
تعرف على جهود الدولة المصرية في مكافحة ظاهرة ” التنمر”
في السنوات الأخيرة، تنامت ظاهرة “التنمر” وبرزت بشكل كبير على السطح. وبدأت تسترعي انتباه دول ومنظمات دولية عدة. ووفقًا لإحصائيات صادرة عن منظمة اليونسكو بـ 2019، فإن تعدادا يُقدر بربع مليار طفل يتعرضون للتنمر سنويا حول العالم.
في دراسة تم إجراؤها على عدد 19 دولة، وأظهرت نسبا مُذهلة تشير إلى أن عدد 34% من الطُلاب قد تعرضوا للمعاملة القاسية، وأن نسبة 8% يتعرضون لممارسات عنيفة يوميًا في مدارسهم.
وفيما يتعلق بالدولة المصرية، أظهرت بيانات تابعة لمنظمة اليونيسيف 2019، أن نسبة 70% من أطفال مصر يتعرضون للتنمر من قِبَل زملائهم في المدارس. علاوة على ذلك، أن تنامي ظاهرة التنمر بدأ يتخذ منحنى أكثر حدة ويخرج عن جدران المدارس وبين الطُلاب والأطفال، حتى يصبح بمثابة ظاهرة تبرز على السطح في المجتمع المصري ما بين الفينة والأخرى، وباتت مشاهد مقاطع الفيديو المصورة التي تروج لحوادث تنمر جزءا لا يتجزأ من حياة المصريين في الآونة الأخيرة.
وبناءً عليه، أدركت الدولة أنه ينبغي التحرك بشكل جدي لوقف سيل ظاهرة التنمر، واعتمدت في طريقها على وسيلتين رادعتين، هما “الردع بالقانون” ، و “الردع من خلال الوعي والتربية والتعليم”.
حوادث صادمة.. وردود فعل رسمية سريعة

في نوفمبر 2018، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، مقطع فيديو يُظهر عددا من الشُبان المصريين يتنمرون على طالب إفريقي يقيم هو وعائلته في حي حدائق القبة بالقاهرة. وعلى الفور تحركت الجهات الأمنية وألقت القبض على المتهمين، وعقب ذلك مباشرة، وجهت إدارة منتدى شباب العالم دعوة رسمية إلى الطالب السوادني “جون”، ضحية التنمر، والتي ذهب على إثرها لحضور المنتدى وجلس جنبًا الى جنب مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
إذا، المُتأمل في رمزية المشهد يفهم بوضوح كيف أرادت الدولة أن تزيل القيم السلبية، وتبدلها حتى يحل محلها أخرى إيجابية، بمجرد أن تحول الطالب السوداني من ضحية تنمر الى شخص يحل ضيفًا على شرم الشيخ ويجلس صحبة رئيس الجمهورية نفسه. إلا أنه وبمرور الوقت، اتضح أن رمزية المشهد وحدها لا تكفي، فقد تكررت الأزمة بأشكال مختلفة، وبدأت الأجهزة الأمنية تسير في وتيرة متسارعة خلف ملاحقة ومطاردة كافة أشكال الحوادث التي ترتبط جميعها بظاهرة التنمر.
وفي محافظة قنا، قررت نيابة قوص حبس طالب لتنمره على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد تداول فيديو على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” يظهر فيه المتهم بجذب الضحية من ملابسه ويسقطه أرضاً.
وفي الجيزة، تم القبض على سيدة ظهرت في مقطعي فيديو على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، وهي تجبر طفلين (3 و5 سنوات) يحملان جنسية إحدى الدول الإفريقية، على الأكل من القمامة بأكتوبر. كما تم ضبط حلاق وعاطل بعد استدراجهما معاقً ذهنيًا داخل محل “حلاقة” ملك الأول بمنطقة إمبابة، وإرهابه باستخدام “كلب” لإثارة الرعب والفزع داخله، وتصويرهما الواقعة بقصد المزاح ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي بغرض زيادة عدد متابعيهما. وفي القليوبية، قررت نيابة الخانكة، حبس طالبين بعد تنمرهما بمعاق ذهني بإلقاء قطع حجرية عليه في الشارع وتصويرهما فيديو، ورفع المقاطع على حساباتهما الشخصية وجعلها مادة سخرية.
تطورات قانون العقوبات المصري.. وجه جديد لمواكبة تغيرات المجتمع

ليس من الممكن أبدًا أن يعيش الانسان
مُنفردًا، ولما كان البشر يعيشون على هيئة مجتمعات، لما كان من الضروري توافر
القوانين الحاكمة والمُنظمة لطبيعة ما يربطهم بعلاقات وتصرفات. إذا، نعرف بهذه
الطريقة أن القانون هو أمر ضروري، ولكنه في نفس الوقت مسألة غير ثابتة، وشأنه في مسألة
التحرك والتطور لا
يختلف عن شأن أي كائن حي يتنفس وينمو بمرور الزمان، ويؤثر ويتأثر
بالظروف المُحيطة به.
ولقد بدأ القانون المصري، باعتباره كائنا حيا يتنفس ويتطور بما يتواكب مع التغيرات التي تطرأ على المجتمع، في اتخاذ مواقف جديدة إزاء تنامي ظاهرة التنمر، وتكرار الحوادث المتعلقة بها في أنحاء مختلفة من الجمهورية. إذ أن التنمر بدأ يخرج عن إطار كونه مجرد حادثة فردية، وأخذ في التحول نحو سلوك شائع بين عموم المواطنين. ولهذا السبب بات من الضروري على الدولة أن تتحرك بشكل جدي وتتخذ خطوات رادعة لوقفه ومنع انتشاره.
وبتاريخ يوليو 2020، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، من خلال إضافة مادة جديدة برقم “309 مكررًا ب “، والتي أوردت تعريفًا للتنمر. ووفقًا للتشريع الجديد، فإن القانون المصري يُعرف القانون باعتباره أي فعل يندرج تحت النقاط التالية؛
- يُعد تنمرا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تُسئ للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنها أو اقصائه عن محيطه الاجتماعي.
- عقاب المُتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- تشديد العقوبة إذا توافر أحد ظرفين، أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه او من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه.
- تُشدد العقوبة أيضًا إذا كان مسلمًا إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادما لدى الجاني، لتكون العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- مُضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين وفي حالة العود تُضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.
وبتاريخ سبتمبر من العام الجاري، دخل تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على التشريع الجديد، حيز التنفيذ والتطبيق الفعلي على الأرض. في خطوة لاقت ترحيبًا دوليًا، خاصة من منظمة اليونيسيف، التي عبرت عن سعادتها بوجود هذا التشريع الجديد الذي يُجرم التنمر في مصر.
جهود إضافية بذلتها الدولة لمكافحة التنمر في مصر
يُعد التنمر جريمة سلوكية في المقام الأول، ولهذا السبب ليس من المنطقي أن تعتمد الدولة في مكافحتها على مجرد التشريعات والقوانين فحسب. بل كان لابد من التحرك على نطاقات أخرى موازية، أحدها على مستوى نشر الوعي بخطورة الظاهرة، والآخر فيما يتعلق بمجال التعليم.
وعلى مستوى نشر الوعي، في سبتمبر 2018، انطلقت في مصر أول حملة قومية من أجل إنهاء العنف والتنمر تحت شعار “أنا ضد التنمر”، وهي حملة تحت رعاية مشتركة من المجلس القومي للطفولة والأمومة المصري ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، وبالشراكة مع وزارة التربية والتعليم المصرية.

وعلى مستوى التعليم، بدأت الدولة تنتهج أساليب جديدة، منها أن يتم الاهتمام بالمواد الدراسية التي تُعلى القيم والأخلاق، وتؤكد على ضرورة احترام الآخر. وفي سبتمبر 2020، أعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، عن الانتهاء من طباعة كتاب “القيم واحترام الآخر” للصف الثالث الابتدائي، والذي كان أحد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة قد طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال تواجده في أحد الفاعليات. كما أنه من المقرر ألا يتوقف الأمر على تدريس هذه المادة للصف الثالث فحسب، ولكن سوف يتم اعدادها وتدريسها كذلك لطلاب الصفوف الأولى والثانية الابتدائية.
مصر على طريق التجارب الدولية في مكافحة التنمر
أصبح التنمر سلوك معروف دوليًا، بحيث بدأت عددً من الدول الغربية والآسيوية على حد سواء بالفعل بسن تشريعات وقوانين تهدف جميعها الى التصدي لهذه الظاهرة. فعلى سبيل المثال، جاءت السويد باعتبارها واحدة من أولى الدول، التي سنت قوانين تحظر ظاهرة التنمر في مكان العمل. ووفقًا لتشريعاتها، يفرض القانون على أصحاب العمل التحقيق السريع في أي حالات تنمر ومواجهتها فور ظهورها، ولكن السويد تُلزم جهات العمل باتخاذ نهج غير عقابي في مكافحة الظاهرة، واستخدام الحوار المجتمعي بدلاً عن ذلك. بينما اختلف الأمر لدى الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم اتخاذ ما يلزم من إجراءات تشريعية على مستوى الولايات والحكومات المحلية لأجل حماية الأطفال من التنمر، حيث أصبح لكل ولاية من الولايات الخمسين تشريعًا خاصًا بها يهدف لمكافحة التنمر وطريقة مختلفة في التعامل مع هذا الملف. أما عن سياسة المملكة البريطانية المتحدة لأجل مكافحة التنمر، فقد اتخذت إنجلترا إجراءات ملزمة بموجب القانون لجميع المدارس، بحيث تلتزم كل منها بسياسات سلوكية تضمن منع جميع أشكال التنمر بين التلاميذ. كما أطلقت الحكومة البريطانية خطًا للاتصال المباشر بالشرطة، في حالة التعرض لأي حادثة اعتداء أو تنمر او أي شكل من أشكال الكراهية. وفي القارة الآسيوية، صنعت اليابان تجربة مشهودة، فيما يتعلق بالتشريع الذي أصدرته بتاريخ 2013، والذي يتم بموجبه إلزام المدارس بمعالجة التنمر، بما في ذلك التنمر الإلكتروني، حيث أصبحت المدارس مُطالبة بالتحرك لأجل منع حوادث التنمر والإبلاغ عن الحوادث عند نشؤها.