
المغرب يفرض رسومًا جمركية على الواردات التركية.. الأسباب والتداعيات
تكتسب منطقة شمال أفريقيا أهمية متزايدة في السياسة الخارجية التركية، ضمن استراتيجيتها للتوغل في القارة السمراء، نظرًا لقربها من النواحي الجغرافية والتاريخية والدينية والثقافية، ولموقعها المطل على البحر المتوسط الذي يجعل دولها بوابة مهمة للوصول إلى باقي دول القارة.
وعلى الرغم من أن العلاقات التركية مع شمال أفريقيا والمغرب العربي سبقت مثيلتها مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، إلا أنها تعززت بشكل كبير في أعقاب أحداث ما سُمي بالربيع العربي عام 2011، إذ وصلت حكومتان ذات طابع إسلامي إلى السلطة في كل من تونس ومصر (قبل أن يطيح الشعب بها في 30 يونيو 2013)، فضلًا عن حكومة الوفاق الليبية الحليفة لأنقرة. وضاعف من أهمية المنطقة بالنسبة لحكومة أردوغان تطلعها إلى إيجاد موطئ قدم لها في شرق البحر المتوسط وأطماعها في الثروات النفطية الليبية، لذلك اندفعت إلى توطيد علاقاتها بدول تلك المنطقة على الجوانب كافة.
ولا شك أن الجانب الاقتصادي يمثل بعدًا مهمًا في العلاقات مع أفريقيا والمنطقة المغاربية، بالنظر إلى كونه واحدً من المحركات الأساسية للسياسة التركية عامة وفي أفريقيا تحديدًا، خاصة في ظل الأزمات التي يعيشها اقتصاد أنقرة، والفرص الاقتصادية الواعدة في السوق الأفريقي الذي لم يلتفت إليه أحد من قبل. وهكذا كان لدول الشمال مكانة متقدمة في السياسة الخارجية الاقتصادية التركية، وهو ما انعكس على ارتفاع صادرات أنقرة لها من 3 مليار دولار في 2004 إلى 13 مليار دولار في 2015.
ويهمنا الآن الحديث بشكل مفصل عن البعد الاقتصادي في العلاقات التركية المغربية، بعدما قرر الأخير في 8 أكتوبر فرض رسوم جمركية على الواردات التركية.
أبعاد ودوافع القرار المغربي
لم يفق اقتصاد أنقرة من الضربة السعودية جراء المقاطعة الشعبية للمنتجات التركية حتى تلقى أخرى، لكن هذه المرة من المغرب، إذ صادقت الحكومة المغربية يوم الخميس 9 أكتوبر على تعديل لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، يتضمن زيادة الرسوم الجمركية بما يصل إلى 90% على 1200 سلعة تركية على رأسها المنسوجات والملابس والجلود والسيارات والمعادن والخشب والكهرباء. وذلك لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد؛ بهدف دعم الصناعات الوطنية وتغطية العجز في الميزان التجاري بين البلدين.
واشترطت وزارة التجارة المغربية على سلسلة متاجر “BIM” التركية التي تعتمد على بيع المنتجات التركية هناك أن يكون نصف التوريد في جميع المحلات التابعة لها من الإنتاج المغربي، وحذرت من أنه في حالة عدم الامتثال سيتم إغلاق 500 متجر تملكها. وإلى جانب BIM، سوف تتأثر علامات تجارية مثل LC Waikiki وKoton وDeFacto بشكل مباشر بالجمارك الجديدة. وقد واجه المصدرون الأتراك مؤخرًا تأخيرات في إنهاء إجراءات تخليص البضائع عبر الجمارك، بحيث أصبحت تأخذ من 10-12 يومًا، بدلًا من 48 ساعة كالمعتاد.
ويندرج القرار المغربي في إطار القانون رقم 54.20، الذي وقع عليه المغرب وتركيا في 24 أغسطس الماضي بعد مراجعة البلدين لاتفاقية التجارة الحرة بينهما. وكانت التجارة الثنائية بين البلدين قد اكتسبت زخمًا في أعقاب اتفاقية التجارة الحرة عام 2004 والتي دخلت حيز التنفيذ في 2006، لتصل إلى حوالي 2.67 مليار دولار عام 2019. وتنص الاتفاقية على منح الشركات المغربية إمكانية الوصول إلى السوق التركية معفاة من الرسوم الجمركية، في المقابل تخفض الرباط تدريجيًا الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التركية، بما في ذلك المنسوجات والصلب والأجهزة المنزلية. وبينما تدفقت المنتجات التركية إلى الأسواق المغربية نتيجة للاتفاق، استمرت أنقرة في فرض عقبات صارمة أمام المنتجات المغربية المرتبطة بتركيا.
وعلى الرغم من أن المغرب يرتبط مع 56 دولة باتفاقيات تجارة حرة، إلا أنه على ما يبدو انعكست الاتفاقية مع تركيا بالسلب على الرباط التي شهدت عجزًا في الميزان التجاري بين البلدين بحوالي 2 مليار دولار لصالح تركيا، وهو ما أثر بالسلب على قطاعات الاقتصاد المغربي. وتوضح الأشكال التالية حجم الخلل في علاقات التبادل التجاري الثنائية:
شكل (1): حجم ورادت المغرب مقارنة بحجم صادراتها من تركيا
يظهر الرسم البياني التطور في حجم الواردات التركية إلى المغرب والصادرات المغربية إلى تركيا منذ التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة في 2004 ودخولها حيز التنفيذ في 2006، ويتضح من المنحنيين أنهما يأخذان اتجاهًا صاعدًا بوجه عام، على الرغم من فترات من التذبذب خلال بعض السنوات، حيث زاد إجمالي واردات الرباط من أنقرة من 0.36 مليار دولار عام 2004 إلى 2.67 مليار دولار عام 2019، في حين زادت صادرات الرباط إلى أنقرة من 0.06 مليار دولار عام 2004 إلى 0.64 مليار دولار عام 2019. إلا أن الملاحظ أن منحنى الصادرات المغربية يقع أسفل منحنى الواردات على طول الخط، وهو ما يعني عجزًا دائمًا لصالح تركيا يختلف حجمه من سنة لأخرى.
شكل (2) معدل التبادل التجاري بين تركيا والمغرب
ويظهر الشكل السابق وجود عجز متزايد في الميزان التجاري بين البلدين لصالح تركيا، وعلى الرغم من تراجع هذا العجز في بعض السنوات إلا أنه يأخذ منحى متزايدًا بشكل عام.
ولعل قطاع الملابس كان الأكثر تأثرًا؛ إذ تنافس واردات الملابس التركية مع نظيرتها المحلية. ويحتل أهمية بالغة في الاقتصاد الوطني، فيساهم في 27% من فرص العمل، عبر تشغيل حوالي 420 ألف شخص، بحسب أرقام عام 2016، ويحتل المرتبة الثانية بين منتجات التصدير الصناعية بعد صناعة السيارات، حيث يقدر حجم صادراته عام 2018 نحو 38 مليار درهم، أي 3.8 مليار دولار، وهو بذلك يمثل 7% من القيمة المضافة في المجال الصناعي، ويشغل 42% من العاملين في القطاع الصناعي. وتضم مدينة طنجة أكثر من 300 مصنع وورشة في قطاع النسيج والألبسة تتعامل مع شركات عالمية كبيرة.
وقد تسببت سياسة التجارة الحرة في فقدان نحو 100 ألف شخص لعملهم، خلال الخمسة أعوام الماضية، بمعدّل 20 ألف سنويًا، كانوا يعملون في قطاع الملابس، وذلك بحسب الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، وانخفض مستوى الإنتاج المحلي من الألبسة الموجهة إلى السوق المحلية من 13 إلى 11 مليار درهم. ويرجع التأثر الشديد بالمنتجات التركية إلى انخفاض سعرها مقارنة بنظيرها المحلي وحتى القادمة من دول أخرى كالاتحاد الأوروبي والصين، وهو ما يجعل الزبائن تفضلها.
وترتيبًا على ما ذُكر سلفًا، وعلى الرغم من إقرار الحكومة المغربية، على لسان وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي بأن الاتفاقية أدت إلى ارتفاع الصادرات المغربية بنسبة 23%، إلا أن الحكومة قررت البحث عن حل لتلك الأزمة، إما عبر التفاوض أو اتخاذ قرار أحادي بإلغاء الاتفاقية في حال فشل الحوار. وهكذا دخل البلدان في مفاوضات يومي 14 و15 يناير الماضي، خلال اجتماعات اللجنة المغربية التركية المشتركة، برئاسة وزيري تجارة البلدين في الرباط؛ حيث اتفقا على مراجعة شروط اتفاقية التجارة الحرة من أجل تجارة “أكثر توازنًا، وأكثر أهمية وذات نوعية جيدة، وتشجيع المستثمرين الأتراك على الاستثمار في المغرب في صناعة الإنتاج وكذلك تشجيع الصادرات المغربية إلى تركيا”، وذلك بحسب ما أوردت البوابة الوطنية المغربية.
وفي 10 فبراير الماضي، أعلن وزير التجارة المغربي، مولاي حفيط العلمي، موافقة تركيا على مراجعة اتفاقية التجارة الحرة. وفي 24 أغسطس الماضي، وقع البلدان القانون رقم 54.20، الذي اتخذت الحكومة المغربية بموجبه قرار فرض الرسوم الجمركية الأخير. وقد عجل من اتخاذ قرار فرض الجمارك، تكبّد قطاع النسيج المغربي خسائر كبيرة جرّاء إجراءات الإغلاق والحجر الصحي وتقلّص حركة المتسوقين بسبب عدم اهتمام الزبائن بشراء الملابس في ظل الحجر المنزلي، مما دفع القطاع إلى طلب تدخّل عاجل من الدولة لإنقاذه.
وجدير بالذكر أن المغرب قرر في 2018 مد قرار سابق بفرض رسوم استيراد بنسبة 22% على منتجات النسيج والألبسة التركية لمدة ثلاث سنوات، لكن أنقرة استخدمت طرقًا ملتوية للهروب من هذه الإجراءات كإدخال البضائع عبر الأردن.
وترغب الرباط أن توسع تركيا استثماراتها في البلاد بما يتيح فرص عمل ويساهم في النهوض بالقطاع الصناعي، وليس فقط الاكتفاء بالواردات، حيث اشتكت السلطات المغربية من قلة الاستثمارات التركية في المملكة مقارنة بالشركاء التجاريين الآخرين مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين. وتمثل استثمارات الاتحاد الأوروبي أكثر من 71% من حجم الاستثمارات الأجنبية في المغرب، بينما زاد دعم الاتحاد الأوروبي للمغرب إلى 2 مليار دولار بين عامي 2014 و2020، وبلغت الاستثمارات الأمريكية 6% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية، فيما بلغ الدعم الأمريكي 1.2 مليار دولار، في حين تمثل الاستثمارات التركية في المملكة أقل من 1%، بما يمثل استغلال تجاري للمغرب.
ويبلغ عدد الشركات التركية العاملة حاليًا في المغرب نحو 150 شركة في قطاعات البناء وتجارة الجملة والمنسوجات والأثاث، باستثمارات قيمتها 400 مليون دولار اعتبارًا من عام 2019، يعمل فيها نحو 8000 مغربي، بحسب وزارة الخارجية التركية. وزاد عدد الشركات التركية التي فازت بمناقصات البنية التحتية في السنوات الماضية، وبلغت القيمة الإجمالية للمشاريع التي نفذتها شركات المقاولات التركية 4.1 مليار دولار.
إخوان المغرب والغزو السلعي التركي
يبدو أنه لا يُمكن الحديث عن دور تخريبي لتركيا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، دون أن يظهر دور لجماعة الإخوان في الصورة، حيث رأي مسؤول في معمل نسيج يدعى أحمد الطاهري، أن حزب العدالة والتنمية المغربي ساهم بشكل كبير في الغزو السلعي التركي للرباط، بسبب رفضه تعديل اتفاق التبادل الحر بين البلدين، ودعمه للشركات التركية عقب وصوله إلى الحكومة.
الأمر ليس قاصرًا على الجانب الاقتصادي، بل ساعد الحزب إلى ما يُمكن اعتباره غزوًا ثقافيًا تركيًا من خلال التعليم، وقد لعبت سمية بن خلدون، إحدى أبرز الشخصيات النسائية في حزب العدالة والتنمية، دورًا كبيرًا في هذا، إذ وقّعت أول مذكرة اتفاق في مجال التعليم العالي بين أنقرة والرباط خلال فترة توليها منصب الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي. ويدرس أبناء قيادات الحزب وعدد كبير من شبابه في تركيا، مستفيدين من المنح الدراسية المقدمة لهم من الجامعات التركية، مع إعفاء من الرسوم الدراسية، إضافة إلى توفير إقامة وتأمين صحي وتذاكر طيران مجانًا.
ومع ذلك، يرى البعض، ومنهم الباحث في القانون رشيد سلامي، أن الاختراق التركي للمجتمع المغربي يحدث تحت سمع وبصر الحكومة، فالقنوات التلفزيونية التابعة للدولة تبث المسلسلات التركية التي تلعب دورًا مهمًا في إشهار المنتجات التركية.
ختامًا، يؤدي هذا القرار إلى جانب المقاطعة السعودية الشعبية للمنتجات التركية إلى تقليل فرص أنقرة كأحد البدائل أمام العلامات التجارية الأوروبية التي تسعى إلى إخراج أعمالها من الصين. وكذلك فإنه يفرض المزيد من التحديات على الاقتصاد التركي المنهار بالفعل، حيث سجلت الليرة التركية أدنى مستوى لها على الإطلاق يوم الجمعة الماضية عند 7.9591 بانخفاض 0.4% من يوم الأربعاء السابق له، ويبلغ إجمالي التراجع في قيمة العملة خلال العام الحالي 25.1%، وهو ما ينعكس على مؤشرات الاقتصاد الأخرى، كارتفاع معدلات التضخم التي بلغت نسبتها خلال العام الجاري 11.77%، وانخفاض معدل النمو، ومستويات مرتفعة من عجز الموازنة، وارتفاع معدل البطالة وتدهور المستوى المعيشي للمواطنين، ويتوقع كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بنك كومرتس الألماني، تاثا جوس، أن تنخفض الليرة إلى 8.5.
المصادر:
1. Morocco, Turkey Agree to Review the Terms of their Free Trade Agreement for ‘More Balanced’ Trade, available at: https://www.maroc.ma/en/news/morocco-turkey-agree-review-terms-their-free-trade-agreement-more-balanced-trade.
2. Morocco seeks to revise free trade treaty with Turkey, available at: https://www.ecofinagency.com/public-management/1202-40971-morocco-seeks-to-revise-free-trade-treaty-with-turkey.
3. Why Turkey is trying to improve its profile in the Maghreb, available at: https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2020/07/turkey-libya-tunisia-morocco-ankara-trying-improve-profile.html.
4. Morocco, Turkey launch negotiations to save free trade agreement, available at: https://www.bilaterals.org/?morocco-turkey-launch-negotiations&lang=en.
5. Relations between Turkey and Morocco, available at: http://www.mfa.gov.tr/relations-between-turkey-and-morocco.en.mfa.
6. Bilateral trade between Turkey and Morocco, available at: https://www.trademap.org/Bilateral_TS.aspx?nvpm=1%7c792%7c%7c504%7c%7cTOTAL%7c%7c%7c2%7c1%7c1%7c3%7c2%7c1%7c1%7c1%7c1%7c1.
7. Turkish exporters complaining of new customs delays in Morocco, Algeria, available at: https://ahvalnews.com/turkey-exports/turkish-exporters-complaining-new-customs-delays-morocco-algeria.
8. Morocco-Turkey FTA: Rabat restores tariffs on 1200 Turkish Products, available at: https://northafricapost.com/44421-morocco-turkey-fta-rabat-restores-tariffs-on-1200-turkish-products.html.
9. هل اخترق أردوغان المغرب من بوابة الاقتصاد؟، متاح على: .
10. منتجات تركية تغزو المغرب.. توتر بين الرباط وأنقرة، متاح على: .
11. صناعة النسيج المغربية تنتظر خطة إنقاذ حكومية، متاح على: .
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية