أفريقيا

بين الإدانة والانحياز.. ملاحظات حول المواقف الدولية من الحرب في إقليم تيجراي

منذ تفاقم حدة الصراع بين الحكومة الإثيوبية وإقليم تيجراي الذي يقع في شمال الدولة، عقب توترات دامت لنحو عامين بين الحكومة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، بسبب سياسات التهميش التي اتبعها رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” منذ قدمه للسلطة عام 2018، وإعلانه دمج كافة الأحزاب في حزب واحد يُعرف باسم “حزب الرخاء” ورفض “جبهة تحرير تيجراي” الانضمام إليه، وما تبعها من تطورات مختلفة آلت إلى اتهام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لقيادات هذا الإقليم بالخيانة العظمى والإرهاب.

وعلى خلفية قرار رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” بإطلاق عملية عسكرية محددة الأهداف على إقليم تيجراي، بواسطة القوات الفيدرالية الإثيوبية، منذ الرابع من شهر نوفمبر الجاري، جاءت مواقف المنظمات الإقليمية والدولية للتنديد بذلك التحرك الذي يفضي في نهاية الأمر إلى نشوب حرب أهلية في إثيوبيا، بل ذهبت بعض المنظمات إلى توصيف ما يحدث بأنه “جرائم حرب”.

الأمم المتحدة والتخوف من الانخراط في “حرب أهلية”

لقد جاء موقف الأمم المتحدة كغيره من المواقف الأخرى في الكثير من القضايا العالمية، حيث نددت بما يدور في هذا الإقليم، وطالبت بوقف إطلاق النار والعمل على التفاوض للخروج من تلك الأزمة، والعمل على اتخاذ تدابير فورية لتهدئة التوترات وضمان حل سلمي للنزاع، خاصة في ضوء تعقد المشهد الداخلي مع تمسك طرفي الأزمة كلٌ بموقفه، وغياب المؤشرات الرامية إلى خلق أرضية مشتركة بين الأطراف لاحتواء محتمل للأزمة، وبالتالي احتمال انزلاق إثيوبيا نحو حرب أهلية.

وقد عرضت الأمم المتحدة الوساطة على الأطراف المتنازعة، وذلك عبر تباحث الأمين العام “أنطونيو جوتيريش” و “آبي أحمد” حول الأوضاع في إثيوبيا، وقد ربطت الأمم المتحدة تخوفاتها حيال هذا النزاع، بتصريحات منظمة العفو الدولية التي وصٌفت ما يحدث في تيجراي بأنه “جرائم حرب”، وذلك بعدما وثقٌت حالة قتل جماعي في بلدة “ماي كادرا” جنوب غرب تيجراي في التاسع من نوفمبر الجاري.

واتصالاً بالسابق، ومع تزايد المواجهات العسكرية في هذا الإقليم، فقد باتت المساعدات الإنسانية المستهدف تقديمها إلى عدد من المناطق في شمال إثيوبيا، مهددة في ظل فشل وصولها إلى تلك المناطق بعدما وقعت اشتباكات بين القوات الاتحادية وقوات جبهة تحرير تيجراي في 8 مواقع مختلفة، وهو التخوف الذي أبدته منظمة الأمم المتحدة، فوفقًا لتقرير صادر في السابع من نوفمبر الجاري، عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يوجد نحو 600 ألف شخص في تيجراي يعتمدون على المساعدات الغذائية، في حين يحصل مليون آخرون على أشكال أخرى من الدعم وجميعها توقفت.

الولايات المتحدة وإدانة العنف 

في بداية الأزمة اقتصر موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ما يحدث داخل إثيوبيا بالمطالبة بوقف التصعيد وحماية المدنيين وهو ما جاء بصورة مبكرة من خلال تصريح وزير الخارجية “مايك بومبيو” في السادس من نوفمبر الجاري الذي حمل فيه جبهة تحرير تيجراي مسؤولية تدهور الأوضاع في إثيوبيا. وقد اتجه الموقف الأمريكي للمطالبة بحتمية التوجه لاتخاذ خطوات فورية لخفض التصعيد، وذلك وفقًا لما أعلنه مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية “تيبور ناجي” في الثالث عشر من نوفمبر الجاري، الذي أدان بصورة كبيرة المجزرة التي وقعت بحق المدنيين في بعض المناطق الواقعة جنوب غرب الإقليم، وضرورة الإسراع لإنهاء الصراع في كافة المناطق الحرجة. قبل أن يعود تيبور ناجي ليدين جبهة تحرير تيجراي بعد إطلاق الصواريخ على إريتريا، ليتهم الجبهة بالسعي لتدويل الصراع في القرن الأفريقي.

الاتحاد الأوروبي والدعوة لسيادة القانون

في ضوء التصريحات المستمرة من جانب الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، خاصة إعلان نائب رئيس أركان الجيش الإثيوبي “برهان جولا” بأن الحكومة المركزية في “حرب” على السلطات في إقليم تيجراي، جاء موقف الاتحاد الأوروبي متقاربًا مع موقف الأمم المتحدة. وكانت رسائل الاتحاد الأوروبي تتضمن أهمية خفض التوتر والعودة إلى الحوار لتأمين سيادة القانون داخل أنحاد إثيوبيا، وذلك وفقاً لما دعا إليه “جوزيب بوريل” الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي.

ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل عرض “بوريل” الوساطة في خضم هذا المشهد المعقد، عقب محادثات أجراها مع “آبي أحمد” لدعم جهود استعادة السلام والحوار السياسي في إثيوبيا، ودعم الاتحاد لأي عمل من شأنه أن يقلل من حدة التوترات ويأمن سيادة القانون وذلك في ظل تصاعد المخاطر المختلفة التي تهدد سلامة واستقرار المنطقة، والتأكيد على توجه الاتحاد الأوروبي لدعم أي مبادرات من جانب “الإيجاد” و”الاتحاد الأفريقي” تستهدف معالجة الوضع.

الاتحاد الأفريقي والانحياز للحكومة الفيدرالية الإثيوبية

يُعدُّ الاتحاد الأفريقي أحد المرتكزات المؤسسية المهمة في القارة الأفريقية، التي تعمل على حل الأزمات المختلفة داخل هذه القارة التي تُعج بالكثير من الأزمات الطاحنة، وعلى الرغم مما تشهده إثيوبيا من تصاعد للعمليات العسكرية في إقليم تيجراي وما تسبب فيه من نزوح الآلاف من المواطنين الإثيوبيين داخل السودان، جاءت مواقف الاتحاد غير فعالة في الأزمة، مكتفية بصورة كبيرة في الدعوة الوقف الفوري للأعمال الحربية داخل إقليم تيجراي.

وقد بدا موقف الاتحاد الأفريقي، غير واضح ومنحاز إلى حكومة آبي أحمد، وقد برز ذلك فيما اتخذه الاتحاد من قرار بإقالة مفوض السلم والأمن “جبرجزيآبير مبراتو ملس” وهو ذو أصول إثيوبية، بعدما اتهمته حكومة بلاده بعدم الولاء وسط القتال الدائر بين القوات الحكومية وقوات إقليم تيجراي، وذلك في الثالث عشر من نوفمبر الجاري.

وترسيخًا لإقرار مبدأ السلم والأمن الإقليميين، فقد حثّ الاتحاد الأفريقي على الحوار للوصول إلى حل سلمي يضمن مصلحة إثيوبيا، مع التركيز على سيادة إثيوبيا الوطنية، والنظام الدستوري وسلامة أراضي جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية وسيادتها الوطنية وذلك تحقيقاً لاستقرار أشمل يضمن منطقة القرن الأفريقي. 

الإيجاد والدعوة لتهدئة التوترات

لم يختلف موقف الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) عن باقي المنظمات الأخرى، إذ جاء للتعبير عن قلقها تجاه الأحداث المختلفة في إثيوبيا، وتحديداً الوضع في منطقة تيجراي في إثيوبيا، ودعت الهيئة إلى ضبط النفس والعمل على تهدئة التوترات وحل خلافاتهم من خلال الحوار والمصالحة. ويتجلى من خلال موقف الإيجاد أنها تعول بصورة كبيرة على بعد نظر وحكمة حكومة إثيوبيا والأطراف المعنية للالتقاء والتوصل إلى حل سلمي نهائي.

ملاحظات ختامية

من خلال السابق يمكن استنباط عدة ملاحظات، تتمثل أولها في انحياز واضح من بعض المنظمات إلى الحكومة الإثيوبية وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي، بالرغم من تقارب المواقف الأخرى للمنظمات الدولية والذي يدعم الحكومة الفيدرالية في إثيوبيا والجهود المختلفة الرامية لتحقيق الإصلاح وبناء مستقبل سلمي وآمن لجميع شعوبها، دون إيلاء اهتمام صريح بدعم حق إقليم تيجراي بالحكم الذاتي.

وتتجلى الملاحظة الثانية في أن استقرار منطقة القرن الأفريقي يمثل أولويات المنظمات الإقليمية والدولية، حيث إن هناك تركيزًا دوليًا وإقليميًا على حتمية الاستقرار داخل إثيوبيا، كوسيلة لغاية أكبر وهي إقرار الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي التي تعتبر مسرحًا للمصالح الدولية والإقليمية، لذا كانت مساعي المنظمات الإقليمية والدولية تتركز بصورة كبيرة إلى الإسراع في تهدئة الأوضاع الداخلية، لضمان استقرار وأمن منطقة القرن الإفريقي، ومنع الانزلاق في توترات متزايدة في هذا النطاق.

وتنصرف الملاحظة الثالثة إلى أن هناك نهجًا دوليًا مغايرًا لما كان عليه في الحقب الماضية، يُرسخ لمفهوم الخصوصية المناطقية، ويعول على المؤسسات الإقليمية ذات الشأن على حل ذلك النزاع، وقد برز ذلك بصورة كبيرة في المحادثات التي جريت بين الأمين العام للأمم المتحدة وكذا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، مع كلٍ من “موسى فكي محمد”، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وكذا رئيس الوزراء السوداني “عبدالله حمدوك” بصفة رئيس الهيئة الحكومية الدولية للتنمية لدول شرق إفريقيا “الإيجاد”، لدعم أي مبادرات إقليمية من شأنها تهدئه الأوضاع داخل إثيوبيا.وتكمن الملاحظة الرابعة في أن التخوفات المختلفة الصادرة عن كافة المنظمات الإقليمية والدولية حول توسع مدى الصراع في الداخل الإثيوبي وامتداده إلى مناطق أخرى، قد تحقق بالفعل، حيث شهدت ولاية أمهرة الإثيوبية المجاورة لولاية تيجراي بشمال البلد، انفجارين، وذلك في الرابع عشر من نوفمبر الجاري، مما يُفهم منه أن استخدام القوة لن يكون هو الحل، بل يجب العمل على التفاوض السلمي للخروج بأجندة عمل توافقية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى