أفريقيا

“جوار محمد”: الحرب في “تيجراي” نتيجة لسوء إدارة إثيوبيا

عرض – نسرين الصباحي

لا يمكن حل المشاكل السياسية العديدة التي تواجه إثيوبيا من خلال الحرب، ولمنع المزيد من الفوضى، يتوجب على المجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين مُمارسة أقصى قدر من الضغط على جميع الأطراف من أجل وقف فوري لإطلاق النار وإقامة حوار وطني شامل.   

وعليه، نشر موقع “ذا اواش بوست” The Awash Post، مقالاً للمعارض الإثيوبي “جوار محمد”، بعنوان ” الحرب في تيجراي نتيجة لسوء إدارة إثيوبيا”، سَلط المقال الضوء على بعض الجهود والأفكار، حيث قدم “جوار محمد” توصيات بمعلومات  مُحددة نظرًا لظروف اعتقاله في السجن، حيثعادت إثيوبيا إلى دائرة الضوء العالمية مرةً أخرى مع اندلاع الحرب في إقليم التيجراي، فهو حزين لكن ليس مُتفاجئًا. أوضح أنه بالنسبة لأي شخص لديه فهم سريع لهشاشة السياسة الانتقالية في إثيوبيا، يلاحظ تصعيد التوترات بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيجراي إلى صراع عسكري كامل لا يُمثل مفاجأة.

 كانت الأسابيع التي سبقت بدء الحرب رسميًا مقلقة بشكل خاص مع وصول حدة العداء بين الحكومة الفيدرالية وإقليم تيجراي إلى ذروتها، أظهرت وسائل الإعلام الفيدرالية وحكومة التيجراي بانتظام العروض العسكرية، والقوات الخاصة ذات القبعات الحمراء في عمليات وهمية لاستعراض واضح للقوة، ثم استيقظت إثيوبيا على أنباء حرب مميتة، يوم 4 نوفمبر 2020.

قبل وقت طويل من ظهور رئيس الوزراء “آبي أحمد” كرئيس للائتلاف الحاكم وتوليه في نهاية المطاف قيادة المرحلة الانتقالية – وتحديدًا قبل اندلاع احتجاجات الأورومو – كان الأورومو على علم بأن إحدى مهامهم الرئيسية كانت تصميم استراتيجية لإزاحة الرئيس، والمتعاملين مع النظام الاستبدادي من السلطة دون إغراق البلاد في حرب أهلية. أوضح “جوار محمد” أن عملية إحداث التغيير في حكم سلطوي تهيمن عليه الأقلية وعواقبه الخطيرة، استندت مخاوف الأورومو من تغيير النظام الذي يتم التعامل معه بلا مبالاة، وقد يؤدي إلى حرب أهلية أو انهيار الدولة، إلى التقييمات للعوامل الحالية والتاريخية.   

تاريخ تشكيل الدولة الإثيوبية

أوضح “جوار محمد” أنه تم إنشاء نظام الحكم في إثيوبيا من خلال غزو مجموعات وطنية مختلفة، ومشاريع بناء الدولة المُتعاقبة التي حاولت من خلال سياسات الاستيعاب القسري احتواء صعود القضية الوطنية. كما قوضت الطبيعة استبدادية النظام المحاولة الأخيرة لبناء الدولة من خلال تشكيل فيدرالية متعددة الجنسيات، وأدى الفشل في بناء الدولة من قِبل الجماعات الوطنية المكونة إلى ولادة قوميات مُتنافسة.     

في مثل هذه الحالة، من المرجح جدًا أن تأخذ المنافسة بين أصحاب السلطة بعدًا إثنيًا، حيث يستغل كل جانب تلك الروايات القومية المتنافسة، مما يُمهد الطريق للصراعات الأفقية بين المجموعات الوطنية المختلفة. وفى الوقت نفسه هناك تنفيذ للاستراتيجية ضد الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا الحاكمة، وكانت هذه القوميات المتنافسة قوية ومؤسسية بالفعل.

طبيعة النظام  

سيطرت الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، على الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا (EPRDF)، التي تتكون قاعدتها السياسية من أقلية إثنية ولغوية تُمثل ستة في المائة فقط من سكان إثيوبيا، وعندما تهيمن مجموعات الأقليات السياسية على السلطة بشكل غير مُتناسب، بقدر ما ينتج عن امتلاك السلطة أرباح مادية غير مُتناسبة لأعضاء هذه المجموعة والمنتسبين إليها، وفقدان هذه القوة أو التهديد بها، يُشكل تهديدًا وجوديًا لكل من ثروتهم المتراكمة.       

تستغل النخبة السياسية الحاكمة هذا الخوف لتعبئة الجماهير وبالتالي عزل نفسها عن الخطر المحتمل. بالنظر إلى هذا السيناريو، يمكن أن يتحول التنافس بين الجماعات إلى صراع إثني أفقي، وحقيقة أن مؤسسات الحكومة الفيدرالية كانت تحت سيطرة نخب الأقلية في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تعني أن هذا الشعور بالتهديد الوجودي والصراع الأفقي اللاحق يمكن أن يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات، وثم انهيار الدولة.      

وفقًا لما سبق، ذكر “جوار محمد” عند تصميم استراتيجية لإحداث تغيير نحو انتقال ديمقراطي في إثيوبيا، حيث كان هناك استراتيجيات احتجاجات الأورومو، وكيفية طرد الجبهة الشعبية لتحرير التيجراى TPLF من السلطة، وإعادة دمجهم بعد ذلك، ودوره البارز في المرحلة الأولى من إزاحة التيجراى من السلطة من خلال مُشاركته في المفاوضات، وأيضًا مُحاولته لعب دور وسيط وحث الطرفين بالأخذ بالمصالحة وإعادة الاندماج كأولوية في المرحلة الثانية. وكانت المصالحة وإعادة دمج الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أحد المحاور الأساسية لمناصري “جوار محمد” عند لقائه بدبلوماسيين أجانب، بعد أيام قليلة من عودته إلى إثيوبيا، عقد اجتماعات مع سفراء حوالي 20 دولة بما في ذلك سفراء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. في تلك الاجتماعات، شدد على الأهمية الحاسمة لحل قضية الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي لنجاح المرحلة الانتقالية، واأكد على أن لفشل في المصالحة سيكون له تداعيات خطيرة على استقرار إثيوبيا، وحث الدبلوماسيين على ممارسة الضغط على كلا الجانبين للتفاوض. كانت المبادئ الأساسية للنهج الاستراتيجي كما يلي:      

  1. بينما كانت مُطالبة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بالتنازل عن السلطة بتصعيد الضغط من خلال الاحتجاجات الشعبية، وضرورة منحهم ضمانات ضد إعادة التوزيع العقابي للثروة والاضطهاد العدواني والملاحقة القضائية على جرائم الماضي في حالة تخليهم عن السلطة الفيدرالية، وستكون هذه الضمانات أيضًا ضمانًا للحكم الذاتي لدولة تيجراي الإقليمية حتى تتمكن من الاستمرار في الحماية من قِبل القوات الفيدرالية ضد التهديدات الخارجية. تم الاتفاق على إبلاغهم بذلك بوضوح وبشكل متكرر سواء بشكل رسمي أو غير رسمي.   
  2. كان يتوجب تبني حركة شعبية غير عنيفة بدلاً من الكفاح المُسلح في ظل الاعتقاد أن العصيان المدني يُشكل تهديدًا وجوديًا أقل من المواجهات المُسلحة. علاوةً على ذلك، يتوجب أن يتم الانتقال من خلال الإصلاح بدلاً من الإطاحة بالنظام بالكامل، وأن تقوده عناصر أو فصائل ذات عقلية إصلاحية داخل الحزب الحاكم تتمسك بالسلطة بدلاً من المعارضة، وسيكون من الأسهل تهدئة مخاوف قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من الاضطهاد العدواني، إذا تخلوا عن السلطة لأعضاء ائتلافهم الحاكم من مجموعات المعارضة التي اعتبروها أكثر عدائية.
  3. خلال حركة المقاومة، يجب حماية الأفراد المدنيين من مجموعة الأقلية للحد من تطور الشعور بانعدام الأمن الجماعي بين شعب تيجراي، وتم تنفيذ هذا بشكل فعال خلال أربع سنوات ونصف من احتجاجات الأورومو، ولم يتضرر المتظاهرون من التيجراي حتى كبار النخب السياسية والأمنية نجت من الهجوم المباشر، وعملت هذه الاستراتيجيات بشكل أفضل من المتوقع، ولكن كانت هناك تداعيات لحركة المقاومة مُتمثلة في فقدان آلاف الأرواح، لكن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي أدركت أخيرًا أنه لم يعد من الممكن التمسك بالسلطة في ظل الضغط المتزايد.  

سارت الأمور وفقًا للاستراتيجية حتى الآن، لكن الاستراتيجية تضمنت مرحلة ثانية؛ الأول، كما نُوقش في السطور السابقة، كان طرد وإزاحة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي من السلطة دون التسبب في حرب أهلية، وكانت المرحلة الثانية، إعادة دمج أعضاء الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي ليكونوا جزءًا من الاتحاد الديمقراطي الجديد مُتعدد الجنسيات، وكان الاعتقاد أن المصالحة وإعادة الاندماج كان أمرًا حاسمًا لنجاح الانتقال مثلما كان إزاحتهم عن السلطة، وساهم الفشل في التنفيذ لهذه المرحلة الثانية بشكل كبير في الأزمة الحالية، لعددٍ من الأسباب:

  • بدأت خطة تنفيذ المرحلة الثانية في التعثر منذ بداية الفترة الانتقالية، حيث تصاعد التوتر بين المتشددين في الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي والفريق الإصلاحي القادم، في اجتماع مجلس الائتلاف الحاكم الذي انعقد لانتخاب قيادة جديدة، وُجهت الجبهة انتقادات للرئيس المعيّن ورئيس الوزراء المنتخب، “آبي أحمد”، وذهبت إلى حد رفض الإدلاء بأحد أصواتهم الـ 45 لصالحه، وتسبب ذلك في انقسام بين المجموعة التي كانت بحاجة إلى المصالحة والشخص المسؤول عن رئاسة عملية إعادة الاندماج.
  • المُكلفين بتنفيذ المرحلة الثانية لديهم تفاهمات ودوافع وتكتيكات مختلفة عن المخططين لهذه المرحلة، رأى القادة الإصلاحيون الجدد أن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي تُشكل تهديدًا لتوطيد السلطة بدلاً من النظام القديم الذي يمكن أن يكون مفيدًا لتسهيل عملية الانتقال في حالة قبول الاستراتيجية وإعادة دمجها بشكل صحيح. وبدلاً من تهدئة أتباع جبهة التيجراي والنخبة التيجراية، قاموا بانتقادات لسجلاتهم الحياتية واضطهاد العديد من الأعضاء الرئيسيين في الجبهة بما في ذلك جنرالات الجيش والشركات. أدى ذلك إلى الاعتقاد بأن جبهة التيجراي تم خدعاهم للتخلي عن السلطة بوعود كاذبة لتقوية موقف المتشددين وإسكات المعتدلين.

تفاقم مخاوف التيجرايين بسبب الطريقة التي تم التعامل بها بشأن اتفاق السلام مع إريتريا، واستبعادهم من عملية صنع السلام مع عدوهم، جعل جبهة التيجراي تشعر بأن اللوم كان مدفوعًا بالرغبة في تشكيل تحالف ضدهم بدلاً من بذل جهدًا لإنهاء العداء الطويل بين البلدين، بالنسبة لأصحاب السلطة الجدد، كانت جبهة التيجراي تُخرب جهود الإصلاح كوسيلة لابتزاز الحكومة الفيدرالية وتقويضها.  

تم إلقاء اللوم رسميًا على الهجوم بالقنابل اليدوية على التجمع الذي تم تنظيمه لدعم رئيس الوزراء “آبى أحمد” في يونيو 2018 على رئيس المخابرات السابق، “جيتاشيو آسفا”، ومع ذلك أُعيد انتخابه في اللجنة التنفيذية، وحقيقة أن النخب الرئيسية في كلا المعسكرين قد عرفت بعضها البعض لفترة طويلة أدت أيضًا إلى عداء شخصي. والأهم من ذلك، نشأة قادة الجانبين في ظل ثقافة استبدادية، والتوصل إلى حلول وسط لتقريب الخلافات كان يعتبر علامة على الضعف.  

  • كان من الواضح أن الائتلاف الحاكم بحاجة إلى الإصلاح، أو على الأقل إعادة تسمية نفسه، للبقاء في السلطة، وافق شركاء التحالف على إصلاح الحزب حتى قبل بدء الانتقال، وكان من الواضح الدور المسيطر لجبهة التيجراي، وسيتم تقليصه ليعكس نظام السلطة الجديد، ومن شأن ذلك خلق مشاعر عدائية في مختلف القطاعات، وبذلك تأتي الحاجة إلى المفاوضات على السلطة. ومع ذلك، لم تُعقد أيًا من هذه المفاوضات في بداية الفترة الانتقالية. 

خلال الأشهر الأولى من الانتقال، في الوقت الذي كانت هناك حاجة إلى نقاش ومفاوضات أعمق، أوقف التحالف ثقافته المعتادة لعقد اجتماعات ومناقشات منتظمة مسترشد بمبادئ الائتلاف المُتمثلة في “المركزية الديمقراطية” التي يفترض فيها تسوية الخلافات داخليًا بدلاً من عرضها للجمهور. وبدلاً من المفاوضات، تم نشر مساومات القوة والإقناع والخداع والتهديدات علنًا من كلا الجانبين. بعد عملية اندماج تمت إدارتها بشكل سيء، وتم قطع السند الذي كان يربط إقليم تيجراي وأصحاب السلطة الجدد في الحكومة الفيدرالية.

وفيما يتعلق، بتأجيل الانتخابات الإقليمية والوطنية بسبب جائحة “كورونا” باعتبارها العامل الوحيد الأكثر أهمية الذي أشعل الصراع الحالي نتيجة خاطئة، حيث تضررت العلاقة بين الجانيين بشدة قبل وصول جائحة “كورونا”، كما كان الجانبان يستعدان بالفعل للحرب قبل فترة طويلة من سيطرة سياسات الانتخابات على الوعي العام.

وفى هذا الصدد، يمكن أن يكون تأجيل الانتخابات كان فرصًة ضائعة لإعادة العلاقة والتفاوض على تسوية سياسية بشكل ودي، لكن تم استخدمها من الجانبين فقط كفرصة لنزع الشرعية عن بعضهما البعض في ظل الاستعداد للمواجهة المُسلحة، وربما أدى التأجيل إلى تسريع الحرب، ولكن من الواضح أن الجانبين قد اتخذوا قرارًا لتسوية خلافاتهم بفوهة البندقية بدلاً من الالتفاف حول طاولة المفاوضات. في ظل غياب التواصل والتفاوض بين الأطراف، فإن انعدام الأمن يسود على كلا الجانبين، والتخوف من الانتقام من جرائم الماضي وقلق”آبي أحمد” من فقدان السيطرة بسبب أعمال التخريب التي ارتكبتها جبهة التيجراي، ومن ثم ركز كل جانب على اتخاذ إجراءات دفاعية لتحييد التهديدات.

أوضح “جوار محمد” أن الانقسام داخل الائتلاف الحاكم، يذكره بما قاله رئيس مجلس الأورومو الفيدرالي (OFC)، البروفيسور “ميريرا جودينا”، في بداية الفترة الانتقالية الصعوبة الرئيسية التي واجهها “آبى أحمد” كانت إدارة الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا بدلاً من التعامل مع المعارضة. ولذا، يجب على المجتمع الدولي واللاعبين الإقليميين ممارسة أقصى قدر من الضغط لإنقاذ هذا البلد من المزيد من الفوضى من خلال الإصرار على الوقف الفوري للأعمال العدائية وتشجيع القوى السياسية في إثيوبيا على حل خلافاتهم من خلال حوار وطني شامل.

ورأى “جوار محمد” أنه في حالة انتهاء الحرب بهزيمة قيادة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، يتوجب بذل جهود حقيقية للمصالحة وإعادة دمج النخب السياسية والأمنية والاقتصادية من التيجراي في هياكل الحكم داخل البلاد، وهذه الهزيمة لا تعني بالضرورة نهاية مشكلة التيجرايين للدولة الإثيوبية. كما يجب التعامل مع الحدود المتنازع عليها بين إقليمي أمهرا والتيجراي حتى لا يترك سببًا للصراع في المستقبل، وتتطلب قضية الحدود الإريترية غير المكتملة مُعالجة بدقة. في كلا الخلافين الحدوديين، يجب تجنب نهج “الفائز يأخذ كل شيء”.

واخَتتم “جوار محمد” مقاله، بأنه بغض النظر عن الجانب الذي سيفوز في جبهات القتال الرئيسية أو الحرب نفسها، فمن الواضح أن إثيوبيا تخسر على جبهات مُتعددة، وإثيوبيا على وشك الانهيار إذا أصر كل طرف على تعزيز مصلحته الخاصة باستخدام القوة، وأشار إلى أنه خلال احتجاجات الأورومو، اختاروا بوعي خوض النضال السلمي لتحقيق أفضل وسيلة للانتقال إلى نظام فيدرالي ديمقراطي مُتعدد الجنسيات، والنضال السلمي والحوار الشامل لا يزالان أفضل أمل لإثيوبيا في الانتقال بنجاح إلى نظام ديمقراطي، وضمان الاستقرار الدائم وتحقيق التنمية المستدامة.     

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى