
اقتفاء الأثر … ضربات الدرونز والصواريخ الحوثية للجنوب السعودي
بعد فترة وجيزة من التناقص الملحوظ في عمليات استهداف الأراضي السعودية بالدرونز الانتحارية والصواريخ الباليستية والجوالة التي تطلقها جماعة أنصار الله (الحوثيين) من الغرب اليمني. لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة عودة الزخم من جديد لهذه العمليات، التي تزايدت وتيرتها منذ السادس والعشرين من الشهر الماضي. استمرار هذا الهجمات فتح مرة أخرى باب النقاش حول حقيقة القدرات العسكرية المتوفرة لدى الحوثيين، والدور الإيراني في تأسيس هذه القدرات وتطويرها، وإدامة خطوط الإمداد بها.
الزوارق الحوثية المفخخة … المدمرة كول مرة أخرى
النقطة الأساسية اللافتة في موجة الهجمات الأخيرة، أنه تم فيها استخدام كافة القدرات العسكرية (النوعية) المتوفرة للحوثيين، حيث تم في الحادي عشر من الشهر الجاري، الهجوم بزورقين مفخخين متحكم بهما عن بعد، على منصة تفريغ المشتقات النفطية العائمة قبالة ساحل مدينة جيزان في الحد الجنوبي السعودي. وقد أدى اعتراض هذين الزورقين وانفجار الشحنات المتفجرة الموجودة على متنهما إلى أضرار بالتجهيزات التابعة لهذه المنصة.
هذا الهجوم يُعدُّ الأخير ضمن سلسلة من الهجمات التي نفذها الحوثيون قبالة السواحل اليمنية، والتي كانت بدايتها الفعلية أواخر يناير 2017، حيث هاجم زورق مفخخ من هذا النوع فرقاطة من الفئة (المدينة المنورة)، تابعة للبحرية السعودية. وهو هجوم مستوحى من تجربة الهجوم على المدمرة الأمريكية (كول) في ميناء عدن اليمني أوائل العقد الماضي، كما أن هذه الفكرة طبقتها دول عدة مثل إيطاليا وألمانيا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
بشكل عام، يمتلك الحوثيون ثلاثة نماذج من الزوارق الانتحارية المتحكم بها عن بعد، الأول ظهر للمرة الأولى خلال الهجوم على الفرقاطة السعودية، وكذلك في هجمات أخرى تم شنها عام 2017، استهدفت منصة نفط سعودية، وقطع بحرية إماراتية، وهو عبارة عن زورق سريع يتم التحكم به عن بعد، ويبلغ طوله نحو عشرة أمتار. كانت دولة الإمارات قد تبرعت بعشرات الزوارق من هذا النوع لصالح البحرية اليمنية قبيل عام 2011.
ويمتلك هذا الزورق محركين يوفران له سرعة قصوى تبلغ 45 عقدة في الساعة، وتم تزويده بشحنة متفجرة تبلغ زنتها 450 كيلو جرام، يُعتقد أنها مستخرجة من صواريخ (ستايكس) السوفيتية المضادة للسفن، التي امتلكتها البحرية اليمنية فيما مضى.
النموذج الثاني من نماذج زوارق الحوثيين المفخخة، ظهر للمرة الأولى في مايو 2018، حين حاولت ثلاث زوارق مفخخة الهجوم انطلاقًا من ميناء الحديدة اليمني، على قافلة تضم ثلاث ناقلات نفط وقطعتين حربيتين سعوديتين.
هذا النموذج مصنع من الألياف الزجاجية، تبلغ سرعته 30 عقدة في الساعة، ويستخدم بشكل أساسي في بث الألغام البحرية، لكن لوحظ من منتصف عام 2018 استخدامه في الهجمات الانتحارية على السفن في البحر الأحمر، عن طريق تجهيز عبوات ناسفة داخل بدن الزورق، ومن ثم توجيهه بطاقم بشري في اتجاه الهدف المراد تدميره، ومن ثم يغادر الطاقم المكون من فرد أو فردين الزورق أثناء تحركه، بعد أن يقترب مسافة كافية من الهدف. من أهم مميزات هذا النموذج، بدنه منخفض الارتفاع، والذي يجعل من الصعب رصده أثناء تحركه على سطح الماء، خاصة من مسافة بعيدة.
النموذج الثالث تمثل في لجوء الحوثيين إلى تعديل زوارق الصيد اليمنية التقليدية، وتحويلها إلى زوارق انتحارية، وهذا يعزى إلى تناقص الأعداد المتوفرة من النموذجين الأساسيين من نماذج القوارب الانتحارية، نتيجة تدمير معظمها إما عن طريق الدوريات البحرية والجوية للتحالف العربي، أو خلال محاولات الاشتباك والهجوم على القطع البحرية والسفن المدنية.
لهذا توجه الحوثيون نحو هذا الخيار، للاستفادة من التمويه الذي يوفره الطابع المدني لهذه الزوارق، التي يمتلك اليمن منها الآلاف على طول سواحله. وقد استخدم الحوثيون هذا النموذج بشكل مكثف العام الماضي، بعد أن زودوه بتعديلات تشمل آلية للتحكم في التوجيه والدفع عن بعد، وكاميرا لنقل المشهد الأمامي للزورق. وكان الهجوم الأول الذي تم فيه استخدام هذا النموذج، في أبريل 2019، انطلاقًا من منطقة اللحية الساحلية، شمالي مدينة الحديدة. وفي فبراير الماضي، أحبطت القوات البحرية السعودية، هجومًا باستخدام زورق من هذا النموذج، ويعتقد بشكل كبير أن هذا النموذج هو ما تم استخدامه في الهجوم الأخير على منصة التفريغ العائمة في جيزان.
الدرونز الانتحارية للحوثيين.. البصمة الإيرانية الخفية
الدرونز الانتحارية، أو ما يعرف ب (الذخائر الجوالة)، كان لها نصيب في الموجة الهجومية الأخيرة للحوثيين على الجنوب السعودي، فقد اعترضت الدفاعات الجوية التابعة للجيش السعودي، في الثاني عشر من الشهر الجاري، درون انتحارية واحدة وصاروخين باليستيين، تم إطلاقهم من شمال غرب اليمن في اتجاه الحد الجنوبي السعودي. وفي الرابع عشر من نفس الشهر، تم اعتراض درون واحدة أخرى، وسبق وهاجم الحوثيون أواخر الشهر الماضي، مطار أبها الإقليمي، بالدرونز الانتحارية (قاصف – تو كيه).
تم تسجيل الاستخدام الأول للدرونز الانتحارية التابعة للحوثيين، في أبريل 2018، حين تم استخدام الدرون الانتحارية (قاصف 1) لتنفيذ عدة هجمات في الحد الجنوبي السعودي، مثل مقر شركة أرامكو قرب مدينة جيزان، ومطار أبها الإقليمي في مدينة عسير. وكذا تم تسجيل استخدامها خلال المعارك البرية في محافظة تعز، خاصة في منطقتي المخا وموشج.
تتطابق هذه الدرون في شكلها ومواصفاتها الفنية مع الدرون الهجومية الإيرانية الصنع (أبابيل – تو/تي). يتزود هذا النوع بمحرّك يعمل بالبنزين، يوفّر له مدى يصل إلى 100 كيلو متر، ومدة تحليق متواصل تصل إلى ساعتين، وتصل زنة المواد المتفجرة المحملة على هذه الدرون إلى 30 كيلو جرام.
في يوليو 2019، ظهر ضمن تسليح الحوثيين، نوعان جديدان من أنواع الدرونز الانتحارية، المبنية على أساس الدرونز الإيرانية (أبابيل)، تحت اسم (صماد 2) و(صماد3)، استُخدما للمرة الأولى في استهداف منشأة تابعة لشركة أرامكو النفطية في الرياض، ومطار أبو ظبي.
شكل ظهوره هذين النوعين نقلة نوعية كبيرة، نظرًا لمداهما الكبير الذي يصل إلى 1500 كيلو متر، وإن كانت التقديرات تشير إلى أن مجمل المواد المتفجرة الموجودة على متنهما لا تتجاوز زنتها حاجز مائة كيلو جرام، وهو ما لا يكفي لتنفيذ هجمات مؤثرة، إلا في حالة تنفيذ موجات هجومية باستخدام أعداد كبيرة منها.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه اتضح من الحطام الناتج عن استخدام هذه الدرونز الانتحارية، وجود مكونات إيرانية المنشأ أو تمتلك طهران القدرة على الحصول عليها سواء عبر وسطاء أو عبر الإنترنت، مثل محركات شركة (DLE) الصينية، وشفرات التوجيه التي تنتجها شركة (بيتش وود) الألمانية، ناهيك عن امتلاك إيران القدرات الصناعية على تزويد الحوثيين بهياكل الألياف الزجاجية التي يتم بها تصنيع هذه الدرونز.
آخر أنواع الدرونز الانتحارية التي تم رصدها في تسليح الحوثيين، هي (قاصف – تو كيه)، التي تم استخدامها للمرة الأولى في يناير 2019، لاستهداف قاعدة العند الجوية جنوبي اليمن. تتميز عن سابقاتها من الدرونز الانتحارية، بأنها لا تصطدم بشكل مباشر بالهدف، لكنها عوضًا عن ذلك تنفجر فوق الهدف بمسافة تتراوح بين 10 إلى 20 متر، مما يساهم في نشر الموجة التدميرية بطريقة أكثر فاعلية. هذا النوع تم استخدامه بشكل رئيسي خلال عام 2019 والعام الجاري، وكان هو النوع الذي تم استخدامه في الموجة الهجومية الأخيرة على مطار أبها في عسير.
بصمات إيرانية أوضح في الصواريخ الباليستية الحوثية
لم يتم تحديد أنواع الصواريخ التي تم استخدامها ضمن الموجة الهجومية الأخيرة للحوثيين على الحد الجنوبي السعودي، لكن بشكل عام، استخدم الحوثيون طائفة واسعة من صواريخ المدفعية الصاروخية والصواريخ الباليستية، تم تطوير أغلبها بمساعدات وخبرات إيرانية، منها صواريخ (قاهر-1)، وهي صواريخ معدلة عن صواريخ الدفاع الجوي السوفيتية (سام-2)، لتصبح صواريخ أرض – أرض يبلغ مداها 250 كيلو متر وتستطيع حمل شحنة متفجرة تصل زنتها إلى 200 كيلو جرام.
هذا التطوير قامت به دول عدة سابقًا ومنها إيران، وتم استخدام هذه الصواريخ بشكل مكثف لاستهداف مطارات الحد الجنوبي السعودي، وبعض تجمعات قوات الحكومة اليمنية خلال المعارك البرية. وقد أعلن الحوثيون في مارس 2017، عن جيل جديد من هذا الصاروخ تحت اسم (قاهر -2 أم)، تم زيادة المدى فيه ليصبح 400 كيلو مترًا، وزيادة الشحنة المتفجرة لتصل زنتها إلى 350 كيلو جرام.
في سبتمبر 2016، أعلن الحوثيون عن صاروخهم الباليستي (بركان – 1)، والذي يعد بالإضافة إلى ما تلاه من أنواع أخرى تنتمي لنفس الفئة، نسخة من الصاروخ الإيراني الباليستي (قائم – 1) المستنسخ من الصاروخ الكوري الشمالي (هواسونج – 6) والصاروخ السوفيتي الباليستي الشهير (سكود – سي). الصاروخ الحوثي تم استخدامه للمرة الأولى لقصف مدينة الطائف السعودية، بجانب مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة، ويتراوح مداه الأقصى ما بين 800 إلى 900 كيلو متر، ويبلغ وزنه الكلي ثمانية أطنان تتضمن نحو نصف طن من المواد المتفجرة.
الجيل الثاني من هذا الصاروخ تمت تسميته (بركان – 2 إتش)، ويبلغ مداه المعلن نحو 1400 كيلو متر، وظهر للمرة الأولى في فبراير 2017، من خلال محاولة قصف تعرضت لها العاصمة السعودية الرياض. الجيل الثالث والأخير من هذا الصاروخ تمت تسميته (بركان – 3)، وأعلن الحوثيون عنه في أغسطس 2019.
استخدم الحوثيون فئة واحدة من فئات صواريخ الكروز، وهو (قدس)، الذي تم استخدامه عملياتيًا للمرة الأولى أواخر عام 2017 لاستهداف مفاعل براكة النووي في أبو ظبي، ومطارات الحد الجنوبي السعودي. هذا الصاروخ مشتق من سلسلة من صواريخ الكروز الإيرانية تدعى (سومار – يا علي)، تعد نسخًا من صاروخ الكروز السوفيتي (كي أتش – 55)، مع تعديلات في البدن وجنيحات التوجيه والمحرك.
استخدم الحوثيون كذلك عدة أنواع من صواريخ المدفعية الصاروخية، المشتقة من المدفعية الصاروخية الإيرانية الصنع (فجر – 5 بي). النوع الأول كان صواريخ (بدر – 1)، التي تم استخدامها للمرة الأولى في مارس 2018، لاستهداف منشآت تابعة لشركة أرامكو النفطية بنجران، ثم تم الإعلان في أكتوبر من نفس العام عن النسخة الموجهة من هذه الصواريخ تحت اسم (بدر – 1 بي) يصل مداها إلى 150 كيلو متر. في أبريل 2019، تم الإعلان عن الجيل الجديد من هذه الصواريخ تحت اسم (بدر – إف)، وهو موجه أيضًا، وتم تحميله برأس حربي متشظٍ، مماثل في آلية عمله للدرونز الانتحارية (قاصف – تو كيه).
مسارات تزويد طهران للحوثيين بالتقنيات الصاروخية
تكررت على مدار السنوات الماضية، وتحديدًا منذ نوفمبر 2015، حوادث اعتراض أو تدمير سفن وشحنات مرسلة من طهران إلى الداخل اليمني، وبعضها كان يحتوي على مكونات وأجزاء خاصة بالصواريخ الباليستية والدرونز القتالية، وآخرها شحنة تم استهدافها في صعدة أوائل عام 2019.
ورغم المجهود الجوي والبحري للتحالف العربي، يبدو أن القدرات المتوفرة للحوثيين في مجالي الصواريخ والدرونز، مازالت تتيح لهم هامش للمناورة وتهديد العمق السعودي، حيث وصلت الصواريخ والدرونز إلى مدينتي ينبع والدمام، وهي نقاط استراتيجية في قلب العمق السعودي، كما أن تمكنهم من تعديل بعض صواريخ القتال الجوي الخاصة بمقاتلات سلاح الجو اليمني، وتحويلها إلى صواريخ للدفاع الجوي، شكل تهديدًا جديًا للنشاط الجوي للتحالف، خاصة في النطاق الذي يتم منه إطلاق الصواريخ الباليستية والدرونز نحو المملكة العربية السعودية (صعدة – صنعاء).
إمكانية إحكام مراقبة الحدود البرية والبحرية لليمن، ربما ستكون هي المحدد الأساسي لنجاح التحالف العربي في إنهاء القدرات الصاروخية للحوثيين، وربما تكون بداية لمسار ينتهي بانتهاء الحرب في اليمن، وإنهاء معارك مستمرة منذ مارس 2015.
مصادر:
1- https://yemen.liveuamap.com/
2- https://abaadstudies.org/pdf-36.pdf
3- https://www.arabnews.com/node/1445736/middle-east
5- https://ctc.usma.edu/houthi-war-machine-guerrilla-war-state-capture/
باحث أول بالمرصد المصري



