تركيا

الرباعي العربي وتحجيم أنشطة قطر وتركيا

يشير مصطلح “الرباعي العربي” في أدبيات العلاقات الدولية إلى التحالف الذي نشأ بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، عام 2017 متخذًا قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية مع قطر في 5 يونيو من هذا العام، لدورها التخريبي في المنطقة ودعمها المادي والمعنوي للإرهاب والجماعات الإرهابية، وعلاقاتها مع إيران. لكن الأمر لم يقف عند حدود مواجهة الخطر القطري فقط، بل أصبح هذا التحالف نموذجًا للتحرك العربي المشترك والمنسق ضد التهديدات المتزايدة التي تشكل خطرًا على الأمن القومي العربي، ومن ذلك المشروع التركي.

مظاهر التهديدات التركية للأمن القومي العربي

منذ اندلاع أحداث ما يُسمى بالربيع العربي في أواخر عام 2010 وعام 2011، وجدت تركيا بيئة خصبة لإحياء مشروعها التوسعي الساعي إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية البائدة، مستغلة في ذلك حالة الفراغ السياسي والسيولة الأمنية التي نشأت جراء الاضطرابات التي ضربت عددًا كبيرًا من دول المنطقة، فضلًا عن ظهور الجماعات الإرهابية المسلحة على غرار داعش، وصعود جماعة الإخوان الحليفة إلى رأس السلطة في عدد من الدول. 

ومن هنا انطلقت تركيا للعمل ضد الدول العربية في الشام والخليج وشمال أفريقيا والقرن الأفريقي، استنادًا إلى فكرتين أساسيتين هما؛ مشروع الوطن الأزرق والعودة إلى الميثاق الملي، وذلك بالمخالفة للقانون الدولي ولقواعد العلاقات الإقليمية والدولية، ودون اعتبار للعواقب التي يمكن أن ترتد عليها داخليًا وخارجيًا، معتمدة في ذلك على التحالف مع تيارات الإسلام السياسي نظرًا لأن أدبياتها بُنيت على فكرة “عودة الخلافة”، وهو ما يجعل مصالح الطرفيين تتلاقى عند نقطة اتفاق يمكن البناء عليها والانطلاق منها.

ويُمكن استعراض أبرز مظاهر التهديد التركي للأمن القومي العربي على النحو التالي:

1. تعريض الأمن الخليجي للخطر: سعت تركيا من خلال التحالف مع قطر إلى إيجاد موطئ قدم لها في الخليج، انطلاقًا من وحدة الموقف تجاه “الربيع العربي” والسياسة المشتركة لدعم الجماعات الإرهابية وتنظيم الإخوان المسلمين، وهكذا أسس أردوغان قاعدته العسكرية الوحيدة بالخليج، قاعدة الريان، في نهاية 2014 بقطر. ومع مقاطعة الرباعي لقطر، اندفعت تركيا نحو توجيه الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري المالي، عبر تأييدها الرفض القطري لقائمة المطالب الـ 13 التي تقدم بها الرباعي لإنهاء المقاطعة، وإرسال قوات عسكرية إليها، وتوفير احتياجاتها الغذائية.

جانيكلي يزور القاعدة العسكرية التركية في قطر

واستغلالًا للأزمة، عززت تركيا وجودها العسكري في قطر، عبر افتتاح قاعدة جديدة في أواخر العام الماضي تضم 2800 جندي، فضلًا عن توقيع اتفاقيات تعاون عسكري. ويمثل هذا الوجود العسكري تهديدًا مباشرًا لأمن السعودية والإمارات والبحرين، خاصة وأن هناك مخاوف من أن تُستغل القاعدة في تدريب عناصر إرهابية وإرسالها إلى الدول المجاورة، أو أن تعمل كمركز للتجسس على الدول المحيطة. 

2. مأوى لعناصر الإخوان: منذ سقوط المشروع الإخواني في المنطقة على يد مصر في 30 يونيو 2013، فتحت تركيا أبوابها لاستقبال عناصر الجماعة الهاربين، وهو ما أقر به ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي والمسؤول عن ملف الإخوان، عندما قال إن عدد الإخوان في تركيا يتجاوز 15 ألف شخص، فيما تفيد إحصاءات غير رسمية أن العدد أضعاف ذلك بكثير، وتقيم عناصر الإخوان في مناطق فارهة وتخضع للتدقيق الأمني.

وتظهر العلاقات الوطيدة بين النظام التركي وعناصر الإخوان الهاربة في عقد أردوغان لقاءات دورية مع محمود حسين، الأمين العام بالجماعة، ومدحت الحداد، رئيس ما يسمى بمجلس شورى الإخوان، كما يعقد أقطاي اجتماعات مع أعضاء الإخوان ويشارك في اجتماعات التنظيم الدولي بإسطنبول.

وقد اتخذت عناصر الجماعة من تركيا قاعدة لعقد اجتماعاتها الدورية والخروج بقرارات تهدف لزعزعة الشارع العربي عمومًا، والمصري خصوصًا، ومن هناك تخرج الأوامر بارتكاب العمليات الإرهابية في مصر. وقد كشف أحد شباب الجماعة المنشقين ويدعى “محمد. ش”، أن قيادات التنظيم الدولي اجتمعوا بكامل هيئتهم في إسطنبول في 2013 ووضعوا خطة بعنوان “وثيقة الأزمة” تكون بمثابة خريطة طريق للتعامل مع الانهيار الذي تعرضت له الجماعة في مصر في ذلك العام، والتي اعتمدت العنف منهجًا، وحددت سبل تمويل العمليات العنيفة بمصر. 

ومن فترة لأخرى تلقي قوات الأمن المصرية على مجموعات تابعة للتنظيم وتضبط معها خططًا لتنفيذ عمليات إرهابية، كما أنها كشفت عن وجود عدد من الشركات والكيانات الاقتصادية التي تدار من إسطنبول بغرض توفير الدعم المالي لتلك المجموعات.

الأمر لا يقف عن هذا الحد، لكنه امتد إلى إنشاء آلة إعلامية موجهة إلى مصر والرباعي العربي وأي دولة ترفض المشروع التركي في المنطقة، تقوم على مدار الساعة ببث مواد تتضمن دعمًا للإرهاب، والترويج للمشروع التركي، والتشكيك المستمر في أي تحركات تقوم بها حكومات تلك الدول، ومحاولة تأليب الرأي العام وتحريكه للخروج في مظاهرات. وتضم تلك الآلة قناتي “الشرق” و”مكملين” الفضائيتين اللتين انطلقتا عام 2014، فضلًا عن مواقع “وطن” و”العربي الجديد” و”هاف بوست” و”شبكة رصد” و”شبكة ناشرون الإخبارية” و”شبكة أخبار الإخوان المسلمين”.

3. التمدد العسكري التركي في سوريا: تُعدُّ سوريا النموذج الأبرز للتدخل التركي المباشر والفج في شؤون الدول العربية، إذ انتهجت سياسة عدوانية في سوريا بالمخالفة للقانون الدولي، وراحت تدعم الجماعات الإرهابية المسلحة التي تحارب ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وعلى رأسها الجيش السوري الحر، ثم اتبعت سياسة احتلال منظم عبر تنفيذ ثلاث عمليات عسكرية كبرى هي “درع الفرات” في الفترة الممتدة من 24 أغسطس 2016 إلى 29 مارس 2017. ثم العملية “غصن الزيتون” في يناير 2018 بهدف إنهاء الوجود الكردي في المناطق الحدودية بين البلدين وقد انتهت باحتلال بعض مدن الشمال مثل عفرين وتل أبيض ورأس العين والباب وأعزاز ودابق وجرابلس وجنديرس وراجو وشيخ الحديد وحلب، الواقعين في نطاق محافظات الرقة والحسكة بحيث تبلغ المساحة الخاضعة للسيطرة التركية 8835 كم². فالعملية “نبع السلام” في أكتوبر 2019، و”درع الربيع” في فبراير 2020 بهدف وقف تقدُم الجيش السوري في إدلب لكنها فشلت.

والحقيقة أن الغزو العسكري التركي لسوريا يمثل جزءًا من مشروعها العثماني التوسعي في المنطقة، إذ تسعى إلى تطبيق النموذج القبرصي في سوريا عبر تثبيت احتلالها لشريط حدودي يمتد من الحدود العراقية السورية شرقًا وحتى ساحل البحر المتوسط غربًا، مثلما فعل القوميون الأتراك عندما احتلوا شمال قبرص عام 1974، وما زال الاحتلال التركي قائمًا حتى الآن. وبالفعل توجد القوات التركية حاليًا في إدلب، آخر معاقل الجماعات المعارضة والمسلحة، وتحتل معظم الشريط الحدودي السوري مع تركيا.

وتتأكد الأطماع التوسعية في سوريا من استبدال الليرة التركية بالليرة السورية في التداول في المناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، بحجة انهيار سعر صرف الليرة السورية، مع أن الليرة التركية هي الأخرى تعاني انهيار غير مسبوق بلغ نسبته في العام الحالي 25.1%.

ولتحقيق أغراضها لعبت أنقرة على التناقضات بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا واستطاعت إيجاد موطئ قدم لها في أي محادثات سياسية بشأن الأزمة كمساري جنيف وأستانا، لضمان أن صياغة حل سياسي للأزمة سيضمن الحفاظ على مكتسباتها ويراعي مصالحها الاستراتيجية، المتمثلة في تفكيك المجموعات الكردية، والقضاء على عناصر حزب العمال الكردستاني، وإقامة مناطق لإعادة اللاجئين السوريين الذين تستضيفهم ويصل عددهم إلى قرابة 3.5 مليون. 

وتحمل السياسة التركية في سوريا مخاطر جسيمة على الأمن القومي العربي، ليس فقط بسبب طابعها التوسعي الهادف للسيطرة على أجزاء من الدولة السورية وضمها لتركيا أو على الأقل ضمان وجود حلفاء لها في المنطقة، ولكن بسبب اعتمادها الرئيسي على التحالف مع جماعات إرهابية مسلحة بما يقوي من شوكتها، فقد بات الجيش السوري الحر ذراع أنقرة في سوريا مثلما هو حزب الله في لبنان بالنسبة لإيران. كما يخشى أن يأتي إضعاف الأكراد على حساب صعود تنظيم داعش، خاصة وأن الأكراد لعبوا دورًا حاسمًا إلى جانب التحالف الدولي في هزيمة داعش، كما تحتجز قوات سوريا الديمقراطية في مناطق وجودهم 12 ألف رجل داعشي و70 ألف امرأة وطفل من أسرهم، وبالتالي فإن إطلاقهم يمثل انتكاسة للجهود الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب.

4. الاحتلال التركي لشمال العراق: على غرار سوريا، تطلع أنقرة إلى تكريس وجود دائم لها في شمال العراق ضمن إمبراطورتيها المزعومة. وعلى الرغم من احتفاظها بنفوذ كبير في مناطق الشمال منذ عهد الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، إلا إنها عملت على ترسيخ هذا الوجود بشكل دائم منذ 2015، متخذه من ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني ذريعة. وهكذا شنت القوات التركية العديد من العمليات العسكرية شمال العراق كان آخرها العملية “مخلب النمر”، التي تمددت فيها إلى عمق غير مسبوق يصل إلى 40 كيلو متر داخل الأراضي العراقية. 

وبالفعل تحتل تركيا مساحات كبيرة من شمال العراق حتى “معسكر بعشيقة” حيث ينتشر الجيش التركي في مناطق بشمال العراق بطريقة تشكّل حزامًا أمنيًا شبيها بالذي أقامته في سوريا، كما تحتفظ بأكثر من 20 قاعدة عسكرية في الشمال والوسط بما في ذلك مناطق بعشيقة وصوران وقلعة جولان وأربيل وجبال قنديل، فيما تسعى لإقامة المزيد منها. وتتجلى أيضًا الأطماع التوسعية التركية في شمال العراق وحتى الموصل في إدراجها لما يسمى بالليرة الموصلية في ميزانيتها، ومحاولتها إزاحة السكان الأصليين للمنطقة واستبدالهم بالمسلحين الذين تدعمهم إذ تقوم شركة “توكي” التركية للإسكان ببناء مجمعات سكنية للمسلحين الذين جلبتهم وأسرهم للإقامة هناك. 

وقبل الانتقال إلى نقطة جديدة، لابد من التوقف هنا عند حدود الأطماع التركية في سوريا والعراق التي عبر عنها أردوغان بالإشارة إلى “الميثاق الملّي” لعام 1920، الذي اعتبر إقليم كردستان العراق، وشمال العراق وعاصمتها الموصل، وشمال سوريا وعاصمتها حلب، جزءًا من الدولة التركية، باعتبار أن غالبية سكانهم ناطقين بالتركية.

الميثاق الملي

وهو ما تسعى أنقرة لاستعادته من جديد، عبر ترسيخ وجودها المباشر فيها وإجراء تعديل ديموغرافي وهوياتي، باستبدال قاطنيها من الأكراد بسكان عرب وتركمان، وهو بالمناسبة أمر يندرج تحت مسمى السياسة التوسعية بالمُخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فضلًا عن عمليات غزو ثقافي لتتريك المناطق الخاضعة لسيطرتها يشمل إقامة مدارس تحمل أسماء أتراك ويتم تدريس بعض المواد وأحيانًا كلها باللغة التركية، وإدارة المستشفيات، ورفع العلم التركي على بعض المنشآت التعليمية والصحية والحكومية، واستبدال لافتات الطرق والميادين والمؤسسات العامة وأسماء الشوارع بأسماء تركية أو إضافة اللغة التركية إلى جوار اللغة العربية.

وإلى جانب السيطرة العسكرية على مناطق الشمال العراقي والسوري، تحتفظ أنقرة بعلاقات سياسية واقتصادية وعسكرية قوية مع حكومة إقليم كردستان العراق، وللتدليل على ذلك يكفي القول إن الهجمات البرية التي تنفذها القوات التركية في الإقليم لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني تتم بالتنسيق مع حكومة أربيل بموجب الاتفاق الموقع بينهما وإيران في 2013 الذي ينص على أن على كردستان القيام بكل شيء ممكن لمنع تحول أراضيه إلى مصدر تهديد لأمن البلدان المجاورة.

5. التدخل التركي في ليبيا: حوّلت أنقرة ليبيا إلى بؤرة جديدة لتهديد الأمن القومي العربي بعدما اتخذت منها قاعدة للانطلاق نحو تحقيق أهدافها الاستعمارية والتوسعية في شرق المتوسط وإفريقيا، وذلك عبر دعم حكومة الوفاق الوطني غير الشرعية والتي تسيطر عليها جماعة الإخوان الحليف الأول لأنقرة وذراعها الطولى في خطة تدمير المنطقة العربية، فضلًا عن نقل الميليشيات المسلحة من مناطق النزاعات الأخرى كسوريا والعراق إلى ليبيا، وتزويدهم بالسلاح والتدريب، بما يؤجج الصراع المشتعل على الأرض ويطيل أمده ويحول دون إيجاد حل سياسي للأزمة ويحول ليبيا إلى قاعدة للجماعات الإرهابية تنطلق منها شرقًا باتجاه باقي مناطق العالم العربي وأولها مصر التي تمتلك حدودًا مشتركة مع ليبيا تمتد على طول الاتجاه الاستراتيجي الغربي، وجنوبًا باتجاه إفريقيا، وشمالًا باتجاه الدول الأوروبية المطلة على البحر المتوسط.

وقد تم ضبط الكثير من شحنات الأسلحة التركية في طريقها إلى ليبيا، ومن ذلك:

  • مصادرة السلطات اليونانية سفينة شحن تحمل شحنة أسلحة غير معلنة كانت في طريقها من تركيا إلى ليبيا في سبتمبر 2015.    
  • استيلاء خفر السواحل اليوناني، في يونيو 2018، على سفينة ترفع العلم التنزاني متجهة إلى ليبيا وتحمل مواد كيميائية يمكن استخدامها لصنع متفجرات، كان قد تم تحميلها في ميناءي مرسين واسكندرونة التركيين، حسبما أشارت فاتورة الشحن.
  • وصول سفينة تركية في ديسمبر 2018 إلى مدينة الخمس الليبية تحمل أسلحة نارية وما يقدر بنحو 4.8 مليون طلقة ذخيرة من إنتاج شركتي زوراكي وريتاي التركيتين.
  • اكتشاف شحنة تضم أسلحة ومعدات بالإضافة إلى تسعة مركبات مدرعة تركية الصنع في فبراير 2019.
  • إرسال تركيا في 18 مايو 2019 شحنة كبيرة من المعدات العسكرية منها أربعين مركبة قتال مدرعة إلى الميليشيات التي تسيطر على طرابلس وتقاتل الجيش الوطني الليبي، وقد أقرت الميليشيات بأنها تلقت أسلحة ومدرعات من تركيا.
  • وصول سفينة “جراند غابون” الإيطالية في سبتمبر 2019، وعلى متنها ما يزيد عن ألفي سيارة ذات الاستخدام المزدوج، وأكثر من 180 مركبة مدرعة للمشاة وسيارات الهايلوكس، وطائرات دون طيار، وأسلحة مختلفة، تم تسليمها لمقاتلي مصراتة.
بكري» يكشف تفاصيل جديدة حول شحنة أسلحة تركية مهربة إلى ليبيا | توك شو |  جريدة الزمان

وإن كان تم ضبط هذا الكم المهول من السلاح، فإن ذلك يعني دخول شحنات أخرى بشكل أو بآخر ووصولها إلى أيدي الميليشيات الإرهابية دون دراية من السلطات الليبية أو الدول المحيطة، وهي بذلك تمثل تهديدًا للدول المحيطة.

وقد كان يوم 27 نوفمبر 2017 فاصلًا فيما يتعلق بالتدخل التركي في ليبيا عندما وقعت حكومة أنقرة على اتفاقيتين، إحداهما أمنية والأخرى تتعلق بترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق، ومنذ ذلك الحين أخذ الدعم التركي لحكومة الوفاق طابعًا علنيًا، وسعت أنقرة لمد نفوذها في هذا البلد من الغرب باتجاه مدينتي سرت والجفرة الاستراتيجيتين تمهيدًا للسيطرة على الهلال النفطي وفرض نفوذها على الجانب الشرقي. وقد استعدت أنقرة لتلك المعركة عبر إرسال مستشارين عسكريين لتدريب الميليشيات الإرهابية، ونقل عناصر مرتزقة من سوريا للانضمام إلى ميليشيات الوفاق، فضلًا عن الاستمرار في نقل شحنات الأسلحة إلى أيدي الإرهابيين، ومن ذلك:

  • انطلاق سفينة تسمى بانا من ميناء مرسين التركي، وعلى متنها مجموعة من الأسلحة بما في ذلك العربات القتالية المدرعة والمدافع ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع والمدافع المضادة للطائرات، ورسوها في ميناء طرابلس، في يناير الماضي، وقد كانت وجهتها المعلنة ميناء قابس التونسي، ولكن على بعد 400 كيلومتر قبالة سواحل ليبيا، تم إيقاف جهاز الإرسال والاستقبال في السفينة واختفت من على شاشات الرادار، وظهرت بعد ذلك في ميناء طرابلس.
  • إرسال طائرتي شحن عسكري تركيتين إلى طرابلس في يوليو الماضي، محملتين بأسلحة وذخائر تم تفريغهما في مطار معيتيقة.

ويرغب أردوغان بالسيطرة على ليبيا في إحياء مشروعه العثماني المزعوم، واستعادة مناطق نفوذ الدولة العثمانية في أفريقيا ومن ذلك ليبيا، كما أنها تأتي ضمن مشروع “الوطن الأزرق” الهادف إلى الهيمنة على بحر إيجة وشرق البحر المتوسط ​​والبحر الأسود، للوصول إلى الموارد الطبيعية. وهو مشروع يتعارض مع فكرة السيادة والدولة الوطنية.

كيف واجه الرباعي المشروع التركي؟

نعيد نشر الشروط الـ13 لـ"الرباعى العربى" لإنهاء أزمة قطر - اليوم السابع

لم يعد المشروعان الإيراني والإسرائيلي هما المهددان فقط لأمن المنطقة والخليج، بعدما أضيف لهما التركي مؤخرًا، وهو ما أظهر الحاجة إلى وحدة الصف العربي وتطوير سياسات مشتركة جديدة قادرة على التعامل مع الطابع الجديد من التهديدات. ومثل الرباعي العربي نواة لدور عربي مشترك ضد أنقرة بالنظر إلى الخطوات التي اتخذوها في مواجهة المشروع التركي والتي نعرضها كالتالي:

1. التصدي للأطماع التركية: مثلما وقف الرباعي في وجه سياسات التخريب القطرية، فإنه عمد إلى التصدي للمشروع الاستعماري التركي، مؤكدين رفضهم سياسات التدخل العسكري وتفتيت الدول وضرورة الحل السلمي لأزمات المنطقة، والحفاظ على وحدة دولها وسيادتها، وضمان استقلالها، كان من مظاهرة:

  • اعتبار الاحتلال التركي لشمال العراق وسوريا عدوانًا على سيادة الدولتين.
  • تطوير علاقات مع أكراد سوريا، حيث استقبل وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وفدًا من مجلس سوريا الديمقراطية، الذين تتهمهم تركيا بتنفيذ أعمال إرهابية على أراضيها. كما زار وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، محافظة دير الزور التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، والتقى ممثلين عن عشائر عربية ومسؤولين في المجلس المدني وقياديين في قوات سوريا الديمقراطية.
  • تحاول مصر تحاول إحباط المخطط التركي في العراق بالعمل على زيادة التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، والتقارب الاقتصادي في وقت تهدد فيه بغداد بتقويض المصالح التجارية التركية، وتقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي لها.
  • فرملة التمدد التركي في ليبيا، حيث وضعت مصر خطًا أحمرًا لأطماع أنقرة، حدده الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطاب له يوليو الماضي بخط “سرت-الجفرة” محذرًا من رد عسكري مصري على أي محاولة تركية لتجاوزه، وقد حظي الخط الأحمر بتأييد السعودية والإمارات والبحرين، الذين أكدوا حق مصر في الدفاع عن أمنها القومي وحدودها الغربية من مخاطر الإرهاب، داعين المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته والاستجابة لدعوات ومبادرة الرئيس السيسي للتوصل إلى حل شامل يؤكد سلامة وأمن الأراضي الليبية واستعادة المؤسسات والقضاء على الإرهاب والميليشيات المتطرفة ووضع حد للتدخلات الخارجية غير الشرعية والتي تغذي الإرهاب في المنطقة، وتشترك الدول الأربع في دعمها وتأييدها لتحركات الجيش الليبي الساعية لبسط السيطرة على كافة أراضي الدولة.

لكن تجدر الإشارة إلى أن الجهود المصرية لاحتواء التهديدات التركية لم تقتصر على البعد العسكري –الذي لم يستخدم بعد حتى الآن- ولكنها بالأساس جهود سياسية انطلاقًا من رؤية القاهرة لضرورة الحل السياسي السلمي لأزمات المنطقة، حيث طرحت مصر بالتشاور مع قائد الجيش الليبي في 6 يونيو الماضي مبادرة تحت مسمى “إعلان القاهرة” تتضمن وقف إطلاق النار والمحافظة على وحدة الأراضي الليبية والبدء في عملية سياسية، لكن تعنت حكومة الوفاق ومن ورائها تركيا دفع مصر إلى التهديد بالحل العسكري.

ومع تراجع أنقرة عن التقدم باتجاه الخط المحدد وإدراك حكومة الوفاق أنها سوف تفقد الدعم التركي واتجاهها للانخراط في مفاوضات سياسية، واصلت مصر رعايتها للمفاوضات بين أطراف الصراع الليبي حيث استضافت في الفترة من 11 إلى 13 أكتوبر الجاري اجتماع المسار الدستوري بشأن ليبيا بمشاركة وفدي مجلسي النواب والدولة الليبيين ورعاية الأمم المتحدة للتباحث بشأن آليات حل الأزمة وأطر الدستور الليبي الجديد.

2. فرض مقاطعة اقتصادية على أنقرة: وهو ما اتضح من خلال الحملة الشعبية السعودية لمقاطعة المنتجات التركية التي انطلقت منذ 3 أكتوبر الجاري ولازالت مستمرة وهي حملة كبدت الشركات التركية خسائر فادحة، وبخاصة قطاع الملابس الذي بدأ يبحث عن سوق بديلة يوجه إليها استثماراته تفاديًا للمقاطعة. وتقوم المقاطعة على ثلاث جوانب؛ الواردات والاستثمار والسياحة، وتأتي ردًا على العداء التركي للمملكة.

ونستطيع تلمس حجم تأثيرها على الداخل من قول رئيس اتحاد مصدري الملابس في إسطنبول، مصطفى غولتيبي، أن العلامات التجارية العالمية التي تنتج في تركيا ولها متاجر في السعودية تأثرت جميعها، وتأكيد نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض أن المقاطعة تسببت في خسائر مادية جسيمة للمزارعين والمصدرين في مدينة هاتاي والمناطق المحيطة بها، وبيان ثماني جمعيات أعمال تركية بارزة أعربت فيه عن استيائها من الموقف السلبي المتزايد ضد تركيا ودعت إلى الحوار، وكذلك من تصريحات زعيم المعارضة التي قال فيها إن سياسة أردوغان أفقدت بلاده الأصدقاء وأكثرت من أعدائها.

وعقب نجاح الحملة السعودية، تصدر هاشتاج #حمله_مقاطعة_المنتجات_التركية ترند التغريدات في مصر والبحرين والإمارات، مطالبين باتخاذ موقف مماثل وداعين إلى شراء المنتجات الوطنية بدلًا من التركية، وهو في حال تطبيقه سيكبد الاقتصاد التركي خسائر فادحة قدرها البعض بـ 100 مليار دولار.

المصادر:

1. الإخوان في تركيا.. صناعة الإرهاب برعاية أردوغان، متاح على: https://al-ain.com/article/egypt-turkey-brotherhood.

2. التدخل التركي في ليبيا والأمن العربي، متاح على: https://al-ain.com/article/turkish-libya.

3. التهديد التركي للأمن القومي العربي، متاح على: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/d865fc7e-b487-4608-8084-13fb6d09eb16.

4. تركيا والأمن القومي العربي، متاح على: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/49ef8be2-52fc-43f7-aa59-cee024437cf0.

5. تركيا… والأمن القومي العربي، متاح على: https://www.albayan.ae/opinions/articles/2020-05-06-1.3851074.

6. تقرير بريطاني يكشف إرسال تركيا شحنات الأسلحة سرًا إلى ليبيا، متاح على: https://ahvalnews.com/ar/tqryr-brytany-ykshf-arsal-trkya-shhnat-alaslht-sraan-aly-lybya/alazmt-allybyt.

7. خارطة تركية توثق أطماع أنقرة في العراق، متاح على: .

8. القواعد العسكرية التركية في الخارج ومهامها، متاح على: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-49376606

9. ما هي أهداف تركيا الحقيقية في سوريا؟، متاح على: https://al-ain.com/article/turkey-real-goals-in-syria.

10. ماذا تريد تركيا من الخليج؟، متاح على: https://gulfhouse.org/posts/2208/.

11. مصادر ليبية: تفريغ شحنة أسلحة تركية جديدة في مطار معيتيقة، متاح على: https://al-ain.com/article/two-military-cargo-planes-resolutions.

12. مقاطعة منتجات تركيا.. سلاح عربي لردع أردوغان، متاح على: https://al-ain.com/article/boycotting-turkish-products-erdogan-policies

13. وزير سعودي في سوريا لعقد “اجتماعات هامة” ومصادر محلية تكشف عن أهداف الزيارة، متاح على: .

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

ماري ماهر

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى