أوروبامكافحة الإرهاب

ألمانيا.. جُهود حثيثة، وخريطة تطرف مُعقدة

أعلن البرلمان الألماني في 18 من نوفمبر الجاري موافقته على طلب مُشترك قدمه حزبا الائتلاف الحاكم، “الحزب الديمقراطي الحُر وحزب الخضر” يطالبان فيه الحكومة الألمانية بدراسة حظر حركة الذئاب الرمادية المُتطرفة في البلاد، مؤكدين في طلبهم أن الحركة عنصرية ومُعادية للديمقراطية وتهدد الأمن الداخلي للبلاد من خلال سعيها لنشر أفكارها المُتطرفة، وصلاتها بحزب الحركة القومية التركي الذي يُشكل تحالفًا حكوميًا مع حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه الرئيس التركي “أردوغان”. 

يأتي هذا في إطار البرامج الوقائية والسياسات الاستباقية التي تتبناها السلطات الألمانية للتصدي لمخاطر وتهديدات الجماعات المُتطرفة على أراضيها. فوفقًا لآخر إحصائية أصدرتها وزارة الداخلية الاتحادية الألمانية (BMI) في 13 يوليو 2020 تصاعدت نسبة المنتمين لجماعات التطرف الإسلاموي في 2019 بنسبة 5% عن عام 2018 ليصبح عددهم 28,020 شخصًا يأتي في مُقدمتهم تيار السلفية الجهادية الذي تتزايد أعداده في ألمانيا بصورة مُطردة. الأمر الذي أدى إلى إثارة المخاوف الأمنية لدى السلطات الألمانية جراء تنامي هذا التيار وغيره من الجماعات الإسلاموية المتطرفة، مثل: داعش والقاعدة والإخوان المسلمين وحزب الله وحركة حماس، بالإضافة إلى خطر المقاتلين الألمان العائدين من القتال مع تنظيم داعش في سوريا والعراق. 

ومن هنا قامت السلطات الألمانية بتطوير إجراءات فعالة لمكافحة الإرهاب على المستويين المحلى والدولي. ويتناول المقال أبرز التيارات والجماعات المتطرفة الموجودة بألمانيا، والمُقاربة الألمانية في التعامل مع ملف الإرهاب على المستويين المحلى والدولي.

أبرز التيارات والجماعات المُتطرفة في ألمانيا

  • تيار السلفية الجهادية: وهو تيار تندرج تحت عباءته مجموعة تنظيمات لا تؤمن بالديمقراطية أو التعددية، وتتبنى مبدأ الجهاد كغاية أساسية للدين الإسلامي، ومبدأ الحاكمية المُعتمد على قول الله تعالى (إن الحُكم إلا لله)، بما يحمله من تكفير للأنظمة السياسية الحديثة. 

ويُمثل هذا التيار النمط الأكثر انتشارًا من جماعات الإسلام الحركي في ألمانيا، فوفقًا لآخر إحصائية أصدرتها وزارة الداخلية الألمانية الاتحادية (BMI) في 13 يوليو 2020 ارتفعت أعداد هذا التيار عام 2019 لتسجل حوالي 12,150 شخصًا بعد أن كانت 11,300 شخصًا عام 2018. ويرتكز هؤلاء في كولونيا، وبون، وماين، وبرلين، وولاية ” شمال الراين فيستفاليا” والتي تضُم العدد الأكبر من المنتمين لهذا التيار ومن أبرز قيادات هذا التيار في ألمانيا: “بيبر فوجل” الذي يعد واحدًا من أشهر دعاة السلفية في ألمانيا، و”إبراهيم أبو ناجي” مُؤسس جماعة الدين الحق، و” أبو ولاء” وهو من أشهر الدعاة السلفيين الذين يعملون على تجنيد الشباب للقتال مع داعش.

  • جماعة الدين الحق: وهي جماعة سلفية جهادية يتزعمها “إبراهيم أبو ناجي” وتدعم تنظيم داعش الإرهابي، تم تأسيسها عام 2005 وتتبنى خطابات للكراهية، وشكلت هذه الجماعة المتطرفة قلقًا لأمن العديد من الولايات الألمانية من خلال محاولاتها لاستقطاب مُعاونين جُدد لهم لإقناعهم بالأفكار المُتطرفة، حيثُ شجعت نحو (140) ألمانيًا على الالتحاق بتنظيم داعش في سوريا والعراق، وتتبنى أفكارًا مُناهضة للدستور والقيم الألمانية.

وقد قامت السلطات الألمانية بحظر هذه الجماعة للمرة الأولى عام 2001، وأعلنت في عام 2016 حظر عمل الجماعة وحملتها التي قامت بتوزيع نسخ من القرآن على المارة في الشوارع، وبشكل نهائي حظرت السلطات الألمانية في ديسمبر 2017 جماعة الدين الحق المتطرفة لاتهامها بالترويج للتطرف وسط الشباب، وقال وزير الداخلية الألماني السابق “توماس دي مازيري” إن ” الجماعة التي يقودها أبو ناجي تُمجّد الموت والرعب وتستهدف بشكل ممنهج الشباب في المناطق السكنية وتوزع عليهم المصاحف، مؤكدًا أن السلطات لن تتسامح أو تقبل أعمال الجماعة”.

  • جماعة شُرطة الشريعة: ظهرت في ألمانيا عام 2014، وتزعّمها الداعية السلفي الألماني “سفن لاو”، وقامت هذه الجماعة بإثارة الفوضى عندما قام أفرادها بالتجول في دوريات في شوارع مدينة فوبرتال الألمانية وهم يرتدون سترات برتقالية تحذيرية كُتب عليها “شرطة الشريعة” تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ويدعون المواطنين إلى التخلي عن شرب الكحول، وعدم الذهاب إلى الملاهي الليلية. وألغت المحكمة الاتحادية في ألمانيا مطلع عام 2018 حكمًا صدر بتبرئة المتهمين في هذه الجماعة عام 2016 وحكمت عليهم بغرامات مالية في 27 مايو 2019.
  • جماعة أنصار الأسير: وهي جماعة تدافع عن حقوق السجناء، وتنشط في صفوف المعتقلين في السجون الألمانية وينتمي غالبيتهم إلى مجموعات جهادية يقضون عقوبة السجن في السجون ألمانية.
  • خلية فولفسبورغ: نشطت لفترة في هامبورج، وحاولت تجنيد الشباب للقتال في صفوف داعش في سوريا، حيثُ مكنت نحو 20 جهاديًا ألمانيًا من السفر بين عامي 2013، و2014 من فولفسبورغ إلى العراق وسوريا للقتال في صفوف تنظيم داعش، وقد استطاعت الشرطة الألمانية السيطرة على هذه الخلية في 2015.
  • جماعة الإخوان: استطاعت الجماعة مضاعفة أعدادها في البلاد، ففي عام 2019 بلغ عددها 1,350 بعدما كانت تضم 1,040، وتحولت مدينة كولن في ولاية شمال الراين فستفالن إلى شبة مقر لجماعة الإخوان في ألمانيا؛ الأمر الذي دفع هيئة حماية الدستور في الولاية (المخابرات الداخلية) إلى التحذير من أن الجماعة باتت تشكل خطرًا أكبر من داعش والقاعدة على ألمانيا.

 وتمتلك الجماعة الإرهابية وجودًا في ألمانيا، عبر المساجد والعديد من المنظمات الصغيرة، مثل: (مُنظمة التجمع الإسلامي، ومنظمة رؤيا، ومنظمة المرأة المسلمة، والمجلس الإسلامي في برلين، والمركز الإسلامي في ميونخ، والجمعية الإسلامية، والمجلس الأعلى للشباب المسلم، والمركز الثقافي للحوار في برلين، ومركز الرسالة، وبيت الثقافات المتعدة، وملتقى سكسونيا). 

  • حزب الله: في أبريل 2020، قامت السلطات الألمانية بحظر التنظيم بجناحيه السياسي والعسكري، وصنفته كتنظيم إرهابي بعد اتهامه بتجنيد العناصر لتنفيذ عمليات إرهابية، ووفقًا لوزارة الداخلية الألمانية يوجد أكثر من ألف شخص مُرتبطون بحزب الله في ألمانيا، وينتمي هؤلاء إلى الجناح المُتطرف في الجماعة.
  • حركة حماس: وفقًا لآخر إحصائية للداخلية الألمانية في يوليو 2020 قُدر عدد الأشخاص الذين ينتمون إلى حركة حماس 380 شخصًا عام 2019، وفى أبريل 2019، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية مهاجمة مكاتب منظمتي (المقاومة العالمية- غوث، وأنصار الدولية) بدعوى قيامهم بحملات دعائية لحركة حماس.   
  • مُنظمة التجمع الإسلامي في ألمانيا: تأسست في عام 1958 في ميونخ، وتُعدُّ من أوائل المنظمات التي أسستها جماعة الإخوان في أوروبا، ويترأسها “سمير الفالح” خلفًا لإبراهيم الزيات.
  • الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية: يُمثل الاتحاد ذراعًا أساسيًا لحزب العدالة والتنمية التركي والرئيس التركي “أردوغان” للتأثير على المساجد التابعة لتركيا في ألمانيا، وبث خطاب سياسي إسلامي متشدد.
  • ملتقى سكسونيا: رصدت الاستخبارات الداخلية قلقًا مُتزايدًا في نفوذ جماعة الإخوان المسلمون بولاية سكسونيا شرق ألمانيا، حيثُ أعلن رئيس الهيئة المحلى بولاية سكسونيا “جورديان ماير- بلات” أن الجماعة استغلت نقص دور العبادة للمسلمين الذين قُدموا إلى سكسونيا كلاجئين لتوسيع هياكلها ونشر تصورها عن الإسلام السياسي، عبر مُنظمات مثل الجمعية الثقافية “مُلتقى سكسونيا”.
  • مللي جوروش التركية: تُعتبر من أخطر الجماعات التي تُمثل تهديدًا لألمانيا، أسسها التركي ” نجم الدين أربكان” عام 1969، وتُعدُّ امتدادًا للنفوذ التركي في ألمانيا، وتضم حوالي 31 ألف عضو.
  • شبكة أبو ولاء: يتزعمها الداعية العراقي “أبو ولاء” رجل داعش الأول في ألمانيا، وتتخذ هذه الشبكة من دورتموند وهيلدسهايم في غرب ألمانيا مقرًا لها، وتُعدُّ الشعبة الرئيسية للتجنيد والعمليات في تنظيم داعش في ألمانيا بعد ظهور التنظيم. 
  • جماعة ملة إبراهيم الألمانية: تأسست في ألمانيا عام 2011 واتخذت من مسجد مدينة زولينغن بمنطقة شمال الراين-وستفاليا مقرًا لها، وأصبحت واحدة من أشهر الجماعات المُتشددة في برلين، وفى العام التالي من تأسيسها صنفتها الحكومة الألمانية كجماعة محظورة بتهمة الحض على الكراهية ونشر الأفكار المُتطرفة.
  • جماعة النصرة والتوحيد: وهي جماعة منبثقة عن جماعة “ملة إبراهيم” التي حظرتها السلطات الألمانية عام 2012، وتُمجد الجهاد العنيف الذي تتبناه المنظمات الإرهابية مثل ما يقوم به تنظيم داعش الإرهابي، وفى مارس 2015 أعلنت وزارة الداخلية الألمانية حظر هذه الجماعة.
  • حركة دولة الخلافة: تأسست عام 1986 في مدينة كولون الألمانية، وتقوم على رفض مبادئ الديمقراطية، ورفض تكوين الأحزاب السياسية.
  • كتيبة لوربيرغر: التحق من خلالها نحو 20 شابا من بلدة دنسلاكن الألمانية بالجهاد في سوريا، وغالبيتهم تنحدر من حي لوربيرغر.

معضلة عودة المقاتلين الألمان في صفوف داعش

تناولنا في مقال سابق بعنوان “أوروبا والإرهاب.. مخاوف من عودة المسلحين الأجانب في صفوف داعش” التحديات الأمنية، والقانونية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية التي تواجهها الدول الأوروبية جراء مُعضلة عودة مُواطنيها المُقاتلين في صفوف داعش.

وفى ألمانيا تُمثل العناصر العائدة من القتال مع داعش تهديدًا للمجتمع الألماني، الأمر الذي دفع السلطات الألمانية إلى إدراج العائدين على لائحة العناصر الإرهابية الخطيرة. ووفقًا للمركز الأوروبي لدراسات مُكافحة الإرهاب والاستخبارات، هناك 90 مُقاتلًا ألمانيًا من المُنتمين لداعش يريدون العودة إلى ألمانيا، وقد اتبعت السلطات الألمانية سياسة تجريد المقاتلين الأجانب من الجنسية في حالة مزدوجي الجنسية، وسمحت بعودتهم في الحالات الأخرى، كما سمحت بعودة الأطفال والنساء إلى أوطانهم.

جُهود ألمانيا لمكافحة التطرف والإرهاب

أولًا: على المستوى المحلى:

  • تعزيز إجراءات المراقبة على الحدود الداخلية والخارجية، لمنع الدخول غير الشرعي للبلاد.
  • تبني إجراءات أكثر تشددًا مع محركات الإنترنت، لمحاربة نشر الأفكار المتطرفة عبر الانترنت.
  • تعزيز قدرات أجهزة الاستخبارات الداخلية، من خلال إنشاء مجموعة من الوحدات المنوطة بمكافحة الإرهاب، مثل:
  1. وحدة التدخل السريع (GSG9)، لمجابهة العمليات الإرهابية.
  2. وحدة التحقيق والتحري الألمانية (BFE)، لمعاينة الأدلة، وتنفيذ الاعتقالات، وإنقاذ الرهائن.
  3. قوات مكافحة الإرهاب (BKA)، المختصة بمكافحة الإرهاب والجريمة.
  4. قوات النخبة في الجيش الألماني (KSk)، والتي تقوم بحملات لمكافحة الإرهاب، وتدريب القوات في مناطق النزاع.
  5. المركز المشترك لمكافحة الإرهاب (GTAZ)، المختص بجمع المعلومات المتعلقة بالإرهاب الدولي وتحليلها.
  • رفع الميزانية المُخصصة لمكافحة لإرهاب.
  • توسيع عدد العاملين في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.
  • تطوير استراتيجية مكافحة الإرهاب لترقى الى حجم تهديدات التنظيمات والجماعات المتطرفة.
  • إقرار صلاحيات واسعة لتنفيذ عمليات وقائية واستباقية لوقف تنفيذ العمليات الإرهابية.
  • تعزيز التعاون الأمني بين الولايات الألمانية.
  • توسيع الرقابة على المساجد والمراكز الدينية التي تدعو إلى التطرف ووقف تمويلها الخارجي، وحظر أنشطة الجماعات التي تنشر أفكارًا مُتطرفة.

ثانيًا: على المستوى الدولي:

تُشارك ألمانيا في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، وتقدم مُساهمات عسكرية لمحاربة تنظيم داعش، كما يلي:

  • صدقت على اتفاقيات الأمم المتحدة الأربعة عشر لمكافحة الإرهاب وتقوم بتنفيذها كأساس ملزم بموجب القانون الدولي.
  • تطبق في ألمانيا قوائم عقوبات مجلس الأمن المفروضة ضد الأشخاص والمنظمات المُرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، مثل: داعش، والقاعدة، وحركة طالبان.
  •  شاركت ألمانيا في العديد من العمليات العسكرية الدولية لمكافحة التطرف والإرهاب، ففي نوفمبر 2016، وافق البرلمان الألماني على السماح للقوات المسلحة الألمانية بالانضمام الى مهام الاستطلاع التي يقودها الناتو في سوريا اعتبارًا من سبتمبر 2018، كما يتمركز 405 جندي ألماني في العراق وسوريا لمحاربة تنظيم داعش. وفى أفغانستان يوجد حوالي 1124 جنديًا ألمانيًا مُشاركين في مهمة الدعم الحزم التي يقودها حلف الناتو لمواجهة حركة طالبان.
  • في إطار المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، تعمل الحكومة الألمانية على تطوير وتبادل أفضل الوسائل لتعزيز القدرات المدنية كجزء من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
  • تعهدت الحكومة الألمانية في 2 مايو 2019، بتقديم مبلغ (100) مليون يورو مساعدة عاجلة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.

المصادر:

  1. Brief summary 2019 Report on the Protection of the Constitution Facts and Trends,   
  2. Germany: Extremism & Counter-Extremism,   .
  3. مطالبات تتزايد بحظر كامل لـ”الإخوان” في ألمانيا، .
  4. ملف: السلفية الجهادية في ألمانيا خريطة الانتشار والمخاطر، .
  5.  بالأسماء: الجماعات المتطرفة في اوروبا والدول الداعمة لها، .
  6. ألمانيا تتجه إلى حظر جماعة “الذئاب الرمادية” التركية المتهمة بتبني “عقيدة قومية وعنصرية”، .

منى قشطة

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى