
مستقبل الرعاية الصحية في مصر
يحظى قطاع الصحة في مصر باهتمام وعناية متزايدين؛ لكونه من المجالات الرئيسة للتنمية البشرية بشكل خاص وللمسار التنموي للبلاد بشكل عام، فضلًا عما يمثله الانتفاع بخدمات صحية متطورة من تكريس للمبادئ والحقوق الأساسية للإنسان على اختلاف انتماءاته الاجتماعية والجغرافية وغيرها. تتجسد هذه العناية من خلال ادراج جملة من الإصلاحات والبرامج والخطط الاستراتيجية مثل رؤية مصر 2030، والتي شملت الاصلاح في عدة محاور منها اصلاح المنظومة الصحية، وتضمنت الاستراتيجية في مجملها اجراءات تهدف بالأساس إلى دعم هذا القطاع؛ حتى يصبح قادرًا على الاطلاع بدوره في معاضدة المسيرة التنموية وتأمين حياة سليمة وصحية لكل المصريين.
محور الصحة في استراتيجية التنمية المستدامة – رؤية مصر 2030
تسعى وزارة الصحة المصرية، بتوجيهات من القيادة السياسية، إلى اعتماد عدد من الإجراءات الاصلاحية؛ لضمان تمتع كل المصريين بحياة صحية سليمة آمنة من خلال تطبيق نظام صحي متكامل يتميز بالإتاحة والجودة وعدم التمييز، وقادر على تحسين المؤشرات الصحية عن طريق تحقيق التغطية الصحية والوقائية الشاملة والتدخل المبكر لكل المواطنين بما يكفل الحماية المالية لغير القادرين، ويحقق رضا المواطنين والعاملين في قطاع الصحة لتحقيق الرخاء والرفاهية، والسعادة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولتكون مصر رائدة في مجال الخدمات والبحوث الصحية والوقائية عربيا وأفريقيا.
وفي الوضع الراهن تحمل منظومة الصحة على عاتقها ثلاث مهمات رئيسية متداخلة ومتقاطعة بشكل كبير؛ ويؤدي تقاطع هذه المهمات إلى تقليل سرعة تطوير القطاع الصحي إلى مستويات تليق بتطلعات القيادة السياسية المصرية والمواطنين وهذه المهمات هي: التنظيم والتشريع، تقديم الخدمة الصحية، التمويل. فتطوير القطاع الصحي بما يتواكب مع رؤية 2030، يتوجب معه فصل المهمات الثلاث؛ بحيث تتفرغ الوزارة لتنظيم القطاع والإشراف عليه دون تشتيت جهودها في المهمات الأخرى.
هناك ثلاث أهداف استراتيجية لمحور الصحة داخل هذه الاستراتيجية، وتتمثل في الآتي:
- النهوض بصحة المواطنين في إطار من العدالة والإنصاف، والاهتمام بكل ما يؤثر في صحة المصريين من محددات اجتماعية، بنية تحتية، وعي عام، وتحفيز نمط الحياة الصحي.
- تحقيق التغطية الصحية الشاملة لجميع المصريين، مع ضمان جودة الخدمات المقدمة الاهتمام بتوفير خدمات علاجية ووقائية عالية الجودة ومتاحة لجميع المصريين القادرين وغير القادرين.
- حوكمة قطاع الصحة؛ من خلال إتاحة البيانات الدقيقة التي تؤدي إلى اتخاذ قرارات سليمة في الوقت المناسب مع تحسين كفاءة إدارة موارد القطاع في إطار من الشفافية والمساءلة.
ضرورة متابعة مؤشرات الأداء
يستلزم متابعة تحقيق الأهداف الاعتماد على مؤشرات قياس الأداء، والتي تعكس المائة مؤشر لمنظمة الصحة العالمية على سبيل المثال لا الحصر:
- خفض معدلات وفيات حديثي الولاده والرضع والأطفال أقل من 5 سنوات بنسبة 50٪.
- خفض معدل وفيات الأمهات بنسبة 60٪.
- وصول عادل إلى كافة المواطنين إلى 80 ٪من التدخلات الصحية اللازمة لهم.
- الوصول بالإنفاق الحكومي على الصحة إلى 5 ٪من إجمالي الناتج المحلي.
- ضمان التغطية بنسبة 100 ٪ لجميع التطعيمات وتوسيع نطاق جدول التطعيمات القومي.
كما تم تحديد مؤشرات كمية مستهدفة لعام 2030، مثل نسبة الإنفاق على الصحة للناتج، ونسبة المواطنين المؤمن عليهم من التأمين الصحي، ومؤشر فقر الدم بين الأطفال أقل من خمس سنوات، والوفيات الناتجة عن الأمراض غير السارية مثل الضغط والسكر بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 30-70 عام.
علاوة على ذلك، تم انشاء بطاقة تعريف لكل مؤشر من المؤشرات الموجودة في الاستراتيجية، لتحديد تعريف المؤشر، ودورية قياسه، وآلية القياس، ووحدة القياس، والجهة المسؤولة عن اجراء عملية القياس والمستهدف. كذلك تم تحديد أهم التحديات، وتقسيمها من حيث التأثير وسهولة أو صعوبة التحكم فيها، وذلك لسهولة وضع الأولويات، وعلى سبيل المثال، هناك تحديات يمكن التحكم فيها بما يترتب عليه تأثيرًا إيجابيًا واضحًا مثل التشريعات، وتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل بطريقة مرحلية.
منظومة التأمين الصحي الشامل
يوجد ستة مراحل لتطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بكافة محافظات جمهورية مصر العربية، بحيث تكون المحطة الاخيرة لتطبيق النظام في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، حيث كانت البداية في المرحلة الأولى في محافظة بورسعيد كتشغيل تجريبي في يوليو 2019، كما تشمل محافظات المرحلة الأولى “الأقصر والإسماعيلية وجنوب سيناء والسويس وأسوان” وسيتم التشغيل التجريبي قريبًا من محافظتي الأقصر والإسماعيلية.
تُغير منظومة التأمين الصحي الشامل شكل تقديم الخدمة الصحية، بحيث تتحول من الذهاب مباشرة للمستشفى إلى وضع آلية للإحالة لمستويات الخدمة الثلاثة. وبالتالي كان هناك تحدي كبير لرفع وعي المواطن بطريقة تقديم الخدمة الجديدة وتقديم كل التسهيلات اللازمة لتسهيل الإحالة من خلال منظومة التحول الرقمي، وهو ما تطلب عمل حملات توعية بطرق تقديم الخدمة داخل المنظومة. كما يتم تدريب القوى البشرية، ونقل خبرات القائمين على تقديم خدمات المنظومة بمحافظة بورسعيد والذين تم تدريبهم على أعلى مستوى داخل وخارج مصر، إلى القائمين على المنظومة بباقي محافظات المرحلة الاولي.
وتعد منظومة التأمين الشامل، منظومة تكافلية تضم كل المصريين، أي أن كل المواطنين مؤمن عليهم ويغطي التأمين الصحي الشامل الأسرة بالكامل وليس كل شخص منفرد، كل أسرة لها ملف عائلي طبيب أسرة، على معرفة بتاريخ الأسرة الصحي وتتكفل الدولة باشتراكات ومساهمات لغير القادرين، كما أن النظام يقلل المصاريف الصحية بشكل عام، ويتم تسعير الخدمات الطبية بشكل عادل. ومن المقرر أن ننتهي مراحل تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بكافة محافظات الجمهورية عام 2032.
خلاصة القول، هذه الحقائق وغيرها تدفعنا جميع للتفاؤل بأن رؤية مصر 2030 ستسهم في إحداث تغيير حقيقي في القطاع الصحي ومعالجته بشكل كبير. ولكن التفاؤل برؤية مصر 2030، لا يعني أننا نعتبر أن الوصول لغاياتها سهل المنال لتحقيقها ولكن الاستراتيجية تخبرنا بأننا نسير على الطريق الصحيح كما أنها تتفق كثيرا مع التوجهات الحكومية الجديدة والمبنية على أحدث الدراسات العلمية.
هذا التوجه قد يواجه تحديات كثيرة وكبيرة لأن السعي في التغيير والإصلاح لا بد أن يقاوم ويواجه تحديات عديدة، وإنما يبقى المهم في هذه المرحلة هو كيفية مواجهة هذه التحديات والتعامل معها بما تقتضي كل مرحلة؛ وهذه الحقيقة تبرز أهمية وجود كفاءات بشرية قادرة ليس فقط على التكيف مع الرؤية الجديدة ولكن على العمل وفقها والسعي نحو تحقيقها.
وفيما يتعلق بمستقبل نظم الرعاية الصحية ما بعد جائحة “كورونا”، فبالتأكيد سيتم إعادة ترتيب خريطة الرعاية الصحية المصرية، بما يعطي الأولوية لعناصر لم تكن موضع اهتمام من قبل، حيث من المتوقع أن يزداد الاهتمام بطب الوبائيات، وحماية العاملين بالخدمات الطبية، والاعتماد على التقنيات المتقدمة والرعاية الصحية عن بعد، وذلك بهدف ضمان الاستعداد للتعامل مع أي أمراض محتملة.