
د. محمد حسين أبو الحسن يكتب : «تكتل جديد» على ضفاف النيل!
طالب الدكتور محمد نصر علام وزير الرى الأسبق بتشكيل نوع من التكتل أو التحالف بين مصر وبعض دول حوض النيل التى تتفهم المصالح المائية المصرية، ونوه إلى ثلاث منها: الكونجو الديمقراطية وبورندى وكينيا- ويمكن أن أضيف السودان وجنوب السودان- وذلك فى معرض تعليقه على مقالى (مصر والكونجو.. نقلة على رقعة المستقبل) المنشور بـ «الأهرام» الأربعاء الماضي. اقتراح الخبير العالمى الدكتور علام جدير بالاهتمام, فى ظل تعنت إثيوبيا بمفاوضات سد النهضة وتأليبها دول منابع النيل ضد القاهرة، مما يهدد الأمن المائي؛ ويجعل هذا المقترح فريضة الوقت بالنسبة لمصر.
تتحدد ملامح السياسة الخارجية لأى دولة، وفقا لمجمل ظروفها على المستويات كافة، ولمعطيات البيئة الإقليمية والدولية المحيطة بها, بحيث تعمل السياسة الخارجية على تجسيد المصلحة الوطنية، عبر قدرة صانع القرار على الربط المنطقى بين تلك المصلحة ومعطيات البيئة المحيطة. وقد كانت مصر الدولة الأكثر نفوذا فى أفريقيا طوال عهد جمال عبدالناصر الذى وصفه الزعيم الجنوب إفريقى مانديلا بأنه (أبوأفريقيا) ومحررها من الاستعمار، وبوفاته راحت القاهرة تنسحب من القارة؛ أضحى دورها شاحبا، دفعت ثمنا فادحا لهذا الغياب، فالسياسة تأبى الفراغ؛ لذلك باتت مصالحها مكشوفة أمام المنافسين الإقليميين والدوليين.
ولعل قضية السد الإثيوبى مثال صارخ، تسعى إثيوبيا وحلفاؤها إلى استهلاك ما تبقى من الأرصدة المصرية لدى شعوب القارة؛ ليصير (السد) (صندوق بندورا) لكل الشرور, إنه مجرد بداية تتوقف على نتيجة المعركة حوله، سلسلة من النتائج الجيواستراتيجية، شرا أو خيرا، ولا مفر أمام القاهرة من السعى الحثيث لإفشال مخطط إغراقها بالأزمات، من خلال تحييد الأخطار المتكاثفة. فقد أفضى تلاقى مصالح إثيوبيا وقوى إقليمية ودولية لعرقلة الوصول إلى تفاهمات حول السد، خاصة مع (الجرى فى المكان) الذى يمارسه (الاتحاد الإفريقي) والولايات المتحدة، وغض الطرف عن استنزاف أديس أبابا الوقت لاستكمال السد والمخطط، بل إنها أعلنت بدء المرحلة الثانية من الملء يوليو المقبل، بما يجعل المفاوضات عبثا فارغا.تدرك إثيوبيا أن موازين القوى تميل بشدة لمصلحة مصر،لكنه الاستقواء بالآخرين؛ ذكر تقرير لمنظمة الفاو عام 2010 أن الصين اشترت ثلاثة ملايين فدان بدول إفريقية، خاصة دول النيل، ومثلها فعلت كوريا واليابان والهند وكل دول الخليج العربية.. لك أن تعلم أن قطر وتركيا تقيمان مشروعا ضخما للاستفادة من السد الإثيوبى بزراعة مليون ومائتى ألف فدان،أبرمت أنقرة اتفاقية دفاع مشترك مع إثيوبيا،وعرضت الدوحة 5 مليارات دولار للإسهام بتمويل السد، وإذ أضفنا إلى ذلك الحضور الإسرائيلى الصاعد فى القرن الإفريقى والبحيرات العظمى وركيزته الاستثمار الزراعي، وفقا للاستراتيجية الإسرائيلية الثابتة: (إن لم يأت الماء إليك فاذهب إليه).. تكتمل الصورة وما تحويه من تحديات جسام، تشكل اختبارا لاستراتيجية القاهرة فى حوض النيل.إن سياسة (اليد الممدودة) التى شرعت مصر بانتهاجها، مؤخرا، أحد البدائل المهمة لتوجهاتها فى الدائرة الإفريقية, لا تستطيع ترك عمقها الاستراتيجى (عشر دول بحوض النيل) فراغا تملؤه قوى إقليمية ودولية، ومسرحا تدير فوقه صراعاتها ضد مصر، تحاصرها من الخلف وتشد أطرافها.
إن المصالح المائية والسياسية والاقتصاديةالمصرية تستوجب تلافى أخطاء الماضي،ومد الجسور مع دول العمق الاستراتيجي، دون إبطاء، نظرا لثرائها بالموارد والأسواق؛ ارتكازا إلى قاعدة توازن المصالح،عبر تدشين (تحالفات) والإسهام بمشروعات تحقق المنفعة المتبادلة،في: الاستثمار الزراعى والصناعى والطاقة- مثل سد إنجا بالكونجو الذى يولد 45 ألف ميجاوات، بسعر لايتعدى 40% من كهرباء سد النهضة-أو النقل، كتخصيص موانئ مصرية لتجارة دول النيل مع العالم، مقابل التعهد بعدم الإضرار بالمصالح المصرية، كما تشكل مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم، فرصا للتعاون، بالنظر للمزايا النسبية لمصر فى تلك المجالات، ويمكن الإفادة من جهود الأزهر والكنيسة فى تعزيز قوة مصر الناعمة، لجنى المنافع وبناء الثقة مع شعوب هذه الدول النيلية، هنا أتساءل: لماذا لا تنشئ مصر (كلية لطب المناطق الحارة) فى أسوان، لدراسة الأمراض المنتشرة بأفريقيا وعلاجها، بل لماذا لا تنشيء مصر (مقرا مؤقتا للاتحاد الأفريقي) بأسوان أو قنا، يوازى المقر الأوروبى للأمم المتحدة بجنيف…. إن تحركا مصريا فاعلا متوازى الخطوط والخطوات؛ لتعزيز أطر التعاون الجماعى مع دول الحوض والقارة، «يشكل ضغطا اقتصاديا وسياسيا ونفسيا على إثيوبيا» ويهييء لإعادة هندسة المشهد النيلي؛ على أساس المنافع المتبادلة لمصلحة الجميع.


