
لماذا امتنعت الهند عن الانضمام لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)؟
في الخامس عشر من نوفمبر، قامت خمسة عشر دولة من الدول الأعضاء في “رابطة دول جنوب شرق آسيا” والمعروفة بـ “الاَسيان” (ASEAN)، بالإضافة إلى خمس شركاء إقليميين من بينهم أستراليا ونيوزيلاندا، بتوقيع “اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”، (RCEP)، وهي الاتفاقية التي يُمكن وصفها بأنها أكبر اتفاقية تجارة حرة في التاريخ.
وتعد هذه الاتفاقية، بجانب “اتفاق الشراكة الشاملة عبر المحيط الهادئ” (Comprehensive and Progressive Agreement for Trans Pacific Partnership). (CPTPP)، من اتفاقيات التجارة الحرة متعددة الأطراف.
كان من المتوقع أن تصبح الهند عضوًا في هاتين الاتفاقيتين، إلا أن حكومة رئيس الوزراء الهندي ” ناريندرا مودي ” لم تنضم.
وفي السطور التالية سنحاول الحديث عن تأثير هذه الاتفاقية على الاقتصاد العالمي وأفاقها المستقبلية، إضافة لتناول النقطة المتعلقة بعدم انضمام الهند لهذه الاتفاقيات، والأسباب الكامنة وراء ذلك؟
تأثير الاتفاقية على الاقتصاد العالمي
يُشكل حجم اقتصاد الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية 30% من حجم الاقتصاد العالميّ، ويبلغ تعداد سكّان تلك الدّول ثلث سكّان العالم أي قرابة 2.21 مليار نسمةٍ. علاوة على ذلك إذا تم توظيف هذه الاتفاقية في السياق السياسي الصحيح، فإنها ستقود لتحقيق مكاسب كبيرة. فمن المتوقع أن تضيف الاتفاقية حوالي 209 مليار دولار سنويًا للدخل العالمي، بالإضافة إلى مساهمتها بـ 500 مليار دولار في التجارة العالمية.
ومن المقدر أيضًا أن اتفاقيتي (RCEP) و(CPTPP)، ستعوض الخسائر التي تكبدها العالم جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وستسهمان في زيادة كفاءة اقتصادات دول شمال وجنوب شرق آسيا بشكل كبير وذلك بربط القوى التكنولوجية، والتصنيعية، والزراعية والموارد الطبيعية ببعضها البعض.
وبالرغم من أن اتفاقية (RCEP) لم تتضمن الكثير من التفاصيل كنظيرتها (CPTPP)، حيث لا تأخذ في الاعتبار قواعد الملكية الفكرية، إضافة لعدم إشارة الاتفاقية إلى أي شيء يخص العمال، والبيئة والمشروعات المملوكة للدول. إلا أن المراقبين والاقتصاديين يؤكدون أنها انتصار للتحديث والتجارة الحرة وإلغاء الحمائية وتعزيز الاستثمار والسماح بحرية تنقل البضائع، كما انها ستدفع بعجلة النمو الاقتصادي داخل الدول الأعضاء والبحث عن أسواق جديدة لترويج بضاعتهم ومنتجاتهم في ظل حالة الركود الاقتصادي العالمي الذي تفاقم في ظِل تفشي جائحة فيروس كورونا المُستجد، وأن العالم لن ينتظر تعافي اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا وستستفيد دول منطقة جنوب شرق آسيا من اتفاقية (RCEP) بمعدل 19 مليار دولار سنويًا حتى عام 2030، بالإضافة إلى ذلك، ستسهل الاتفاقية من الوصول إلى تمويلات “مبادرة الحزام والطريق” (Belt and Road Initiative) الصينية، عن طريق دعم الأرباح السوقية الناتجة عن تحسين مجالات النقل، والطاقة، والاتصالات، فضًلا عن تعزيز الاستثمارات الأجنبية.
وتعد اتفاقية (RCEP)، والتي يُزعم بأنه يتم توجيهها من قبل “الصين”، نصرًا لدبلوماسية الـ “آسيان”، لما لها من عوائد تجارية كبيرة جدًا. فمن ناحية فإن القيادة الجماعية لتلك الشراكة من قِبل رابطة الاّسيان ستُعد بمثابة كقوة دافعة سوف تُساهم في تحرير تجارة السلع والخدمات، وتدفق الاستثمار، وتُخفف من حِدة التوترات والخلافات السياسية بين الدول الأعضاء. ومن ناحية أخرى فإن هذه الاتفاقية ستكتسب قوتها من انضمام الصين لها، حيث ستعمل على تقوية علاقات الصين مع جيرانها.
في السياق ذاته، ستمنح تلك الاتفاقية الفرصة لزيادة الاندماج الاقتصادي لاقتصادات دول شمال شرق اّسيا. حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية، استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الصين، كوريا الجنوبية واليابان، بعد توقفها لعدة سنوات، وفي السياق نفسه، وعد الرئيس الصيني “شي جين بينج” (Xi Jin Ping)، بتسريع المفاوضات بشأن معاهدة الاستثمار الصيني-الأوروبي واتفاقية التجارة الحرة بين الصين-اليابان-كوريا الجنوبية.
لماذا لم تنضم الهند لاتفاقية (RCEP)؟
رغم المفاوضات الطويلة والممتدة التي سبقت توقيع الاتفاقية فإن الهند التي تُعد واحدةً من أهم الاقتصادات الآسيوية، رفضت التوقيع على الاتفاقية.
حيث انسحبت الهند من المفاوضات في العام الماضي، وامتنعت مؤخرًا عن التوقيع على الاتفاقية باعتبار أنها لم تأخذ بعين الاعتبار التحفظات الهندية المتمثلة في حماية مصالحها الصناعية والزراعية ومصالح عُمالها وإعطاء ميزة لقطاع الخدمات في البلاد، وبالتالي رأت الهند أن الاتفاقية لا تعالج هذه القضايا، إضافة إلى تخوف الهند من أن تضر هذه الاتفاقية بالمصالح الاقتصادية الهندية وألا تستفيد من الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الدول الأعضاء، إذ ثمة عجز في الميزان التجاري مع 11 دولة من أصل 15 دولة أعضاء في الاتفاقية.
يُمكن الأخذ في الاعتبار سرد عدد من الأسباب والمخاوف المُعلنة التي دفعت الهند لعدم الانضمام، أهمها:
- أن الخبرة الهندية في توقيع اتفاقيات التجارة الحرة سلبية؛ إذ إن الميزان التجاري لم يكن لصالح الهند في الكثير من اتفاقيات التجارة الحرة الموقَّعة بينها وبين عدد من الدول الأعضاء في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
- فضلًا عن ذلك، فإن اتفاقيات التجارة مع دول مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، والدول الأعضاء برابطة “آسيان” قد تؤدي إلى تضرُّر بعض الصناعات الهندية مثل الإلكترونيات، كما تتوافق الأحزاب الهندية حول فقدان الثقة في اقتصادات السوق الحرة.
- كما أن الخدمات التجارية لدى الهند لا تؤهلها للانفتاح الاقتصادي بدرجة كبيرة خصوصًا فيما يخص التجارة الإلكترونية، وذلك يرجع إلى أن الأطر السياسية الحاكمة والبيئة التنظيمية تعوق القدرة الهندية على فتح أسواقها على نطاق واسع أمام كل الواردات الأجنبية.
التنين الصيني…السبب الرئيس في عدم انضمام نيودلهي للاتفاقية
يُمكن ارجاع السبب الرئيس في عدم انضمام الهند “لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”، إلى كون بكين أحد الأعضاء البارزين في تلك الاتفاقية، وبناءًا عليه قررت نيودلهي أنها لن تنضم إلى أي اتفاقية تجارية حيث تكون بكين عضوًا فيها حيث ساءت الأمور فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين، خاصة بعد جائحة “كوفيد-19″والمواجهة الحدودية المستمرة مع الصين.
كما ترى الهند في وجود الصين عضوًا في اتفاقية (RCEP) بمثابة غزوًا استعماريًا للسوق، فبكين ستعمل على الاستفادة واستغلال لتلك الاتفاقيات لصالح مبادرة الحزام والطريق الخاصة بها.
في السياق ذاته يجب الإشارة إلى أن معدل العجز التجاري للهند مع الصين يتراوح ما بين (55-60) مليار دولار، وبالتالي ترى الهند إن الوضع المتميز لبكين في الاتفاقية، سيترك نيودلهي في وضع غير عادل وسط عجز كبير في الميزان التجاري. وهو الأمر الذي تخشى منه الهند من أن تتحول الصين الي مستعمر من الباب الخلفي عن طريق اتفاقيات التجارة الحرة، وهو أحد الأسباب التي دفعت نيودلهي إلى مراجعة عدد من اتفاقيات التجارة الحرة في المنطقة.
النتائج المترتبة على عدم انضمام الهند لتلك الاتفاقية
يُمكن اعتبار عدم انضمام الهند لتلك الاتفاقية بمثابة خسارة كبيرة لها؛ إذ إن غيابها عن الاتفاقية سيؤدي إلى عزلتها، ويحد من قدرتها على تشكيل التجارة العالمية في الفترة القادمة، كما أنه سيحرمها الكثير من المكتسبات التي كان من المتوقع تحقيقها مثل جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، وفتح مجال واسع أمام الشركات الهندية لتحقيق قيمة مضافة للصناعة والتجارة الدولية.
في سياق أخر، هناك مخاوف من أن يؤثر قرار الهند على علاقاتها التجارية الثنائية مع الدول الأعضاء، حيث ستكون الدول داخل التكتل أكثر ميلًا للتركيز على تعزيز العلاقات الاقتصادية فيما بينهم، وهذا من شأنه أن يحرم الهند من الأسواق الواسعة لتلك الدول، وبالتالي صعوبة تصريف منتجاتها في.
على صعيد أخر، ونتيجة عدم انضمام الهند للاتفاقية، فإنها قد تخسر العديد من استثماراتها، ورُبما ينتهي الأمر بمستهلكيها إلى دفع أكثر مما ينبغي في شراء المنتجات، خاصة عندما تواجه سلاسل التجارة والاستثمار والتوريد تحديات عالمية غير مسبوقة بسبب جائحة “كوفيد-19”.
في السياق ذاته، ستخسر الدول الأخرى الأعضاء في الاتفاقية فرصة الوصول إلى السوق الاستهلاكية الكبيرة في الهند، والتي سيصعب الوصول إليها في ظل عدم انضمام الهند لها، خاصة خلال الوضع الاقتصادي العالمي في الوقت الراهن.
هذا وتدعو حكومة رئيس الوزراء الهندي “ناريندارا مودي” لتعزيز التصنيع المحلي، حيث تُخطط لطرح عددًا من المخططات القائمة على تقديم الحوافز للشركات متعددة الجنسيات للاستثمار وإنشاء متاجر لها في الهند، خاصة في فترة ما بعد وباء “كوفيد-19”.
كما يُمكن القول بأن غياب الهند عن تلك الاتفاقية سيترتب عليه حرمانها من الاضطلاع بدور محوري في بلورة قواعد العديد من القضايا الجديدة في التجارة الدولية مثل التجارة الإلكترونية.
ختامًا، ربما تُعيد الهند التفكير في الانضمام للاتفاقية دون الحاجة إلى الانتظار لمدة 18 شهرًا – وهي الفترة التي تم النص عليها في بنود الاتفاقية في حال إذا ما رغبت أي دولة في الانضمام للاتفاقية- وذلك نتيجة أن الهند كان إحدى الدول التي المُشاركة في المفاوضات الأصلية للاتفاقية، كما يُمكن أن تُقدم طلبًا كتابيًا بشأن نيتها الانضمام، وقد تُشارك في الاجتماعات كـ “مراقب” قبل انضمامها.
المصادر:
- SURUPA GUPTA, SUMIT GANGULY, “Why India Refused to Join the World’s Biggest Trading Bloc”, (foreignpolicy, NOVEMBER 23, 2020): https://foreignpolicy.com/2020/11/23/why-india-refused-to-join-rcep-worlds-biggest-trading-bloc/
- Peter A. Petri and Michael Plummer, “RCEP: A new trade agreement that will shape global economics and politics”, ( Brookings, November 16, 2020): https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2020/11/16/rcep-a-new-trade-agreement-that-will-shape-global-economics-and-politics/
- “What is RCEP? Why didn’t India join the pact?”, (theweek, November 16, 2020): https://www.theweek.in/news/biz-tech/2020/11/16/what-is-rcep-why-didnt-india-join-the-pact.html
- وائل عواد، “اتفاقية الشراكة الآسيوية الجديدة ..مسرح الشّرق وجغرافيّة الشّراكة الاقتصاديّة الآسيويّة” (٢٠ نوفمبر ٢٠٢٠): http://sns.sy/ar/node/149187
باحث أول بوحدة الدراسات الأسيوية