل الإعلام الأمريكية على تنبيه الجماهير من نتائج محاولة التلاعب بالانتخابات واختيار عدم الإبلاغ عن المعلومات المسروقة،
قانون الإفصاح والممارسات الخاضعة ومنع تخويف الناخبين
يأتي حل هذه الظواهر في إقرار قانون الإفصاح ، والذي تم تقديمه في كل الكونجرس منذ عام 2010، والذي يمكن الكونجرس سد العديد من هذه الفجوات، من خلال تحديث تحديث القواعد التي تحكم الشفافية في إعلانات الحملات لتشمل إعلانات حملات الإنترنت بما يتجاوز تلك التي تحتوي على الدعوة الصريحة، وإنشاء قواعد بيانات عامة على الإنترنت لمبيعات الإعلانات السياسية الخاصة بها، والتي ستتضمن نسخًا رقمية للإعلانات نفسها ومعلومات حول الجمهور المستهدف بالإعلان، وعدد مرات المشاهدة ، وتكلفة الإعلان ، ومشتريها.
كما يجب تمرير مشروع قانون آخر معروض حالياًُ على الكونجرس ، يسمى قانون الممارسات الخادعة ومنع تخويف الناخبين ، والذي سيجعل من نشر معلومات كاذبة عبر الإنترنت جريمة، وإضافة بعض التفويضات التي تمكن من الكشف عن أي نشاط أجنبي مخادع غير مدفوع الأجر على الإنترنت، دون التعدي على الحريات.
وخلص التقرير بمطالبة الكاتبان تخفيض الكونجرس لأعضاء لجنة الانتخابات الفيدرالية من ستة إلى خمسة ومنح موظفي اللجنة المحترفين القدرة على التحقيق بشكل مستقل في انتهاكات القانون، وعليه فإن تأمين الانتخابات المقبلة بفعالية لن يتطلب فقط تمرير قوانين جديدة ولكن أيضًا إنفاذ القوانين الموجودة حاليًا، مع الحفاظ على التوازن بين حماية السيادة الأمريكية مع المبادئ الأساسية مثل التدفق الحر للمعلومات واللامركزية في السلطة.