تعرف على جهود الدولة المصرية لدعم”ذوي الهمم” اجتماعيا وسياسيا
طرح إعلان وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، السبت 31 أكتوبر 2020، فتح باب الحجز لـ 125 ألف وحدة سكنية لذوي الهمم (أو ذوي الاحتياجات الخاصة) تساؤلا حول مدى تعاون الدولة المصرية مع أصحاب الهمم من أجل توجيه الخدمات لأصحاب الهمم الذين يمثلون 10% من المجتمع المصري، ويرصد التقرير الآتي أبرز الخدمات التي ساعدت بها الدولة أصحاب الهمم.
خريطة الهمم المصرية
بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء جاءت الإحصاءات لتوضح أن ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر يشكلون نحو 10.67% من إجمالي عدد السكان، في الوقت الذي تذكر الإحصاءات غير الرسمية التي تصدر عن منظمات المجتمع المدني في مصر أن عدد ذوي الهمم يصل إلى 14 مليون مصري.
ويزيد عدد ذوي الهمم بالحضر عن الريف، وتمثل نسبتهم في حضر الجمهورية 12.2% من العدد الإجمالي للسكان، مقابل 9.71% بالريف، وعلى مستوى المحافظات، تحتل محافظة المنيا، المركز الأول، من حيث ارتفاع أعداد الهمم بها من إجمالي عدد سكان المحافظة، إذ تبلغ نسبتهم 3.14 %.
تليها محافظة القاهرة بنسبة 3.05% من إجمالي سكان “العاصمة”، وفى المركز الثالث، جاءت محافظة أسيوط بـ 2.86%، ثم محافظة كفر الشيخ بنسبة 2.85 %، وبلغت نسبة ذوي الهمم في محافظة الإسكندرية 2.83% من إجمالي سكان المحافظة، وفي محافظة البحيرة 2.77%، أما في باقي محافظات مصر تتراوح النسبة بين (1.36% – 2.73%).
دستور 2014: نقطة الانطلاق بين الإدراك والاستدراك
صادقت مصر على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 2007، وتعاملت مصر منذ هذا التاريخ مع شريحة ذوي الهمم على المستوى الإنساني الذي يقضي بتعيينهم في وظائف الدولة بنسبة 5%.
ترقّى هذا المستوى الإنساني إلى مستوى حقوقي، وظهر ذلك في دستور 2014 الذي يعد نقطة الانطلاق التي بنت عليها مصر سياساتها تجاه هذه الشريحة.
ونص الدستور المصري 2014 في المادة (93) على أن ” تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة “.
وأكد الدستور المصري على كافة الحقوق والواجبات تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة وفقاً لما ورد ببعض مواد الدستور وهي المواد (53، 54،55، 80، 81، 180، 214، 244).
كما يعد القانون رقم عشرة لسنة 2018، قانون الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر، الفصل الأهم في تاريخ السياسات المصرية تجاه هذه الشريحة.
عرّف القانون رقم 10 لسنة 2018 “الشخص ذا الإعاقة”، في مادته الثانية بأنه: “كل شخص لديه قصور أو خلل كلي أو جزئي، سواء كان بدنياً، أو ذهنياً أو عقلياً، أو حسياً، إذا كان هذا الخلل أو القصور مستقراً، مما يمنعه لدى التعامل مع مختلف العوائق من المشاركة بصورة كاملة وفعالة مع المجتمع وعلى قدم المساواة مع الآخرين..”.
مستويات الدعم لذوي الهمم.. حزمة متكاملة؟
نشرت الحكومة المصرية في 2 ديسمبر 2014 (تزامنا مع اليوم العالمي لذوي الهمم) استراتيجية مصر في رعاية ذوي الهمم، من خلال مجموعة من التعريفات التي تمثل المؤشرات الواصفة لطبيعة السياسات المصرية في التعامل مع ذوي الهمم. يمكن عرض أبرزها فيما يلي:
- الوقاية:
التزمت وزارة الصحة بوضع وتحديث برامج الكشف المبكر لكل أنواع الخلل والاعاقة وتحديثها، كما تقدم خدمات التدخل المبكر، وتوفير العلاج والمكملات الغذائية لتجنب المضاعفات، تقديم برامج التأهيل النفسي.
- الحماية:
وفرت الدولة منظومة قانونية تحمي ذوي الهمم من التعرض للأذى المجتمعي. فإذا تعرض أمن ذي الهمة أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر، فيتعرض الجاني للحبس، تجريم حبس الشخص ذي الهمة أو عزله عن المجتمع بدون سند قانوني أو الامتناع عن تقديم الرعاية الطبية أو التأهيلية أو المجتمعية أو القانونية له، الاعتداء بالضرب أو بأي وسيلة أخرى على الأطفال والأشخاص ذوي الهمم في دور الإيداع والتأهيل والحضانات ومؤسسات التعليم، أو الاعتداء الجنسي عليهم أو إيذاؤهم أو تهديدهم أو استغلالهم.
- الاتاحة:
وتنظم وزارة التضامن عمل 4500 جمعية تعمل في خدمة الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم اقتصاديا من بينها مؤسسة “حلم”، و”مصر العطاء”، وخصصت القيادة المصرية صندوق استثماري خيري برأسمال مليار جنيه، يُخصص لشراء الأجهزة التعويضية والمستلزمات الخاصة بهم.
- الدمج الشامل:
تخطط مصر لإنشاء وحدات لدعم وخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة في الجامعات والمدارس لمزيد من الدمج.، بحيث يتم دمج ضعاف السمع في 8 جامعات مصرية، بالإضافة إلى توفير 650 مؤسسة ومركز تأهيل ومكتب خدمات ومركز علاج تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي والمكاتب موزعة على كافة أنحاء الجمهورية تستقبل طالبي التأهيل في جميع الأعمار من مختلف الفئات وإجراء الدراسات والفحوص الاجتماعية والنفسية والطبية والمهنية والتعليمية لهم، وذلك بواسطة أعضاء فريق التأهيل الذي يضمهم المكتب بالاستعانة بالموارد المتاحة في المجتمع كالمستشفيات والمدارس والورش والمصانع لتوفير الخدمات المختلفة لهم.
- التأهيل:
تنفذ وزارة التضامن الاجتماعي مجموعة من الأنشطة والخدمات والبرامج الاجتماعية، تقوم بالأساس على تقديم خدمات تشغيلية لذوي الهمم وأسرهم في مجتمعاتهم المحلية وفي أماكن سكنهم، وتوفر الوزارة مؤسسات رعاية وتأهيل متعدد لهم للقيام بتدريبهم على مهن مناسبة، من خلال إلحاق الأشخاص ذوي الهمم بمراكز التأهيل الشاملة أو مراكز تدريب قريبة من مسكنهم وتقوم هذه المؤسسات على رعاية وتأهيل الحالة التي بها أكثر من إعاقة عدا إعاقة كف البصر، وتوفر المهنة التي تتناسب مع كل إعاقة كل حالة على حدة، والبرامج الرياضية المناسبة لطبيعة الإعاقة.
- التمكين:
تسمح الدولة ممثلة في وزارة التضامن لذوي الهمم بالجمع بين معاشين أو بين المعاش والأجر الكامل دون حد أقصى، وحصولهم على بطاقة الخدمات المتكامل، وحرصا من الدولة على تمكين أصحاب الهمم من المشاركة في صناعة القرار، شهد برلمان 2015 حضور 9 نواب من ذوي الهمم، وخصصت الدولة لهم نسب لتمثيلهم الدائم داخل مجلس النواب.
دور المجتمع المدني في مصر
يلعب المجتمع المدني في أي دولة أدوارا رئيسية، أبرزها هي:
(1) دعم دور الدولة عبر “الشراكة”.
(2) تقوية المجتمع عبر التنظيم والتوعية ونشر الثقافة المدنية.
ويشتمل دور المجتمع المدني في مجال رعاية ذوي الهمم على ثلاثة مسارات رئيسية، هي:
أولا: تسهيل الدمج (التوظيف):
تتيح الدولة لـ 4500 جمعية أهلية تختص بشؤون ذوي الهمم في مصر، تعريف أصحاب الهمم بالخدمات التي يمكنهم الحصول عليها وتحدد طبيعة إعاقة كل فرد، مع إرسال بياناتهم إلى جهات القطاع الخاص تتضمن إمكاناتهم الوظيفية والوقوف على مدى أهليتهم لسوق العمل، وتنفيذا لذلك عقدت مؤسسة “حلم” ملتقى وظيفيا، لتقريب المسافة بين الشركات وذوي الهمم.
ثانيا: استدامة التمكين:
انعكاسا لأغلب تصريحات قادة المجتمع المدني في هذا المجال، يرى المجتمع المدني المصري أن التحدي الأبرز بالنسبة لذوي الهمم هو استدامة التمكين، أي استمرارهم في وظائفهم دون مواجهة عراقيل أو مشكلات مجتمعية، وهو ما يفسر طلب مؤسسة “مصر العطاء” لزيارة الشركات ومتابعة ذوي الهمم الموظفين في هذه الشركات، أو الاشراف على خلق البيئة الصحية المستقبلة لذوي الهمم.
وجاءت احدى التوصيات في مؤتمر “دور مؤسسات المجتمع المدني في رعاية ذوي الإعاقة لتحقيق رؤية 2030” الذي نظمته هيئة قصور الثقافة بالقليوبية، أنه يجب اجراء تقويمات وتقييمات دورية لذوي الهمم من أجل الوقوف على تطورهم الصحي والنفسي.
ثالثا: نشر الوعي:
ينتبه المجتمع المدني في مصر إلى أهمية الثقافة والوعي في المجتمع المصري من أجل تحقيق مجتمع يندمج فيه الأشخاص ذوي الهمم. وهو ما ذكره أشرف مرعي، المشرف العام على المجلس القومي، في أحد الندوات في الإسكندرية (مارس 2019).
الخلاصة
ختاماً يمكن القول إن الدولة المصرية بعد 2013 قامت بترفيع النظرة السياسية للشريحة المجتمعية الصاعدة في مصر (ذوي الهمم) من نظرة إنسانية إلى نظرة حقوقية تضمنها بنود الدستور والمواد القانونية، مما منح ذوي الهمم حقوقا دستورية تضعهم على مسار التنمية المستدامة المستهدفة في استراتيجية 2030.
وتقطع الدولة المصرية بمؤسساتها التنفيذية والتشريعية، وكذلك المجتمع المدني أشواطا يمكن حساب مسافاتها بشكل ملحوظ في مجال رعاية ذوي الهمم، مستوفية أنواع الدعم المادية والمعنوية.