تركيا

التأثير العالمي.. تركيا وبناء المجتمعات “الموازية” داخل الدول الأوروبية

عرض- محمد حسن

أشارت مؤسسة (Gefira) الأوروبية المعنية بالتحليل الاستراتيجي، لطبيعة انخراط تركيا في أوروبا عن طريق أداة المنظمات الدينية، وزيادة رقعة النفوذ التركي على مسلمي أوروبا ما يمثل تهديدًا كبيرًا للأمن الأوروبي. 

وتقول المؤسسة، أنه بينما يزيد الأتراك ببطيء من موطئ قدمهم في أوروبا، ينظر التكتل الأوروبي في اتجاه آخر. حيث يٌفضل الاتحاد الأوروبي السخرية من فلاديمير بوتين بدلًا من مواجهة رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وفي الوقت نفسه، تستخدم الدولة التركية وخاصة عبر وزارة الشؤون الدينية التركية الشتات التركي في أوروبا لاكتساب وتعزيز النفوذ السياسي في القارة الأوروبية.

كما تجدر الإشارة لانعدام وجود فصل بين الدولة والدين في تركيا الآن. فعلى سبيل المثال، قالت مؤسسة (Gefira) أن منظمة “ديانت” التي تعمل تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية التركية لديها حوالي “2000 بؤرة استيطانية في أوروبا”. حيث حدد فريق المؤسسة أن حوالي 1300 من هذه البؤر الاستيطانية في أوروبا تأتي في شكل “مساجد” تابعة لتركيا ووزارتها للشؤون الدينية. وينوه الفريق البحثي للمؤسسة الأوروبية أنه لا توجد منظمة سياسية أو دينية أخرى في أوروبا مع قادة من خارجها، لديها مثل هذه الشبكة الواسعة الانتشار عبر الاتحاد الأوروبي، وأيديولوجيتها الغريبة على الأوروبيين مثلما تملك تركيا الآن. 

ويشير تقرير المؤسسة الأوروبية، للدور المحوري لمديرية الشؤون الدينية في المشروع التوسعي التركي، إذ تأسست مديرية الشؤون الدينية “ديانت” عام 1924 لضمان السيطرة على الطوائف الدينية في تركيا. حيث أنشأ الكماليون ديانت كبديل لمؤسسة “شيخ الإسلام”، التي كانت أهم منظمة روحية داخل الإمبراطورية العثمانية.

منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، تمت استعادة دور الدين في السياسة الداخلية والخارجية التركية، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعتبر الأتراك ورثة عثمان غازي مؤسس الإمبراطورية العثمانية. وبالنظر لمؤسسة “ديانت” بشكلها ومهامها الحالية نجد أنها المنظمة الدينية الوحيدة التي تولت دور” شيخ الإسلام”.  ويحذر التقرير أنه يجب على الاستراتيجيين السياسيين الغربيين ألا يقللوا من أهمية قوة الإسلام والقومية بالاقتران مع الطموحات العثمانية الجديدة.

 فمثلًا، غرد رئيس مديرية الشؤون الدينية الدكتور علي أرباش، في 6 أبريل الماضي: “الهدف الأساسي من وجودنا هو السيطرة على العالم”.

ويتطرق التقرير لمجموعة من السياقات التاريخية التي تفسر إلى حد ما العداء والتصادم التركي مع التكتل الأوروبي وقيمه السياسية والاجتماعية. حيث أفاد أن الأعمال العدائية بين الأتراك والأوروبيين تعود إلى الحملة الصليبية الأولى عندما وصل السلاجقة الأتراك إلى الإمبراطورية الرومانية الشرقية المسيحية القديمة، بيزنطة. منذ ذلك الحين كانت هناك حروب مستمرة بين الأوروبيين والأتراك العثمانيين. 

غزا العثمانيون البلقان ووصلوا إلى فيينا. في نهاية الحرب العالمية الأولى، دُمرت إمبراطوريتهم تقريبًا من قبل القوى العظمى، وكان على السلطان أن يتنازل عن العرش. تولى مصطفى كمال أتاتورك السلطة وبدأ في تحديث البلاد، والتخلص من النفوذ العربي وكل ما يربطه بالمنطقة العربية. 

يبدو أن ألف عام من الكراهية والاختلاف الثقافي بين الأوروبيين والأتراك. جعلت من الصعب تحول تركيا للثقافة الغربية والديمقراطية وحقوق الإنسان وقبول قيم الاتحاد الأوروبي وقبول الرأسمالية الجديدة التي تديرها وول ستريت وزواج المثليين. رغم أن هذا هو ما آمن به الموظفون المدنيون الأوروبيون في بادئ الأمر مع مثول تركيا كمرشح رئيسي للانضمام للاتحاد الأوروبي.

وسافر العديد من الأكاديميين الغربيين غير المطلعين إلى اسطنبول لتصوير المدينة على أنها الجسر بين أوروبا الحديثة والعالم الإسلامي. هذا بالتوازي مع مواصلة التلفزيون الألماني الحكومي؛ إخبار مشاهديه كيف انتقل الفلاحون من شرق الأناضول إلى اسطنبول وتحولوا إلى مواطنين علمانيين ذوي توجهات غربية.

الحقيقة هي أن هذه الحركة الجماهيرية للمسلمين الأتراك من الريف إلى اسطنبول حولت اسطنبول إلى منصة انطلاق لحزب أردوغان الإسلامي القومي. يريد حزب العدالة والتنمية إعادة تأسيس تركيا كدولة إسلامية عثمانية. وللمفارقة لم تقتصر الإمبراطورية العثمانية على الأناضول فقط، فعندما وصل السلاجقة الأتراك أسلاف العثمانيين، من آسيا الوسطى إلى اعتاب الإمبراطورية البيزنطية، استغلوا حقيقة أن المجتمعات والقبائل في آسيا الصغرى تفتقر إلى التماسك والدين الموحد فعملوا على توحيد صفوفهم أمام هدف مشتت. يشبه هذا الوضع أوروبا الحالية.

“ديانت”، مديرية الشؤون الدينية التركية، هي في الوقت الحاضر قوة سياسية ودينية لا تجذب الأتراك المسلمين والقوميين فحسب، بل تجذب أيضًا المسلمين الآخرين الذين يعيشون في أوروبا. كما يفضل العديد من المسلمين في أوروبا الأتراك حكامًا لهم على الغربيين الأصليين. يحاول العثمانيون في أنقرة توحيد جميع المهاجرين المسلمين في أوروبا تحت الراية التركية، ويحظون بدعم واسع من القوميين في ذلك.

فهناك توتر مستمر بين الجالية المسلمة في أوروبا والأوروبيين الأصليين. لا تستطيع الحكومات الأوروبية تحمل مواجهة عسكرية مباشرة مع المسلمين في القارة الأوروبية سواء كانت بين صربيا وألبانيا أو اليونان وتركيا، سيكون لها تداعيات على الجاليات الإسلامية في ضواحي برلين وباريس وأمستردام. سوف يقف السكان المسلمون إلى جانب إخوانهم المسلمين دون قيد أو شرط سواء كانوا مغاربة أتراك أو جزائريين.

في مثل هذا الصراع، فإن أي معاناة إسلامية ستثير الاحتجاجات وأعمال الشغب في مدن أوروبا الغربية. هذا الانقسام بين السكان الأوروبيين سيمنع القيادة الأوروبية من الوقوف إلى جانب حليفتي الاتحاد الأوروبي اليونان وقبرص، وسيجبرها على الامتناع عن تقديم الدعم لأي طرف في الصراع الحالي بين اليونان وقبرص وتركيا.

ويعتقد الفريق البحثي لمؤسسة (Gefire) أن ديانت (ومن خلالها أنقرة) ستصبح الوسيط الوحيد بين الجاليات الإسلامية الأوروبية والسلطات الغربية. تتطور ديانت لتصبح منظمة اجتماعية دينية داخل المجتمعات المحلية في أوروبا. بدون المساعدة من ديانت أو غيرها من المنظمات الدينية الأجنبية، لن تتمكن السلطات الأوروبية من فرض القانون والنظام في الضواحي الإسلامية في باريس وتولوز أو المدن الكبيرة والصغيرة في ألمانيا وهولندا في المستقبل القريب. إن إثبات ديانت نفسها كممثل اجتماعي للعديد من المجتمعات المحلية في أوروبا، سيمكن للسلطات الإقليمية والوطنية فقط الحفاظ على السيطرة على الأحياء من خلال مديرية الشؤون الدينية في أنقرة.

ويشير تقرير المؤسسة الأوروبية أنه وفقًا لأسوأ تقدير، في غضون 10 إلى 20 عامًا سيكون سكان المدن الأوروبية من غير الأوروبيين الأصليين. بينما سيكون سكان الريف الأوروبي من البيض. إن عدم وجود هوية وطنية من جهة في أوروبا وظهور حركات الإسلام السياسي من جهة أخرى يعطي الأتراك إمكانية الوصول إلى السلطة في القارة الأوروبية.

بالنسبة لمعظم الغربيين، فإن فكرة أن هانوفر أو روتردام ستصبح أرضًا تركية تبدو رائعة كما هو الحال بالنسبة لمعظم الصينيين في عام 1840، فكرة أن هونغ كونغ ستصبح جيبًا بريطانيًا. قد يقوم سكان روتردام أو هانوفر أو مرسيليا في يوم من الأيام بإجراء استفتاء يسلم سلطة هذه المدن من برلين أو لاهاي أو باريس إلى أنقرة. مثل الانفصاليين في شبه جزيرة القرم الذين حصلوا على دعم موسكو، ستجد مثل هذه الحركات الانفصالية الدعم الكامل من حكام الإمبراطورية العثمانية الحديثة. بينما يبدو مثل هذا السيناريو على بعد أميال، يدرك أولئك الذين يفهمون التاريخ والجغرافيا السياسية والديموغرافيا أنه يمكن أن يحدث في غضون عقدين أو ثلاثة عقود.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى