
هل سيكون تحالف “العيون الخمس” سلاح المواجهة البريطاني القادم؟
أعرب وزراء خارجية دول تحالف “العيون الخمس” الاستخباراتية عن “قلقهم الشديد” إزاء فرض الصين قواعد جديدة تهدف إلى “استبعاد” المشرعين المنتخبين في هونغ كونغ في الثامن عشر من الشهر الجاري. وقد تم استبعاد النواب على خلفية قانون وضعته الهيئة العليا ببكين يجعل ” الوطنية” مطلبًا إلزاميًا واجب توافره في المشرعين، بما يسمح للسلطات المحلية في هونج كونج بعزل السياسيين والنواب دون الاضطرار إلى المثول أمام المحاكم المدنية.
وبرغم تعقيدات الوضع بهونج كونج، إلا أن البيان يفصح عن دور علني أكبر غير مألوف، لتحالف استخباراتي هو الأقدم وكذلك من ضمن أقوى التحالفات الاستخبارية في العالم، إن لم يكن الأقوى، وهو تحالف دول العيون الخمس. لذا فإن هذه الورقة تهدف إلى توضيح ماهية التحالف، وكذا التوجه البريطاني لتعزيز دور التحالف في مواجهة الصعود الصيني، واحتمالات نجاحها في ذلك.
نظرة على التحالف
تحالف العيون الخمس The Five Eyes)) هو تحالف استخباراتي تأسس عام 1941 بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتم تنظيمه وفقًا لاتفاقية” UKUSA”، وقد تم توسيع الاتفاقية لتشمل كندا في عام 1948، وانضمت أستراليا ونيوزيلندا للاتفاقية في عام 1956. وهي اتفاقية للتعاون المشترك تركز على الاستخبارات الخاصة بالاتصالات، فتهدف إلى جمع المعلومات التي تتحرك في منظومات الاتصال المختلفة، وتحليل تلك المعلومات وفك الشفرات الخاصة بها، وكل ما يدور في هذا الإطار. وقد كانت تركز في البداية على اعتراض الاتصالات الخاصة بالاتحاد السوفيتي؛ ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي لم ينهِ عمل التحالف، بل وسع نطاقه ليركز على المجتمع الدولي ككل.
يضم تحالف العيون الخمس عددًا من المؤسسات الاستخبارية هي: وكالة الأمن القومي الأميركية، والقيادة العامة لاتصالات حكومة المملكة المتحدة، ومؤسسة أمن الاتصالات الكندية، والمديرية الأسترالية للإشارات، ومكتب أمن اتصالات الحكومة النيوزيلندية. وقد بقي وضع المنظمة سريًا حتى شهر مارس عام 1999، حينما أقرت الحكومة الأسترالية أن المديرية الأسترالية للإشارات تتعاون مع نظيراتها خارج أستراليا تحت إطار اتفاقية. UKUSA ولم يتم الإعلان الفعلي حتى يونيو 2010، حينما أصدرت الحكومتان البريطانية والأمريكية النص الكامل لاتفاقية UKUSA وتم الاعتراف بها رسميًا لأول مرة.
يتعاون التحالف مع العديد من الدول من خلال اتفاقيات شراكة. وهكذا يلاحظ وجود تحالفات أخرى مثل (العيون التسع) التي تضم إلى جانب دول العيون الخمس كلًا من الدانمارك، وفرنسا، وهولندا، والنرويج. ومنظمة (العيون الأربع عشرة) وهي تضم ألمانيا، وبلجيكا، وإيطاليا، وإسبانيا، والسويد. أما منظمة الـ (41 عينًا) فتضم عددًا مهمًا من البلدان الأخرى من ضمنها أفغانستان. وبالرغم من وجود تلك الاتفاقات الخاصة بتبادل المعلومات، فلا يشارك التحالف معلوماته مع أي دولة خارج الخمس دول الأساسية، ولكنها تشارك المعلومات الاستخبارية بنحو انتقائي مع من هم في خارجها من حلفاء. فعلى سبيل المثال: وافق التحالف في عام 2015 على مشاركة بعض المعلومات الحساسة الخاصة به عن تنظيم داعش في سوريا مع الفرنسيين، وذلك بعد حصول اعتداءات إرهابية طالت العاصمة الفرنسية باريس. فيما يتبادل التحالف في أحيان أخرى المعلومات مقابل معلومات مع بلدان صديقة من خارجه.
وبالرغم من أهمية وحساسية المعلومات التي يتم تبادلها في إطار التحالف، فإن هذا لم يمنع من وجود تسريب لبعض معلوماته؛ والتي على إثره توترت العلاقات بين الدول بداخله، فعلى سبيل المثال: اتخذت الحكومة البريطانية قرارًا مؤقتًا بإيقاف تبادل المعلومات الاستخبارية مع نظيراتها الأميركية وبخاصة التي تخص عملية تفجيرات مانشستر عام 2017، بعد أن تسربت معلومات وصور خاصة بالحادث لصحيفة نيويورك تايمز تبادلتها الحكومة البريطانية مع نظيرتها الأمريكية. أما في عام 2016 فقد ذكرت تقارير صحفية بريطانية أن كندا قد أوقفت في عام 2013 مؤقتًا تعاونها الأمني مع أعضاء التحالف؛ بسبب الكشف عن قيام التحالف بجمع معلومات عن مواطنين كنديين وتخزينها دون إعلام الحكومة الكندية، وبنحو مخالف لبنود الاتفاقية.
التوجه البريطاني لتعزيز الاعتماد على التحالف
كانت المملكة المتحدة حتى وقت قريب من أكثر الدول الغربية تعاونًا مع الصين، وكان العصر الذهبي لهذا التعاون فترة حكم رئيس الوزراء الأسبق “ديفيد كاميرون” واستمرت المملكة المتحدة في هذا النمط، بالرغم من ضغط الولايات المتحدة عليها بحظر شركة “هواوى” واتخاذ إجراءات أكثر تشددا ضد الصين، ولكن أتت أزمة قمع الحكومة الصينية للاحتجاجات في هونج كونج، ومحاولاتها لتغير النظام ليكون أكثر تبعية لها، وتلاها أزمة فيروس كورونا المستجد فكشفت عن مدى اعتماد الغرب في قطاعات استراتيجية على الصين.
فقامت الحكومة البريطانية بالعديد من الإجراءات منذ ذلك الحين لتحجيم نفوذ الصين سواء بالمملكة المتحدة أو خارجها، وكان تحالف العيون الخمس، أحد أهم الأدوات التي اقترحت المملكة المتحدة الاعتماد عليها لمواجهة النفوذ الصيني، فكشفت صحيفة “ميل أون صنداي” أن رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، كشف النقاب عن التغيير في السياسة الخارجية المصممة لإنهاء الاعتماد على بكين في اجتماع لمجلس الأمن القومي بشهر يونيو الماضي، وعلمت الصحيفة أن الخطط التي نوقشت في مجلس الأمن القومي تتضمّن البحث بشكل عاجل عن “حلّ غربي فقط” لنقص الخبرة في تكنولوجيا الجيل الخامس 5G الفائقة السرعة.
وكذلك شملت تلك الخطط رغبة لندن في توحيد العيون الخمس ومجموعة أكبر من تحالف ديمقراطي مقترح يُسمى دول “D10” – دول الديمقراطيات العشر- وهي دول السبع الكبار بالإضافة للهند وكوريا الجنوبية وأستراليا، في مشروع مشترك يتعاون في الاستثمار في التكنولوجيات الخاصة بمنافسة “هواوي” واقترح جونسون حشد الحلفاء لتقوية منافسي هواوي، نوكيا وإريكسون. وعلق المدير السابق لـوكالة استخبارات الإشارات البريطانية “روبرت هانيجان” لفاينانشيال تايمز أن مثل هذا التعاون كان “فكرة جيدة” وشيئًا كان على بريطانيا وحلفائها “القيام به منذ سنوات عديدة”.
تلا ذلك دعوة المملكة المتحدة بنهاية شهر يوليو الماضي لإحياء مبادرة ” Critical 5″ التي تم تأسيسها عام 2012 في إطار تحالف العيون الخمس، والمعنية بتطوير نهج متعدد الأطراف لحماية البنية التحتية الحيوية. وترى الحكومة البريطانية أن تلك المبادرة هي هيكل قادر على التعامل مع التحدي المتمثل في سيطرة الصين على سلاسل التوريد على “أساس متعدد الأطراف”.
وفى إطار توسيع الاعتماد على الحلفاء، فقد رحب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بمنتصف شهر سبتمبر الماضي، بعد إبرام اتفاقية تجارية مع اليابان، بإمكانية انضمام اليابان للتحالف. وقال أمام أعضاء البرلمان في جلسة استماع برلمانية حين انتقد الصين بشأن هونج كونج وشينجيانغ: “إنها فكرة نفكر فيها، فلدينا علاقة رائعة مع اليابان، وشراكة دفاعية وأمنية وثيقة للغاية”. قال جونسون: “قد تكون هذه طريقة مثمرة للغاية للبناء عليها”.
احتمالات نجاح التوجهات البريطانية
يكتنف الرغبة والتوجه البريطاني لتوسيع التعاون مع دول خارج التحالف لإقامة بنية تكنولوجية منافسة للصين من ناحية، أو اقتراح إدخال أعضاء جدد بالتحالف كاليابان، عدد من التحديات، أبرزها:
فكرة الاندماج بين دول التحالف الخمس؛ إذ تمتلك البلدان الأعضاء في المنظمة بنحو مشترك -فضلًا عن اللغة- معايير أمنية متشابهة، ونظام تصنيف وسرية متشابهًا أيضًا، تكون على مدار سبعين عامًا، لذا سيكون من الصعب دمج دولة تختلف في تلك البنية والثقافة المشتركة، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فيما يخص التعاون المشترك من أجل انتاج سواء تكنولوجيات فائقة السرعة، أو بناء سلاسل توريد تضاهى الصين، فهذا أصعب بسبب سيطرة الصين متنامية الأطراف واستثماراتها الضخمة في البلدان المختلفة وبخاصة الدول الغربية؛ وعليه ففك هذا الترابط عبر النظام الاقتصادي الدولي سيكون أمر بالغ الصعوبة وذا تكلفة عالية، في وقت تعاني فيه الدول وبخاصة الغربية من تداعيات كوفيد 19، وتباطؤ النمو العالمي، يضاف لذلك معاناة المملكة المتحدة من تداعيات خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ختامًا، تتوسع المملكة المتحدة منذ تأكد خروجها من الاتحاد الأوربي، على محاولة تعزيز مفهوم النظام العالمي متعدد الأطراف، لما يحمله هذا النظام من حفاظ على مصالحها، ويضمن استمرارية القيم الغربية ذات الطابع الليبرالي. لذا فإن سعي المملكة المتحدة لتعزيز دور التحالف واستخدام هذا النمط التعاوني القوى، يُعد مفهومًا. ولكن مدى نجاح وفعالية هذا التوجه، لن يحركه النوايا، وإنما القدرة على خلق هذا التأثير، وهذا ما ستوضحه الفترات القادمة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية