مكافحة الإرهاب

ساحات جديدة.. تمدد “داعش” في موزمبيق

بعد خسائره المتلاحقة في سوريا والعراق علي يد قوات التحالف الدولي سعى تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” إلى تعويض خسائره بإيجاد مصادر تمويل، ومعقل جديد لممارسة نشاطه في قلب أفريقيا. واتخذ التنظيم من دول القارة السمراء مسرحًا يحتضن أنشطته الإرهابية؛ مُستغلًا انشغال العالم في مواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد، وحالة الهشاشة الأمنية التي تعيشها بعض الدول الأفريقية نتيجة تنامى أعداد الجماعات والتنظيمات الإرهابية بها، مثل: حركة “الشباب” الصومالية، وجماعة “بوكو حرام” في نيجيريا.

وقد كان لدولة موزمبيق -الواقعة في الجنوب الشرقي للقارة الأفريقية -نصيب الأسد من هجمات تنظيم “داعش” الإرهابية. ونتيجة لبعض التوترات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، فضلًا عن الأهمية الاستراتيجية لموانئ موزمبيق تحولت إلى فريسة لتنظيم “داعش” الإرهابي بعد أن أعلن التنظيم في يونيو 2018 تدشين خلية جديدة تابعة له في شمال البلاد. وقد شهدت موزمبيق 62 هجمة إرهابية نفذها تنظيم “داعش”، وبلغ عدد القتلى جراء العمليات الإرهابية 131 قتيلًا عام 2018 وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019. وقد أدت الحروب المتواصلة في المنطقة الشمالية لموزمبيق والتي بدأت في أكتوبر 2017 إلى قتل ما يزيد عن 1500 شخص، وإحراق أكثر من 1000 منزل، وأصبحت قرى بأكملها خالية بعد فرار السكان وتشرد ما يقرب من 200 ألف شخص حتى الآن.

أبرز العمليات الإرهابية في موزمبيق

تركزت هجمات التنظيم في منطقة الشمال نظرًا للأهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة. ويمكن رصد أبرز هذه الهجمات كما يلي:

  • شن التنظيم هجمات متتالية استهدفت شاحنات نقل البضائع والأفراد، في نوفمبر 2019 قام مسلحون بمهاجمة شاحنات لنقل البضائع في المنطقة الشمالية مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين، وقاموا بسرقة محتوي الشاحنات.
  • في 23 مارس 2020 نفذ التنظيم هجومًا على بلدة ” موكيمبوا دي برايا” الواقعة في شمال البلاد في مقاطعة كابو ديلغادو، بعد معركة عنيفة شنها نحو أربعين مسلحًا من عناصر التنظيم مع قوات تأمين المنطقة، واختيار التنظيم لهذه المنطقة تحديدًا يعود إلى امتلاك هذه المدينة لمشروع من أكبر مشاريع الغاز في المنطقة الأفريقية باستثمارات بلغت 44 مليار جنيه إسترليني أو حوالي 60 مليار دولار.
  • في أبريل 2020 أعلن التنظيم تنفيذ ما يقرب من 13 عملية في المنطقة الشمالية بموزمبيق.
  • في 12 أغسطس 2020 وقع ميناء “موسيمبوا دا برايا” تحت سيطرة التنظيم، وقام بقتل 55 جنديًا من الجيش الموزمبيقي وجرح 90 آخرون.
  • في سبتمبر 2020 أعلن التنظيم فرض سيطرته على جزر “بارادايس” أو ما تعرف بـ “جزر الفردوس” الواقعة على المحيط الهندي، وجزيرتي “فاميزي” و”ميكونغو” وقاموا بحرق الفنادق والفلل المطلة على هذه الجزر والتي تعد مقصدًا لبعض مشاهير العالم، مثل: ” كريستيانو رونالدو”، والأمير “ألبير الثاني”، والزعيم السياسي الراحل “نيلسون مانديلا”.

” داعش موزمبيق”

في يونيو 2018 أعلن تنظيم “داعش” وجود خلية جديدة تابعة له في موزمبيق. هذه الخلية يطلق عليها الآن “حركة الشباب”. وقد ظهرت الحركة في البداية عام 2017 تحت مسمى “أنصار السنة”، وفى عام 2018 أعلنت ولاءها لتنظيم “داعش”، وفى عام 2020 تغير اسمها لـ”حركة الشباب”. وتتمتع الحركة بشبكة علاقات واسعة تربطها بعدد من التنظيمات الأخرى المتطرفة في القارة الأفريقية، مثل علاقتها بحركة “الشباب الصومالية”. وتعتمد في تمويلها على (تجارة العاج، وتهريب البضائع، وتجارة الهيروين). ويقدر عدد أعضائها بـ 1500 مقاتل يعملون على طول الساحل الشمالي بموزمبيق.

ووفقاُ لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، شنت الجماعة حوالي 375 هجومًا أسفر عن وقوع أكثر من 900 قتيل، واجبار حوالي 200 ألف شخص على الفرار من منازلهم، كما قامت الجماعة بمهاجمة القرى النائية في شمال البلاد، وحرق وهدم المساجد والمنازل ونصب كمائن لدوريات الجيش على الطرق المعزولة، ونتيجة للغموض الذي يحيط بهذه الجماعة واجهت قوات الأمن في موزمبيق صعوبة في التعرف على قادتهم، ولم يتم الكشف على هويتهم في الفترة الأخيرة بعد إعلان ولائهم لتنظيم “داعش” الإرهابي في 2019.

المُقاربة الموزمبيقية لمكافحة الإرهاب والتحديات التي واجهتها

نتيجة لتصاعد العمليات الإرهابية في موزمبيق قامت الحكومة بشن تشريعات إضافية جديدة لقانون مكافحة الإرهاب، وأنشأت مجموعات دفاعية من قوات الجيش في الشمال، واستعانت بمجموعة من المرتزقة من روسيا وجنوب أفريقيا لمساعدة قوات الجيش في صد هجمات “داعش”، كما لجأت إلى  الاستعانة بشركات أمنية خاصة لمحاولة استعادة السيطرة على شمال البلاد من بينها شركة “فاغنر” الروسية، ولكن نتيجة لنمط حرب العصابات الذي يتبعه التنظيم ودرايته الكاملة بجغرافيا وثقافة المجتمع السائدة في هذه المنطقة تمكن التنظيم من التغلب على القوات النظامية، وكبدها خسائر فادحة، وسقط عدد من عناصر المرتزقة في ايدي عناصر التنظيم.

واجهت الحكومة تحديًا كبيرًا تمثل في ضعف التنسيق على المستوى الإقليمي لمكافحة الإرهاب نتيجة انخراط الدول في مواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد. كما أن توتر العلاقات بين موزمبيق وتنزانيا الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 55 عامًا مثل عائقًا أمام تعاون الدولتين في مكافحة الإرهاب.

في أبريل 2020 طلبت الحكومة دعمًا من إحدى شركات الخدمات العسكرية الموجودة في جنوب أفريقيا وهي شركة “Dyck Advisory Group”، ولكن فشلت في مواجهة التنظيم الذي قام بإسقاط طائرتين من طائرات الهليكوبتر الخاصة بها. وقامت الشركات العاملة في مجال الطاقة والتي تمتلك مشروعات استثمارية في المنطقة وهما شركتي “إكسون موبيل” و”توتال” بالتفاوض مع الحكومة في موزمبيق سعيًا لزيادة عدد الجنود الذين يتولون حماية عملياتهما في منطقة الشمال، واستعانت بقوات من “مابوتو”؛ لتأمين مناطق عمل الشركات والعاملين بها.

وقد قام الرئيس الموزمبيقي ” فيليب نيوسي” في 20 مايو 2020 بطلب الدعم الإقليمي والدولي لمواجهة تنامى العمليات الداعشية التي تسعى للسيطرة على مناطق الشمال الغنية بالغاز في كابو دليجاو، معربًا عن إن بلاده لن تستطيع المواجهة وحدها دون الدعم الإقليمي والدولي.

مخاطر تمدد “داعش” في موزمبيق

  • سيطرة التنظيم على ميناء حيوي هام، مثل: ميناء “ميكيمبو دي برايا” يمثل تهديدًا للمشروعات الاستثمارية في هذه المنطقة وقد يعطل عمل هذه المشاريع، كما يمثل تهديدًا لحياة المواطنين الأجانب المقيمين عليها.
  • انتشار ” داعش” في شمال موزمبيق على الحدود المشتركة بينها وبين تنزانيا يمثل تهديدًا كبيرًا لتنزانيا خوفًا من احتمالية انتقاله إليها، كما يمثل تهديدً أيضًا لمنطقة جنوب أفريقيا التي أصبحت مهدده من التنظيم بعد إرسالها مساعدات لحكومة موزمبيق عام 2017 لمواجهة التمرد في منطقة الشمال. حيث أعلنت الجماعة أن تدخل جنوب أفريقيا في “كابو ديلجادو” يدفع الجماعة لتكوين جبهة قتالية ممتدة في جنوب إفريقيا.

وتوجد عدة محفزات لتنظيم “داعش” للتمدد في جنوب أفريقيا من بينها: توفر بيئة خصبة لانتشار أفكار التنظيم، حيث الانقسامات بين الجماعات السنية والشيعية، وانتشار التعصب الديني داخل المجتمع الإسلامي في جنوب أفريقيا، كما يستفيد التنظيم أيضًا من وجود ممر بين موزمبيق وجنوب أفريقيا يعد معقلًا للأنشطة غير المشروعة مثل تهريب المخدرات والتي قد يستفيد منها التنظيم في تمويل أنشطته الإرهابية، وتوفر المناطق التي لا تخضع للمراقبة الأمنية الكافية من قبل حكومة جنوب إفريقيا بيئة مناسبة للاستغلال في عمليات التدريب من قبل “داعش”. وبالتالي فانتشار “داعش” في موزمبيق قد يفتح الباب أمام “داعش” للتوغل في وسط وجنوب أفريقيا.

+ posts

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

منى قشطة

باحثة ببرنامج قضايا الأمن والدفاع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى