
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم الاثنين الموافق 9 نوفمبر الجاري، “ريتشارد مور” الرئيس الجديد للمخابرات البريطانية (MI6). واهتم الجانب البريطاني بمتابعة تطورات الأوضاع بشرق المتوسط وليبيا والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. تأتى هذه الزيارة كمحطة مهمة من محطات تعزيز التعاون المشترك بين الطرفين المصري والبريطاني في الآونة الأخيرة، وعليه فإن الورقة ستوضح مجالات هذا التعاون ومحفزاته.

مجالات التعاون
- التعاون العسكري
إن مصر تلعب دورًا هامًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي، باعتبارها لاعبًا رئيسًا في العديد من قضايا المنطقة، وكذلك المملكة المتحدة التي كانت لفترات طويلة الرقم الأهم في معادلة التوازنات بالمنطقة، وإن خفت دورها التاريخي، فإنها لاتزال من أهم الفاعلين الدوليين التقليدين المنخرطين في شؤون المنطقة.
وعليه فإن التوافق بين الطرفين يُعد مفهومًا، ويمكن تبيانه من تصريح الفريق السير “جون لوريمير”كبير مستشاري رئيس أركان الدفاع البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يوم 18 يوليو 2018 بأن “مصر دولة ذات أهمية استراتيجية حيوية في المنطقة، والحفاظ على مصر آمنة يعني الحفاظ على بريطانيا آمنة. فنحن نعلم مدى أهمية أن نقف معًا في مواجهة التهديدات المشتركة لأمننا….”. ولهذا التعاون بنود كثيرة أبرزها في الآونة الأخيرة:
- تتابع الزيارات رفيعة المستوى كزيارة وزير القوات المسلحة البريطانية وعضو البرلمان البريطاني جيمس هيبي مع رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق/ محمد فريد في سبتمبر الماضي، وتعد هذه الزيارة المهمة هي الثانية لكبار الوزراء العسكريين عقب الزيارة الناجحة لوزير القوات المسلحة البريطانية السابق في يونيو 2019. وبالشهر ذاته قد زار السير “جون لوريمير” مصر في زيارة امتدت ثلاثة أيام، لبحث سبل تعزيز التعاون المشترك في مجال التدريبات المشتركة.
- توقيع وزارة الدفاع البريطانية والمصرية على مذكرة التفاهم الأولى لإجراء مناورات عسكرية مشتركة كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز تعاونهما في مكافحة الإرهاب عام 2018، وكانت أولى تلك المناورات بمارس 2019 باسم مناورات أحمس1، في قاعدة محمد نجيب العسكرية وفي مناطق أخرى داخل المنطقة العسكرية الشمالية. وكذلك في نوفمبر 2019، أجرت وحدات من القوات الخاصة التابعة للقوات المسلحة المصرية “Thunderbolt” والقوات الخاصة البريطانية، تمرينًا مشتركًا لمكافحة الإرهاب.
- تعزيز التعاون في مجال الأمن البحري، من خلال إطلاق فعاليات التدريب البرمائي المشترك المصري البريطاني (T-1) من 5 – 12 نوفمبر 2020 وهو الأول من نوعه بنطاق الأسطول الشمالي بالبحر المتوسط بمصر. وقد شارك في التدريب من الجانب المصري حاملة المروحيات المصرية “أنور السادات” من طراز ميسترال ومجموعتها القتالية المصاحبة وعناصر من القوات الخاصة البحرية وعدد من الطائرات متعددة المهام ويشارك من الجانب البريطاني سفينة الإبرار HMS ALBION ومجموعتها القتالية المصاحبة وعناصر من القوات الخاصة البحرية البريطانية.
- التعاون الاقتصادي
تبرز مصر كوجهة مفضلة للمملكة المتحدة بالقارة الإفريقية، ويمكن تبيان تلك الأهمية من خلال تصريح السير “جيفري دونالدسون” المبعوث التجاري البريطاني إلى مصر، خلال أول ندوة عبر الإنترنت للبيع بالتجزئة، نهاية سبتمبر الماضي، فقال “نحن ننظر إلى مصر كدولة ذات إمكانيات هائلة، وواحدة تستحق الاستثمار فيها. ونعتبرها بوابتنا إلى إفريقيا خاصة بسبب موقعها المتميز، وخطوط النقل الدولية والمحلية الجيدة، وجميع الاتفاقيات التجارية القائمة مع إفريقيا والاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية”.
وقد أوضح ” إيان جراي ” رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة المصرية البريطانية (EBCC) في مقابلة مع الأهرام أونلاين نهاية أكتوبر الماضي، أن إجمالي حجم التجارة بين البلدين قد زاد بشكل مطرد على مدى السنوات القليلة الماضية وتجاوز 2.1 مليار جنيه إسترليني في عام 2019، مرتفعًا بنسبة 9% مقارنة بمستويات 2018.
وأرجع “إيان جراى” زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر من المملكة المتحدة والتي بلغت 6.3 مليار دولار في 2018/ 2019 والتي كانت الأعلى في تلك السنة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر. وأكد أن هناك أكثر من 900 شركة مستثمرة في المملكة المتحدة تعمل في مصر، وفقًا للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة. وتشمل قائمة الشركات المستثمرة العديد من الأسماء المعروفة ك BP وShell وVodafone وHSBC وGSK وAstraZeneca وUnilever وغيرها الكثير.
وقد أبرز البيان المشترك لتعزيز التعاون الاقتصادي بمطلع العام الحالي، بين وزير الدولة للتنمية الدولية للمملكة المتحدة، السيد/ ألوك شارما، ووزيرة التعاون الدولي لجمهورية مصر العربية، الدكتورة/ رانيا المشاط، جوانب التعاون الاقتصادي بين البلدين، حجم الاستثمارات البريطانية بلغت استثمارات الشركات البريطانية 48 مليار دولار أمريكي. بالإضافة لتوضيح البيان لتقديم المملكة لأكثر من 50 مليون جنيه إسترليني بين عامي 2016 و2020 لدعم التنمية الشاملة والمستدامة في مصر، هذا بالإضافة لضمانها قرض البنك الدولي المقدم لجمهورية مصر العربية بقيمة 150 مليون دولار أمريكي لدعم الإصلاحات الاقتصادية.
كما أن المملكة المتحدة تُعد من أهم الشركاء الأجانب لدى مصر فيما يخص مجال الطاقة النظيفة، وهو ما انعكس في طرح مصر لأول سندات سيادية حكومية خضراء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ببورصة لندن بنهاية سبتمبر الماضي بقيمة 750 مليون دولار. وسبقها مبادرة البنك التجاري الدولي (CIB) في مصر بطرح سندات خضراء بقيمة 100 ميون دولار في يونيو الماضي. وسبق أن استثمرت مؤسسة CDC هي مؤسسة بريطانية للتمويل التنموي، في بنبان باعتبارها من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم بمصر، والتي مولت أكثر من 20 شركة وساهمت في خلق ما يزيد عن 9 آلاف فرصة عمل مباشرة، منذ 2003.
- التعاون الإنمائي
تبرز المملكة المتحدة كشريك مهم لمصر في مختلف المجالات الإنمائية كالتعليم والصحة والبحث العلمي. فنجد أن المملكة المتحدة كانت من أولى الدول الداعمة لجهود مصر في مكافحة فيروس كورونا. فقدمت المملكة المتحدة التدريب لأكثر من 250 شخصًا من الطاقم الطبي المصري، وزودتهم بالمهارات في مجال العناية المُرَكزة، ونِظٌم دَعْمِ الحَياة، دعم القلب والأوعية الدموية. كما تبرعت شركة فودافون بمبلغ 10 ملايين جنيه لدعم المستشفيات، بينما عرضت شركةBP حوالي 2 مليون جنيه مصري لتزويد مستشفيات الحجر الصحي بأجهزة تنفس صناعي ودعم علاج مرضىCOVID-19، وتبرعت شركة AstraZeneca البريطانية أيضًا بـ 20،000 اختبار سريع متعلق بفيروس كورونا بقيمة 100،000 دولار أمريكي، بالإضافة إلى تقديمها 100،000 قناع جراحي و100،000 قفازات و3000 أردية طبية وحيدة الاستعمال. وقامت شركة Primer Design Ltd الرائدة في المملكة المتحدة، التابعة لشركة Novacyt SA، بتصدير أكثر من 40،000 اختبار PCR إلى مصر لدعم استجابتها لـفيروس كورونا.
وقامت المملكة بدعم التعليم عن طريق تفعيل أكثر من 80 شراكة بين مؤسسات التعليم العالي البريطانية والمصرية، وكذلك تمويلها لبرامج تدريبية لأصحاب التخصصات الطبية ودعم التأمين الصحي الشامل، ونجحت في تأسيس أربع شراكات استراتيجية بين مؤسسات الرعاية الصحية المصرية والبريطانية. وكذلك دعمها لمجال الابتكار والبحث العلمي من خلال تقديم تمويل مشترك من خلال صندوق نيوتن-مشرفة البالغ تكلفته 50 مليون جنيه إسترليني.
محفزات التعاون
- محورية الدور المصري
إن انخراط مصر ودورها الرئيسي في الملفات ذات الأهمية بالنسبة للمملكة المتحدة، يجعل من مصر شريكًا مهمًا للمملكة، وعلى رأس تلك الملفات القضية الفلسطينية حيث أن المملكة المتحدة لازالت شانها شأن الموقف المعلن للاتحاد الأوروبي تؤمن بحل الدولتين، وهو ما يتوافق مع الموقف المصري. وكذلك قضية الحرب الأهلية في ليبيا، فللمملكة العديد من المصالح في ليبيا، لذا فإن استضافة مصر لجولات التسوية بين الأطراف المتنازعة في ليبيا الهادف لاستقرار الدولة الليبية يتوافق مع مصلحة المملكة المتحدة وغيرها من دول لاستئناف توريد النفط وإيقاف الهجرة غير الشرعية وتشابكها مع ملف الإرهاب في أوروبا.
يضاف إلى ذلك دور مصر المحوري في شرق المتوسط، فمن المعروف أن للمملكة المتحدة قاعدة عسكرية في قبرص ووجود عسكري بجبل طارق وكذلك العديد من شركات الطاقة العاملة في شمال إفريقيا، لذا فاستقرار تلك المنطقة يهم المملكة المتحدة.
- مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية
تُعد المملكة المتحدة من أبرز الدول الفاعلة في التحالف الدولي لمكافحة الدولة الإسلامية، نظرًا لأهمية لرغبتها في استقرار الأوضاع بما ينعكس على حماية مصالحها، وكذلك لأنها من تأتى على رأس القائمة بالنسبة للدول الأوروبية المصدرة للمقاتلين الأجانب في داعش، وعليه فإن عودتهم تمثل هاجس حقيقي لأمنها القومي. فقد سافر أكثر من 900 مواطن من المملكة المتحدة إلى سوريا للقتال حسب إحصاءات وزارة الداخلية البريطانية في 20 مايو 2019، وقتل نحو 20% منهم، فيما عاد40% إلى المملكة، وجرت محاكمة 10%فقط من هؤلاء العائدين لتصرفاتهم في سوريا.
وتؤكد دراسة نشرها المركز الدولي لدراسات التطرف التابع لـ “كينجز كولدج” في لندن وتناولته الـ”BBC” في 20 فبراير 2019 أن من بين عدد الأجانب الملتحقين بتنظيم “داعش” من المملكة المتحدة قرابة 145 امرأة و50 طفلاً. لذا فإن ملف مكافحة الإرهاب يُعد من أهم الملفات التعاونية بين الجانبين، نظرًا لما تقوم به الدولة المصرية من جهدا ملحوظ لاحتواء تلك الظاهرة المدمرة.
وفيما يخص ملف الهجرة غير الشرعية، فإن المملكة المتحدة باعتبارها كانت جزءًا حتى الماضي القريب من الاتحاد الأوروبي. فقد عانت كغيرها من ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي وصلت لذروتها في عام 2015\2016. لذا فإن مكافحة تلك الظاهرة على رأس أولويتها بما تسببها من عدم استقرار للأمن الأوروبي. وعليه فإن مساهمة مصر الملحوظة في احتواء تلك الظاهرة، والتي أشاد على إثرها المدير العام للمنظمة الدولية للهجرة أنطونيو فيتورينو خلال لقائه مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي مطلع العام الجاري، بالاستراتيجية الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية التي تبنتها مصر منذ 2016، والتي نتج عنها انخفاض معدل الهجرة غير الشرعية من مصر إلى أوروبا خلال الأشهر الماضية إلى ما يقرب من الصفر، وفق بيان مجلس الوزراء.
- خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
لا يزال الاتحاد هو الشريك الأكبر لمصر بحوالي %30 من تجارتها مع العالم خلال السنوات الماضية؛ يرجع ذلك لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومصر والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2004، وعلى إثرها زادت التجارة الثنائية بأكثر من الضعف من حوالي 12 مليار يورو في عام 2004 إلى حوالي 28 مليار يورو في عام 2018، وفقًا لتصريحات “إيفان سوركوش” سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة بشهر أكتوبر عام 2019.
لذا فإن خروج المملكة المتحدة دون اتفاق، سيؤثر بلا شك على التجارة بين الطرفين، حيث أن الخروج دون اتفاق سيؤدى إلى انخفاض الاستهلاك الأوروبي بسبب ما سيسببه الخروج من ضعف القدرة الشرائية للأوروبيين وبخاصة المواطنين البريطانيين. فالاقتصاد البريطاني يعتمد بشكل كبير على التبادل التجاري، فقد نمت نسبة مساهمة التبادل التجاري في الناتج المحلي البريطاني من 48% عام 1973 إلى 67% عام 2016، واليوم تصدر بريطانيا ما يقارب من نصف صادراتها لدول الاتحاد الأوروبي، مستفيدة من منطقة التجارة الحرة بين دول الاتحاد. لذا فلا شك أن الخروج دون اتفاق سيؤدى لانكماش الناتج المحلى البريطاني وانخفاض لقيمة العملة.
إلا أن المملكة المتحدة ستحاول تخفيف تلك الآثار من خلال ابرام اتفاقات تجارة حرة مع دول العالم المختلفة، كبديل عن اتفاق الاتحاد الأوروبي نيابة عنها في العقود الماضية. فوفقًا لتصريح “إيما وايد سميث” مفوضة لصاحبة الجلالة ملكة بريطانيا للتجارة مع أفريقيا. أنه في ” ظل استعداد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فأن أولويتنا الرئيسية ستظل ضمان استمرارنا في الاتفاقيات التجارية التي أبرمناها مع شركائنا الأفارقة، من أجل الحد من أي خلل في حركة التجارة بالنسبة للشركات والمصدرين والمستهلكين، فلقد أصدرنا تشريعات تنص على خطة الأفضليات التجارية للمملكة المتحدة بالنسبة للبلدان النامية، إن هذه التشريعات ستوفر نفس مستوى الوصول الخاص بخطة الأفضليات التجارية الحالية للاتحاد الأوروبي عن طريق منح البلدان الأقل نموًا إمكانية الوصول إلى الأسواق مع إعفائها من الرسوم الجمركية ونظام الحصص، بالإضافة إلى منح البلدان النامية الأخرى تخفيضات جمركية”. وعليه فإن المملكة المتحدة ستحاول استبدال اتفاقات الاتحاد مع الدول المختلفة، بما لا يؤثر على تبادلاتها التجارية معها.
ختامًا، إن التعاون بين الطرفين البريطاني والمصري في تصاعد مطرد، تعززه العوامل التي سبق ذكرها. وينعكس هذا التعاون بالإيجاب على الطرفين، فمن جهة يعزز حضور مصر الإقليمي ويساهم في مسيرة التنمية. ومن جهة أخرى يدعم الدور الفعال التي تسعى المملكة المتحدة للعبه إقليميًا، رغبة في استعادة بريق دورها القديم عالميًا.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية