
الصناعات العسكرية التركية (متعددة الجنسيات) … ما بين “البروباجندا” والواقع
تزايدت في الآونة الأخيرة، حملات الترويج التركية لأسلحتها (محلية الصنع)، على ضوء مجريات العمليات العسكرية الأخيرة في إقليم (ناجورنو قره باغ)، وقبله في تركيا وسوريا والعراق. وعلى الرغم من أن أداء السلاح التركي بشكل عام، وبشكل خاص الدرونز القتالية (بيرقدار)، في المعارك ضد القوات الأرمينية، كان متفوقًا ومؤثرًا، إلا أن هذه العمليات كشفت أيضًا عن جانب خفي من جوانب هذه الدرونز، إلا وهو حقيقة أن أجزاء رئيسية من مكوناتها الداخلية الإلكترونية والميكانيكية، هي ذات منشأ غربي وليست تركية الصنع، وهو ما يضرب في الصميم، كل ما روجت له تركيا خلال الأشهر السابقة، حول صناعاتها العسكرية المحلية.
فقد أعلنت خلال الأيام الماضية شركتا (روتاكس) النمساوية و(هاريس) الكندية عن إيقاف إرسالهما لقطع الغيار الخاصة ببعض أجزاء درونز (بيرقدار)، بعد أن تم تأكيد انخراط هذه الدرونز في المعارك ضد القوات الأرمينية في إقليم ناجورنو قره باغ، والتي شهدت إسقاط نحو 11 درون من هذا النوع، معظمها تم إسقاطه من جانب الدفاعات الجوية الروسية.
الدرون محلي الصنع (متعدد الجنسيات)
هذا الإعلان من جانب كلا الشركتين ألقى الضوء أكثر على المكونات غربية المنشأ في تجهيزات هذه الدرون القتالية، والتي اتضح أنها مكونات رئيسية ولا غنى عنها، وبدونها لن تستطيع شركة (بيرقدار) أن تنتج المزيد من هذه الدرونز.
قبل شرح هذه المكونات، لابد من العودة للوراء قليلًا، وتحديدًا إلى أكتوبر 2019، حين أعلنت كل من السويد وألمانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا وبريطانيا وفنلندا وكندا والنرويج والولايات المتحدة، إيقافها عمليات تصدير الأسلحة والذخائر إلى تركيا، على خلفية تنفيذ الجيش التركي لعملية (نبع السلام) العسكرية ضد الوحدات الكردية في الشمال السوري.
اتخاذ هذا القرار كان (شكليًا) من جانب بعض الدول وعلى رأسها ألمانيا وبريطانيا وكندا، فقد وافقت الأخيرة في يونيو الماضي، على تصدير معدات ومكونات (لم يتم تحديدها حينها)، خاصة بالدرونز القتالية إلى تركيا، بعد اتصال هاتفي أجراه الرئيس التركي خصيصًا لهذا الغرض مع رئيس الوزراء الكندي، رغم أن أوتاوا كانت قد مددت التزامها بحظر تصدير الأسلحة إلى تركيا في أبريل الماضي.
درونز بيرقدار … المتعددة الجنسيات
إسقاط الدرونز التركية في إقليم ناجورنو قره باغ، وكذا تسليط السلطات الأرمينية الضوء على المكونات الكندية في هذه الدرونز، أجبر كندا على إيقاف تصدير هذه المكونات إلى تركيا. فقد اتضح أن شركة (هاريس) الكندية التي يقع مقرها الرئيسي في مدينة أونتاريو، كانت تزود الشركة المصنعة لدرونز (بيرقدار)، منذ عام 2017، بحاضن المراقبة والتهديف (ويسكام)، الذي يحتوي على حزمة للتصوير والتتبع، بجانب محدد ليزري للمسافات، وجهاز لإضاءة الأهداف من أجل تحديد الأهداف للصواريخ الموجهة بالليزر. الحطام الذي تم العثور عليه بعد إسقاط إحدى الدرونز التركية في قره باغ أشار بوضوح إلى أن الحاضن الكندي المثبت على هذه الدرون تم إنتاجه في يونيو الماضي، وتم تثبيته على متن الدرون التركية في شهر سبتمبر، وكان مجموع الساعات التي تم تشغيله فيها قبل إسقاطها هو 31 ساعة.
لم يكن هذا الحاضن هو المكون الكندي الوحيد على متن درونز (بيرقدار)، حيث كشفت السلطات الأرمينية أن محرك الدرون هو (روتاكس 912)، الذي تنتجه شركة (روتاكس) النمساوية إحدى شركات مجموعة (بومباردير) الكندية للصناعات الجوية. وقد أوقفت المجموعة بدورها تصدير هذا النوع من المحركات إلى تركيا، بعد أن تم تأكيد استخدام الدرونز التركية في استهداف العديد من المناطق في إقليم ناجورنو قره باغ.
تحتوي درون (بيرقدار) على مكونات خارجية أخرى، أمريكية وبريطانية المنشأ، مثل منظومة الاتصالات اللاسلكية (جي إن 255)، التي تنتجها شركة (جارمين) البريطانية، وجيروسكوب الألياف الضوئية المختص بتحديد السرعة والارتفاع وزاوية التحليق (إل ان – 200) الذي تنتجه شركة (نورثوب جرومان) الأمريكية، ووصلة البيانات (إيه إم تي – إنتر لينكس 3)، التي تقوم بنقل بث حاضن الاستطلاع الخاص بالدرون بيرقدار إلى المحطة الأرضية، وتنتجها شركة (فيا سات) الأمريكية، وتجهيزات إلكترونية وهيدروليكية، تنتجها شركة (أند أير) البريطانية. يضاف إلى كل ما سبق، تجهيزات الهبوط الخاصة بدرونز بيرقدار، التي تصنعها شركة (بيرنجر – أيرو) الأمريكية.
المحركات … معضلة تواجه الصناعات العسكرية المحلية في تركيا
لم تكن محركات درون بيرقدار هي المعضلة الميكانيكية الوحيدة أمام الصناعات العسكرية التركية، فقد تكررت هذه المشكلة في عدة مشاريع أخرى للتصنيع العسكري المحلي، بشكل ضرب في الصميم الصورة التي كانت تروج لها تركيا حول مناعة صناعتها العسكرية المحلية، وقدرتها على الإنتاج غير المحدود للأنظمة القتالية كل عام.
من هذه الأمثلة، محركات المروحيات القتالية التركية (تي – 129 أتاك)، حيث منعت الولايات المتحدة ترخيص تصدير محركات (CTS-800A) الخاصة بهذه المروحيات إلى تركيا، كما فشلت أنقرة في الاتفاق مع شركة (إيفشينكو) الأوكرانية، للتزود بمحركات غازية مزودة بدافع توربيني، تحل محل المحركات الأمريكية، وهذا أدى إلى إيقاف عقدي تصدير أبرمتهما تركيا مع كل من باكستان والفلبين، لتزويدهما بهذا النوع من المروحيات القتالية، بقيمة تتجاوز مليار دولار (بالنسبة للصفقة مع باكستان).
جدير بالذكر هنا، أن برنامج تصنيع هذه المروحية، الذي بدأ أواخر عام 2009، مبني بشكل رئيس على تصاميم المروحية القتالية الإيطالية (إيه-129 منغوستا). لم يعد أمام أنقرة سوى التوجه نحو الصين من أجل توفير هذه المحركات وإنقاذ العقود من الإلغاء، خاصة وأن المفاوضات بين كييف وأنقرة متعثرة أيضًا فيما يتعلق بشراء محركات (AI-450) الأوكرانية، لتركيبها على أحدث درون قتالية تركية، وهي الدرون الثقيلة (أكينسي)، ونفس هذا الوضع تعاني منه برامج أخرى، مثل برنامج تصنيع الدبابات محلية الصنع (ألطاي)، الذي تشارك فيه كوريا الجنوبية، ويفتقر إلى محركات الديزل الملائمة، ومشروع المقاتلة التركية محلية الصنع (تي أف أكس)، التي مازالت تركيا تبحث مع بريطانيا التي تشارك في هذا المشروع، في كيفية توفير محركات ملائمة لها.
محركات الصواريخ الجوالة تركية الصنع تعد من المشاكل الأساسية التي تواجه الشركات التركية العاملة في هذا المجال، وقد لجأت تركيا في هذا الصدد إلى أوكرانيا، حيث وقعت معا في يناير الماضي، صفقة بقيمة 600 مليون دولار، لشراء محركات (أيه أي – 35) التوربينية الأوكرانية، التي تنتجها شركة أيفشينكو)، من أجل تثبيتها على صواريخ الكروز التركية الجديدة من نوعي (جزكين) و(أطمجة)، بعد أن تعذر الحصول على المحركات الفرنسية التي كانت تعتزم أنقرة شرائها سابقًا.
برنامج صواريخ (أطمجة) المضادة للقطع البحرية، تستهدف تركيا من خلاله، إيجاد بديل محلي لصواريخ (هاربون) الأمريكية، وقد تم الاختبار الأول لهذا الصاروخ في نوفمبر 2019، ويمتلك رأسًا حربيًا زنته 250 كيلو جرام، ويصل مداه الأقصى إلى 220 كيلو متر، أما عن برنامج (جزكين) لصواريخ الكروز، فهو يعد من البرامج الأساسية للتصنيع العسكري التركي، ويستهدف تصنيع صواريخ مضادة للقطع البحرية، يتراوح مداها بين 1400 و2000 كيلو متر. كلا البرنامجين يعانيان من نقص المحركات المتوفرة، نتيجة لعدم تمكن تركيا على المستوى الداخلي من تصنيعها.
بعض الأنظمة القتالية التركية، خاصة الأنظمة ذاتية الحركة، تعتمد بشكل رئيس على شاحنات وعربات عسكرية غربية المنشأ، ومن أبرز أمثلة هذا الشاحنات العسكرية الألمانية الصنع، خاصة الشاحنات التي تنتجها مصانع شركة مرسيدس في تركيا، مثل شاحنات (أكتروس) و(أكسور)، بجانب الشاحنة الأكثر انتشارا في الجيش التركي (يونيموج)، ويتبنى حاليًا الجيش التركي الشاحنة الألمانية الثقيلة (MAN 26-372) كمنصة لتثبيت منظومات المدفعية الصاروخية المنتجة محليًا، مثل راجمات الصواريخ من عيار 122 مللم (T-122 Sakarga).
مصادر
- https://ahval.me/turkey-canada/canada-sell-military-drone-parts-turkey-despite-arms-embargo
- https://carnegieendowment.org/sada/82936
- https://www.l3harris.com/all-capabilities/wescam-mxtm-15d-airborne-targeting-and-designating
- https://www.cbc.ca/news/politics/turkey-armenia-azerbaijan-drones-bombardier-1.5775350
باحث أول بالمرصد المصري



