
ترامب وبايدن وتايوان.. استراتيجية أمريكية واحدة ودرجات تقارب مختلفة
يطرح انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة تساؤلات حول شكل العلاقات التي ستتخذها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه عدد من القضايا الدولية لا سيما قضية التعامل مع الصين التي دخل معها الرئيس دونالد ترامب في خلافات عدة، كان أبرزها الحرب التجارية والعمل على إنشاء تحالف أمني في هذه المنطقة يضم أيضا “اليابان، الهند، أستراليا” المعروف باسم QUAD، ومحاولات دفع بعض الحلفاء الآخرين في المنطقة للانضمام. لكن يضاف إلى كل ذلك قضية جزيرة تايوان التي تمثل للصين قضية سيادة؛ إذ اتخذ ترامب سياسات تجاه تايبيه لم يسبقه إليها أي رئيس أمريكي آخر منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979.
وتشكل تايوان قضية غاية في الحساسية بالنسبة للصين؛ فالجزيرة آوت القوميين الصينيين “الكومنتانغ” الذين حكموا الصين- كان اسمها جمهورية الصين- قبل هزيمتهم على أيدي الشيوعيين –من أسسوا جمهورية الصين الشعبية- في الحرب الأهلية عام 1949 وهربوا إلى تايبيه ليشكلوا حكومة موازية ليصبح اسم الجزيرة الرسمي “جمهورية الصين”.
وحتى العام 1971 كان مقعد الأمم المتحدة في يد حكومة تايوان الموازية للحكومة الشيوعية في البر الصيني حيث قررت الجمعية العامة في أكتوبر من ذلك العام الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كممثل للشعب الصيني وطرد ممثلي الكومنتانغ، وفي العام التالي بدأ ذوبان الجليد بين بكين وواشنطن بزيارة الرئيس نيكسون للصين، حتى العام 1979 الذي يشكل نقطة التحول بإقامة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الصين والولايات المتحدة واعتراف الأخيرة بمبدأ الصين الواحدة.
المرجعية القانونية والدبلوماسية للعلاقات الأمريكية التايوانية
وفقًا للبيان المشترك لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن “ديسمبر 1978” فإن الولايات المتحدة تعترف بحكومة الصين الشعبية حكومة شرعية وحيدة للصين، وأنه في هذا السياق يستمر الشعب الأمريكي في علاقاته التجارية والثقافية غير الرسمية مع شعب تايوان.
بموجب ذلك، أصدرت الولايات المتحدة قانون العلاقات مع تايوان مطلع عام 1979 والذي بموجبه أقرت واشنطن سياسة تجاه الجزيرة تتضمن نقطتين هو أن إقامة علاقات دبلوماسية مع بكين يعتمد على توقع إقرار مستقبل تايوان بالطرق السلمية، لكن النقطة الأهم هي تزويد واشنطن لتايبيه بأسلحة ذات طابع دفاعي، معللة ذلك بأنه “للحفاظ على قدرة الولايات المتحدة على مقاومة أي لجوء إلى القوة أو غيره من أشكال الإكراه التي من شأنها أن تعرض الأمن أو النظام الاجتماعي أو الاقتصادي للشعب في تايوان للخطر”.
وعلى هذا الأساس ووفقا للقانون ذاته، فإن الولايات المتحدة تتيح لتايوان المواد الدفاعية والخدمات الدفاعية بالكمية التي قد تكون ضرورية لتمكينها من الحفاظ على قدرتها للدفاع عن نفسها، إضافة إلى ذلك فإن القانون لا يؤثر على المصالح أو الممتلكات أو الحقوق أو المصالح الخاصة بالسلطات الحاكمة في الجزيرة واكتسبت قبل قطع العلاقات الدبلوماسية، ولا يلغي ترخيص الصادرات النووية الأمريكية إلى تايبيه.
ولتعويض غياب السفارة أوجدت الولايات المتحدة عبر القانون ذاته مؤسسة غير ربحية هي المعهد الأمريكي في تايوان وهي –بحكم الواقع– سفارة واشنطن لدى تايبيه؛ إذ إن معاملات الرئاسة والمؤسسات الأمريكية تتم من خلالها، كما يمنح لموظفيه بعض السلطات لآداء مهام قنصلية.
وبالعودة للبيان المشترك بين واشنطن وبكين الصادر عام 1982 والذي ركز على قضية تايوان فإن مسألة مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان لم تحسم وإنها تمثل حجر عثرة في تطوير العلاقات بين البلدين، وأن مقترح الصين للتوحيد السلمي عبر 9 نقاط يمثل ظروفًا مواتية لهذه المسألة، وأن واشنطن تسعى تدريجيًا لتقليل مبيعاتها من الأسلحة للجزيرة، مع وعود الطرفين لبذل أقصى الجهود للوصول لتسوية شاملة لهذه المسألة.
رغم ذلك فقد سمحت إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون منتصف تسعينيات القرن الماضي لرئيس تايوان الراحل Lee Teng-hui لي تينغ-هوي –أول رئيس منتخب في تاريخ الجزيرة- بزيارة خاصة للولايات المتحدة بصفته خريج إحدى جامعاتها، وهو الأمر الذي أثار أزمة دبلوماسية بين بكين وواشنطن، خاصة وأن لي طرح سياسة وجود “صينين” أو “صين واحدة وتايوان واحدة” في خطاب له بجامعة كورنيل –حصل فيها على الدكتوراه- وهو ما أدى إلى استدعاء السفير للتشاور، لكن العلاقات عادت في العام التالي مع تأكيدات واشنطن الالتزام بسياسة الصين الواحدة.
إدارة ترامب والتقارب مع تايوان
تزامن وصول الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته إلى الحكم مع وصول زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي تساي إينغ وين والمعروفة باتجهاتها المؤيدة للاستقلال لكرسي الرئاسة في تايوان يناير 2016 حيث سبقت ترامب بعام تقريبا.
تساي أجرت مكالمة هاتفية مع ترامب بعد فوزه في الانتخابات لتهنئته نهاية عام 2016 كانت هي الأولى ما بين رئيس تايواني ورئيس أمريكي “قبل توليه الحكم رسميا” منذ انقطاع العلاقات بين البلدين، وهو ما أثار قلق الصين رغم التأكيدات الأمريكية عدم تغيير سياستها، ما دفع ترامب بعد تولي الحكم مباشرة لتثمين مبدأ الصين الواحدة ولقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ.
لكن رغم حديث إدارة ترامب عن هذا الأمر إلا أن التواصل بين الولايات المتحدة وتايوان بدا أكثر دفئًا كما لو كانت شريكًا دبلوماسيًا طبيعيًا بحسب محللين، حيث استخدمت واشنطن خلال هذه السنوات الأربع خاصة العامين الأخيرين قضية تايوان كورقة أخرى لمواجهة الصين.
التقارب الدبلوماسي ظهر على سبيل المثال في زيارة وزير الصحة الأمريكي أليكس عازار في أغسطس الماضي إلى الجزيرة ليصبح أرفع مسؤول أمريكي يزور الجزيرة منذ عام 1979. صحيح أن الزيارة كانت لمناقشة التعاون في مجال الصحة لا سيما ما يتعلق بفيروس كورونا إلا أنها حملت دلالات دبلوماسية، وأثارت حفيظة الصين التي نشرت مقاتلات عبرت لفترة وجيزة خط المنتصف لمضيق تايوان.
الأمر اللافت أن رئيسة تايوان نفسها زارت الولايات المتحدة في يوليو 2019 كمحطة عبور خلال رحلتها لزيارة حلفائها الدبلوماسيين في الكاريبي، فتوقفت يومين في نيويورك ذهابًا ومثلهما في دينفر لدى العودة.
صحيح أن الولايات المتحدة بدأت تسمح باستخدام رؤساء تايوان لأراضيها كمحطة عبور ولكن في أضيق نطاق زمني ممكن وهو ما تغير مع رئيسة تايوان الحالية خاصة أنها التقت خلال الزيارة بسفراء دول حليفة للجزيرة وأعضاء في الكونجرس وأجابت على أسئلة الإعلام وتحدثت عن قضية تايوان في جامعة كولومبيا.
وكذلك، غيرت تايوان في العام نفسه مسمى المجلس التنسيقي لشؤون أمريكا الشمالية (CCNAA) –نظير المعهد الأمريكي في تايوان– إلى مجلس تايوان للعلاقات الأمريكية (TCUSA)، وفي المقابل افتتحت الولايات المتحدة مكتبًا تمثيليًا جديدًا بقيمة 255 مليون دولار في تايبيه.
ودشنت واشنطن وتايبيه خلال نوفمبر 2020 الاجتماع الأول لشراكة الرخاء الاقتصادي بينهما والمعروفة اختصارًا (EPP) والذي شمل الحوار حول عدد من القضايا الاقتصادية مثل تقنية الجيل الخامس وعن عزم المعهد الأمريكي في تايوان ومكتب تمثيل تايبيه الثقافي والاقتصادي التفاوض من أجل الوصول لاتفاق حول العلوم والتكنولوجيا.
أما عسكريا، فمنذ وصول ترامب للحكم زادت أعداد سفن البحرية الأمريكية المارة بمضيق تايوان وزادت صفقات السلاح بانتظام أكبر غير عابئة بالاعتراضات الصينية. فوافقت على 7 صفقات سلاح تبلغ قيمتها الإجمالية 13 مليار دولار وفقًا لبرنامج الدراسات التايوانية في جامعة نوتنجهام.
وعلى سبيل المثال شهدت حقبة ترامب أكبر صفقة لبيع السلاح لتايوان منذ ثلاثة عقود تقريبًا، إذ وافقت على بيع 66 طائرة من طراز F-16C/D العام 2019 بقيمة 8 مليارات دولار ما يزيد قدرة تايبيه على القيام بعمليات عسكرية في مضيق تايوان وفقًا لخبراء عسكريين لـCNN.
ومن الناحية القانونية، عمد ترامب إلى تمرير عدد من القوانين والاتفاقات التي تدعم العلاقات بين واشنطن وتايبيه، فبحسب صوت أمريكا فقد مر على المشرعين الأمريكيين 5 قوانين تدعم تايوان. من هذه القوانين على سبيل المثال قانون السفر إلى تايوان Taiwan Travel Act والموقع عليه في 2018 ويسمح للمسؤولين الأمريكيين على جميع المستويات بالسفر إلى تايوان للقاء نظرائهم التايوانيين، وبسفر المسؤولين التايوانيين رفيعي المستوى للولايات المتحدة ولقاء مسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكية.
القانون الأكثر أهمية هو المبادرة الدولية لحلفاء تايوان للحماية والتعزيز Taipei Act والموقع عليه في مارس 2020والذي يقضي اختصارًا بتقوية الولايات المتحدة لعلاقات تايوان الدبلوماسية مع شركاء واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، وتعديل إجراءات المشاركة مع الدول التي تقوض أمن أو ازدهار تايوان، إضافة إلى دعم تايبيه في مساعيها لمنحها العضوية في المنظمات التي لا تتطلب صفة دولة أو الحصول على صفة مراقب في منظمات أخرى.
إضافة إلى هذين القانونين اللذين يستهدفان تقوية العلاقات بشكل مباشر مع تايوان فهناك أيضًا قوانين تتضمن العلاقات مع تايوان مثل مبادرة تتعلق بالتأكيد على مسؤوليات المتحدة تجاه آسيا the Asia Reassurance Initiative Act والتي تتضمن بندًا يؤكد مسؤوليات واشنطن تجاه تايبيه.
بايدن وسياسة مختلطة
على مدار تاريخه السياسي، هناك مواقف مختلطة لجو بايدن تجاه قضية تايوان، فكان عضوًا في الكونجرس حينما أقر قانون العلاقات مع تايوان عام 1979، وحينما تولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مطلع الألفية كانت تايوان أولى وجهاته الخارجية.
وفي مطلع 2020 أرسل بايدن المرشح المحتمل للانتخابات الأمريكية رسالة تهنئة لرئيسة الجزيرة تساي إينغ وين لإعادة انتخابها قال فيها إنه يجب استمرار تقوية العلاقات بين واشنطن وتايبيه والديمقراطيات ذات التفكير المماثل.
لكن على الجانب الآخر كان بايدن ضمن من رفضوا مشروع قانون تعزيز الأمن في تايوان (TSEA) عام 1999، مرجعًا ذلك إلى أنه سيضر العلاقات مع الصين التي قال عنها خلال حملته الانتخابية إنها ليست منافسًا للولايات المتحدة.
سياسة متشابهة ودرجات مختلفة
وفقًا لما قاله خبير الشؤون التايوانية Gerrit van der Wees لمجلة ذا ناشيونال إنترست، هناك 3 أسباب رئيسية ربما تدفع لوجود سياسة متشابهة بين إدارتي بايدن وترامب في ملف تايوان، الأول هو أن تايوان أصبحت دولة ديمقراطية عكس ما كانت عليه حينما تمت مقاطعتها عام 1979 ، الثاني هو تحول الصين في السنوات الأخيرة لتصبح أكثر عدوانية على المستوى الدولي سيما مع وصول شي جين بينغ للسلطة، الثالث هو زيادة الضغط وحملات التخويف العسكرية التي تقوم بها بكين ضد تايوان منذ وصول تساي إينغ وين للحكم 2016وإعادة انتخابها في 2020.
وعلى ذلك فإن إدارة بايدن ستعمل على تحقيق أهدافها بشكل أكثر تنسيقًا وتوازنًا عبر مجموعة من الإجراءات، تتراوح بين الضغط الدبلوماسي على الصين، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع تايوان، ومواصلة تعزيز القدرات الدفاعية لتايوان، وتوسيع نطاق عمل تايوان على الساحة الدولية عبر العمل مع الحلفاء لإقناع بكين بتقبل الصين لتايوان كجار ودود بدلا من استكمال آخر حلقة من مسلسل الحرب الأهلية الصينية.
لكن رغم ذلك فالموقف الحالي بالنسبة للعلاقات بين واشنطن وبكين التي تشهد أدنى مستوى لها ربما يدفع بايدن الذي يُرى أنه سينتهج دبلوماسية تقليدية إلى الاستمرار في دعم تايوان وفقا للسياسة العامة للولايات المتحدة لكن بقدر أقل مما كانت عليه إدارة ترامب وهو ما يراه محللون تايوانيون.
إضافة إلى ذلك فهناك قدر من الترقب الحذر لدى إدارة تساي إينغ وين نظرًا لأن التجربة مع إدارة أوباما لم تكن على ما يرام، فبحسب مراسل واشنطن بوست في الصين جيري شيه فإن معسكر الرئيسة التايوانية شعر بالإهانة بعد لقاء مع مسؤولين من إدارة أوباما ونائبه بايدن عام 2012 –حينها كانت تساي مرشحة للانتخابات وخسرتها– حينها قال البيت الأبيض للصحفيين إن الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق من ترشح تساي وأنها قد تثير قلاقل في مضيق تايوان.



