
وضع محفوف بالمخاطر: مُوجات متتالية من اللاجئين والنزوح الجماعي من إثيوبيا
في 4 نوفمبر الجاري، أطلق رئيس الوزراء الإثيوبي “آبى أحمد” عملية عسكرية في إقليم تيجراي شمال البلاد محاولةً لتأكيد السيطرة المركزية، وبعد اشتباكات بين قوات الأمن التابعة للجبهة الشعبية لتحرير التيجراي (TPLF) والقوات الفيدرالية، أعلنت الحكومة الفيدرالية حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في المنطقة، وقطعت جميع خدمات الإنترنت والهاتف والخدمات المصرفية، والآن المنطقة بأكملها مُعرضة لخطر زعزعة الاستقرار مع دخول العمليات العسكرية الأسبوع الثالث.
تسبب قرار “آبي أحمد” في إحداث صدمة في منطقة القرن الأفريقي وخارجها، حيث يبلغ عدد سكان إثيوبيا 110 مليون نسمة، ثاني أكبر دولة في أفريقيا، وتحدها ست دول أفريقية أخرى على جانبي منطقة القرن الأفريقي وشرق إفريقيا، وينتشر عدم الاستقرار المزمن والاحتياجات الإنسانية الحادة في جميع أنحاء المنطقة، وقد يؤدي اندلاع حريق طويل الأمد بين الفصائل المُسلحة داخل إثيوبيا إلى إرسال مئات الآلاف من اللاجئين عبر الحدود، وتعطيل طرق التجارة، وإجبار أديس أبابا على التخلي عن دورها كدولة ارتكاز إقليمية في ظل مُواصلة اللاجئين من إثيوبيا الفرار إلى السودان المجاور بوتيرة متزايدة، مع عبور أكثر من 4000 الحدود في اليوم الواحد فقط.
مشهد مُتدفق
أثارت الغارات العسكرية التي شملت غارات جوية كمقدمة لحرب أهلية، ولكن تفضل الحكومة الفيدرالية تسميتها مُحاولة لاستعادة سيادة القانون بعد اتهام مُقاتلين من الحزب الحاكم المحلي لجبهة تحرير شعب التيجراي، بمُهاجمة مركز دفاعي حكومي، وأسر الجنود، ومُحاولة السرقة. حالة من عدم الاستقرار ليس في إثيوبيا فقط، ولكن جيرانها السودان وإريتريا والصومال، وفقًا للمنظمات الإنسانية في السودان هناك ما لا يقل عن 11 ألف إثيوبي من إقليم تيجراي فروا عبر الحدود، ويستعدون لاستقبال 200 ألف آخرين، ونصف اللاجئين أطفال.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، إن ما يقرب من تسعة ملايين شخص مُعرضون بشدة لخطر التأثر بتصعيد وتيرة الصراع، مما قد يؤدي إلى نزوح جماعي، وحسب “دينو ماهتاني”، نائب مدير مجموعة الأزمات الدولية لأفريقيا، “إنه وضع متفجر حقًا، برميل بارود يمكن أن ينفجر في المنطقة ما لم يتم العثور على وسائل لخفض التصعيد بشكل عاجل”.
ولطالما، كانت إثيوبيا مركزًا للاستجابة الإنسانية لبعض الوقت، ولكن هناك حالة مدفوعة بالصراعات والتغيرات المناخية التي تسببت في حدوث موجات الجفاف والفيضانات، وفي عام 2020 فقط، يحتاج أكثر من 19 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد إلى مساعدات إنسانية، وتفاقم الوضع بسبب جائحة “كورونا”، وتكرار الأزمات الغذائية، وأزمة الجراد الصحراوي مؤخرًا، وتُقدر الأمم المتحدة أن 687000 طفل سيحتاجون إلى العلاج من سوء التغذية الحاد الشديد. وعلاوةً على ذلك، فإن إثيوبيا موطن لـ 792،000 لاجئ معظمهم من الصومال وجنوب السودان بالإضافة إلى ما يقرب من مليوني نازح داخليًا:
- تقييد وتقليص عملية المساعدات الإغاثية: وفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في إثيوبيا، يعتمد حوالي 600000 شخصًا في منطقة تيجراي على الإغاثة الغذائية، ويتلقى مليون شخصًا آخر مساعدات شبكة الأمان الاجتماعي، لكن الحظر منع السلع الغذائية من الوصول إلى الأفراد في إقليم تيجراي. حوالي 7000 إثيوبي فروا من القتال وعبروا الحدود إلى السودان قبل بداية الصراع، وعلاوةً على ذلك يوجد 96000 لاجئ إريتري و100000 نازحًا داخليًا في هذا الجزء من إثيوبيا.
- أزمة إنسانية مُحتملة: من المرجح أن يُسهم الاضطراب العام في توزيع الإمدادات الإنسانية والمخاطر التي يتعرض لها العاملون في مجال الإغاثة مما يُفاقم من تدهور السياق الإنساني، لأنه يمنع تقديم المساعدة الكافية في الوقت المناسب للمجتمعات الضعيفة.
- تكرار العنف: إثيوبيا موطن لواحدة من أكبر أزمات النزوح في العالم، ولكن الأقل شهرة في العالم، حيث أجبر العنف العرقي مئات الآلاف من الأشخاص على ترك منازلهم في أجزاء مختلفة من البلاد، ويلجأ الكثيرون إلى أي مبانٍ مفتوحة يمكنهم العثور عليها مثل المدارس والعيادات، وينامون على الأرض بدون حصائر أو بطانيات مع القليل من المياه النظيفة أو الطعام.
وضع اللاجئين والنازحين في المُخيمات
قال “خالد السر”، مسؤول إنساني في ولاية كسلا بشرق السودان على الحدود مع إثيوبيا، أن 2700 لاجئ دخلوا البلاد وآلافًا آخرين ينتظرون العبور، وأضاف أن بعض اللاجئين ساروا لمدة أربعة أيام للوصول إلى الحدود وتحدثوا عن قصص مروعة، وعدد اللاجئين كبير للغاية يفوق قدرة السودان، إذ وصل عدد الفارين من إثيوبيا ل 25 ألف شخصًا للسودان، والمعسكرات مُنقسمة في ولايات كسلا والقضارف السودانية، ولذا لن يتمكن السودان من تغطية تدفق اللاجئين خلال الأيام المُقبلة.
- تدني الخدمات الأساسية: نقص حاد في الخدمات الأساسية للاجئين (الطعام، والماء،)، فضلاً عن انقطاع الاتصالات ومشاكل الوصول عن طريق البر والجو لوكالات الإغاثة، وتأخر وصول الفرق الطبية في ظل تواجد أعداد كبيرة من الأطفال.
- سلامة المدنيين: كررت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مخاوفها بشأن سلامة المدنيين في إقليم تيجراي، فهناك أكثر من 96 ألف إريتري يعيشون في أربعة مخيمات للاجئين والمجتمعات المضيفة التي تعيش بجانبهم. بالإضافة إلى 100 ألف شخصًا في الإقليم نزحوا داخليًا في بداية الصراع.
- مخاوف بشأن “كورونا”: أثارت الأمم المتحدة مخاوفها بشأن السيطرة على جائحة “كورونا” أثناء القتال بين قوات التيجراي والقوات الفيدرالية. بالإضافة إلى أن الرعاية الصحية قد تكون عبارة عن صراع؛ العيادات إما مُثقلة بالأعباء أو إعاقة العنف الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية وخدمات الإسعاف.
إجراءات استعدادية
- توفير مأوى مؤقت: داخل السودان، تم توفير مأوى مؤقت للقادمين من إثيوبيا في مراكز العبور بالقرب من نقاط الدخول الحدودية في لودجي بولاية القضارف والحميدية في ولاية كسلا، حيث مركز العبور “الحميدية” لديه القدرة على استيعاب 300 لاجئ فقط، ولكنه بالفعل مُكتظ بـ 6000 شخصًا، ومرافق الصرف الصحي غير كافية، مما يؤثر على النظافة.
- خطة طوارئ: أعدت مفوضية شؤون اللاجئين خطة للتعامل مع تدفقات اللاجئين، وفقًا ل “بابار بالوش”، المتحدث باسم مفوضية اللاجئين: ” أنه مع اقتراب القتال في تيجراي من مخيم شيميلبا – الذي يستضيف 6500 لاجئ إريتري- تزداد مخاوف النزوح الجماعي من المخيم نفسه، وتقوم المفوضية بالاستعدادات لاستقبال اللاجئين الذين بدأوا في الوصول إلى مخيم آخر للاجئين، هيتساتس، على بعد 50 كيلومترًا، وتنظر في المزيد من خيارات النقل في المنطقة.
- تنسيق الجهود: تعمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع السلطات المحلية في السودان لتوفير المساعدة المنقذة للحياة لأكثر من 7000 لاجئ من إثيوبيا ممن فروا عبر الحدود خلال اليومين الماضيين، وفحص وتسجيل الأشخاص بشكل مُشترك.
- فتح مخيمات جديدة: قامت السودان بإعادة فتح مخيم أم راكوبة، لإيواء آلاف الإثيوبيين في ظل استضافته خلال فترة الثمانينيات آلاف الإثيوبيين الفارين من المجاعة، كما تخطط المفوضية السامية للشؤون اللاجئين لفتح المزيد من المخيمات في منطقتي الرهد والتونيدا حيث يتزايد تدفق اللاجئين بعد اتساع الحرب إلى منطقة أمهرا وإلى إريتريا وقصفت مدن وحكومة تيجراي.
- نقل اللاجئين: تعمل السلطات المحلية في السودان ومفوضية اللاجئين على نقل اللاجئين من البلدات الحدودية إلى المخيمات وتزودهم بالمأوى والمياه والطعام، حيث تم نقل حوالي 1100 من اللاجئين إلى مخيم أم راكوبة ومواقع أخرى.
من كل ما سبق، نلاحظ أن تفاقم الأوضاع الإنسانية في معسكرات اللاجئين في ظل تزايد أعداد النازحين من إثيوبيا، وبرغم تقديم الدعم من قبِل السلطات المحلية السودانية، إلا أنه يتوجب تقديم الدعم الأممي والمعونة العاجلة لهم، وسيتطلب ذلك تعبئة كبيرة للموارد لتلبية احتياجات طالبي اللجوء.