الانتخابات الأمريكية

ما بين واقعية “ترامب” ومثالية ” بايدن”… إفريقيا في ميزان السياسة الخارجية الأمريكية

برزت إفريقيا في أجندة الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، بطريقة تثير الاهتمام؛ ليس فقط لاستشراف مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية، وإنما أيضًا لمحاولة التقاط الخيوط التي ربطت إفريقيا بهذا الماراثون الانتخابي، ومعرفة ماهية المحددات الرئيسية، التي دفعت بها في مقدمة القضايا الانتخابية، رغم حقيقة الأهمية الإفريقية للسياسة الأمريكية؛ سواء اتضحت بصورة جلية في الأجندة الانتخابية أم لا.

وعلى ضوء ذلك، تتضح الحاجة لاستبيان مستقبل السياسية الأمريكية إزاء القارة، في ضوء مستقبل الانتخابات الأمريكية الحالية؛ وما إذا كان وصول المرشح الديمقراطي ” جو بايدين” سيسهم في إعادة صياغة استراتيجية متوازنة نسبيًا، عن تلك التي انتهجها ترامب خلال فترته الأولى، وماذا عن إعادة تأكيد الثقة مرة أخرى للرئيس الحالي “دونالد ترامب”.

أولًا- موقع إفريقيا في سياسة ترامب الحالية 

شهدت العلاقات الأمريكية الإفريقية مؤشرات عديدة للتحول، كجزء من التحول الذي شهدته السياسة الخارجية الأمريكية في ظل إدارة ترامب، التي ركزت على إعادة صياغة دور القيادة الأمريكية حول العالم. ولعل أبرز ما عكس التصور الأمريكي إزاء إفريقيا كانت استراتيجية إدارة ترامب لإفريقيا الجديدة، التي كشف عنها مستشار الأمن القومي السابق ” جون بولتون” في ديسمبر 2018. والتي جاءت مدفوعة بمصالح الولايات المتحدة، وإعادة صياغة دور القيادة الأمريكية حول العالم. وعليه، ارتكزت السياسة الجديدة تجاه إفريقيا على تعزيز الأولويات والمصالح الأمريكية، والتي عبرت عنها الوثيقة في ثلاثة محاور:

 تعزيز العلاقات التجارية مع الدول الإفريقية لصالح كل من الطرفين، انطلاقًا من تعزيز مبدأ المعاملة بالمثل، والقضاء على مظاهر التبعية التي أوجدها المنافسون، ترتكز الاستراتيجية على تعزيز قدرات الشركاء الاقتصاديين الأفارقة في الاعتماد على أنفسهم. 

وجاءت هذه الاستراتيجية مدفوعة بالأساس بالتنافس مع الصين، التي اعتبرات نشاطها في القارة هو تحول في ميزان القوة لصالحها. وبالمثل، الدور الروسي، الذي يمثل بجانب الصين تهديدًا لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة. وعليه، فإنها الاستراتيجية استهدفت مواجهة المنافسين في القارة. لذا أطلقت الاستراتيجية مبادرة ” الازدهار الإفريقي”، لدعم الاستثمار الأمريكي عبر القارة، على أساس الاحترام المتبادل، والمعاملة بالمثل، في إطار شراكات ثنائية ومتعددة الأطراف، مع الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، بما يدعم توفير الوظائف الأمريكية وتوسيع وصول الصادرات الأمريكية إلى الأسواق، مع تعزيز النمو المستدام في البلدان الإفريقية.

مكافحة الإرهاب والتطرف الراديكالي العنيف

ركزت الاستراتيجية على تنامي انتشار الإرهاب والتطرف، مع إعادة انتشار داعش في القارة، وانعكاس ذلك على المصالح الحيوية الأمريكية. لذا، جددت التزام الولايات المتحدة بمساعدة البلدان الإفريقية على مواجهة مظاهر العنف والتطرف، ومعالجة جذوره، والمتعلقة بشكل رئيسي في تراجع التنمية بما يهيئ بيئة مواتية لانتشار الإرهاب.

فمع استمرار الإرهاب في مالي، ليبيا، دون أن تسهم المساعدات التنموية أو اللوجستية في تحقيق المستهدف منها، ودون أن تحقق عمليات حفظ السلام أهدافها بفاعلية، اتجهت الاستراتيجية إلى ضرورة إعادة صيغ الجهود، واتخاذ خطوات إضافية لمساعدة الحكومات في إعادة بناء القدرات والمؤسسات الأمنية وإنفاذ القانون، بما يسمح بتولي دول المنطقة زمام الأمر في قيادة جهود المكافحة، دون الحاجة لانتظار الدعم الخارجي. هذا بجانب، أهمية إعادة صياغة جهود ودور قوات حفظ السلام، بما يضمن فاعليتها وتحقيق نتائج إيجابية على الأرض. علاوة على المساعدات الأمنية الثنائية، التي توجيهها للشركاء الإقليميين الذين يخدمون مصالح الولايات المتحدة.

إعادة صياغة المساعدات التنموية والإنسانية

إعادة تخصيص المساعدات الإنسانية وتوجيهها بما يخدم الأهداف الاستراتيجية والمصالح الأمريكية، والتراجع عن دعم بعثات حفظ السلام الغير ناجحة، ومساعدة الدول الإفريقية في الاعتماد على النفس. فبحسب الاستراتيجية، قدمت وزارة الخارجية الأمريكية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ما يقرب من 8.7 مليار دولار في مجالات التنمية والمساعدات الإنسانية، في العام 2017، دون أن  يحقق ذلك الأهداف المرجوة منها، أو ينعكس على تحسن الأوضاع في الدول المقدمة إليها تلك المساعدات، فعلى سبيل المثال، لم تنعكس المساعدات المقدمة لجنوب السودان في تحسن الأوضاع في البلاد، لذا تمثل الهدف الأبرز في ضمان فاعلية استخدام المساعدات.

وترجمة لتلك الوثيقة الاستراتيجية، جاءت السياسية الأمريكية خلال الفترة السابقة، لتعكس المزيد من البراجماتية في صياغة علاقتها. فبالفعل، جاءت تحركات الولايات المتحدة في اتجاه تحقيق مصالحها الاستراتيجية، دون أن ينعكس ذلك على مصلحة الشركاء الأفارقة بشكل رئيسي. فعلى سبيل المثال، جاء انفتاحها على الإدارة الانتقالية السودانية، مشروطًا بغية التطبيع مع إسرائيل، أو الحصول على تعويضات من اقتصاد منهك. كما جاءت رعاية ” إدارة ترامب” لمفاوضات سد النهضة ضبابية وغير حاسمة. هذا فضلًا عن إعادة النظر في دعمها العسكري لمجموعة الساحل وقوات حفظ السلام بالصومال. وغيرها الكثير من الأمثلة، التي عكست الكثير من البراجماتية ” بعقلية رجل الأعمال” على حساب الدور القيادي الأمريكي، الغير مشروط، في تقديم الدعم للدول التي بحاجة لمزيد من الأدوار التدخلية الغير مشروطة للحلفاء.

فآخر ما عبرت عنه وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، تصريحها بضرورة دعم الولايات المتحدة للانتخابات المقبلة في إفريقيا، لضمان انتخابات حرة ونزيهة وشاملة، لكون إجراء الانتخابات في غاية الأهمية ليس للأفارقة فقط ولكن أيضًا للمدافعين عن الديمقراطية حول العالم.

ثانيًا: – أين إفريقيا من السباق الانتخابي الحالية 

 برزت إفريقيا في البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي، الذي ركّز على إعادة تنشيط الشراكة مع إفريقيا، لما تتمتع به من اقتصاديات واعدة، وعدد سكان سيصل لأكثر من ملياري نسمة، بحلول منتصف القرن الحالي. وعليه، يجب على الدبلوماسية الأمريكية أن تعلب دورًا حاسمًا في المساعدة على مواجهة التغير المناخي والأمراض والأوبئة، وسوء الإدارة والغذاء والماء وانعدام الأمن الصحي. ويأتي هذا في ضوء إهمال إدارة ترامب لإفريقيا وشعوبها وتعاملها بإهمال واحتقار، بحد ما وصفه البرنامج الديمقراطي.

لذا، يرمي الديمقراطيون إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام والأمن والنمو الاقتصادي، والطاقة النظيفة والزراعة المستدامة وحماية البيئة. هذا، بالإضافة إلى تعزيز التحولات السياسية الهشة في السودان وإثيوبيا والشركاء الرئيسيين، ومساعدة البلدن في وسط إفريقيا والساحل والقرن الإفريقي، لمواجهة الإرهاب والتطرف والأسباب الجذرية لإنعدام الأمن. أضف إلى ذلك، دعم اتفاقية التجارة الحرة القارية وتعزيز الشراكة الاقتصادية متعددة الأوجه؛ الثنائية والإقليمية، هذا فضلًا عن مشاركة القارة في التعافي من آثار جائحة كورونا وتعزيز مرونة النظم الصحية. علاوة على ماسبق، يركز البرنامج على ” الأفرو أمريكان” الذين وعدهم بمكافحة العنصرية ضدهم في الولايات المتحدة، هذا فضلًا عن الالتزام برفع الأصوات الإفريقية في المنتديات متعددة الأطراف لحل.

وفيما يتصل بالحملات الانتخابية، جاءت إفريقيا ضمن قضايا العلاقات الخارجية، التي برزت في المناظرة الرئاسية، إذ اتهم “بايدن” “ترامب” بأنه لم يفعل شيئًا للسود، ومارس ضدهم العنصرية، فيما هاجم ترامب بادين بأنه ساهم في تمرير قانون الجرائم 1994، الذي ساهم في سجن الكثير من السود.

وبالمثل، في مناظرة نواب الرئيس “مايك بنيس” و”كامالا هاريس”، في السابع من أكتوبر الجاري، التي أشارت إلى دور الولايات المتحدة في القيادة العالمية، وضرورة الوفاء بالوعود للأصدقاء. هذا إلى جانب استدعاء قضية ” جورج فلويد” إلى الحوار، التي طرحت باعتبارها قضية رمزية للدفاع عن قضايا السود، فيما دافع بنس عن كون أمريكا متهمة بالعنصرية وإهمال حقوق الأقليات، لكن الأمر يتصل بإنفاذ القانون، وأن الرئيس ترامب يعمل على حماية المواطنيين الأمريكيين من أصول إفريقية، وأنه مستمر للحفاظ على حقوق المواطنيين الأمريكيين.

وفي وقت سابق، من يوليو الماضي، أعلنت حملة بايدن، عن تنظيم حدثًا إليكترونيًا، لمناقشة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إفريقيا. 

ثالثًا: مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية 

يأتي الاهتمام الغير مسبوق بموقع إفريقيا من السباق الأمريكي، لدوافع جوهرية؛ لعل أهمها، ما شهدته السياسة الأمريكية تجاه القارة من تحولات استراتيجية، تقوم في الأساس على مبدأ المصلحة الأمريكية، لا القيم الأمريكية، وهو المبدأ الذي اكتست به كافة سياسات ترامب، التي أعادة صياغة السياسة الخاريجية الأمريكية بتصور ” رجل الأعمال”،  وهو أمر غير معهود على السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا بشكل خاص ، والسياسة الأمريكية بشكل عام. ولعل هذا السبب إضافة إلى جملة من السياسات الداخلية إزاء “الأفروأمريكان”، وغيرهم من الأفارقة، والتي تجلت في واقعة ” جورج فلويد”، وتصريحات سابقة لترامب ضد الأفارقة والمهاجرين، جعلت من إفريقيا سؤلًا مطروحًا على السطح في السباق الانتخابي الحالي.

وعزز من ذلك، كون المرشح الديمقراطي، لا يأتي بأجندة تأخذ مصالح الأفروأمريكان، والعلاقات الأمريكية الإفريقية في الحسبان فحسب، وإنما أيضًا، لكونه كان النائب للرئيس السابق من أصول إفريقية ” باراك أوباما”، واختياره أيضًا لنائبته في السباق الانتخابي الحالي ” كاملا هاريس”، نائبة من أصول إفريقيا، واستدعاء قضايا الأفارقة والعلاقة مع إفريقيا، كأحد موضوعات الانتقاد، التي ركّز عليها في منافسته لخصمه الانتخابي ” ترامب”. كل هذه العوامل مجتمعة، في سياق انتخابي شديد الاستقطاب، وفي ضوء دور أمريكي متراجع عالميًا، وفي ظل سياق إفريقي يشهد مزيد من التحول في علاقاته التقليدية الأمريكية، ومع تصاعد المنافسة الدولية والإقليمية في إفريقيا، تستدعي ضرورة محاولة استشراف مستقبل الدور الأمريكي في القارة الإفريقية. 

ولعل هذه الأسباب، هي ما دفعت بتنامي الاهتمام لترقب السباق الانتخابي، ومعرفة ما سيسفر عنه من نتائج. فإذا كان هناك اهتمام إفريقي بالانتخابات الإفريقية بشكل عام، فإن هذه الانتخابات تحظى باهتمام خاص. وذلك باعتبار أن الديمقراطيين هم أكثر تعاونًا مع إفريقيا بشكل عام، وهي الفرضية التي بحاجة لمزيد من التدقيق، فسياسات الديمقراطيين، المعنية بالدور القيادي الأمريكي، لا تقوم على تقديم دعمًا مطلقًا، وإنما مارست الإدارات الديمقراطية في السابق، سياسات مشروطة، متعلقة بمشروطيات الديمقراطية الإجرائية، دون أن ينعكس ذلك على تحسن العملية السياسية في الدول الإفريقية. وهو الأمر الذي جاء بسياسات متناقضة طيلة الوقت، كأن تقدم دعمًا لذات الدولة التي تفرض عليها عقوبات متعلقة بحقوق الإنسان. واتضح ذلك مؤخرًا، في مشروع القانون المقدم للكونجرس، من نائبة ديمقراطية، الذي يطالب بفرض عقوبات تتعلق بحقوق الإنسان، وفي الوقت ذاته، يطالب بتقديم الدعم للمجتمع المدني والأقليات وللدفع بالعملية السياسية.

فإذا كان “بايدن” يعد بمزيد من الدعم لقوات حفظ السلام ودعم جهود مكافحة الإرهاب، هذا فضلًا عن استمرار الدعم في جهود مكافحة تداعيات وباء كورونا، ومزيد من التعاون بخلاف الفرضيات المصاحبة لكورونا، التي توقعت مزيد من المحلية على حساب العالمية، فإن البلدان الإفريقية عليها أن تضع شروطها للتعاون والانفتاح في ضوء تعدد الشركاء الدوليين، وذلك في مواجهة المشروطية الأمريكية. والأمر نفسه بالنسبة لجهود مكافحة الإرهاب وانعدام الاستقرار، فإذ كانت شروط ترامب، هي تحقيق المزيد من الفاعلية، أو المردود الإيجابي على المصالح الأمريكية، فلا يتصور مزيد من الدور الأمريكي دون شروط أكثر تعقيدًا في حال وصول بايدين.

وإذا كان تقديم الدعم الأمريكي هو المأمول لإفريقيا، فإن إدارة ” أوباما” هي من تم اتهامها بعسكرة الساحل، والأمر نفسه فيما يتعلق باتهامات ترامب بالتراجع عن تقديم الدعم لقوات حفظ السلام وجهود مكافحة الإرهاب، الذي أوضحته استراتيجيته تجاه القارة، بضرورة اعتماد الدول الإفريقية على نفسها في بناء قدراتها، وأنه لن يكون هناك دعمًا دون مقابل، فهذه التحفظات كانت هدفًا إفريقيا، بضرورة بناء القدرات الذاتية، وإرساء مبدأ الحلول الإفريقية للمشكلات الإفريقية. لذا، لا يجب أن يكون الحذر ممن سيصيغ السياسة الأمريكية تجاه إفريقيا، ولكن ممن سيصيغ تصور إفريقيا لقدراتها ومستقبلها، وشروطها لمن سيتعاون معها.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى