إيران

هل يغير انتهاء “حظر الأسلحة على إيران” موازين القوة في الشرق الأوسط؟

 وسط حالة من الجدل تشهده الساحة السياسية والعسكرية إقليمياً، ودولياً، عقب انتهاء حظر السلاح على إيران في 18 أكتوبر 2020، تستمر ضبابية المشهد بشأن التحول في ميزان القوى العسكرية الإقليمية.

 على الرغم من الدور الإيراني ضمن القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، إلا أن هناك قوى أخرى في نفس المنطقة على مستوى عسكري تقني وتكنولوجي أفضل من طهران التي تعتمد في مواجهاتها غالباً على الوكلاء منذ انتهاء الحرب مع العراق عام 1988.

وبعد التغيير “النظري إلى الوقت الحالي” الذي طرأ على القوات العسكرية الإيرانية منذ 18 أكتوبر، يبقى التساؤلُ في الوقت الحالي حول مستقبل التغيير في ميزان القوى العسكرية في الشرق الأوسط، وهل ستلعب إيران دوراً في تغييره أم أن انتهاء الحظر سيبقى نظرياً فقط؟.  

تواجه إيران على أرض الواقع عدداً من العقبات التي تحول دون تطوير تسلحها بالرغم من الانتهاء النظري من حظر الأسلحة الأممي المفروض على النظام الإيراني منذ عام 2007 وتوثر العقبات بشكل حيوي، وقد لا تمنع العقبات إيران بشكل كامل على شراء الأسلحة، إلا أنها تؤثر بشكل حيوي على قدرتها على إحداث تحول نوعي أو جذري في قدرتها على شراء الأسلحة أو الإخلال بميزان القوى العسكري النوعي في الشرق الأوسط.  

هل تعطل الولايات المتحدة القدرات المالية لإيران؟

استبقت الولايات المتحدة الأمريكية الخميس الماضي 8 أكتوبر انتهاء حظر السلاح على إيران وفرضت حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على 18 بنكاً إيرانياً ضمن سعي واشنطن لتحجيم القدرات المالية الإيرانية حتى لا تستخدمها طهران لشراء أسلحة، وتدخل العقوبات حيز التنفيذ بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في 3 نوفمبر المقبل

وقال وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، في بيان أعقب ذلك إن “إجراءات اليوم لإدراج القطاع المالي الإيراني على اللائحة السوداء ومعاقبة 18 من المصارف الإيرانية الكبرى، تظهر التزامنا وقف الحصول غير القانوني على الدولار الأمريكي“.(1)

الطريق الذي سلكته – ولا تزال- واشنطن، خاصة منذ خروجها من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، يهدف إلى شل القدرات المالية لإيران؛ لمنع تحقيق عدة أهداف أشار إليه الرئيس دونالد ترامب، منها رغبته في جلب إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات وعقد اتفاق جديد بدلاً من اتفاق عام 2015، ومنع الدولة الفارسية من تمويل الميليشيات المسلحة في المنطقة والخارج، وكذلك منعها بشكل ضمني من امتلاك القدرة المالية لشراء الأسلحة بعد انتهاء الحظر.

ويوضح مسلك ترامب إلى أنه والإدارة الأمريكية سوف يستمران في فرض المزيد من العقوبات على إيران مستقبلاً؛ خاصة بعد رفع الحظر عن شراء طهران للسلاح حتى لو فاز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” في الانتخابات الذي لا يٌتوقع منه إلغاء العقوباتِ  بشكل كامل على إيران بشكل كامل ودفعة واحدة، لعدم السماح لطهران بالتحول إلى قوة عسكرية أكبرَ تهدد في النهاية المصالح الأمريكية.

عقوبات أمريكية على موردين السلاح لإيران

 حذّرت وزارة الخارجية الأمريكية يوم 18 أكتوبر الجاري، نفس يوم رفع الحظر، الدول أو الشركات والأفراد الذين يعتزمون بيع السلاح إلى إيران، قائلة إنهم “سيواجهون عقوبات الولايات المتحدة“. وأضافت في بيانها أنها مستعدة لاستغلال قدراتها، الاقتصادية والسياسية، لفرض عقوبات على جميع الأفراد أو الهيئات التي تساعد في “إعداد، بيع، أو نقل السلاح التقليدي من أو إلى إيران”.(2)

كما إن الخارجية الأمريكية حذّرت هذه الجهات من مساعدة إيران في أي مجال فني، مالي، أو خدماتي عسكري يتعلق بهذه الأسلحة.(3)

 وستسعى الولايات المتحدة إلى الضغط سياسياً واقتصادياً على الشركات أوالهيئات التي يمكن لها أن تبيع الأسلحة إلى إيران، ومن بينها الشركات الروسية والصينية، الدولتان اللتان من المتوقع أن تشتري إيران الأسلحة منهما في المستقبل القريب. الأمر الذي سيؤثر على بيع الدولتين السلاح إلى إيران

وحتى إذا جاءت إدارة أخرى غير ترامب، فليس من المتوقع أن تحجم عن هذه الخطوة. فـ”على الرغم من أن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 نوفمبر يمكن أن تؤثر على وتيرة وتكتيكات محاولات واشنطن منع مثل هذه المبيعات، فمن غير المتوقع أن تتغير الحملة بشكل كبير تحت إدارة بايدن”.(4)

تفاهمٌ أمريكي مع روسيا والصين بشأن بيع الأسلحة إلى إيران

وتعد روسيا والصين أبرز مصادر الأسلحة للدولة الإيرانية، فبحسب  مركز الدراسات الاستراتيجية، التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، تتمركز أغلبُ صادرات الأسلحة الروسية في قارتيّ آسيا وأفريقيا،(5) ومن أبرزها إيران.

ويوجد تعاون في المجال العسكري بين روسيا وإيران، كما أعلنت طهران قبيل انتهاء الحظر  في 18 أكتوبر الجاري عن تخطيطها لشراء معدات عسكرية روسية مثل “سوخوي 35″، “سوخوي 57″، منظومات “إس 400″، وطائرات هليكوبتر هجومية من طراز “Ka-52”.  

وعلى الجانب الصيني، فإن العلاقة بين بكين وإيران استراتيجية لا تشمل المستوى العسكري فقط، بل تضم الجانب الاقتصادي، خاصة بعد إقرار إيران اتفاقية تعاون لمدة 25 عاماً مع الصين في يونيو الماضي.

الصين كانت من أبرز الدول المتوقعة للتعاون بشكل عسكري كبير مع إيران في مجال بيع الأسلحة لها بعد انتهاء الحظر، خاصة بعد الاتفاق الشامل الأخير الذي يتضمن بنوداً للتعاون الواسع من بينها “استراتيجية الدفاع المتكاملة” بين الطرفين، ووفقا موقع “أويل برايس”، من المقرر نشر معدات وعسكريين صينيين بدءاً من الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر 2020 طبقاً لهذه البنود، وذلك في منشآت النفط والغاز التي لا تزال الشركات الصينية تعمل بها بالتزامن مع العقوبات الأمريكية.

 وتعي الولايات المتحدة جيداً هذه العلاقات، ومتوقع أن تسرع في التوصل إلى تفاهمات ولو ضمنية أو غير معلنة مع بكين وموسكو؛ للحد من أو التقليل من وتيرة بيع السلاح إلى إيران فيما بعد 18 أكتوبر. وستشهد الأيام المقبلة مساومات روسية أمريكية في بعض المناطق والأقاليم كالشرق الأوسط، سوريا، أو القوقاز.

 سعي روسيا والصين لعدم تفاقم التوترات الأمنية في الشرق الأوسط

 يعلم الجانب الروسي والصيني أن بيع الأسلحة إلى إيران، خصوصا لو كانت نوعية، سيعزز من توتر الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، ومناطق أخرى كالقوقاز جنوبي الأراضي الروسية، فبيع السلاح إلى إيران يعني وصوله إلى الميليشيات التي تدعهم طهران في العراق، لبنان، أو اليمن.

وتسعى موسكو إلى استقرار الأوضاع في سوريا عقب حرب استمرت لأكثر من 9 سنوات لا تزال تؤرق الداخل السوري. أما القوقاز، فإن أرمينيا ستكون من أبرز مشتريي السلاح الإيراني، حال تصديره، ما يعني تفاقم الأوضاع جنوب غربي الأراضي الروسية، وهو ما لا تريده موسكو.  

 وبالنسبة إلى الصين، فإن استثماراتِها وتجارتَها في الشرق الأوسط تجعلها تسعي لاستقرار هذه المنطقة، وتوقع تقرير للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات أن تصل حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية إلى حوالي 31% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة داخل هذه الدول، وأدركت الصين خلال الأعوام الماضية عواقب فقدانها للأسواق العربية بسبب وجود اضطرابات أمنية في منطقة الشرق الأوسط، كما فقدت جزء من السوق الإيراني بعد العقوبات الأمريكية على إيران في 2018.

لذا فإن موسكو وبكين سوف يأخذان بعين الاعتبار هذه الأمور حينما تطلب إيران استيراد أسلحة منهما. فالصين ستنظر إلى التهديد المتوقع لاستثماراتها المالية، وروسيا ستنظر إلى ضرورة الاستقرار.

تطوير القوى الإقليمية علاقاتِها مع الصين وروسيا للسيطرة على منشأ بيع السلاح لإيران

 على الناحية الغربية من الخليج العربي، من المتوقع أن تُقدِمَ بعض القوى الإقليمية على تطوير علاقاتها السياسية، الاقتصادية، والتجارية مع الصين وروسيا؛ منعاً لحدوث تعاون كامل ما بين هاتين الدولتين وإيران في مجال بيع الأسلحة.  

 فموسكو وبكين لديهما علاقات جيدة مع بعض الشركاء الإقليميين في المنطقة، على المستوى السياسي والاقتصادي، وستحاولان عدم الإضرار بهذه العلاقات عن طريق فتح مخازنهما بشكل واسع لاستيراد إيران الأسلحة منها.

 فالقوى الفاعلة في الشرق الأوسط سوف تحاول الاستفادة من علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع الصين وروسيا لمنع حصول طهران على صفقات أسلحة كبيرة منهما. فعلى سبيل المثال، تبيع الصين أعداداً كبيرة من الطائرات من دون طيار “درونز” إلى بعض دول الإقليم وسوف تفكر بكين كثيراً في المخاطرة بهذه العلاقات من أجل إيران.  

وعلى الجانب الروسي، فإن موسكو حاولت تعزيز مبيعات أسلحتها إلى دول المنطقة في السنوات الأخيرة. ويحاول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتّباع  مسارٍ حذر لتحقيق التوازن بين جميع هذه الأطراف الإقليمية المتنافسة وتجنب التقرب من طرف على حساب الآخر.(6)

تعثر إيران الاقتصادي يثير شكوك موردي الأسلحة

 إن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها إيران منذ سنوات وفقدانها لمصدرها دخلها الرئيس، النفط، في ظل العقوبات الخارجية الواسعة سيجعل موردي الأسلحة يفكرون كثيراً قبل بيعهم أسلحتَهم لإيران؛ لأن الأخيرة من غير المتوقع أن تسدد لهم ثمن هذه المشتريات مسبقاً أو حتى في المستقبل القريب.

 فإذا كان قطاع ليس بالقليل من الموظفين في إيران لا يستطيعون الحصول على رواتبهم الشهرية، فهل ستتمكن إيران من القيام بصفقات أسلحة واسعة بمليارات الدولارات في وقت قصير؟!. الإجابة لا.  

روسيا لا تريد الدخول في صراع مع الولايات المتحدة

بيع روسيا أسلحة لإيران يعني الدخول بشكل غير مباشر في صراع مع أمريكا، فالأسلحة الروسية ستنقلها إيران إلى وكلائها في المنطقة وإلى دول أخرى لا تُعد حليفة للولايات المتحدة، كسوريا، الأمر الذي يدفع واشنطن إلى زيادة تسليح حلفاءها في المنطقة مما يعيد أجواء الحرب الباردة، وهو ما لا تريده واشنطن وموسكو والقوى الإقليمية به.

ختاماً

 جميع العقبات المذكورة، وأخرى لم يتسع المجال لها، تعني أن احتمالية إقدام إيران على عقد صفقات أسلحة كبرى بعد انتهاء الحظر في 18 أكتوبر الجاري وحدوث تحول نوعي في القدرات العسكرية الإيرانية أمر مستبعد لا يخلو من عقبات كما أن القوى الإقليمية والدولية ومن بينها روسيا والصين لا تريد حدوث تحول كبير في ميزان القوى الإقليمي يوثر على التوزان العسكري في منطقة الشرق الأوسط.

وهذه النتائج لن تتغير سواء في حالة تولي ترامب ولاية ثانية لمدة 4 سنوات أو فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن”. فالأخير ممكن أن يغير بعض سياسات ترامب تجاه إيران لكن دون إخلال بموازين القوى في الشرق الأوسط عن طريق تطوير قدرات إيران العسكرية.

المصادر والمراجع:

  1.  “واشنطن تفرض عقوبات على القطاع المالي الإيراني في حملة “ضغوط قصوى” لإخضاع طهران“، فرانس 24، 9 أكتوبر 2020.
https://cutt.us/Z64Tc
  • 2-      “ پایان تحریم‌های تسلیحاتی ایران؛ آمریکا فروشندگان سلاح را تهدید به تحریم کرد“، بي بي سي الفارسية، 18 أكتوبر 2020.
https://cutt.us/h8mlK
  • 3-    المرجع السابق.    
  • 4-      

Ellie Geranmayeh, “Do not expect a rush of arms sales to Iran”, European Council on Foreign Relations, Oct., 16th, 2020.

https://cutt.us/BAodq
  • 5-   “امکان سنجی و برآورد ظرفیت خرید تسلیحات نظامی از روسیه و چین توسط ایران“، مركز الدراسات الاستراتيجية بمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، 25 أغسطس 2020.       
https://cutt.us/cFGKz
  • 6-    

Ellie Geranmayeh, Op. cit

+ posts

باحث بالمرصد المصري

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى