الانتخابات الأمريكية

“ذا ناشونال إنترست”: رؤية بايدن للسياسة الخارجية غير استراتيجية وتعتمد على أحكام متسرعة

عرض – ماري ماهر

تناولت صحيفة (ذا ناشونال إنترست) في تقرير لها، وجهات نظر بايدن فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية مشيرة إلى أنها لا تستند إلى رؤية استراتيجية للشؤون العالمية بقدر ما تستند إلى أحكام سريعة.

أكد التقرير أن حملة بايدن الانتخابية عملت بلا كلل خلال العام الماضي لتصدير صورة له باعتباره “شخصًا جادًا”، لا سيما فيما يتعلق بأمور السياسة الخارجية، وأنه رجل دولة كبير في السن يدرك تعقيدات السياسة الدولية وقادر على إعادة الاستقرار في جميع أنحاء العالم، وعلى النقيض، يتم تقديم ترامب على أنه غير كفء ولا يتحدث إلا بلغة “النار والغضب”، لكن تلك الصورة تختلف عن وجهات النظر التي يطرحها بايدن نفسه. وهو ما يُمكن توضحيه بالنظر إلى بعض ملفات السياسة الخارجية:

• القضية الكورية: خلال المناظرة الرئاسية الثالثة في 22 أكتوبر، روج ترامب لفوائد وجود “علاقات جيدة” مع القادة الأجانب مثل كيم جونغ أون في كوريا الشمالية. لكن بايدن رد باستدعاء هتلر، حيث قال: “كانت لدينا علاقة جيدة بهتلر قبل أن يغزو أوروبا”. وفي الواقع تشبيه كيم جونغ أون بأدولف هتلر أمرًا مثيرًا للفتن، ولا يساهم في فهم السياسات الأمريكية في تلك القضية.

• العلاقات مع بعض حلفاء الولايات المتحدة: بايدن الذي حذَّر ترامب باستمرار من مخاطر خسارة حلفاء الولايات المتحدة، أبدى هو نفسه موقفًا متهورًا تجاه أصدقاء واشنطن، بعدما صنف اثنين من شركائها الرئيسيين؛ وهما المجر وبولندا، ضمن محور الشر، ووصف نظامهما السياسي بالشمولي. على الرغم من أن البلدان ليسا فقط عضوين في حلف شمال الأطلسي، بل إنهما من بين أكبر المساهمين العسكريين في ترتيبات الأمن الجماعي لحلف الناتو، كما أنهما تصنفان باستمرار من بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأكثر تأييدًا للولايات المتحدة، وهذا الهجوم غير المبرر أضر بلا داع بالعلاقات بين حليف في الناتو ورئيس محتمل قبل أن يدخل البيت الأبيض.

العلاقات مع الصين: خلال مؤتمر انتخابي في مدينة آيوا، رفض بايدن إجماع الحزبين على أن بكين تشكل تهديدًا اقتصاديًا وأمنيًا محتملًا للولايات المتحدة، حيث قال: “الصين ستأكل غدائنا؟ إنهم ليسوا أشخاصًا سيئين. إنهم ليسوا منافسين لنا. المجتمع الصيني منقسم للغاية، والحزب الشيوعي الصيني فاسد للغاية، بحيث لا يمكن أن يشكلوا تحديًا موثوقًا للولايات المتحدة. لا يعرفون حتى كيفية التعامل مع حقيقة أن لديهم هذا الانقسام الكبير بين الصين. لا يعرفون كيف سيتعاملون مع الفساد الموجود داخل النظام “.

لكن في الواقع، لم تمنع الانقسامات العرقية والفساد الصين من توسيع نفوذها الاقتصادي عبر القارات، فقد قدمت الدعم لنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، كما عملت على توسيع نفوذها الاقتصادي في أفريقيا.

ويأتي تصريح بايدن السابق ذكره مخالفًا لما قاله في صيف 2019، عندما كان يجادل بأن ترامب يتجاهل التهديد الصيني. ومن غير الواضح ما الذي دفع بايدن إلى تغيير رأيه، بخلاف الحسابات الانتخابية التي دفعته لإبداء سياسة ناعمة تجاه الصين في وقت يتعرض فيه الملايين من مسلمي الإيجور الصينيين للتطهير العرقي في معسكرات الاعتقال المنتشرة في شمال غرب الصين. تحول بايدن المفاجئ قبل الانتخابات، هو استمرار لسياسة واشنطن التقليدية بشأن الصين التي تقوم على مبدأي “العقوبات المستهدفة لانتهاكات حقوق الإنسان”، و”العمل متعدد الأطراف لوقف الممارسات التجارية غير المشروعة وغير العادلة في الصين”.

لكن فكرة صعود الصين تظل مصدر قلق ثانوي للمرشح الديمقراطي، مقارنه بـ “الخطر الروسي” الذي احتل مساحة كبيرة من حملته الانتخابية. فقد ميّز بايدن نفسه كواحد من أبرز المدافعين عن نهج أمريكي عدواني تجاه روسيا، منذ دعم إدارة باراك أوباما لتغيير النظام في أوكرانيا خلال ثورة 2014. ومن وجهة نظر بايدن، فإن بوتين في مهمة لتقسيم وتدمير الناتو والاتحاد الأوروبي لأنه لا يستطيع التنافس ضد الغرب الموحد. وهكذا، يستنتج أنه يجب على الولايات المتحدة أن تُحمل روسيا كلفة هذا التوجه، عبر فرض عقوبات عليها، ونشر قوات الناتو على مقربة من حدودها، والضغط من أجل انضمام دول الاتحاد السوفيتي السابق، على سبيل المثال جورجيا وأوكرانيا، إلى الناتو.

لكن من غير الواضح ما هي الأهداف الاستراتيجية الملموسة التي تسعى هذه السياسات إلى تحقيقها. فبعد ست سنوات من العقوبات المتصاعدة والإجراءات الدولية الهادفة إلى عزل موسكو جيوسياسيًا، فإنها لم تحدث أي تغييرات مهمة في سلوك الكرملين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن العقوبات المفروضة ضد روسيا صارمة وشاملة لدرجة أن الكرملين تخلى منذ فترة طويلة عن أي أمل في أن يتم رفعها، كما إنها أدت إلى تأجيج المشاعر المعادية للغرب وتعزيز اصطفاف الجماهير الروسية وراء حكومة بوتين.

اختتم التقرير بقول إن تصريحات بايدن بشأن السياسة الخارجية تتفق مع مسار حياته السياسية التي امتدت لأربعة عقود، والتي اتسمت منذ فترة طويلة بمحاولات كسب مزايا سياسية قصيرة الأجل من خلال إعادة كتابة تاريخ سياسته. فعلى سبيل المثال، منذ بداية الحملات الانتخابية، صور بايدن نفسه على أنه معارض لحرب العراق، إذ قال في مناظرة رئاسية ديمقراطية عام 2019 إنه عارض الغزو الأمريكي للعراق. لكن هذا ليس حقيقي، فقد أيد مرارًا غزو العراق من عام 2003 حتى عام 2004، حتى أنه وبخ بعض الديمقراطيين الذين لم يؤيدوا بشكل كافي الغزو.

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى