الأمريكتان

تعليق “المركز المصري” على تحذيرات “كيسنجر” من تداعيات تصاعد وتيرة الصراع بين واشنطن وبكين

نقلت وكالة أنباء “ بلومبيرج“ الأمريكية تصريحات  وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كيسنجر”  التي قال فيها إن إدارة بايدن القادمة يجب أن تتحرك بقدر كبير من السرعة سعيًا لاستعادة قنوات الاتصال مع الصين وهي القنوات التي كانت قد أغلقت خلال فترة حكم الرئيس   دونالد ترامب ، وحسب كيسنجر فإن هذا لو لم يحدث قد تتطور الأمور إلى تصعيد عسكري بين البلدين العظميين.

وجاءت هذه التصريحات خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى بلومبيرج للاقتصاد الجديد حيث أكد كيسنجر أنه إذا لم تكن هناك تحركات لتعاون مشترك فإن العالم سينزلق إلى كارثة تقارب هول الحرب العالمية الأولى مع الوضع بالاعتبار أن القدرات العسكرية التي تمتلكها الأطراف حاليًا ستجعل من المستحيل السيطرة على الأمور وبالتالي فإن السيناريو المتوقع أسوأ من سيناريو الحرب العالمية الأولى.

وأضاف كيسنجر ذو السبعة وتسعين عامًا أن كلًا من واشنطن وبكين تديران دبلوماسيتهما الآن بأسلوب المواجهة وأنهما قد تنجرفان إلى خطر التصعيد قريبًا وهو التصعيد الذي من المتوقع أن يكون عسكريًا وهنا يكمن الخطر. خصوصًا أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين في أدنى مستوياتها على الرغم من توقيع البلدين لاتفاق تجارة في مرحلته الأولى مطلع العام الحالي.

وحسب بلومبيرج فإن كيسنجر كان الدبلوماسي الذي خطط لرحلة ريتشارد نيكسون التاريخية إلى الصين في عام 1972 وهو يأمل في أن تكون الحماية من كوفيد 19 نقطة تلاقي وحوار واتفاق بين البلدين وليس مثار خلافات وذلك بتسلم بايدن لمنصبه رسميًا في 20 يناير المقبل.

وحسب كيسنجر فإن تفشي كوفيد 19 ينبغي أن يكون جرس إنذار عالمي، فصحيح أن الحاصل الآن هو أن كل دولة تقوم بمواجهته بشكل فردي إلا أن الحل النهائي ينبغي أن يكون جماعي.

وفي هذا الإطار أشار كيسنجر إلى أن الوباء الذي انطلق من ووهان حسب المعلومات المؤكدة حتى الآن أدى إلى تصعيد حدة الخطاب بين الولايات المتحدة والصين حيث عمد الرئيس دونالد ترامب إلى توجيه اللوم إلى بكين في انتشار الوباء نتيجة لإخفائها معلومات مهمة والتعامل بعدم شفافية مع الموقف خصوصًا أن الولايات المتحدة من الدول التي ترتفع فيها نسبة الإصابات والوفيات ومنذ ذلك الوقت تم تصعيد اللهجة المعادية بين واشنطن وبكين.

وفي موضغ آخر يشير التقرير المنشور على بلومبيرج إلى أنه في الآونة الأخيرة زادت الممارسات القمعية لبكين في هونج كونج الإقليم الذي من المفترض أنه يتمتع بحكم ذاتي واتخذت الحكومة المركزية عدم موالاة المسؤولين هناك لبكين ذريعة لزيادة ممارساتها السلطوية ومن جانبها وجهت واشنطن انتقادات لاذعة لمفهوم “دولة واحدة ونظامان” وهو المفهوم الذي تقول واشنطن أنه ساعد الصين في الالتفاف على الغرب حتى الآن.

وفي هذا السياق فقد قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على بكين وحظر الاستثمار والتعاملات المادية مع 31 شركة صينية يقال إنها تخضع لسيطرة جيش التحرير الشعبي في البلاد.

وحسب كيسنجر فإن ترامب يمتلك أسلوب تفاوضي يعتمد على التصادم بشكل لا يمكن للموقف أن يتحمله لفترة طويلة وقد استهدف منذ وصوله إلى البيت الأبيض التأكيد على مخاطر الاقتصاد غير المتوازن بين الولايات المتحدة والصين وهو أمر صحيح إلا أنه كان من اللازم أن يفعل ذلك بشكل أكثر دبلوماسية.

ويمضي التقرير فيشير على لسان كيسنجر إلى أن التآكل والتراجع السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ينذر من مخاطر حرب باردة جديدة ولذلك فإنه يجب على بكين وواشنطن الاتفاق على أنه مهما بلغ التصعيد بينهما فإن هذه التصعيدات لن تأخذ الشكل العسكري.

وفي سبيلهما إلى ذلك فإنه من الممكن لواشنطن وبكين إنشاء نظام مؤسسي مشترك يضم قاد أمريكيين وصينيين من ذوي الثقة حتى يكونوا على اتصال ببعضهم البعض بشكل مستمر حتى في أوقات الخلافات المحتدمة بالنيابة عن رئيسي البلدين.

ويشير كيسنجر إلى أنه من المتوقع أن تهمين الصين على أجندة السياسة الخارجية للرئيس المنتخب “جو بايدن” حيث إنه سيبحث عن طرق لنزع فتيل الأزمات عن طريق التعاون في عدد من المجالات مثل تكنولوجيا الجيل الخامس والتوسع الصيني في بحر الصين الجنوبي والأوضاع السياسية في هونج كونج.

وفي الوقت الذي يمتلك فيه جو بايدن خبرة كبيرة في التعامل مع الصين، اتخذت لهجته منحى اعتبره الكثيرون حازمًا بل قاسيًا في بعض الأوقات ضد الصين وخلال حملته الانتخابية انتقد سياسات الصين العدوانية في نطاقها الجغرافي كما انتقد سجلها الحافل بالخروقات في مجال حقوق الإنسان حتى أنه وصف الرئيس الصيني خلال مناظرة تمهيدية في فبراير الماضي بأنه “سفاح”.

وردًا على تساؤل طرحه أحد الصحفيين على كيسنجر بخصوص ما يمكن أن تفعله الصين لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة قال إنه على الرغم من وجود خلافات أساسية حول ملف حقوق الإنسان إلا أن ما يجب أن يتم البحث عنه هنا ليس حل المشكلات بقدر الوصول إلى صيغة تفاهمية توافقية تراعي حساسيات الموقف لدى البلدين وهو ما يبدو أن الصين تفعله الآن لأنه وسط لهجة الخطاب المتصاعدة بين الطرفين فإن الرئيس الصيني قام بتهنئة الرئيس الأمريكي المنتخب ونائبته.

 وفي موضع آخر أكد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ضرورة توخي الحذر عند التعامل مع بعض مقترحات بايدن للتعامل مع الصين، خصوصًا فيما يتعلق ببناء تحالف مع الديمقراطيات الأخرى حول العالم لمواجهة التنين الصيني. ذلك أنه حسب رؤية كسينجر فإن الديمقراطيات يجب أن تتحالف عندما توجهها مصالحها إلى ذلك وليس بغية مواجهة دولة أو نظام بعينه “فهو قرار غير حكيم”.

ويشير كيسنجر إلى أن الولايات المتحدة كان لها تاريخ من النجاحات المستمرة نسبيًا في الوقت الذي عانت فيه الصين من أزمات متكررة حيث إن الصين كانت ولاتزال محاطة بدول تستهدف وحدتها.

وحول العلاقات بين الولايات المتحدة والجانب الأوروبي قال كيسنجر إن أوروبا قد تجد نفسها تمارس لعبة شد الحبل بين الولايات المتحدة وأوراسيا وعلى الرغم من أن أوروبا كانت من ركائز ومحددات السياسة الخارجية الأمريكية لفترة طويلة من الزمن إلا أن السؤال المطروح الآن يدور حول إذا ما كانت أوروبا ستحاول لعب دور مستقل تماماً عن السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة المقبلة.

تعليق المركز المصري

يشير حديث هنري كيسنجر على النحو السابق إلى عدد من الاعتبارات المهمة التي يرى أن على الرئيس الأمريكي الجديد مراعاتها ومنها:

  • أن السياسة العدائية الأمريكية المتصاعدة ضد الصين وإن كان لها بعض المبررات إلا أنها تحمل الكثير من المخاطر على كلا الدولتين.
  • أنه يخشى أن تؤدي تلك السياسة إلى مواجهات عسكرية؛ حيث إن الخلافات المتصاعدة حاليا تقترن بنوع من التوتر السياسي المرتفع والحشد العسكري.
  • أن على الرئيس بايدن مراجعة بعض ما صرح به خلال الحملة الانتخابية؛ حيث تقتضي المصالح الأمريكية إعادة صياغة لإطار التعامل مع الصين والبحث عن نقاط تفاهم وتلاقٍ.
  • ويخلص كسينجر إلى أن مسار التصعيد الحالي ينذر بكارثة عسكرية تتجاوز ما جرى في الحرب العالمية وقد لا يتحملها اقتصاد البلدين والاقتصاد العالمي.
  • من الواضح أن ما عبر عنه هنري كسينجر يتماشى مع أصوات متزايدة لخبراء أمريكيين مؤخرًا تطالب بإعادة صياغة أكثر واقعية وهدوء للسياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة القادمة.
+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى