شرق المتوسطسياسة

القمة المصرية القبرصية اليونانية الثامنة.. توقيت حرج وملفات مشتركة

شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 21 أكتوبر في اجتماع القمة الثلاثية الثامنة بين مصر وقبرص واليونان في العاصمة القبرصية نيقوسيا والتي ناقشت دعم وتعميق العلاقات المتميزة بين الدول الثلاث، وتقييم التطور في مختلف مجالات التعاون ومتابعة المشروعات المشتركة الجاري تنفيذها في إطار الآلية الثلاثية، فضلًا عن تعزيز التشاور السياسي وتبادل الرؤى حول سبل التصدي للتحديات التي تواجه منطقتي شرق المتوسط والشرق الأوسط، وبحث الاستفزازات التركية المتكررة، وآخر التطورات على الصعيد الإقليمي وجهود تسوية الأزمات التي تعاني منها بعض دول المنطقة، والتعاون في مجال الطاقة والهجرة ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الوضع فيما يتعلق بجائحة كورونا.

وقد عقد السيسي مباحثات ثنائية منفصلة مع نظيره القبرصي نيكوس أنستاسيادس، ورئيس وزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، شملت بحث تعزيز العلاقات الثنائية على الأصعدة كافة، ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية وعلى رأسها جهود مكافحة الإرهاب ومستجدات الأزمات القائمة في المنطقة. وقد شددوا على التقدم الملحوظ في مستوى التعاون الثنائي خلال السنوات الماضية في مختلف المجالات ودفعها إلى آفاق أوسع، وعلى ضرورة المضي قدمًا في تنفيذ المشاريع المشتركة التي تم الاتفاق عليها في إطار آلية التعاون الثلاثي. فيما رحب السيسي بالدعم القبرصي واليوناني لمصر في المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي.

وتأتي القمة الثامنة ضمن الآلية الثلاثية التي أطلقتها مصر في نوفمبر 2014 عقب تولي السيسي الحكم، بهدف تعزيز التعاون المشترك في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وفي مجالات الطاقة ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، فضلًا عن وضع آلية لكيفية الاستفادة من ثروات شرق المتوسط، وصياغة رؤية مشتركة لمواجهة التهديدات التركية.

ومنذ ذلك الحين، تعقد القمة بالتناوب بين الدول الثلاث على الأقل مرة خلال العام، فيما عدا عام 2015 الذي شهد قمتين أحدهما في أبريل والأخرى في ديسمبر، بما يعكس رؤية مشتركة لأهمية تلك الآلية في التعاطي مع المستجدات التي تهم البلدان الثلاثة.

ظروف وملابسات انعقاد القمة

تكتسب القمة أهمية خاصة بالنظر إلى توقيتها المتزامن مع استمرار الاستفزازات التركية المهددة لأمن الدول الثلاث واستقرار منطقة شرق المتوسط، كما أنها تعقب نقلة نوعية في علاقات التعاون بينهم، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو التالي:

1. توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر واليونان: تعد القمة هي الأولى منذ التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في السادس من أغسطس الماضي، خلال زيارة لوزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، إلى القاهرة، ودخولها حيز النفاذ في الثاني من سبتمبر الماضي، وفقًا لقرار من وزير الخارجية المصري يسمح بموجبه بتعيين جزئي للحدود البحرية بين الدولتين واستكمالها بمشاورات لاحقة. 

ويقطع هذا الاتفاق الطريق أمام الأطماع التركية في شرق المتوسط، بعدما دحض اتفاق ترسيم الحدود البحرية غير الشرعي الذي وقعته أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، المنتهية ولايتها، في 29 نوفمبر 2019، كونه يغطي بعض المناطق التي شملتها الاتفاقية المزعومة، التي لم تراعِ الجزر اليونانية، وتمنح تركيا حقوقًا غير مشروعة للتنقيب عن الغاز في مناطق متنازع عليها، بالمخالفة لقانون البحار، الذي لم تنضم إليه أنقرة.

ويتيح الاتفاق لكل من مصر واليونان الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، خاصة احتياطات النفط والغاز، ويفتح آفاقًا جديدة لمزيد من التعاون الإقليمي بمجال الطاقة، ويُمكّن البلدين من التصدي للتحركات التركية غير المشروعة في المنطقة، بما يساهم في ترسيخ الاستقرار في شرق البحر المتوسط.

2. معاودة نشاط التنقيب التركي عن غاز شرق المتوسط: في إصرار منها على استمرار الاستفزازات الموجهة لليونان وقبرص، وبما يظهر سوء نيتها وعدم جديتها في حل الخلافات مع البلدين، أعادت تركيا يوم 12 أكتوبر نشر سفينة المسح السيزمي “أوروتش ريس”، للتنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها بالقرب من الجزر اليونانية، حيث أبحرت السفينة بين قبرص وجزيرة كريت اليونانية خلال الأسبوع الماضي، واقتربت من جزيرة كاستيلوريزو يوم الثلاثاء بحوالي 22 كيلومترًا. وجاء في إخطار أخر لحكومة أنقرة أن سفينتين أخريين هما؛ أتامان وجنكيز خان، إلى جانب أوروتش ريس، ستواصلان العمل في منطقة تشمل جنوب جزيرة كاستيلوريزو حتى يوم 22 أكتوبر الجاري.

https://www.youtube.com/watch?v=nkHBHK7AgvM

وتنذر تلك التطورات بتصاعد التوتر العسكري والسياسي بين البلدين مرة أخرى، بعدما هدأ قليلًا مع سحب أنقرة للسفينة أوروتش ريس في وقت سابق لإعطاء فرصة للجهود الدبلوماسية، قبل اجتماع قمة للاتحاد الأوروبي، لكن على ما يبدو أن هذا كان مناورة تركية، وسرعان ما عادت الأوضاع إلى ما كانت عليها.

وتتضح خطورة الموقف من التصريحات التي أطلقها المسؤولون في أثينا، إذ قال كوستيس هاتزيداكيس، وزير الطاقة، إن نافذة السلام قد تضيق وإن بلاده ليست مستعدة للتنازل عن حقوقها البحرية.  وتعتزم وزارة الخارجية اليونانية تقديم شكاوى إلى منظمة الطيران المدني الدولي “إيكاو” والمنظمة البحرية الدولية “IMO” بشأن قرار تركيا غير المصرح به بتوسيع منطقة البحث في المناطق التي تخضع للسيادة اليونانية.

وتهدف الأنشطة التركية إلى تحقيق أمر واقع في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط ​​بالوسائل العسكرية، ما دفع الحكومة اليونانية إلى مطالبة من المفوضية الأوروبية بالنظر في تعليق اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن دعوة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا إلى تعليق تصدير المعدات العسكرية لتركيا. لكن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ موقفًا بعد بشأن التصعيد التركي الأخير، مكتفيًا بالإدانة حتى الآن، وأرجأ القادة في قمتهم الأخيرة يومي 15 و16 أكتوبر قرارهم في هذا الشأن إلى قمة أخرى مقرر عقدها في ديسمبر، كما رفضوا اقتراح حظر الأسلحة على تركيا خوفًا من لجوء الأخيرة إلى ورقة المهاجرين غير الشرعيين.

3. إنشاء منظمة غاز شرق المتوسط: تأتي القمة بعد شهر من تحويل منتدى غاز شرق المتوسط الذي تأسس في يناير 2019 إلى منظمة في 22 سبتمبر الماضي حيث وقعت ست دول هي مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن على اتفاقية التحويل، مستبعدة من ذلك تركيا التي كانت قد أعربت عن رغبتها في الدخول في مفاوضات مع مصر بشأن قضية ترسيم الحدود البحرية، في إشارة إلى رفض مرحلي لهذا الحوار في ظل استمرار بعض القضايا العالقة والمتعلقة باستمرار التدخل في سوريا وليبيا والعراق ودعم الجماعات الإرهابية في تلك البلدان، وتواصل الاستفزازات في شرق المتوسط، فضلًا عن توفير ملاذ آمن لعناصر جماعة الإخوان المطلوبين في مصر.

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2020/09/image1-4-1-759x500.jpg

وتعتبر المنظمة آلية هامة لتنسيق جهود الدول الأعضاء سياسيًا واقتصاديًا لتحقيق الاستفادة القصوى من ثروات شرق المتوسط، وفقًا لقواعد القانون الدولي، عبر إنشاء سوق غاز على المستوى الإقليمي وتأمين العلاقات التجارية وضمان تلبية العرض والطلب من الدول المكونة للمنتدى وترشيد تكلفة البنية التحتية وتقديم أسعار تنافسية وتنمية حوار سياسي منظم ومنهجي بشأن الغاز الطبيعي ودفع عجلة السلام الشامل في المنطقة، وهو ما يجعلها لا تقل أهمية عن منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”.

ملفات على جدول الأعمال

1. خط الغاز بين مصر وقبرص: يحتل ملف الطاقة موقع الصدارة على أجندة المباحثات الثلاثية، وفي القلب منه جهود تفعيل الاتفاقية التي وقعتها مصر وقبرص في سبتمبر 2018، في نيقوسيا، لإقامة خط أنابيب بحري مباشر من أجل نقل الغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي إلى محطات الإسالة بمصانع إدكو ودمياط لإسالته ومن ثم إعادة تصديره إلى الأسواق المختلفة، بما يدعم مساعي مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة.

ومن مميزات هذا الاتفاق أنه لا يقتصر فقط على خط غاز بين البلدين، ولكن يسمح ببناء العديد من البنية التحتية واستثمار العديد من مليارات الدولارات في بناء منشآت وموانئ في المنطقة، وهو ما يجعل مصر محطة أساسية لتوريد الغاز إلى أوروبا، وتفويت الفرصة على تركيا التي كانت ترغب في انتزاع هذا الدور وفشلت.

2. الاستفزازات التركية المتكررة: وهي أحد القضايا الأساسية التي نشأ هذا التحالف لبلورة رؤية مشتركة في مواجهتها، وقد أكدت القمة ضرورة وقفها والتصدي لها، وهي في ذلك مدعومة بموقف مماثل للاتحاد الأوروبي. فالإضافة إلى المناوشات المتعلقة بإرسال سفينة المسح السيزمي المشار إليها سلفًا، أخذت الاستفزازات التركية بعدًا جديدًا مؤخرًا من مظاهره رفض أنقرة تصريح تحليق طائرة تقل وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، عائدًا من زيارة إلى بغداد مدعية أن الطائرة لم تقدم خطة الرحلة المطلوبة، مما أجبر الطائرة على البقاء في الجو لمدة 20 دقيقة تحلق فوق الموصل. 

فضلًا عن إعادة فتح مدينة فاروشا الساحلية الواقعة في أراضي جمهورية شمال قبرص التركية غير المعترف بها بعد 46 عامًا، بالمخالفة لقرار مجلس الأمن رقم 550 لعام 1984 الذي يحمي وضع فاروشا وينص على أن المنطقة المهجورة لا يمكن أن يسكنها سوى سكانها الأصليون كما دعا إلى نقل المنطقة إلى إدارة الأمم المتحدة. ويسكن فاروشا القبارصة اليونانيين حيث فروا إليها خلال الغزو التركي عام 1974، وتطالب الحكومة القبرصية بعودة المدينة إلى سكانها الأصليين، وهو الأمر الذي تقاومه تركيا، وقد استخدمتها كورقة لدعم المرشح الفائز في الانتخابات التي جرت في قبرص الشمالية غير المعترف بها دوليًا يوم 18 أكتوبر الجاري، إرسين تتار، ومن المتوقع أن تستخدمها كورقة للمساومة في قضية شرق المتوسط.

هذا إلى جانب القضايا التقليدية في العلاقات مع تركيا، وعلى رأسها إرسال أنقرة آلاف اللاجئين إلى الحدود اليونانية في وقت سابق من هذا العام، وهو ما تفاعلت مع أثينا بالعمل على إنشاء جدار بطول 26 كيلومترًا على الحدود المشتركة، على أن يكتمل إنشاؤه في أبريل المقبل بتكلفة قدرها 63 مليون يورو.

3. القضايا الإقليمية: لا يقتصر التنسيق بين الثلاثي؛ المصري-القبرصي-اليوناني، على قضايا التعاون في شرق المتوسط، ولكنه امتد ليشمل القضايا التي تموج به المنطقة، انطلاقًا من وحدة الرؤية بشأن ضرورة الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة دول الشرق الأوسط ودعم مؤسساتها الوطنية واستعادة الأمن والاستقرار لشعوبها والوصول إلى تسوية سياسية لأزماتها لوقف حالة التدهور الأمني والسياسي وبالتبعية الاقتصادي التي تعانيها المنطقة منذ عام 2011، والتي تسببت في إضعافها وتفكك دولها، وجعلها صيدًا سهلًا للأطماع الإقليمية والدولية، وبالأخص التركية.

وفي شأن الأزمة السورية، تتفق الدول الثلاث على ضرورة الحل السياسي الشامل بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وبيان جنيف، واتباع الحوار بين كافة الأطراف منهجًا أساسيًا للحل، مع رفض أي تواجد عسكري غير مشروع على الأراضي السورية، وكذلك رفض الدعم الذي تقدمه أطراف بعينها إلى الجماعات الإرهابية هناك، فضلًا عن معارضة أية مساعٍ لتغيير التركيبة السكانية بمناطق الشمال السوري، بما يحافظ على وحدة البلاد وسيادتها وسلامة أراضيها واستقلالها.

الأمر ذاته فيما يتعلق بليبيا، حيث تؤكد الدول الثلاث ضرورة الحل السياسي بموجب ما تم الاتفاق عليه في مسار برلين وإعلان القاهرة الصادر في يونيو 2020، وضرورة خروج كافة القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، والتوقف عن إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية إلى المقاتلين والمرتزقة، الذي يمثل انتهاكًا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن رقم 1970 لسنة 2011 و1973 لسنة 2011 و2441 لسنة 2011، والتشديد على ضرورة نزع سلاح الميليشيات وتفكيكها وتوحيد مؤسسات الدولة، بما يحافظ على وحدة واستقرار الدولة ويحول دون تحولها إلى قاعدة بتمركز العناصر الإرهابية تنطلق منها مهددة المصالح الشرق أوسطية والأوروبية. 

وهم في ذلك يبعثون برسالة صريحة إلى المجتمع الدولي تفيد برفض الممارسات التركية غير المشروعة والمزعزعة للاستقرار في سوريا وليبيا، وضرورة أن يضطلع المجتمع الدولي بمسؤولياته والضغط على تركيا لوقف مشروعها التوسعي، وسحب قواتها من البلدين ووقف دعمها للميليشيات المسلحة والمرتزقة.  

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏٣‏ أشخاص‏، ‏‏أشخاص يقفون‏‏‏

وانطلق البلدان الثلاثة من رؤية مشتركة فيما يتعلق بتطورات عملية السلام في الشرق الأوسط، أساسها أيضًا الحل السياسي العادل والشامل على أساس الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وبما يضمن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية، مع التأكيد على أهمية إنهاء حالة الجمود الراهنة واستئناف المفاوضات سعيًا لتحقيق هذا الهدف. 

كما تتفق نيقوسيا وأثينا مع موقف القاهرة بشأن قضية سد النهضة فيما يتعلق بضرورة الوصول إلى اتفاق عادل ومتوازن بين مصر وإثيوبيا والسودان على قواعد ملء وتشغيل للسد، استنادًا لمبدأ الاستخدام المنصف والعادل للمياه وعدم التسبب في ضرر جسيم، والعمل على كسر الجمود الحالي لتحقيق اختراق ملموس في هذا الشأن.

4. القضايا ذات الطابع الأمني: يتفق القادة الثلاثة على ضرورة مضاعفة الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة الإرهاب، وعدم التسامح مع الدول والكيانات الداعمة له تسليحًا وتمويلًا وتدريبًا، مع انتهاج مقاربة شاملة لمعالجة كافة جذوره والأسباب المؤدية له، وحث المجتمع الدولي على تحمل مسئولياته في مواجهة من يرعى الإرهاب ويوفر له الملاذ الآمن ومختلف أوجه الدعم. 

وفي شأن الهجرة غير الشرعية، يرى القادة ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لها بما في ذلك الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، مشيدين بالجهود المصرية لمواجهة هذه الظاهرة منذ عام 2016 اعتمادًا على قدراتها الذاتية وانطلاقا من مسئوليتها الأخلاقية، خاصة وأن مصر لم تلجأ في أية مرحلة لاستخدام هذه المسألة كأداة للتفاوض أو الابتزاز مع شركائها الأوروبيين لتحقيق استفادة مادية أو سياسية، حيث تستضيف مصر أكثر من خمسة ملايين لاجئ يتمتعون بكافة الحقوق والخدمات الأساسية كالمصريين.

5. جهود توحيد قبرص: يؤيد القادة الثلاثة جهود توحيد الجزيرة القبرصية، وهو موقف ثابت يتكرر مع كل قمة، لكنه بات أكثر صعوبة مع فوز المرشح المدعوم من أنقرة إرسين تتار، في جولة إعادة الانتخابات في 18 أكتوبر الجاري، حيث يتبنى تتار حل الدولتين، في حين كان يدعم منافسه والرئيس السابق، على أكينجي، جهود إعادة توحيد قبرص.

وانفصلت جمهورية قبرص الشمالية عام 1974 جراء التدخل التركي ضد محاولة اليونان لتوحيد الجزيرة القبرصية معها، وأسست أنقرة وجود عسكري لها في الشمال، ومنذ ذلك الحين جرت محاولات عديدة للوحدة، كان أهمها عام 2004 حيث جرى استفتاءان متوازيان في القسمين القبرصيين على خطة الأمين العان الأسبق، كوفي عنان، التي دعمتها حكومة أردوغان في ذلك الوقت، لكنها فشلت بعض رفض القبارصة اليونانيون لها بأغلبية ساحقة في تناقض تام مع المجتمع القبرصي التركي الذي وافق على الخطة.

Two-state solution (Cyprus) - Wikipedia

ومن المتوقع حاليًا أن تواصل قبرص الشمالية اندماجها الكامل في الهياكل السياسية والاقتصادية التركية مع الحفاظ على الاستقلال الاسمي، وهو ما يعني توقف محادثات إعادة التوحيد، وقد نرى أنقرة تضغط على الاعتراف الدولي بالشمال في حالة فشل المفاوضات المستقبلية. بينما يدعو أنستاسيادس إلى الاستجابة لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لإعادة المشاركة في عملية سلام لضمان استئناف محادثات الوحدة بعد توقف دام ثلاث سنوات، منذ أخر جولة عام 2017 في سويسرا.

ويفاقم من تلك الأزمة، قول تتار إنه سيسعى إلى الوصول إلى اتفاقية مع الحكومة القبرصية الشرعية لتقاسم الحقوق في اكتشافات الغاز المحتملة ورواسب النفط، وسيجعل من اتفاق كهذا شرطًا لأي مفاوضات سلام تفضي في نهاية المطاف إلى اتفاق قائم على دولتين كبديل للنموذج الفيدرالي السائد منذ فترة طويلة. وهو أمر من المؤكد أن قبرص سترفضه، بما سيفاقم من التوترات الحالية في شرق المتوسط، لما يمثله من اعتداء تركي على الحقوق القبرصية في ثروات المتوسط.

ختامًا, يشير اجتماع القمة الثامن بين قادة البلدان الثلاثة على إيمانهم بضرورة تبادل وجهات النظر وتنسيق الجهود بشأن الفرص والمخاطر في البيئة المحيطة، في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، وبالأخص في ملف الطاقة، بما يخدم مصالح المنطقة وشعوبها، وفقًا لمبادئ القانون الدولي واحترام الاتفاقيات الدولية، بما يحقق الاستقرار والأمن والرخاء في منطقة شرق المتوسط التي تشهد توترات دائمة، ويبعث برسالة إلى المجتمع الدولي بضرورة وقف التهديدات الخارجية المزعزعة للاستقرار، خاصة التركية، والاتخاذ من الشرعية القانونية الدولية أساسًا للتحرك في المنطقة. فضلًا عن رغبة القادة السياسيين في الدول الثلاث في البناء على ما تم التوصل إليه في القمم السبع السابقة، ودفع العلاقات الثنائية للمضي قدمًا في كافة المجالات، بما في ذلك الزراعة والسياحة والنقل البحري والطاقة والتعاون العسكري.

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى