مكافحة الإرهاب

أزمة فرنسا مع “الإسلام الحركي” والدور المنتظر للأزهر للتدخل

تابعنا منذ أيام رد الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف على ما جاء في خطاب الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” في الثاني من أكتوبر الجاري وذلك أثناء طرحه لتفاصيل مشروع قانون ضد ما أسماه بالانفصال الشعوري للمسلمين في فرنسا، وهو ما استبق بتصريحات لوزير داخليته حول أن فرنسا “في حرب ضد الإرهاب الإسلامي”، وذلك بعد يومين على الهجوم بالسلاح الأبيض أمام مقر مجلة “شارلي إبدو” الساخرة في باريس وهو الهجوم الذي أسفر عن إصابة شخصين بجروح خطيرة.

وكرد فعل على ذلك رأى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية أن الرئيس الفرنسي ووزير داخليته أساؤوا للدين الإسلامي. كما أن مجمع البحوث الإسلامية وصف التصريحات الفرنسية بأنها عنصرية وتؤجج مشاعر حوالي ملياري مسلم. 

 وفي كل السياقات فلا شك أن هناك قوى إقليمية تحاول السيطرة على الجالية الإسلامية في عموم أوروبا لتحقيق أهدافها، كما أن ما أصاب الإسلام في مجتمعاته الأم أصاب الإسلام أيضًا في دول الغرب. وعلى الرغم من أن هذا الطرح يلاقي في الغالب طرحًا مقابلًا يفيد بأن “الجماعات اليمينية القومية” في الغرب تعمل بقوة بينما يوجه اللوم للإسلاميين، فإن الفرق يكمن وفقًا للأطروحات الغربية خاصة في فرنسا في أن الجماعات التي تمارس نسخة متطرفة من الإسلام أكثر خطورة من فاشية المنظمات الأخرى وذلك لأنها تعادي المجتمع ككل وليس تيارًا بعينه كما تسعى للانعزال بما يضمن لها تحقيق نوع من الفوقية.

وتكفي الإشارة في هذا المقام وكواحد من الدفوع التي تقلق الأوساط الرسمية والأكاديمية والإعلامية في الغرب من تنامي تأثير “الإسلام الحركي” هناك أن التنظيم العالمي لجماعة الإخوان الإرهابية يسيطر على ما يقدر بـ 720 مسجدًا من إجمالي 2200 مسجدا في فرنسا، علاوة على سيطرته على اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي يتجاوز عدد أعضائه 1000 منظمة”، وهو ما يعني بالضرورة أن الخطاب الديني الموجه للجاليات الإسلامية في أوروبا بشكل عام وفرنسا بشكل خاص منحصر على تيارات الإسلام الحركي، والتي توظف هذا الخطاب لخدمة أهدافها في عمل اختراقات داخل هذه المجتمعات.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\1e3e1d4db5bb901382d209128e3dea90.jpg

وصف “الإرهاب الإسلامي” الذي استخدمه وزير الداخلية الفرنسي “جيرالد دارمنان” أثار حفيظة الأزهر إلى أبعد حد، وبرر الوزير الفرنسي تصريحاته بأن بلاده تعرضت على مدار ثلاث سنوات لـ 32 هجوم إرهابي أي بمعدل هجوم إرهابي كل شهر واللافت أن كل تلك الهجمات نفذها مسلمون بدعاوى إسلامية. ورد الأزهر بالتأكيد أن من يلجؤون لنصوص دينية لتنفيذ أعمال إرهابية ربما يستندون إلى نسخ أخرى تميل كل الميل إلى التطرف بأشكاله. واعترض الإمام الطيب في تغريدات في حسابه الرسمي على موقع تويتر، على إلصاق تهمة الإرهاب بأي دين.

ما صرح به الجانب الفرنسي قد يكون فرصة سانحة جدًا للأزهر كممثل للنسخة السنية الوسطية من الإسلام لإعادة ضبط هذه المفاهيم بما يتناسب مع روح النص الديني.

تحدث الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” حول ما وصفه بالانعزالية الإسلامية التي تسعى إلى تقويض قيم الجمهورية الفرنسية، ربما لأن هذا هو النموذج الذي يراه اليوم في بلاده وليس لأن “الانعزالية” كمبدأ تقتصر على المسلمين دون غيرهم ولكنها وسيلة متبعة ومجربة لأي جماعة تريد أن تشعر بالتميز الذي يؤهلها لممارسة دور إشرافي فليس من المقنع أن تخالط أشخاص تريد أن توجههم وأن ترسم لهم طريقهم.

وبطبيعة الحال فنحن لسنا بحاجة أن ننتقل إلى ضواحي باريس لتصور ما يتحدث عنه “ماكرون” فالشاهد موجود في بلادنا ولدينا في تنظيم الجماعة الإرهابية “أسوة سيئة” فذلك التنظيم لم يقم بالأساس إلا على دعاوى الاغتراب ثم ممارسة الفوقية من جماعة معزولة عن الشعب. 

وقد حاولوا منذ عشرينات القرن الماضي بناء دولة موازية للدولة في أول إرهاصات للـ“فواعل الهجينة” إلا أنها لم تأت على هوى المصريين الذين لم يشتروا في مجملهم دعاوى الفوقية والانعزالية باسم الدين، فكان من السذاجة أن يبيعوا للمصريين فكرة الكفر في الوقت الذي صدرت فيه مصر الإسلام حتى للبلد الذي نزل فيه الإسلام.

لم يغفل خطاب ماكرون كذلك مسؤولية الفرنسيين عما آلت إليه الأوضاع في النهاية فقد وجه اللوم للمحافظين ومسؤولي البلديات الذين سمحوا بوجود هذا القدر من الانعزال بالأساس عن طريق تجميع الكتلة السكانية بموجب أصولها العرقية والدينية في تكريس للانعزال.

من داخل الأزهر

كشف مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية التابعة بدورها للأزهر، في تقرير صادر عنه في نوفمبر 2019 إلى أن استراتيجية الجماعة الإرهابية في الغرب تعتمد على خلق مجتمعات متوازية تتمتع بقدر كبير من التفاعل فيما بينها وذلك عبر شبكات دعم مالي وأيديولوجي. 

ومضى التقرير فأشار إلى أن التنظيم ينشئ شبكة من الروابط الاجتماعية من خلال الزواج بين عناصره وإقامة علاقات تجارية واقتصادية فيما بينهم للتكيف مع البيئة التي يعمل بها، إضافة إلى استقطاب المهاجرين الذين يحملون أيديولوجيته إلى هذه الدول متخذة شعار حمايتهم من الدخول في نسق الحياة الغربية المتعارض مع الحياة في الشرق. ومع هذه الخطوة يعمد التنظيم إلى التحايل على أجهزة الاستخبارات في الدول الأوربية عن طريق عدم اشتراط الانتساب المباشر لصفوفه وإنما يكفي لتعتبر منتميًا للتنظيم أن تكون مؤمنًا بالفكر والأسلوب والمنهج لإبعاد الشبهات عن ممارساتهم. 

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن هناك مؤسسات تابعة للأزهر الشريف تعمل على إعداد أوراق بحثية وتقارير تشمل المسلمين وأوضاعهم في كل بقاع الأرض، وهو مجهود كبير يحسب لمؤسسة الأزهر ويمكن البناء عليه، فالمادة العلمية موجودة بالفعل ولا ينقصها إلا توصيات قابلة للتطبيق لنقل صورة الإسلام الحقيقية، ليكون بديلا عن حركات الإسلام الحركي في أوروبا.

تدريب الأئمة.. الفرصة الأقرب

في العموم، لا تختلف ممارسات التيارات الإسلاموية في فرنسا عنها في أي مكان، فهم يطورون أنشطة رياضية وثقافية بعيدًا عن الدولة والمجتمع الفرنسي في محاولة لخلق منظومة قيم موازية. وفي الوقت الذي أعلن فيه ماكرون بعض الإجراءات مثل تشديد الرقابة على المدارس الدينية، من الأهمية بمكان أن يتحرك الأزهر والفرصة أمامه سانحة لإجراءات على الجانب الآخر لتصدير النسخة الوسطية السمحة من الإسلام للفرنسيين عن طريق  إرسال بعثات من الأئمة المدربين وتدريب الأئمة الموجودين هناك بالفعل، خصوصًا وأن السلطات الفرنسية رفضت تجديد الإقامات للكثير من الأئمة الأتراك ولبعض الأئمة من دول المغرب العربي، بل أنها أعلنت عن خفض الأعداد التي تحتاجها منهم، ويعزى السبب في ذلك إلى أن العديد من أبناء الجالية المسلمة المغربية في فرنسا في حالة تماهي تام مع أردوغان تحت مسمى “الأخ الإسلامي”.  ويرجع ذلك إلى أن  أردوغان نجح في تسويق نفسه بين المسلمين في أوروبا على أنه الزعيم الإسلامي المعني بالدفاع عن قضايا المسلمين في العالم. 

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\أمام-مسجد-ستراسبورغ-الكبير-شرق-فرنسا-أرشيفية.jpeg

وحسب مراقبين فإنه حتى الجزء من هذه الجالية الذي يحمل الجنسية الفرنسية يرى أن ملهمه هو رجب طيب أردوغان على الرغم من أنها ليست الجالية التركية في فرنسا وهو ما يمكن تصنيفه على أنه موالاة للمشروع التركي الإخواني في أوروبا، وربما جاءت تصريحات ماكرون ووزير داخليته من الأساس انتقادًا لهذا الدور التركي في فرنسا تحديدًا في ظل وصول العلاقات بين باريس وأنقرة إلى مرحلة بالغة من السوء، حيث يعتبر ماكرون الواقف بالمرصاد لتركيا من بين كل أعضاء النادي الأوروبي الذين يبدون سياسات أقل حدة ناحية تركيا ورئيسها.

واضعين في الاعتبار أن الأزهر كقبلة الإسلام الوسطي المعتدل في العالم، هو الأجدر بملء مكان الأتراك خصوصًا وأن 70% من الأئمة في فرنسا ليسوا فرنسيين وهو تقدير تقريبي جزئيًا بسبب حظر جمع البيانات على أساسٍ عرقي أو ديني. مع الإشارة إلى أن أبو ظبي التي تقفز سريعًا محققة العديد من النقاط في أكثر من ملف أعلنت عن تدريب أئمة في فرنسا وهو ما أشار إليه تقرير صادر عن مؤسسة ميديا بارت.   

وما يثير الحمية لقيام الأزهر بدور أكبر، أن الجزائر أرسلت في عام 2018 مئة إمام للعمل في فرنسا وساهمت تونس والمغرب بأعداد مقاربة حتى أن صحيفة “لو إكسبريس” الفرنسية نشرت تقريرًا قالت فيه إن المغرب العربي هو مصنع الأئمة الفرنسيين. في الوقت الذي أشارت فيه صحيفة “لو بوينت” الأسبوعية إلى أن القنصلية التركية تشرف على أكثر من 250 مسجد وتعتبر كل من أنقرة والرياض أن عملية إرسال وتدريب الأئمة تشكل نوعًا من أنواع القوى الناعمة.

وعلى الرغم من أنقرة وباريس وقعتا في عام 2010 “إعلان نوايا” نص على رفع عدد الموظفين الدينيين الأتراك من 121 إلى 151 موظفًا إلا أن العاصمة الفرنسية تراجعت عن هذا القرار في 2019 وقامت بخفض عدد الأئمة الأتراك.

لا تعارض بين أن تكون مسلمًا وفرنسيًا

تعد فرنسا من الدول التي حاولت محاولات متعددة لطبع الإسلام بروح فرنسية حتى يكون صالحًا للعيش والتعايش في جمهورية علمانية ومحاولات ماكرون تأتي أيضًا في هذا السياق حيث أن المشروع الذي يتم إعداده ليطرح على البرلمان يأتي ليضمن نسخة من الإسلام لا تكرس للانعزال في فرنسا. 

أما المعارضون لمشروع ماكرون في محاربة النزعات الانفصالية في المجتمع يرون أنه يحيد عن قيم العلمانية الفرنسية التي تفترض أن الدولة لا تتدخل في تنظيم الأمور الدينية؛ إذ لم يتلفت هؤلاء إلى أن للدولة أن تتحرك في الاتجاه الذي تراه مناسبًا عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي. كما يضيفون إلى أن ماكرون يسعى إلى تعليق إخفاقاته على شماعة الإسلام في الوقت الذي لا يتعلق فيه الأمر بذلك خاصة بعد تراجع شعبيته.

كما أن التوجه الرئاسي يتماشى مع المزاج العام الفرنسي وذلك حسب استطلاع للرأي أجري هذا الشهر بمعرفة “أودوكسا- دينتوس” وأشار إلى ثلاثة أرباع العينة المستطلعة أبدت تأييدها لوجود قانون يمنع أي نوع من أنواع الانعزالية. وما يوضح أن التوجه الحكومي في فرنسا يسير في الاتجاه الصحيح. استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة “إيفوب” وخرج بنتيجة مفادها أن 74% من المسلمين في فرنسا تحت سن 25 يضعون عقيدتهم فوق مبادئ الجمهورية الفرنسية وهو رقم مزعج لأي حكومة إذا شئنا الإنصاف وتقترب نتيجة هذا الاستطلاع من النسخة ” الإخوانية ” للإسلام والتي تؤكد إلى أن الإسلام لا يعرف قيمة “الوطن” وهو ما يشير أيضًا إلى أن هناك مساحة واسعة للأزهر في التجمعات الإسلامية في الغرب يمكنه أن يتحرك فيها مدعومًا بشرعيته وثقله العالمي.  

ووفقًا لاستطلاع رأي أجرته صحيفة “لوفيجارو” في 2016 فإن 63% من الفرنسيين يرون أن الإسلام كجماعة دينية يحظى بنفوذ أكبر من غيره من الأديان في فرنسا.

دفوع في غير محلها

ولا يبرر الأمر أن تلك الدول الأوروبية فتحت من الأساس أبوابها لأعضاء من الجماعات الإسلامية المتطرفة لأنهم عند دخولهم لتلك المجتمعات الأوروبية سوقوا لأنفسهم بفكرة المظلومية التي تتلخص في القهر والضغوطات التي يتعرضون لها باعتبارهم دعاة حريات وإنسانية وقد اشترت الحكومات الأوروبية هذه الرواية قبل أن تتكشف لها حقيقتهم. حتى أنه في بعض الأوقات تساهلت حكومات الدول الأوروبية مع التمويلات القادمة للتيارات الإسلامية من الخارج. والقانون الفرنسي في هذه الزاوية معيب حيث يلزم صاحب التمويل والحاصل عليه بإخطار الحكومة في حال تجاوزه لـ 50 ألف يورو الأمر الذي يسهل التلاعب به عن طريق إرسال التمويلات الأيدلوجية المشبوهة على دفعات أقل من المبلغ المذكور سلفًا والإفلات من الرقابة الحكومية.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\77-2.jpg

وللتحديد، فإنه ومنذ خمسينيات القرن الماضي نظرت القوى الغربية إلى القيادات الإخوانية المقيمين على أراضيها باعتبارهم أداة وظيفية للضغط على الأنظمة العربية ورسم سياساتها الخارجية وقامت علاقاتها مع الإسلاميين على نوع من العقد الاجتماعي قبل أن تتنبه لأثر أيدولوجيتهم الراديكالية على المجتمع الأوروبي وهم الذين استقوا أيدولوجيتهم بالأساس من الاستعمار على طريقة ” فرق، تسد” فعندما تعزل المجتمعات وتشتتها ستكون قادرًا على بيع أفكارك لهم بسهولة ومن ثم السيطرة على عقولهم وسلوكهم.

وتعد التنظيمات السلفية على وجه التحديد من الذين استفادوا من التكريس لمبدأ حرية الاعتقاد في المجتمعات الغربية أكثر من الغرب نفسه فمرروا ممارساتهم الانعزالية المتطرف تحت غطاء الجمهوريات الأوربية العلمانية في ميكافيلية كانت أوضح ما كانت في فرنسا وألمانيا وبريطانيا.

وفي هذا الإطار يشير المعلق السياسي “ألكسندر دي فالي” إلى أهمية وضع قانون يحد من تغلغل الجماعات الإسلامية المتطرفة في الغرب وقد طرح وجهة النظر هذه في كتابه الذي صدر تحت عنوان “المشروع” في 2019. وحسب “دي فالي” فإنه ليس هناك نية للتضييق على المسلمين بأي شكل من الأشكال فقط حظر الانعزالية والمشروع الانفصالي الذي تسعى إليه طائفة منهم. وهو ما يرى عموم المسلمون في فرنسا أن فيه ظلم لهم حيث أنه من غير المنطقي أن تعامل هذه الملايين بذنب طائفة منهم فقط.

المسلمون في فرنسا

تحتضن الجمهورية الفرنسية أكبر عدد من المسلمين في الدول الأوروبية وهو العدد الذي يناهز ستة ملايين نسمة تقريبًا معظمهم من شمال أفريقيا كما أن أعدادهم تتزايد بشكل لافت.  ووفقًا لمركز PEW فإن فرنسا تضم ما قد يصل
إلى 9 مليون مسلم. 

وقالت دراسة صدرت في عام 2017 عن مركز البحث الأمريكي أن أعداد المسلمين في أوروبا وفي فرنسا تحديدًا ستتزايد خلال الثلاثين عامًا المقبلة. الدراسة التي حملت عنوان   Europe’s growing population أشارت إلى أنه بحلول عام 2050 ستتراوح نسبة المسلمين في أوروبا بين 7 إلى 14% من إجمالي السكان. وفي فرنسا لوحدها ستتراوح نسبتهم بين 12 إلى 18%. وذلك بالتماهي مع سياسات الهجرة التي تصيغها الدول الأوروبية.

استقراءات علماء الاجتماع واستطلاعات مختصّة للرأي

وفي الجملة، فإن مركز البحث الأمريكي يقدِّم رقم 25.7 مليون مسلم، كمجموع المسلمين في أوروبا، لسنة 2016، وهو ما يساوي – حسب المركز- نسبة 4.9 بالمائة من مجمل سكان القارة العجوز. وكل ما تقدم من سيناريوهات وضعتها مراكز الأبحاث هي سناريوهات متوقعة في حال طبقت أوروبا سياسات أكثر رشادة فيما يتعلق بالهجرة أما في حال بقيت معدلات الهجرة على ما هي عليه الآن فإن هذه الأعداد قد تقارب الـ 58 مليون نسمة في القارة الأوربية بينما ستصل أعداد المسلمين في فرنسا إلى 13 مليون نسمة بحلول عام 2050. ووسط هذه السيناريوهات فإن القارة الأوروبية لا تملك خيارات أفضل خصوصًا في ظل تناقص نسب المواليد لديها مما يضعها أمام اختيار واحد وهو زيادة أعداد المهاجرين مع وضع ضوابط تحفظ على الجمهوريات الأوروبية علمانيتها. 

انشغال بأسلمة الجمهورية الفرنسية

وقد وصل انشغال المجتمع الفرنسي بهذا الموضوع إلى الحد الذي نشرت فيه مجلة “غوفي دي موند” الشهيرة ملفًا كاملًا عن جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا في عام 2019 وجاء الملف تحت عنوان ” استراتيجية الإخوان المسلمين”.

استشهد الملف بالثقل الكبير لاتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا وهو المحسوب على مشروع الإخوان العالمي بل أن الملف حمل إشارات حول أن هذا الاتحاد بمثابة فرع الإخوان المسلمين في فرنسا وقد غير اسمه منذ عامين لاتحاد مسلمي فرنسا وكأن كل الفرنسيين الموجودين في فرنسا إسلاميين في حين أن هذا غير صحيح.

وفي مجال تلوين أوروبا بالإسلام الحركي المؤدلج، فإن هناك عديد من الأدبيات ذات الوزن في هذا المجال منها كتاب ” الإخوان المسلمون: تحقيق في آخر أيدولوجية شمولية ” لكاتبه ” ميشيل برازان” والذي صدر بتاريخ 2014.

بدأ التغلغل الإخواني في المجتمع الفرنسي في عام 2003 عندما تم تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية في عهد الرئيس “نيكولا ساركوزي”، وفي ذلك الوقت حذر بعض المراقبون المحسوبون على اليمين الفرنسي من توظيف قوى إقليمية لاختيارات القوى الناعمة من أجل ترويج مشروعها في فرنسا وأوروبا.

الإخوان يختارونك وليس العكس

تستند التجربة الإخوانية في فرنسا لعدد من المبادئ منها عدم السماح للعقل النقدي بالعمل إضافة إلى العمل بثنائية شديدة التطرف إما الأبيض وإما الأسود والاشتغال على مشروعي التمكين والبيعة. إلا أن هناك تيار في فرنسا مطمئن إلى أن المشروع لن يسير في الاتجاه المرسوم له لعدة أسباب منها السياق الديموغرافي الذي يفرز أجيالًا من المسلمين الجدد في أوروبا وهذه الأجيال بطبيعة الحال رافضة للانعزالية والانفصال عن المبادئ الحاكمة للمجتمع، وبالتالي فإن هذا التيار يرى أن فرص تقويض التيار ستأتي من داخله دون الحاجة إلى بذل أية جهود من الحكومة الفرنسية. وهو ما يقف على الضفة الأخرى من التيار الذي لطالما أكد أن دبلوماسية الشيكات والتمويلات ستكون الدبلوماسية الحاكمة لأجيال قادمة.

وفي مقالة نشرت للكاتب الفرنسي “ميشيل أبوان” بعنوان “الإسلام السياسي وغزو الأحياء” سلط الكاتب خلالها الضوء على المقدمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية التي أفضت إلى سيطرة الخطاب الإسلامي المتطرف على عدد من الضواحي في كبريات المدن الفرنسية ذكر منها ” ليون- مارسيليا- باريس وتولوز” حيث كسر عدد هذه الأحياء حاجز الألف حي التي تضمنت مزيج من الانعزال الاجتماعي والثقافي. 

وقد استغل الراديكاليون في التيار الإسلامي هذه العزلة في تقديم أنفسهم للسلطات الفرنسية باعتبارهم الممثلين للمسلمين في فرنسا ومارسوا قواعد اللعبة بذكاء للحفاظ على تدفق التمويلات معتمدين على عدم دراية المسؤولين الفرنسيين النسبي بالظاهرة الإسلامية في ثوبها الراديكالي وكيفية مواجهتها.

ومن الأدبيات الفرنسية الأخرى في هذا الإطار رواية الكاتب والفيلسوف الفرنسي “ميشيل ويلبيك” التي تصور فرنسا، بحلول 2022، تحت حكم حزبٍ إسلاميٍّ يشجع النساء على ترك العمل لخفض البطالة، ويُجبرهن على ارتداء الحجاب، ويسمح للرجال بتعدّد الزوجات، ويفرض تدريس القرآن في الجامعات.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\839.jpg
+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى