أوروباتركيا

بين أردوغان وتاتار.. القضية القبرصية تدخل نفقًا مظلمًا

دخلت قضية توحيد قبرص فصلًا جديدًا بانتخاب أرسين تاتار الموالي لأنقرة رئيسًا لجمهورية قبرص الشمالية غير المعترف بها دوليًا إلا من تركيا في أكتوبر الماضي، حيث تراجعت فرص الوحدة بشكل كبير لصالح المشروع الانفصالي، وهو ما تجلى في دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ضرورة اعتماد “حل الدولتين” سبيلًا لإنهاء القضية القبرصية نظرًا لوجود “شعبين منفصلين ونظامين ديمقراطيين منفصلين ودولتين منفصلتين”، وذلك خلال زيارته الأخيرة منذ أيام إلى الجمهورية الشمالية المزعومة بصحبة شريكه في الائتلاف الحكومي دولت بهتشلي زعيم حزب التحالف القومي، بمناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لإعلان استقلالها.

تعقّد القضية القبرصية

كان الفوز المفاجئ لرئيس الوزراء السابق واليميني المتشدد أرسين تاتار في انتخابات 18 أكتوبر الماضي على منافسه الرئيس السابق مصطفي أكينجي، بعد حصوله على حوالي 51.7% من الأصوات، بمثابة الصعداء التي تنفسها أردوغان، فتاتار من أنصار “حل الدولتين”، بعكس أكينجي الذي يؤيد جهود الوحدة في إطار نظام فيدالي، وقد صرح في وقت سابق من هذا العام بأن أي احتمال لضم قبرص التركية على غرار القرم سيكون “مروعًا” وضد مصالح تركيا الخاصة، ما دفع وسائل الإعلام الموالية لأنقرة لوصفه بـ “العدو”. 

وقد لعب أردوغان دورًا كبيرًا لدعم تاتار للوصول إلى السلطة، ففي 8 أكتوبر الماضي وقبل أيام قليلة من الجولة الأولى من الانتخابات التي كانت مقررة في 11 أكتوبر، التقى المرشح القبرصي الشمالي مع أردوغان في أنقرة، حيث أعلن الرجلان افتتاح جزئي لمدينة فاروشا التي تقع ضمن المنطقة الخضراء العازلة على الحدود بين الشطرين والتي كانت على الدوام ورقة مساومة رئيسية للقبارصة الأتراك في مفاوضات التسوية التي رعتها الأمم المتحدة على مدى عقود.

وقد هدفت هذه الخطوة إلى اجتذاب الناخبين ذوي الميول اليمينية. كما شهد أردوغان وتاتار احتفالًا بإعادة افتتاح أنابيب نقل المياه العذبة من تركيا إلى قبرص الشمالية بعد تسعة أشهر من الإصلاحات، وبدا الحفل وكأنه جزء من حملة تاتار الانتخابية. وفي رشوة انتخابية صريحة، قرر المرشح الرئاسي تاتار إيداع ما قيمته 2000 ليرة تركية (حوالي 250 دولارًا) في حساب 9 آلاف من سكان الجمهورية غير المعترف بها تحت بند “الدعم الاجتماعي الوبائي”.

گزارش|� دوقطبی در قبرس ترک، استقلال یا فدرالیسم؟- اخبار ترکیه و اوراسیا -  اخبار بین الملل تسنیم - Tasnim

وسوف يؤدي وجود تاتار على رأس السلطة إلى تعقّد الوضع الداخلي في قبرص التركية، كما أنه سيعزز الخلافات مع حكومة قبرص اليونانية فيما يتعلق بعدة ملفات، منها:

• تعزير التحالف مع تركيا: من المتوقع أن يؤدي التوافق السياسي الجديد بين نيقوسيا الشمالية وأنقرة إلى ترسيخ اعتماد الأولى على الأخيرة، كما أنه يضمن لتركيا عدم وجود معارضة علنية من الرئاسة القبرصية الشمالية فيما يتعلق باستراتيجيتها السياسية القبرصية، ويسهل عليها فرض أجندتها السياسية في المفاوضات المستقبلية مع حكومة قبرص، ويضفي الشرعية على أنقرة كممثل لمصالح المجتمع القبرصي التركي. 

وكان الرئيس السابق مصطفى أكينجي يتبع نهجًا مستقلًا نسبيًا عن أنقرة في محاولة لتقليص نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في الشمال، ليكون بذلك ثاني أكثر رئيس قبرصي شمالي يتبنى منهجًا صارمًا مناهضًا لتركيا بعد الرئيس الثاني للجمهورية محمد علي طلعت الذي حاول مرارًا وقف تدخلات أنقرة في مفاوضات الحل، كما أنه سعى لإخراج 40 ألف جندي تركي كانوا متمركزين في المنطقة منذ عام 1974.

• إعادة طرح مبدأ “حل الدولتين” لتسوية القضية القبرصية: مثلت هزيمة أكينجي ضربة للقبارصة اليونانيين الذين يأملون في إعادة توحيد جزيرتهم، وجعلت من تاتار ممثلًا شرعيًا للجمهورية الشمالية غير المعترف بها في أي مفاوضات دولية للسلام، أي أنه هو من سيشكل المعايير السياسية القائمة بين الأطراف المشاركة في مشكلة قبرص، ما يؤدي بدوره إلى تغييرات هيكلية في موقف نيقوسيا الشمالية بشأن الوحدة بالنظر إلى تبنيه مسألة “حل الدولتين”، وهو موقف سوف يقوض الجهود السابقة لإعادة توحيد الجزيرة، كما أنه يُضفي الشرعية على تطلعات أنقرة وخططها لتسوية مستقبلية في قبرص. 

وفور انتخابه رئيسًا كرر تاتار حديثه بشأن الاستقلال، ففي خطاب أمام مؤيديه قال: “لن يكون من الصعب التوصل إلى تسوية على طاولة المفاوضات إذا قام أصدقاؤنا اليونانيون والقبارصة اليونانيون بتحليل التوازنات الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية في منطقتنا بشكل صحيح. يجب أن يعلموا أنهم إذا استمروا في هذه المواقف المتعنتة، فلن نتنازل عن حقوقنا. لن تتجاهل بعد الآن حقوق الشعب القبرصي التركي. نستحق الاستقلال، ويجب على جيراننا في الجنوب والمجتمع الدولي احترام كفاحنا من أجل الحرية”. ومن جانبه، أسرع أردوغان بتهنئته عبر حسابه الرسمي على تويتر قائلًا إن “تركيا ستواصل بذل كل الجهود اللازمة للدفاع عن حقوق الشعب القبرصي التركي”.

وضمن هذا السياق السياسي الجديد ستقود أنقرة الآن المفاوضات مع الحكومة القبرصية، وستكون مصالح تركيا أكثر أهمية من المصالح الفعلية للقبارصة الأتراك، ومن المرجح أن تدفع أنقرة نحو بدء جولة جديدة من المفاوضات لا تأخذ بما تم التوصل إليه في الجولات السابقة، على أن تقترح في نهاية المطاف نموذج الاتحاد الكونفدرالي الذي يعني التقسيم الفعلي، وهو اقتراح ليس بجديد، إذ طرح قادة نيقوسيا الشمالية فكرة الكونفدرالية كبديل أقل حدة لحل الدولتين، في مفاوضات سابقة. 

ومن جانبهم، يجادل بعض المحللين بأن تصريحات أردوغان بشأن اللجوء لحل الدولتين تأتي في سياق محاولات انتزاع أقصى قدر من التنازلات على طاولة المفاوضات بمجرد استئناف محادثات السلام ليس أكثر ولا أقل، وأنها لن تترجم إلى واقع ملموس على الأرض. لكن البعض الآخر شدد على ضرورة أخذها بعين الاعتبار استنادًا إلى سوابق أردوغان الذي كثيرًا ما أعلن عن خطوات سياسية مستقبلية ثم شرع في تنفيذها.

وعلى الرغم من أن الاجتماع الأول الذي جمع قادة شطري الجزيرة في 3 نوفمبر الجاري أسفر عن الاتفاق على الدخول في جولة جديدة من المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة، غير أنه من المتوقع ألا تختلف كثيرًا عن سابقاتها التي انتهت جميعها بالفشل، بالنظر إلى التباين الشديد في موقف الرئيسين؛ أنستاسيادس وتاتار، فالأول سيتحدث عن دولة فيدرالية كما حددت قرارات مجلس الأمن، أما الثاني فسوف يقترح اتحاد كونفدرالي مع القليل من الصلاحيات الممنوحة للحكومة المركزية. وهنا يجب الأخذ في الاعتبار أن تاتار مجرد واجهة لتمرير رغبة أردوغان في التقسيم.

وفي الوقت ذاته، من غير المتوقع أن يوافق المجتمع الدولي على مشروع التقسيم، فما ينادي به تاتار ومن ورائه أردوغان ليس بجديد، فطالما أصر الرئيس القبرصي التركي الأول رؤوف دنكطاش على إقامة دولتين وكان هذا الأمر مرفوضًا دائمًا من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو موقف متوقع استمراره على المدى القريب بالنظر إلى عدم امتلاك تاتار أو أردوغان أي أوراق دبلوماسية رابحة في قبرص، فضلًا عن مخالفة هذا الطرح للقانون الدولي وقرار مجلس الأمن رقم 649 لعام 1990 وما تلاه من قرارات تنص على عدم جواز التعامل مع قبرص عن طريق التقسيم أو الانفصال أو الضم لأي دولة أخرى.

وتاريخيًا، فشلت جولات المفاوضات السابقة التي هدفت إلى حل القضية القبرصية، ففي 2004 طرح الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، خطة التسوية للاستفتاء على كلا شطري الجزيرة لكن ثلاثة أرباع القبارصة اليونانيين صوتوا ضدها على الرغم من تأييد غالبية القبارصة الأتراك لها. وفي 7 يوليو 2017 أعلنت الأمم المتحدة أيضًا فشل جولة جديدة من المحادثات شهدتها مدينة كرانس مونتانا بسويسرا.

وتتعلق الخلافات الأساسية برفض تركيا سحب قواتها العسكرية المقدرة بـ 35 ألف جندي من قبرص، ورفض مطالب أنقرة بأن تكون الرئاسة القبرصية دورية بين شطري الجزيرة، وتتركز مشكلة رئيسية أخرى حول الدول الثلاث التي تم تحديدها كضامنة بموجب معاهدة 1960 التي منحت قبرص الاستقلال عن بريطانيا، إذ يطالب اليونانيون بتغيير اتفاقية الضامن لمنع أي من الدول الثلاث (اليونان وتركيا وبريطانيا) من التدخل في شؤون قبرص، كما فعل الأتراك عام 1974.

ومن الجدير بالذكر أن أردوغان كان من الداعين إلى تسوية تفاوضية وإعادة توحيد قبرص خلال سنواته الأولى في السلطة خلال العقد الأول من القرن الحالي، على أمل أن يعُزز موقفه هذا محاولات تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث عرض الأخير على الأتراك إمكانية الانضمام إلى الاتحاد بعد إعادة توحيد قبرص، لكن تم رفع هذا الشرط في قمة هلسنكي عام 1999 بطلب من اليونان. وهكذا، مع فشل تلك الخطوة وتطلع الرئيس التركي بشكل أكبر إلى تمديد نفوذه الخارجي وتبني مشروع توسعي استعماري وتصاعد العداء مع الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، وجد نفسه على خلاف مع رغبة أكينجي في حل فيدرالي، وبات يدعم علنًا مشروع التقسيم.

• طرح قضية تقاسم إيرادات عائدات الطاقة مع قبرص: وهو الاتفاق الذي تم تأجيل النظر فيه منذ فترة طويلة بالتزامن مع سعي قادة شطري الجزيرة المنقسمة إلى دفع جهود إعادة التوحيد قبل التفاوض على توزيع الأرباح من حقول الغاز في المياه الإقليمية القبرصية. لكن تلك المسألة كانت حاضرة بقوة في الحملة الانتخابية لتاتار الذي حاول تقديم نفسه على أنه الرجل الذي سوف يستعيد حقوق القبارصة الأتراك، عبر الإشارة إلى أن الرئيس القبرصي نيكوس أنستاسيادس أحجم عن التوصل إلى ترتيب لتقاسم الإيرادات على ثروات الغاز الطبيعي المكتشفة مؤخرًا قبل إعادة توحيد الجزيرة. وبعد أن فاز، من المتوقع أن يروج تاتار -بدعم من أردوغان- إلى أن المستقبل لا يحمل أي مشاريع جادة للوحدة، وبالتالي من الأفضل إعادة التباحث بشأن تقاسم الإيرادات.

تعزيز التوترات في شرق المتوسط

على الرغم من أن التدخل التركي ليس غريبًا على جمهورية شمال قبرص غير المعترف بها، إلا أن التطورات الأخيرة بما في ذلك حديث أردوغان عن حل الدولتين وزيارته المثيرة للجدل لمدنية فاروشا تأتي في وقت حرج بالنسبة لطموحات أنقرة الإقليمية، وفي لحظة فارقة يقف فيها العالم مترقبًا شكل السياسة الأمريكية الجديدة مع دخول الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، الذي أثار فوزه تكهنات واسعة النطاق بأن أردوغان سوف يغير من مسار سياسته الخارجية بالنظر إلى أن بايدن من المرجح ألا يُظهر تسامحًا مع طموحات ومغامرات أنقرة الخارجية بعكس ترامب.

لكن يبدو أن أردوغان يرغب في أن يبعث برسالة مبكرة إلى بايدن بأنه عازم على المضي قدمًا في مشروعه التوسعي -بصرف النظر عمن يسكن البيت الأبيض- وفي القلب منه ترسيخ نفوذه في شرق المتوسط، وأقصى ما يُمكن تقديمه من تنازلات للولايات المتحدة هو إرجاء استخدام نظام الدفاع الصاروخي الروسي “إس-400” وإطلاق بعض سجناء الرأي البارزين مثل عثمان كافالا. أما جوهر المشروع التوسعي فإنه غير قابل للمساومة وليس مطروحًا للنقاش. وهذا يعني أن مسألة التوترات في شرق المتوسط سوف تستمر معنا كعنوان أساسي في نشرات الأخبار والصحف العالمية لفترة لا بأس بها. 

وتحتل قبرص الشمالية أهمية استراتيجية متزايدة ضمن مشروع أنقرة التوسعي الذي يحمل مسمى “الوطن الأزرق”، وهو ما يفسر اهتمام أردوغان المتزايد بها، لكن هذا من شأنه أن يضاعف التوترات في المنطقة خاصة فيما يتعلق بثلاث قضايا أساسية هي:

• مواصلة عمليات التنقيب غير المشروعة في شرق المتوسط: يقع تقسيم قبرص في صميم التوترات التركية المتصاعدة مع قبرص واليونان بشأن حقوق التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط، حيث تُصر أنقرة على إجراء عمليات تنقيب في المناطق المتنازع عليها والتي تقع ضمن المنطقة المحيطة بالجمهورية الشمالية بدعوى حماية مصالح القبارصة الأتراك، وهو ما يمثل انتهاكًا لسيادة نيقوسيا على مياهها الإقليمية، التي تمتلك الحق الحصري في الوصول إلى كامل احتياطات الطاقة الواقعة في المياه الاقتصادية للجزيرة بشطريها، التي تقدر بما بين 102 و170 مليار متر مكعب.

وتهدف تركيا من ترسيخ الانقسام الدائم للجزيرة القبرصية إلى السيطرة على مصادر الطاقة الواقعة ضمن المياه الإقليمية للشمال، بعدما تمت محاصرتها في شريط ضيق على طول حدودها الجنوبية وإخراجها من معادلة الطاقة الإقليمية في أعقاب التوقيع على اتفاقيات ترسيم الحدود بين مصر وقبرص في 2003 ومصر واليونان في 6 أغسطس الماضي والتي قطعت الطريق على أنقره أمام الاستفادة من الاتفاق غير القانوني الذي وقعته مع حكومة الوفاق الوطني الليبية في نوفمبر من العام الماضي.

وقد دفع الخلاف على الحدود البحرية بين شطري الجزيرة قبرص إلى ترسيم حدودها البحرية مع لبنان ومصر وإسرائيل بحلول عام 2010 وتوقيع صفقات مع شركات الطاقة العملاقة إيني وتوتال وإكسون موبيل لإجراء أعمال تنقيب، وهو ما قابلته جمهورية الشمال المزعومة بتوقيع اتفاق مع تركيا لترسيم جرفها القاري في عام 2011.

ترسيخ وجود عسكري تركي دائم: على الرغم من احتفاظ أنقرة بقوات عسكرية تقدر بحوالي 35 ألف جندي في شمال قبرص منذ عام 1974، في أول وأقدم وجود لقوات تركية خارج الحدود، إلا أنها تطمح الآن لإنشاء قاعدة بحرية دائمة على غرار القاعدة البريطانية.

وفي الوقت الراهن، يقتصر الوجود البحري التركي في مياه المتوسط على تنفيذ مناورة “درع المتوسط” التي تُجرى دوريًا منذ عام 2006، إلى جانب تسيير مهمات عسكرية بين الحين والآخر، وحاليًا تشارك الفرقاطة “كمال رئيس” والسفينة “باندرما” في مهمة بشرق المتوسط، ومنذ فترة تم نشر قوة تضم غواصتين و14 سفينة حربية في المنطقة، لكن هذه القوة مدعومة من ميناءي الإسكندرونة ومرسين المدنيين وهو ما يحد من إعادة الإمداد والصيانة والإصلاحات والدعم الذي يمكن أن يقدماه للبحرية التركية. 

دول عربية تستعد للمشاركة في مناورات "درع المتوسط" التركية

وكان الرئيس السابق أكينجي يرفض إقامة أي قواعد بحرية تركية في الجمهورية الشمالية لكن بعد فوز تاتار أصبح هذا الأمر مطروحًا بشدة، في واحدة من أهم التطورات الجيوسياسية خلال الآونة الأخيرة، حيث ستوفر مثل هذه القاعدة تسهيلات مهمة للبحرية التركية تتمثل في اختصار الوقت اللازم لسفر السفن الحربية إلى مناطق العمليات، وبالتالي السماح لهم بتمديد إقامتهم في المنطقة، مع إمكانية صيانة وإصلاح السفن دون الاضطرار للذهاب إلى قاعدة “أكساز” في مرماريس أو إلى أحواض بناء السفن في إزمير. 

ومن المرجح أن تقام القاعدة إما في “فاماغوستا” أو “مورفو” حيث إنهما أقرب إلى مناطق عمليات السفن التركية، ويتمتعان ببنية تحتية جيدة للاتصالات والنقل، وهناك مدن كبرى قريبة يمكنها دعم القاعدة. وسوف تضم القاعدة غواصات وطرادات قصيرة المدى ودوريات وزوارق حربية وصواريخ مضادة للطائرات والغواصات وعدد من الفرقاطات.

بالإضافة إلى خطط إنشاء قاعدة بحرية، ترغب تركيا أيضًا في استئناف عمل القاعدة الجوية “غيتشت قلعة” في مطار جيجيتكالي، وهو مطار مدني خارج الخدمة، ويُمكن استخدامه لتلبية احتياجات أنشطة الجيش التركي في البحر المتوسط. 

وينذر وجود مثل هذه القوات بتصاعد الأنشطة العسكرية التركية المزعزعة للاستقرار في المنطقة بما في ذلك تنفيذ عمليات اختراق لسيادة الدول المجاورة، وبالأخص اليونان وقبرص، وهو سلوك دأبت تركيا على تكراره مؤخرًا، فبين الفينة والأخرى تُعلن أثينا اختراق طائرات تركية لمجالها الجوي، كان أحدثها في 5 أغسطس الماضي حينما تصدت السلطات العسكرية اليونانية لثمانية طائرات من طراز “أف-16″ و”سي ان-235” نفذت 33 انتهاك للمجال الجوي الوطني عبر القيام برحلات غير مصرح بها فوق جزر شمال شرق ووسط وجنوب شرق بحر إيجة. 

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يثير مخاوف من إمكانية الاحتكاك بالقوات الأمريكية والروسية والفرنسية والبريطانية التي تحتفظ بوجود دائم في المنطقة. وهي ممارسات من شأنها أن تُضاعف احتمالات نشوب نزاع عسكري في تلك المنطقة المشتعلة بالفعل.  

انتهاك الوضع القانوني لمدينة فاروشا: يُعتبر قرار فتح مدينة فاروشا بالمخالفة لقرارات الشرعية الدولية، ثم زيارة أردوغان الاستفزازية لها، محاولة لتغيير المعايير الثابتة في عملية التسوية القبرصية، حيث يمثل وضع المدينة المهجورة عنصرًا رئيسيًا في جهود تسوية القضية القبرصية على مدار تاريخها؛ فقد اشترط الزعيم القبرصي التركي الأول رؤوف دنكطاش تسليم فاروشا إلى القبارصة اليونانيين برفع القيود الدولية المفروضة على الجمهورية الشمالية. 

وفي 2003 رفض دنكطاش اقتراح الأمم المتحدة بإعادة فتح المدينة والمطار الدولي على الجهة الشمالية من العاصمة نيقوسيا لأنه لا يتضمن رفع القيود على شمال قبرص. كما تضمنت خطة الأمم المتحدة لإعادة توحيد الجزيرة في 2004 تسليم فاروشا إلى القبارصة اليونانيين. وفي كل المرات، كانت أنقرة تؤيد مقترحات القبارصة الأتراك بالتنازل عن فاروشا للقبارصة اليونانيين ضمن خطة تسوية شاملة.

أردوغان ينكأ جراح القبارصة اليونانيين بزيارة لفاروشا | MEO

ومن شأن التطورات الأخيرة في المدينة أن تخلق أمرًا واقعًا يجعل محاولات الوصول إلى تسوية قبرصية بعيدة المنال، كما أنه يزيد من التوترات في العلاقات بين تركيا وقبرص واليونان، كونها تخالف قرار مجلس الأمن عام 1984 الذي ينص على أنه لا يمكن إعادة توطينها إلا من قبل سكانها الأصليين (أي القبارصة اليونانيين) الذين هجروها قسرًا عندما غزتها القوات التركية في عام 1974 ردًا على محاولة يونانية لضم الجزيرة إليها. 

ويتعلق أحد الجوانب الرئيسة لقضية فاروشا بالممتلكات التي تركها القبارصة اليونانيون وراءهم، ففي عام 2005 تقدم حوالي 190 شخصًا تركوا ممتلكاتهم في فاروشا بطلب إلى لجنة أنشأتها الجمهورية الشمالية لإعادة ممتلكاتهم في حين طلب 90 آخرين بتعويض قيمته 1.4 مليار يورو. وأقام القبارصة اليونانيون العديد من الدعاوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لضمان حقوقهم.

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى