السودان

ماذا بعد رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب؟

بعد سبعة وعشرين عامًا على تصنيف السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، أعلن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يوم الاثنين الموافق 19 أكتوبر 2020 عبر حسابه الشخصي على موقع تويتر، أنه تم أخيرًا إزالة تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب. في حين أن العديد من تفاصيل الاتفاقية المُبرمة بين إدارة “ترامب” والسلطات الانتقالية في السودان لم تظهر بعد، وعملية استكمال رفع تصنيف السودان من القائمة تتطلب تعاونًا من الكونجرس وستستغرق عدة أسابيع، ولكن هذا الإعلان بحد ذاته إنجازًا كبيرًا لكلٍ من واشنطن والخرطوم.       

في حين أن إزالة السودان من قائمة الإرهاب لن تظهر آثاره على المدى القصير لتخفيف الآلام الاقتصادية، ولكن يوفر مكسبًا سياسيًا هائلاً للحكومة الانتقالية التي تعهدت بإزالة السودان من قائمة الإرهاب وإعادة تشكيل علاقاته مع بقية دول العالم، حيث أدى تصنيفها كدولة راعية للإرهاب إلى حرمان السودان من الحصول على التمويل الأجنبي والإعفاء من الديون، وأُصيب اقتصاد البلاد بالشلل بسبب عقود من سوء حكم “البشير”، وارتفاع أسعار الغذاء والوقود، واستمرار الصراعات الداخلية، علاوًة على ذلك أزمة كوفيد -19، والفيضانات المدمرة.     

تَعهدات أمريكية    

بالنسبة لواشنطن، فإن قرار شطب السودان من قائمة الإرهاب مهم لعددٍ من الأسباب، إذ سيعتبر الكثيرون هذه الخطوة إثبات لنهج السياسة الخارجية الأمريكية “أمريكا أولاً”، علاوًة على ذلك جلب ملايين التعويضات للضحايا الأمريكيين جراء الأعمال الإرهابية الماضية في السودان.  

وعليه، يتوجب على واشنطن أن تتخذ خطوات سريعة للوفاء بالقائمة الطويلة من الوعود للسودان، بينما لم يتم بعد إصدار وثيقة البيت الأبيض التي توضح التفاصيل، فإن القائمة تشمل:     

  1. مساعدات تنموية وإنسانية إضافية تزيد قيمتها على مئات الملايين من مستويات المساعدات الحالية بما في ذلك فائض القمح والإمدادات الطبية التي يحتاجها الشعب السوداني.  
  2. إقامة مؤتمر تجاري واستثماري أمريكي للسودان إلى جانب زيارة وفد تجاري رفيع المستوى إلى السودان بقيادة مؤسسة تمويل التنمية الدولية.   
  3. تعهد بإشراك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لدعم وتسريع المناقشات بشأن إعادة هيكلة الدين الخارجي للسودان البالغ 65 مليار دولار، وتصفية أكثر من 3 مليارات دولار من المتأخرات، وخلق مسار لتخفيف الديون في إطار مُبادرة البلدان الفقيرة المُثقلة بالديون.   
  4. شطب السودان من قائمة الممنوعين من السفر، والانخراط مع الكونجرس بشأن تشريع السلام القانوني للسودان، حيث يعمل على استعادة الحصانة السيادية للسودان، وإيقاف رفع دعاوى التعويض المُستقبلية ضد السودان في المحاكم الأمريكية.     
  5. إقامة مشروعات في مجالات الطاقة والصحة في ظل توقيع مذكرة تفاهم بين شركة جنرال إلكتريك الأمريكية والسودان في 15 أكتوبر الجاري، وهذا تطور مهم في العلاقات بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية.  

تعويضات ضحايا الإرهاب  

تحركت الولايات المتحدة لاستعادة العلاقات مع السودان تدريجيًا خلال السنوات الأخيرة، لكنها أصرت على تسوية المطالبات القانونية العالقة قبل شطب البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحديدًا ملف أسر ضحايا هجوم المدمرة “كول” عام 2000 في عدن، وتفجيرات سفارتي الولايات المتحدة  في كينيا وتنزانيا عام 1998، وتعديلات تشريعية بحق قوانين النظام العام، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، ووقف الأعمال العدائية في مناطق الصراع (دارفور، جنوب كردفان، والنيل الأزرق)، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية والإغاثية، وإنهاء التدخل السلبي في جنوب السودان.         

  • تم توفير مبلغ التعويضات المُقدر ب 335 مليون دولار من الجهود الذاتية من عائدات الذهب، وقال محافظ البنك المركزي السوداني يوم الثلاثاء الموافق 20 أكتوبر الجاري إن الأموال المطلوبة، تم وضعها في حساب خاص لضحايا هجمات الإرهاب.  
  •  سيدفع السودان 10 ملايين دولار لكل أسرة من أسر الضحايا الأمريكية، و3 ملايين دولار لكل أمريكي مصاب.    
  • ستحصل عائلات العمال الأجانب الذين قتلوا في الهجمات على 800 ألف دولار لكل منهم، بينما سيحصل الناجون على 400 ألف دولار.   

مكاسب الخرطوم      

  • الإعفاء من الديون: هناك وعود كبيرة بإعفاء الديون من نادي باريس، والمجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي، والدول الدائنة الأخرى، ومن المتوقع أن تحصل السودان على 7.1 مليار دولار سنويًا بعد سداد ديونه الخارجية، وتتوجه هذه الأموال في مجال تطوير البنية التحتية.   
  • التعاملات مع النظام المالي العالمي: من خلال تيسير إجراء العامليين في الخارج للتدفقات المالية، وهذه العمليات ستدخل النظام المصرفي السوداني، مما يعزز قيمة الجنية السوداني، وعليه، يتوجب تعديل سعر الصرف، حيث أعلنت وزيرة المالية السودانية “هبة محمد على”، بأن بلادها ستعمل على صياغة قوانين جديدة للاستثمار، وتغيير سعر الصرف، ووقف الاستدانة وسداد ديون الحالية.   
  • دخول التكنولوجيا الحديثة: السماح للشركات السودانية بالوصول إلى رأس المال ودفع المشتريات عبر الإنترنت من خلال التكنولوجيا والبرمجيات؛ بطاقات الائتمان والخصم غير المتوفرة على نطاق واسع في السودان خاصًة التكنولوجيا الأمريكية والغربية، علاوًة على الانفتاح على التكنولوجيا بداية من الطائرات لنظم الملاحة المساعدة وأنظمة الرادار الحديثة، والخطوط الجوية والبحرية السودانية، وخطوط السكة الحديد، والتي دُمرت بنيتها التحية بسبب حظر استيراد قطع الغيار.  
  • إعادة الثقة للمؤسسات المالية الدولية: من خلال حصول السودان على قروض ميسرة وتمويل من مؤسسات التمويل الدولية مثل صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي، والدول الكبرى المانحة للبدء في مشروعات وبرامج تؤكد الدعم المالي للسودان.      
  • استقبال الاستثمارات العالمية: من كل الدول والمنظمات والمؤسسات المالية، وزيادة دعم الاقتصاد السوداني بما يفتح مجالات جديدة من أجل التنمية، ويعول السودان على استثمارات الخليج العربي لقربه الجغرافي وقدرته المالية، وأيضًا الدول الأوروبية.   
  • تحسن واضح فيما يتعلق بتصنيف السودان بالمخاطر: من دولة عالية المخاطر إلى دولة آمنة، ومن شأن ذلك استعادة الجدارة للدولة السودانية، وفك عزلة السودان وعودته إلى المجتمع الدولي وتسريع انضمامه لمنظمة التجارة العالمية وإقامة علاقات في كافة المجالات مع دول العالم، وإمكانية قيام السودان بدور هام في سد الفجوة في منطقة البحر الأحمر.      

مؤشرات لإعلان التطبيع المرتقب  

ظهرت العديد من الإشارات التي تظهر تحسن العلاقات بين السودان وإسرائيل بالتزامن مع الاجتماع التاريخي بين “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي و”البرهان” رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان في فبراير 2020 بأوغندا لمناقشة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث بدأت الطائرات الإسرائيلية التحليق فوق السودان وازدادت الاتصالات بين المسؤولين الأمريكيين والقادة السودانيين، مما يشير إلى تكثيف الجهود للمساعدة في تحقيق اتفاق إسرائيلي – سوداني.   

في الثاني والعشرين من أغسطس 2020 أثير ملف تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل في اجتماع بواشنطن بين “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي، و”مايك بومبيو” وزير الخارجية الأمريكي، حيث حثت إسرائيل إدارة “ترامب” على الالتزام بطلب السودان للحصول على مساعدات اقتصادية كجزء من أي صفقة تطبيع.   

وبعد هذا الاجتماع بيومين فقط جاءت زيارة “بومبيو” إلى الخرطوم في الخامس والعشرين من أغسطس 2020 بعد زيارته إلى إسرائيل بهدف تطبيع السودان العلاقات مع إسرائيل، بجانب مناقشة قضايا أخري؛ التأكيد على استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمرحلة الانتقالية في السودان، وأيضًا السلام والأمن وتوفير الحماية للمدنيين خاصًة في إقليم دارفور، وأن  هناك ثمة اتفاقًا أمريكيًا – سودانيًا لتحقيق اتفاق مفيد لكلٍ من السودان وإثيوبيا ومصر بشأن ملء وتشغيل السد الإثيوبي الذي يعد أمرًا حاسمًا للاستقرار الإقليمي.        

وفي الثاني والعشرين من سبتمبر 2020 جاءت زيارة “البرهان” إلى الإمارات بجانب وزير العدل “نصر الدين عبد الباري” ووفد رفيع المستوي لمناقشة القضايا الإقليمية المرتبطة بالسودان، وبحث شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مع الوفد الأمريكي بأبو ظبي. 

برزت تيارات داخل السودان تدعو لانتهاج سياسة واقعية في العلاقة مع بلدان العالم الخارجي بما في ذلك إسرائيل، ويضم هذا التيار مجموعات من مختلف التوجهات والأعمار بما في ذلك شباب ورجال دين مثل “عبد الرحمن حسن حامد” رئيس دائرة الفتوى بهيئة علماء المسلمين، الذي أكد أنه ليس هناك ما يمنع من إقامة علاقة مع إسرائيل طالما في مصلحة السودان، فالأمر يتعلق بالسياسة الشرعية وليس له علاقة بالعقيدة.     

يحاول “أبو القاسم بورتوم” نائب سوداني سابق، تنظيم وفد مدني من المواطنين السودانيين لزيارة إسرائيل لتسريع عملية التطبيع بين البلدين، وكسر الحاجز النفسي بين البلدين، حيث وضع “بورتوم” قائمة بـ 40 سودانيًا من جميع مناحي الحياة والمناطق والأعراق التي تريد الانضمام إليه.  أشار “بورتوم” أن الزيارة مدتها خمسة أيام مقررة في نوفمبر القادم بتكلفة 160 ألف دولار، حوالي 4000 دولار للفرد مع إسرائيليين من المجتمع المدني، لكن لم يذكر أسمائهم.        

أوضح “بورتوم” إن الوفد يخطط للتركيز على بناء ما أسماه روابط “ثقافية إنسانية” بين المواطنين العاديين على عكس العلاقات السياسية والاقتصادية من أجل تشجيع الحكومة السودانية على تسريع التطبيع مع إسرائيل، وأن المواطن السوداني العادي ليس لديه مشكلة في إقامة علاقات مفتوحة مع إسرائيل، وأن أكثر من 1000 سوداني اتصلوا ببورتوم للانضمام إلى وفده، وهذا دليل على أن فكرة التطبيع مع إسرائيل حظيت بتأييد الشعب السوداني العادي.  

في 18 أكتوبر الجاري، عقدت المبادرة الشعبية للتطبيع مع إسرائيل في السودان مؤتمرها الأول للإعلان عن المبادرة وأهدافها وخطواتها للتأثير على القطاعات المختلفة للتطبيع مع إسرائيل، قال “أمير فايت” رئيس المبادرة إن الأصل بين الأمم التعايش والتعاون، وإقامة علاقات مع إسرائيل لا يعني التنازل عن حقوق الفلسطينيين.     فيما كشف “نجم الدين آدم عبد الله ” الأمين العام للمبادرة عن إجراء استفتاء عشوائي أسفر عن موافقة 83% على التطبيع مع إسرائيل. 

وفقًا لهيئة  الإذاعة “كان ” الإسرائيلية، في 21 أكتوبر الجاري، زار وفد إسرائيلي العاصمة السودانية، حيث سافر الوفد من مطار بن جوريون إلى الخرطوم، وغادرت الطائرة في الرحلة مباشرة إلى السودان على غير المعتاد.   

وختامًا، يُعد رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب نجاح دبلوماسي نحو استعادة الدولة وعلاقاتها الخارجية، وتوظيف الانفتاح لبناء قاعدة لمشاريع تنموية جديدة، وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة المُنتجة التي دمرها نظام “البشير”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى