مقالات رأي

د. محمد حسين أبو الحسن يكتب: “مبادرة سودانية” للتقارب مع مصر!

في 4 نوفمبر الحالي، أعلن في العاصمة السودانية الخرطوم عن إطلاق مبادرة شعبية لتعزيز العلاقات السودانية- المصرية، مؤسسو المبادرة مجموعة من السودانيين، من قطاعات وتوجهات مختلفة، يجمعهم الإيمان بأهمية توطيد العلاقات الثنائية، وإزالة العقبات أمامها، وأشاروا إلى أنهم يأملون بتكوين مجموعة مماثلة في مصر، لتتكامل أدوار المجموعتين. عرفت بأمر المبادرة من خبير المياه والقانون الدولي العالمي الدكتور أحمد المفتي، وهو عضو الوفد السوداني بمفاوضات سد النهضة، قبل أن يستقيل، خلال حكم البشير، احتجاجا على ما اعتبره تفريطا في حقوق السودان وأمنه ووجوده، وللرجل مواقف مشهودة ودراسات منشورة للتحذير من خطورة السد على دولتي المصب، خاصة السودان.

حدد الدكتور المفتي أهداف (المبادرة) في: دعم الجهود الرسمية بالبلدين، لتعزيز العلاقات في جميع المجالات، وتصويب المفاهيم الخاطئة وحل المشكلات العالقة التي عرقلتها، منذ تولى الإخوان الحكم في الخرطوم بقيادة عمر البشير.

يندر أن يتوافر قدر من الصلات بين شعبين، كتلك التي تربط المصريين والسودانيين، هما شعب واحد في الحقيقة. المؤسف أن العلاقات بينهما تشهد دورات مد وجزر، صعودا وهبوطا، لأسباب منها: قضية حلايب (كعب أخيل العلاقات)، وهي صناعة استعمارية بريطانية، دأبت بعض الأنظمة في الخرطوم على إشهارها لإلهاء الرأي العام السوداني عن أزماته الداخلية، قضية برغم خطورتها، تمثل خلافا شكلانيا يمكن تجاوزه، وليس تناقضا رئيسيا بين الجانبين. طوال 30 عاما عانى نظام البشير دوارا سياسيا، مزق وحدة السودان وزرع كراهية مصر، حاول اغتيال الرئيس المصري الأسبق، ورعى الجماعات الإرهابية التي تهدد مصر، واستولى على فرع جامعة القاهرة بالخرطوم، وضيق على الشركات المصرية هناك، ولما دشنت إثيوبيا سد النهضة، بالمخالفة لاتفاقية 1902، لم يستنكف البشير الإخواني أن يؤيد إثيوبيا، نكاية في مصر ما بعد 30 يونيو، وحتى الآن لايزال الموقف السوداني من السد (مائعا)، يعلل خبراء سودانيون هذا الموقف المتخاذل بالعلاقات الخفية للوفد المفاوض مع إثيوبيا، والتي تبذل جهدها لمنع التقارب بين القاهرة والخرطوم. إثيوبيا ليست وحدها فهناك أطراف عربية وإقليمية ودولية نافذة في السودان تبذل قصارى وسعها؛ لنشر العداء والتشاحن بين الشعبين، بالأموال والإعلام ووسائل التواصل وغيرها؛ وقد نجحوا جزئيا، يظن قطاع كبير من السودانيين أن كل مشكلة ببلادهم إنما تأتيهم من الشمال، فإذا أضفت إلى هذا كله (التطبيع) المتسارع بين السودان وإسرائيل، لأدركنا حجم المخاطر التي تهدد المصالح المصرية المائية وغير المائية، على المستوى الاستراتيجي، في الاتجاه الجنوبي والقرن الإفريقي ومنابع النيل.

هنا تتضح الأهمية الاستثنائية للمبادرة الشعبية السودانية؛ السودان أهم دولة بالنسبة لمصر- لا أستثني أحدا- والعكس، لا غنى لإحداهما عن الأخرى؛ يقيم 4ملايين سوداني بمصر، لهم نفس حقوق المواطنين، يشاركون المصريين الرغيف المدعوم والكهرباء المدعومة والعلاج شبه المجاني. والشعبان هما الأقرب عند الشدائد، كانت الاستجابة المصرية، وبتوجيهات مباشرة من رئيس الجمهورية لمساعدة الأشقاء، خلال كارثة الفيضان مؤخرا، الأسرع والأكبر، جسر جوي يحمل أغذية وأدوية ومخابز ولوجستيات وغيرها. كما يجرى علاج 250 ألف سوداني ضمن مبادرة الرئيس لعلاج مرضى فيروس (سي)، وتلبي مصر جانبا من احتياجات السودان من الطاقة عبر الربط الكهربائي، وتحدث وزير النقل المصري عن العمل لربط السكك الحديدية بين مصر والسودان وليبيا، كما أعطت الزيارات المتبادلة لكبار مسئولي البلدين دفعة للعلاقات، وكان لافتا زيارة رئيس الأركان المصري للخرطوم، بعد أيام من زيارة البرهان رئيس مجلس السيادة للقاهرة، وإجراء مناورات (نسور النيل). إن القدرات الاقتصادية للدولتين تتيح فرصا هائلة ينبغي استثمارها، بسرعة وكفاءة لمصلحة الشعبين والمنطقة، دون أن نغفل أن (نافخي الكير) يسعون لعرقلة أي محاولة لمنع القاهرة من استعادة مكانتها في الخرطوم أو العكس؛ علينا مصارحة أنفسنا بذلك لإدراك طبيعة المعركة وأطرافها. من أجل ذلك أرجو أن تقابل الجهات المصرية الشعبية والرسمية (مبادرة الدكتور المفتي ورفاقه) بما تستحقه من عناية واهتمام، بل والتواصل مع القوى السياسية السودانية؛ لتدشين مرحلة جديدة ديناميكية في علاقات البلدين، على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة، خاصة أن السودان بعد الثورة يقف في مفترق طرق، ويحتاج لتوحيد جهوده مع مصر لتجاوز العواصف التي ليس أقلها (سد النهضة)؛ عبر بناء شراكة استراتيجية راسخة، على المستويات كافة، وهذا يستوجب العمل الدؤوب لردم أية فجوة وإعادة بناء مسارات العلاقات جنوب وشمال خط عرض 22.

نقلا عن صحيفة “الأهرام” في عددها الصادر اليوم الأربعاء 18 /11/2020

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى