أوروبا

حزب ميركل يؤجل اختيار خليفتها.. ومخاوف أوروبية من “ترامب ألمانيا”

فشل الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني للمرة الثانية في تحديد موعد مؤتمره العام لانتخاب رئيس جديد للحزب، حيث يفترض أن يكون الرئيس الجديد هو مرشح الحزب في الانتخابات البرلمانية 2021 لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل، التي ترأست الحزب ما بين عامي 2000 و2018.

وكان الحزب قد أعلن تأجيل عقد المؤتمر من أبريل 2020 إلى ديسمبر 2020 ثم إلى فبراير 2021، ولم يكن سبب التأجيل هو وباء كورونا أو أي مشاكل تقنية، ولكن الحزب الذي يشكل مع الاتحاد المسيحي الديمقراطي البافاري والحزب الاشتراكي ائتلافًا وزاريًا يحكم الولاية الرابعة لميركل، يواجه صعودًا قويًا لتيار اليمين القومي داخل الحزب على حساب اليمين المسيحي المحافظ التقليدي، ما يشكل انقلابًا حقيقيًا داخل الحزب وداخل ألمانيا، بل وحتى داخل الاتحاد الأوروبي.

يعول التيار المؤيد للوحدة الأوروبية على برلين لتقديم زعيم قوي للاتحاد الأوروبي لخلافة زعامة ميركل، ويعول الأوروبيون على اليمين المسيحي التقليدي المحافظ الألماني من أجل تقديم قيادة ألمانية معتدلة تفرمل صعود التيار القومي الألماني الجديد بقيادة حزب البديل الألماني، الا أن مفاجأة العام 2020 تمثلت في وجود تيار داخل حزب ميركل يتفق مع أفكار حزب البديل الألماني، ولا يجد مشكلة في العمل معه.

\\SERVER\Folder Redirection\M.abdelrazik\Downloads\GettyImages-1268290754-2048x1365.jpg

علمًا بأن التحالف مع الأحزاب التقليدية الألمانية وحزب البديل يعد خطًا أحمر أوروبيًا دفعت ثمنه وزيرة الدفاع الألمانية انجريت كرامب كارينباور التي ترأست الحزب وكانت أبرز المرشحات لخلافة ميركل، إلا أن اتفاقها مع رؤى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وموافقتها على تعاون الحزب المسيحي الديمقراطي مع البديل الألماني في فبراير 2020 داخل برلمان ولاية تورينجين قد ولد ضغوطًا أوروبية وألمانية أدت إلى استقالتها، ومنذ ذلك التاريخ فشل الحزب المسيحي الديمقراطي في انتخاب من يقدر على خلافة ميركل في منصبها.

صراع بين التيار القومي والتيار المحافظ داخل الحزب المسيحي الديمقراطي، جعل فريدريش ميرز المرشح لانتخابات رئاسة الحزب يعلنها صراحة أن هناك جناحًا داخل الحزب يرفضه ولا يريده، علمًا بأن فريدريش ميرز هو قائد التيار القومي داخل الحزب، وترفض ميركل والجناح المحافظ في الحزب والدوائر الأوروبية صعود فريدريش ميرز منذ كان ينافس ميركل على رئاسة الحزب في تسعينات القرن المنصرم.

\\SERVER\Folder Redirection\M.abdelrazik\Downloads\46081332_401.jpg

وحينما فازت ميركل برئاسة الحزب وتاليًا المستشارية الألمانية، انصرف فريدريش ميرز الى عالم الاقتصاد والاستثمار وأصبح من أهم رجال الأعمال في بلاده، ومع اقتراب موعد تنحي ميركل، عاد فريدريش ميرز إلى السياسة مرة أخرى ليواجه إرث ميركل بعد ربع قرن من منافسته إياها على رئاسة الحزب.

ميرز أشار الى أرمين لاشيت رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا، بأنه المتسبب وقائد لعبة تأجيل الانتخابات، في اتهام غير مباشر لميركل على ضوء أن لاشيت هو حليف ميركل ومرشحها المفضل لرئاسة الحزب.

وعلى ضوء عدم قدرة الحزب المسيحي على حسم صراع الرئاسة، بدأ المراقبون في التساؤل هل ألمانيا على موعد مع انهيار اليمين المحافظ التقليدي وصعود اليمين القومي الجديد داخل الحزب المسيحي الديمقراطي المعقل التاريخي لليمين الألماني منذ تأسيس الحزب عام 1945 على يد عدد من المنشقين عن حزب الوسط الكاثوليكي الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1870؟

وتتخوف أوروبا من أن يشكل صعود اليمين القومي داخل حزب ميركل أحداثًا مماثلة جرت في الولايات المتحدة الامريكية حينما صعد اليمين القومي عبر دونالد ترامب في انتخابات الحزب التمهيدية عام 2016 واقتناصه مقعد الرئاسة في نوفمبر 2016، ولا تريد أوروبا التي تنفست الصعداء عقب خسارة ترامب لانتخابات الرئاسة نوفمبر 2020 أن تتفاجأ بصعود نسخة ألمانية من ترامب في انتخابات البوندستاج في 24 أكتوبر 2021.

وللمفارقة فإن حسم ميركل للصراع داخل حزبها لصالح أرمين لاشيت لن يبدد شبح صعود اليمين القومي داخل الحزب، إذ لو خسر الحزب انتخابات أكتوبر 2021 فإن اللوم سوف يقع على نهج ميركل وتوجهات اليمين المحافظ التي أصبحت تنتمي الى الوسط النيوليبرالي وغادرت مركبة يمين الوسط الذي ميز الحزب لعقود. وهذا ما سوف يفتح الباب أمام صعود اليمين القومي داخل الحزب بل وربما يشجع انجريت كرامب كارينباور على الترشح مجددًا لرئاسة الحزب.

\\SERVER\Folder Redirection\M.abdelrazik\Downloads\annegret-kramp-karrenbauer-and-her-party-colleague-friedrich-merz.jpg

ولا تزال الدوائر الأوروبية تناقش إحياء تحالف الاشتراكيين والخضر في ألمانيا حتى لو أدى الامر إلى صعود حزب الخضر على رأس ائتلاف حزبي للمرة الأولي في تاريخ ألمانيا أو انضمام الاشتراكيين والخضر إلى ائتلاف مع الحزب الديمقراطي الحر، بل وناقشت بعض الدوائر تحالفًا رباعيًا وحكومة ائتلافية كبري تضم كافة الأحزاب الألمانية باستثناء حزب البديل حال صعوده، ويتضمن هذا الائتلاف الوطني الحزب المسيحي والاشتراكيين والخضر والديمقراطيين إذا ما استطاعت أنجيلا ميركل حسم صراع خلافتها داخل حزبها وتصعيد اليمين التقليدي على حساب اليمين القومي الجديد.

+ posts

باحث سياسي

إيهاب عمر

باحث سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى