أفريقيا

هرة تأكل أبناءها: حكومة آبي أحمد تطالب بإقالة مدير منظمة الصحة العالمية “الإثيوبي” واعتقاله

اتهم قائد الجيش الإثيوبي “برهان جولا” في بيان بثه التلفزيون الرسمي – مدير منظمة الصحة العالمية “تيدروس أدهانوم” والذي يعد أبرز الشخصيات السياسية المنحدرة من إقليم التيجراي بدعم القومية التي ينتمي لها رغم أنه رئيس منظمة عالمية وينبغي أن يكون بعيدًا عن ممارسة السياسة. 

وقد أضاف قائد الجيش الإثيوبي أن مدير منظمة الصحة العالمية عمل على شراء الأسلحة وحشد الدعم السياسي والدبلوماسي لإقليم التيجراي الذي دخل في حالة حرب مع القوات الاتحادية. مؤكدًا “هذا الرجل الذي ينتمي لهذه المجموعة فعل كل ما بوسعه وعمل في دول مجاورة لإدانة الحرب كما عمل لصالح إقليم التيجراي للحصول على الأسلحة”.

ويرى رئيس الوزراء الحائز على نوبل للسلام لجهود سلم لا أثر لها على أرض الواضع مع إريتريا، أن قومية التيجراي التي أمسكت بمقاليد الأمور في البلاد على مدى ثلاثة عقود متتالية تحاول زعزعة حكمه وتقويض الفيدرالية، مؤكدًا “ماذا نتوقع من “أدهانوم” وأمثاله عندما تدخل جبهته في حالة حرب”. ووفقًا للجانب الرسمي الإثيوبي فإن مدير منظمة الصحة العالمية هو مجرم حرب ويستحق العزل من منصبه.

ولم يكن من المستغرب أن يتلقى مدير الصحة العالمية سيلًا من الانتقادات من ترامب على خلفية تعامل الصحة العالمية مع وباء كورونا والشبهات التي قالت واشنطن إنها تدور حول هذا الموضوع، أما أن تنتقد حكومة ممثلها في منظمة عالمية فإنه أمر غير مسبوق ويؤكد أن أزمة العرقية في إثيوبيا لا سقف لها ولا حدود لانعكاساتها. ويمكن القول إن العرقية حولت إثيوبيا لـ “هرة تأكل أبناءها”.

وتسلط هذه الواقعة الضوء على الموقف الذي يجد فيه التيجراي أنفسهم داخل المجتمع الإثيوبي حيث ظهرت إفادات بأن الموظفين من العرقية التي هيمنت على إثيوبيا طويلًا يجري اعتقالهم واستجوابهم وحول مسألة التطهير العرقي فإنه لا دليل دامغ حتى الآن حول وجود مثل هذه الممارسات مع الوضع بالاعتبار أن العرقية تحتل موقع بارزًا في الأزمة الحالية. وفي حديث إلى بي بي سي، نفت بيلين سيوم – المتحدثة باسم رئيس الوزراء آبي أحمد – التقارير التي تفيد بأن أفراد قبائل التيجراي في أماكن أخرى من البلاد اعتقلوا، على أساس انتمائهم العرقي، لكنها أقرت بأن كثيرين اعتقلوا لانتمائهم لما وصفته بـ”شبكات إجرامية”.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\ethiopian-defence-minister-1.png

لقطة من الخطاب المتلفز 

وعلى أي حال فإن ممارسات آبي أحمد العنصرية ضد عرقية التيجراي بدأت منذ وصوله للسلطة حين قام بأول تغيير لرئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 17 عامًا وهو التغيير الذي اعتبره التيجراي استهدافًا لهم كقومية باعتبار أن العرف جرى على أن يكون رئيس الأركان ومدير جهاز المخابرات والأمن الوطني من عرقية التيجراي منذ وصولهم إلى السلطة في 1991.

كيل الاتهامات

في سعي حكومة آبي أحمد لإقالة مدير منظمة الصحة العالمية من منصبه ألقى رئيس لجنة العمل المعنية بحالة الطوارئ في إثيوبيا ووزير الخارجية باللوم على “تيدروس أدهانوم” لأنه فشل في الحصول على المعلومات الحقيقية للحراك العسكري الحاصل الآن في إثيوبيا أو أنه لم يشأ الحصول على هذه المعلومات من مصادرها عمدًا تسهيلاً لمهمته التي تلخصت وفق رؤية الحكومة الفيدرالية في وقف عمليات إنفاذ القانون في إقليم تيجراي.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\120-183306-162-020712-sudan-25-thousand-ethiopians-flee-since-conflict-700x400_700x400.jpg

نزوح الإثيوبيين لدول الجوار 

 وقد قامت شبكة الجمعيات المدنية الإثيوبية بحراك مضاد لتحركات “تيدروس” وهي منظمة تضم تحت لوائها 57 مجموعة عمل مدنية من جميع أنحاء العالم وتحركت الشبكة لدى مجلسي النواب والشيوخ الأمريكي لإقناعها بخطورة الوضع وأن الأمر ليس متجهًا إلى وقف لإطلاق النار قبل إخضاع الإقليم وهو الاتجاه المعاكس لذلك الاتجاه الذي يسير إليه ” تيدروس”.

 ووفقًا للحكومة الفيدرالية فإن “تيدروس” طلب الدعم العسكري والدبلوماسي صراحة من العديد من الدول لمساعدة قوميته التيجراي في تمردها ولكن تلك الدول رفضت، مؤكدة أن هذا شأن داخلي. ولذلك تطلق الحكومة الفيدرالية على “تيدروس” دبلوماسي غير متفرغ في جبهة التيجراي نظرًا للجهود التي يقوم بها وبذلك فهو ينتهك واجبات المدير العام لمنظمة الصحة العالمية حيث تسعى الحكومة الفيدرالية إلى وضع ” أدهانوم” ضمن قائمة من 100 اسم من المطلوبين للحكومة الإثيوبية.

مساعي “تيدروس أدهانوم “

من خلال تحركاته الدبلوماسية ووفقًا لما أشارت إليه الحكومة الفيدرالية فإن مدير منظمة الصحة العالمية يسعى إلى استصدار قرار دولي بوقف إطلاق النار في الإقليم فورًا واللجوء لجهود وساطة دولية لتسوية الأمور سلميًا.

إضافة إلى أنه يريد أن يضمن حصانة لقادة المجلس العسكري المنتمين لجبهة التيجراي بحيث لا تتم ملاحقتهم على أي من الجرائم التي ارتكبوها على مدى ثلاثة عقود من حكم الجبهة، إضافة إلى حل إدارة التيجراي المؤقتة التي عينها البرلمان.

الخلفية السياسية لمدير منظمة الصحة العالمية

“تيدروس أدهانوم” هو أكاديمي وسياسي إريتري الأصل وإثيوبي الجنسية، وقد ولد في العاصمة الإريترية أسمرة في عام 1965 وتولى منصب وزير الخارجية الإثيوبي في الفترة من عام 2012 وحتى 2016 ومن المعروف أنه كان ناشطًا وقياديًا في الحزب الشيوعي الإثيوبي.

وقد انتخب مديرًا لمنظمة الصحة العالمية في عام 2017 بعد دعم صيني وأفريقي واضح، حيث انصب عليه الدعم الإفريقي تحديدًا من “زيمبابوي” عبر “روبرت موجابي”. وكان مدير منظمة الصحة العالمية قد نفى في تغريدة له اتهامات الجيش الأثيوبي مؤكدًا أنه لا يميل لأحد الأطراف وأن كل ما يميل له هو السلام.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\53079911_303.jpg

وبالعودة إلى خلفياته السياسية فإنه عندما كان وزيرًا للخارجية في حكومة هايلي ميريام وجه حديثًا عدائيًا لمصر. وفي هذا الصدد فإننا نتحدث عن رجل سياسي بامتياز ومن الطبيعي أن تكون معالجاته لأية قضية دولية متأثرة بتوجهاته السياسية. والحديث هنا ليس تأكيدًا أو نفيًا للتهمة التي وجهها له الجانب الإثيوبي وإنما لدق الجرس حول أن مديري المنظمات العالمية يجب أن يكونوا “محايدين” سياسيًا والرجل هنا غارق إلى رأسه في السياسة. وتكفي الإشارة إلى موقفه الرافض لانضمام تايوان لمنظمة الصحة العالمية بسبب الدعم الصيني منقطع النظير الذي حصل عليه قبل الوصول إلى منصبه أو حتى بعد وصوله وهو الأمر الذي وضع علامات استفهام حول بدايات تعامل منظمة الصحة العالمية مع تفشي كوفيد 19.

أصل الخلاف

بعد إسقاط حكم “منغستو هيلا مريام” في عام 1991 تحكّم التيجراي في مفاصل الدولة في إثيوبيا حتى وفاة ميليس زيناوي في عام 2012 والذي حكم البلاد بقبضة حديدية طوال فترة حكمه، وقد تمكن التيجراي من السيطرة على كل المناصب القيادية والسياسية طوال فترة حكم “زيناوي” ومنها منصب رئيس المخابرات الذي كان حكرًا على التيجراي لعقود.

كما تلقت إثيوبيا في السنوات الأخيرة حوالي 3.5 مليار دولار، وعلى جانب التيجراي فقد حصلت الحكومة التي تقودها الجبهة على مبالغ كبيرة على هيئة قروض من الدائنين في القطاع الخاص وخاصة الصين وقد وصل إجمالي هذه القروض إلى 60% من الناتج المحلي عندما تولى آبي أحمد السلطة.

كما سمح التعديل الذي أدخلته الجبهة على الدستور الإثيوبي في عام 1994 بالملكية العامة للأرض فقط مما أتاح للسلطات الإثيوبية في وقتها إمكانية تأجير الأراضي للاستثمار الأجنبي والحصول عل مليارات الدولارات في المقابل، ولكن تقبُل ممارسات التيجراي لم يستمر فكان الحراك الذي أدى للإطاحة بهم في عام 2018 ووصول آبي أحمد للسلطة.

أما آبي أحمد الذي ينتمي للأرومو فقد بذل محاولات مضنية منذ عام 2018 لسحب البساط اقتصاديًا قبل أن يكون سياسيًا من تحت أقدام جبهة تحرير تيجراي، ولذلك عمل على خصخصة الشركات التي تمتلكها الجبهة وتفرض سيطرتها عليها، ولذلك فإنه من المستبعد أن تكون الحرب الدائرة حاليًا حربًا سياسية، فإقليم التيجراي يقطن فيه 6 مليون نسمة في بلد يبلغ عدد سكانه 110 مليون نسمة، ولكن تنصب الحرب الدائرة حاليًا حول من يبسط سيطرته على موارد الاقتصاد. 

وقد اتضحت ملامح الحرب الاقتصادية يوم الثلاثاء الماضي حين أعلن المدعي العام الفيدرالي أن الحكومة جمدت 34 حسابًا مصرفيًا لمؤسسات، لصلتها بـ جبهة تيجراي وتقديم المساعدة المالية لها، وعلى اختلاف التحليلات للاضطرابات الحالية، فإن ما يُتفق عليه أنها مفزعة فضلًا عن أنها يمكن أن تتوسع لتشمل أقاليم أخرى في إثيوبيا في بلد قائم على التنوع العرقي الذي أصبح نقطة الانطلاق في تفكك أي من الدول.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى