
تقدير موقف مجموعة عمل ليبيا بالمركز المصري حول اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا
تمت يوم الجمعة الثالث والعشرين من أكتوبر الجاري خطوة جديدة في مسار الحل السياسي السلمي في ليبيا، بتوقيع اللجنة العسكرية الليبية المشتركة “5+5″، على اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، بعد محادثات في جنيف برعاية الأمم المتحدة، وهي خطوة تعد بمثابة نقلة جديدة داعمة للمسارات السلمية، سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو عسكرية، التي تستهدف إنهاء حالة الفوضى التي تعاني منها ليبيا منذ عام 2011.
أهمية خطوة اليوم، وانعكاساتها على مستقبل الحل السياسي في ليبيا، وإمكانية نجاح الأفرقاء الليبيين في استثمارها والبناء عليها لإدامة الاستقرار في ليبيا، كانت جميعها محاور مناقشات مستفيضة عقدها كبار خبراء مجموعة ليبيا في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عبر مائدة مستديرة تناولت كافة جوانب اتفاق اليوم، وفي يلي خلاصة ما توصل إليه خبراء المجموعة
العوامل الأساسية المطلوبة لإنجاح وقف إطلاق النار
أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في كل الأراضى الليبية، والذى تم توقيعه اليوم 23 أكتوبر في جنيف، خلال محادثات اللجنة العسكرية المشتركة بين ممثلي حكومة الوفاق والجيش الوطني، وتحت إشراف بعثة الأمم المتحدة، يعد خطوة مهمة للغاية نحو تمهيد المجال أمام إنجاح التحرك السياسي، من أجل التوصل إلى حل نهائي للأزمة الليبية بما ينهي عشر سنوات من معاناة الشعب الليبي. ومن الواضح أن هذا النجاح الذى تحقق، لا يرتبط فقط بنتائج الاجتماعات التي تمت في جنيف، ولكن يمكن القول إن هناك عوامل مساعدة ومؤسسة لهذا النجاح من بينها ما يلي:
– الاجتماعات العسكرية التي احتضنتها مدينة الغردقة يومي ٢٨ و29 سبتمبر الماضي، بين وفدين يضمان ضباطاً من الجيش والشرطة يمثلان حكومة الوفاق والقوات المسلحة الليبية، برعاية بعثة الأمم المتحدة، إذ أكدت هذه الاجتماعات ضرورة الإسراع في عقد اجتماعات اللجنة العسكرية قبل نهاية أكتوبر الحالي، وهو ما تحقق بالفعل، وشكل خطوة هامة لإنجاح اجتماعات جنيف.
– أساس هذا النجاح يتمثل أيضاً في إعلان القاهرة، الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في السادس من يونيو الماضي، بحضور كل من المستشار عقيلة صالح والمشيرخليفة حفتر، حيث كان هذا الإعلان بمثابة مبادرة ليبية / ليبية، بلورت خريطة طريق متكاملة لتسوية النهائية للأزمة الليبية تبدأ بوقف إطلاق النار.
– لم تتوان مصر يوماً، عن التحرك لحل الأزمة الليبية، ليس فقط بالنسبة للجنة العسكرية ومخرجاتها الإيجابية، بل حرصت مصر على استضافة اجتماعات المسار الدستوري يومي 11 و12 أكتوبر الحالي، والتي أسفرت عن طرح العديد من المناقشات والبدائل في مناخ إيجابي، وتم الاتفاق على استئناف مفاوضات هذا المسار مرة أخرى، حتى يتم التوصل إلى حل مقبول لمسألة الدستور، الذي سيمهد لانتخابات برلمانية ورئاسية .
– يؤكد ما تحقق في جنيف اليوم أهمية أن تتحرك كافة المسارات العسكرية والأمنية والسياسية في مسارات متوازية، من أجل أن تسير جهود حل الأزمة في إطار متكامل متوافق عليه من كافة أطراف الأزمة الليبية.
– يمكن القول كذلك إن هذا الإنجاز الخاص بوقف إطلاق النار، يلقى ترحيباً مصرياً واضحاً، لأنه يؤدي إلى حقن الدماء وبدء الخطوات التنفيذية للحل، إلا أن نجاح وقف إطلاق النار يتطلب توفير مجموعة من العوامل أهمها ما يلى : –
العامل الأول وهو ضرورة احترام كافة الأطراف الموجودة على الساحة الليبية لهذا القرار، والتزامها بعدم انتهاكه تحت أية ظروف .
العامل الثاني يتمثل في ضرورة توافر الإرادة السياسية لدى كافة الأطراف سواء القائمة على أرض الواقع، أو الأطراف الإقليمية والدولية التي من المؤكد أنها تتمتع بتأثير حقيقي على معطيات الأزمة الليبية.
العامل الثالث وهو من أهم العوامل، ليس فقط في مجال تثبيت قرار وقف إطلاق النار ولكن من أجل حل الأزمة الليبية ككل، ويتمثل هذا العامل في ضرورة الإسراع بخروج كافة الميليشيات والجماعات الإرهابية والمرتزقة من الأراضى الليبية. وهذا العامل يعد أساس نجاح أية تحركات أو حوارات قادمة.
– من المؤكد أن مصر وهى ترحب بهذا النجاح الذى تحقق اليوم، لازالت على استعداد لبذل كل الجهود من أجل التوصل إلى حل يؤدى في النهاية إلى عودة الدولة الليبية القوية الموحدة المستقرة، وستظل مصر تتابع هذه التطورات بكل اهتمام ويقظة حتى الوصول إلى هذا الهدف المنشود.
نقلة نوعية في مخرجات المسار العسكري الليبي
قال الأستاذ أحمد عليبة رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إنه من المتصور أن مخرجات المسار العسكري الليبي (٥+٥) في جنيف على هذا النحو، تعد خطوة متقدمة على صعيد تهيئة الأجواء لعملية سياسية جديدة في ليبيا، تطوي مرحلة اتفاق الصخيرات، وفى إطار مسار برلين وإعلان القاهرة الخاص بتسوية الأزمة الليبية. في هذا السياق هناك اتجاهان لابد من التفرقة بينهما في إطار استقراء هذه المخرجات:
– الاتجاه الأول هو الاتجاه التوافقي بين ممثلي الملف العسكري بشكل تكتيكي، في إطار تفاهمات خاصة بالترتيبات الأمنية الخاصة بالمرحلة السياسية المقبلة، في ضوء مشاركة السلطة وتوزيع الثروة، وتخص تلك الترتيبات على المستوى الأمني، شكل ونمط الانتشار في المنطقة الوسطي سرت- الجفرة، وهي المنطقة التي ستكون على الأرجح موضع تمركز الحكومة الجديدة، وفق الإطار السياسي الشامل، بحيث يتم ابعادها عن الاستقطاب الجهوي بين الشرق والغرب ، وتأمينها من سطوة المليشيات، من خلال مشاركة قوى أمنية وعسكرية مشتركة بين الطرفين، كما ترتبط هذه الترتيبات بالملف الاقتصادي، فيما يتعلق بعملية إعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية، بما يسمح بسيطرة وإدارة أمنية مشتركة أيضا.
– لكن فيما يتعلق بالاتجاهات المتعلقة بالقضايا الاستراتيجية الخاصة بالملف العسكري، فيبدو أنه سيتم ترحيل النقاش حولها إلى استحقاقات مستقبلية، لاسيما الملفات الأمنية والعسكرية شديدة الأهمية، مثل ملف توحيد المؤسسة العسكرية، وإنهاء الوجود الأجنبي. فما تم الاتفاق عليه هو إنهاء وجود المرتزقة الأجانب، وليس التواجد العسكري الأجنبي الدائم . كما أن الإشارات التي أطلقتها ستيفاني ويليامز حول استمرار دور المسار العسكري على التوازي مع المرحلة التمهيدية المشار إليها، تعد آليه إيجابية في مسار تهيئة الأجواء للتعامل مع المعضلات، التي تشكل معوقات أمام تلك الملفات الرئيسية، لكن على الأرجح سيتطلب ذلك إجراءات وترتيبات طويلة المدى على الأرجح، تستغرق عدة سنوات، ستظل محكومة بنتائج العملية السياسية المقبلة، وما إذا كانت بالفعل ستنقل البلاد إلى عملية استقرار سياسي مستدام، أم ستكون دورة من بين دورات المراحل الانتقالية المتعددة والمتوالية التي شهدتها ليبيا على مدار العقد الماضي.
إجمالاً يمكن القول إن مخرجات المسار العسكري، قد حققت نقلة نوعية في مسار ترتيبات العملية السياسية والاقتصادية، وسيظل الرهان قائماً على نجاح الحوار السياسي الشامل، في تحقيق قفزة نوعية فيما يتعلق بالملف العسكري بشكل عام، كون هذا الملف يرتبط بمستقبل العملية السياسية ما بعد المرحلة التمهيدية التي ستستغرق نحو 18 شهراً، وما سيتمخض عنها كخطوات تالية من دستور دائم وبرلمان وحكومة منتخبة. كما سيتوقف نجاح هذا المسار من الناحية التنفيذية، على اختبارات أولية منها النجاح في إنهاء وجود المرتزقة في البلاد، والقدرة على إنهاء مظاهر الفوضى السياسية والأمنية، بما يعزز من مناعة الدولة الليبية في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجهها، إلى جانب عامل استقلال القرار الوطني واستعادة سيادة الدولة.
قراءة في المواقف الدولية والإقليمية من اتفاق اليوم
ذكر الدكتور أحمد أمل رئيس وحدة الدراسات الأفريقية في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا الذي أعلنت عنه البعثة الأممية في الثالث والعشرين من أكتوبر يحمل أهمية كبيرة، وذلك لأسباب متعددة، أهمها كونه يجمع بصورة مباشرة الأطراف الرئيسية التي انخرطت في المواجهات المسلحة، وكذلك حمله الطابع الدائم لا المؤقت، فضلاً عن توقيته المهم الذي يأتي في ظرف تستعد فيه كافة الأطراف المعنية بالشأن الليبي لاستقبال الحوار الشامل، الذي يُنتظر أن يُفضي إلى تسوية سياسية للصراع في ليبيا، تمهيداً لإتمام العملية الانتقالية والتوصل لترتيبات مستدامة للأوضاع في ليبيا، وأخيراً ارتباط اتفاق وقف إطلاق النار بصورة مباشرة بتجاوز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، فبعد توقيع الاتفاق مباشرة، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط عن رفع حالة القوة القاهرة عن ميناءي السدرة ورأس لانوف، ليتم بذلك استئناف عمليات تصدير النفط الليبي للعالم.
– وقد جاءت مواقف الغالبية العظمى من الأطراف الدولية داعمة لاتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا. فعلى المستوى الأممي، اعتبرت البعثة الأممية في ليبيا الاتفاق نقطة تحول هامة نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، واتساقاً مع موقف البعثة الأممية، اعتبر الأمين العام للأم المتحدة أنطونيو جوتيريش، اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، خطوة أساسية نحو السلام والاستقرار، مناشداً كافة الأطراف المعنية والقوى الإقليمية، أن تحترم بنود الاتفاق، وتضمن تنفيذه دون تأخير.
– على المستوى الإقليمي، أصدرت الخارجية المصرية بياناً رحب باتفاق وقف إطلاق النار الدائم، ونوهت إلى كونه نتيجة مباشرة لاجتماعات الغردقة في نهاية سبتمبر الماضي. كما جاء بيان السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ليشيد بهذا الاتفاق، الذي يمثل انجازاً وطنياً كبيراً من شأنه تثبيت الأمن والاستقرار في كافة أرجاء الدولة الليبية.
– أما على المستوى الدولي، فقد عبرت السفارة الأمريكية في طرابلس، عن موقفها من هذا الاتفاق، معتبرة أنه يمثل خطوة كبيرة للأمام نحو خفض التصعيد والاستقرار، ورحيل المقاتلين الأجانب، وهو ما يمثل إنجازاً مهماً يمهد الطريق لمزيد من التقدم في الحوار السياسي. كما التقى الموقف البريطاني مع الموقف الأمريكي، حيث أعلنت الخارجية البريطانية، ترحيبها بشدة بالاتفاق الذي يمثل خطوة تجاه الوصول لحل سياسي مستدام. كما أشادت السفارة الفرنسية في ليبيا بتوقيع الاتفاق التاريخي، واعتبرته دليلاً على أولوية السيادة الليبية في مواجهة التدخلات الخارجية.
– في المقابل جاء الموقف التركي – كالعادة – خارجاً عن التوافق الدولي بشأن ليبيا. فعلى العكس من غالبية مواقف الدول المعنية بالشأن الليبي، والتي عبرت عنها بيانات وزارات الخارجية أو حتى السفارات الدبلوماسية في ليبيا، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه، ليعلق على اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده بعد صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، حيث اعتبر أردوغان الاتفاق ضعيف المصداقية، ورأى أن الأيام المقبلة ستظهر مدى قدرته على الصمود. ويجد هذا التقييم التركي السلبي لاتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا ما يبرره، خاصة بعد أن نص الاتفاق على خروج كافة المقاتلين الأجانب من ليبيا، خلال مدة لا تتجاوز التسعين يوماً، وهو ما يعني فقدان تركيا واحدة من اهم أدواتها في ليبيا، متمثلة في المرتزقة الأجانب الذين تولت تركيا نقلهم إلى الأراضي الليبية منذ مطلع العام. وبغض النظر عن التصريحات التركية السلبية، والتي يمكن قراءتها باعتبارها تحمل “تهديداً مبطنا” بالعمل على دفع الأوضاع في ليبيا مجدداً باتجاه التوتر، إلا أن اتفاق وقف إطلاق النار ينتظر بالفعل أن تظهر الأيام مدى صموده، وهو الأمر الذي يحمل فرصاً كبيرة في النجاح، خاصة إذا ما التزمت كافة الأطراف المعنية بالشأن الليبي بالعمل على تثبيت وقف إطلاق النار، ودفع المسار السياسي قدماً لتحقيق اختراقات سريعة من أجل توفير الإطار السياسي الملائم لاستدامة السلام في ليبيا، ومعالجة المسببات الجذرية للصراع من أجل ضمان عدم الارتداد إليه مجدداً.