علوم وتكنولوجيا

الطاقة والمياه والغذاء.. مثلث الاستدامة في البلدان العربية

المنطقة العربية هي من أكثر المناطق تضررًا من ندرة المياه بسبب موقعها الصحراوي الجاف، والزيادة المطردة في عدد السكان والتوسع العمراني وسوء الاستخدام وما يترتب عليه من هدر وتلوث، وزيادة الطلب على الموارد الطبيعية وتغير أنماط الاستهلاك وانخفاض كفاءة ادارة الموارد، كذلك قله موارد الطاقة والاعتماد الكامل على مصادر الوقود الأحفوري من البترول والغاز الطبيعي وإن كان هناك اتجاه الآن إلى الطاقات المتجددة. ويضاف إلى ذلك تأثيرات ظاهرة تغير المناخ المتوقعة على المنطقة من حيث زيادة معدلات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار. لذلك تبيّن أن أي محاولة تحقيق الأمن في أي من القطاعات الثلاثة (الطاقة والمياه والغذاء) بطريقة مستقلة وبدون الأخذ في الاعتبار التكامل مع القطاعات الأخرى سيؤدي حتمًا إلى تعريض أمن القطاعات الثلاثة واستدامتها للخطر.

إن تحقيق مبدأ الإدارة المتكاملة للموارد للوصول لأفضل النتائج وضمان استدامتها يتم من خلال تطبيق منهج الترابط بين قطاعات الطاقة والمياه والغذاء في المنطقة العربية وليس في بلد بمفرده، وهذا المبدأ ظهر مؤخرًا وأخذت معظم دول العالم تنادي بتطبيقه وتطوير السياسات والآليات من أجل تحقيقه، حتى يمكننا تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتزامات الدول العربية في تحقيق اقتصاد منخفض الكربون وكفاءة في استخدام الموارد، كما أن الاستمرار في النهج القطاعي في إدارة وتخطيط هذه القطاعات بشكل منفصل سيعرض الدول العربية لتحديات كبيرة وسيؤدي إلى فشل العديد منها في تحقيق هذه الأهداف على المدى البعيد، وسيكون مصحوبًا بتكاليف عالية جدًا.

التحديات المرتبطة بالقطاعات الثلاثة

ثمة ترابط واضح بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء في المنطقة العربية، فالمنطقة غنية بالطاقة وفقيرة بالمياه والأرض الصالحة للزراعة وتعاني نقصًا في الغذاء. وتشتد هذه الروابط المشتركة في المنطقة مع ازدياد الطلب على الموارد نتيجة النمو السكاني وتغير أنماط الاستهلاك وضعف الكفاءة، وهي ستتفاقم أكثر بسبب تأثيرات التغير المناخي. ويُعدُّ المشهد الحالي في المنطقة العربية على صعيد سياسات المياه والطاقة والغذاء والمناخ معقدًا ومنفصلًا، وهذا يفرض الحاجة الحاسمة إلى تبني ترابط متكامل في إدارة هذه الموارد الحيوية الثلاثة.

  • الطاقة

باستثناء البلدان العربية الأقل تقدّمًا، لا تصل خدمات الطاقة الحديثة إلى نحو 50 مليون شخص، وحققت غالبية البلدان معدلات مرتفعة جديرة بالذكر للوصول إلى الطاقة، والاتجاه نحو الاستفادة من الإمكانات الضخمة للمصادر الطبيعية من الشمس والرياح والكتلة الحيوية، وذلك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوفير حلول مستدامة لسكان المناطق الريفية والبعيدة عن خدمات الطاقة، بجانب خفض الأعباء المالية لواردات النفط، وتنويع مزيج الطاقة. وتعد الإصلاحات الأخيرة في أنظمة دعم الطاقة في بلدان كثيرة بما فيها مصر والأردن والسعودية والإمارات وعُمان وقطر والبحرين والكويت، والاتجاه نحو مشروعات الطاقة المتجددة خطوة هائلة على الطريق الصحيح نحو تحقيق أمن الطاقة.

  • المياه

إن قضية ندرة المياه تعتبر قضية بيئية أساسية في 19 دولة من 22 دولة عربية، فالانخفاض الشديد في معدل هطول الأمطار سنويًا والتباين السنوي في كمية هذه الأمطار يجعل المنطقة أكثر عرضة لآثار التغير المناخي، حيث يتوقع انخفاض نصيب الفرد الواحد من المياه سنويًا بنسبة 50% تقريبًا بحلول عام 2050.

وبلغ الوصول إلى مياه الشرب في المنطقة 81 % في حين تدهور في بعض البلدان التي تعاني نزاعات وعدم استقرار مثل العراق وفلسطين والسودان واليمن. وارتفعت التغطية المحسّنة للصرف الصحي إلى 75% وسُجِّلت ارتفاعات في البلدان كلها تقريبًا، لكن المناطق الريفية لا تزال تعاني نقص المياه، خصوصًا في البلدان الأقل تقدّمًا، حيث الصرف الصحي المحسّن لا يتوافر إلا لنحو خُمس السكان.

ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمياه، يجب إحداث تحولات في توزيع المياه بين مختلف القطاعات، استنادًا إلى مفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وفرض أنظمة حديثة لمعالجة استخراج المياه الجوفية، وتحسين أداء القطاع الزراعي وأساليب الري التقليدية المهدرة للمياه، وحماية المجاري المائية العامة من النفايات الصناعية، وأخيرًا ثمة حاجة ملحة إلى تغيير العقلية والممارسات في المجتمعات العربية من خلال زيادة الوعي المائي وترشيد الاستهلاك. 

تفاقم شح المياه بحلول 2020.. المصدر: تقرير البنك الدولي

  • الزراعة والأمن الغذائي

المنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي تشهد نموًا في الشريحة السكانية التي تعاني نقصًا في التغذية، وبحسب تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)، و”فاو”، جاء تحت عنوان: “آفاق المنطقة العربية 2030: تعزيز الأمن الغذائي”، فإن 33 مليون مواطن عربي يعانون من نقص التغذية. لأسباب من أبرزها النمو السكاني السريع. كما أظهرت الأدلة أن الأحوال المرتبطة بتغير المناخ هي ثاني أهم العوامل الرئيسية الكامنة وراء الارتفاع في معدلات الجوع وسبب رئيسي وراء الأزمات الغذائية الحادة. كما أن ثمة 14.5% فقط من المساحة الكلية للأراضي في المنطقة العربية صالحة للزراعة، وأن هذه المساحة المحدودة ذاتها تتعرض لمزيد من المخاطر المستقبلية، فالتصحر وانحسار الرقعة الزراعية يظهران في 17 دولة عربية، ويسببان أزمات عابرة للحدود الوطنية أبرزها انعدام الأمن الغذائي وزيادة الهجرة البشرية.

ولمواجهة تحديات الفقر والأمن الغذائي أمام البلدان العربية عدد من الخيارات المتعلقة بالسياسات، تشمل تحسين إنتاجية المحاصيل وتنوعها، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي المعالَجة واستخدامها للري، وخفض المستويات العالية لخسائر ما بعد الحصاد، وتطوير مصادر أخرى عالية النوعية للبروتينات كمصائد الأسماك، وإدخال مفهوم المياه الافتراضية في الخطط الوطنية للبلدان بهدف تعزيز التعاون العابر للحدود وتبادل السلع الغذائية، ويشير مفهوم “المياه الافتراضية” هنا إلى احتساب كمية المياه الداخلة فى إنتاج الغذاء أو السلع أو الخضراوات والحبوب واللحوم وغيرها واعتبارها موارد مائية، وبذلك فإن المياه الافتراضية يتم استيرادها وتصديرها من خلال السلع الغذائية المختلفة. أي يمكن اعتبار المياه الافتراضية هي كمية المياه المطلوبة لإنتاج سلعة ما، وبالتالي تصدير أى سلعة أو استيرادها، عبارة عن تصدير واستيراد كميات المياه اللازمة لإنتاجها.

التغيرات المناخية وآثارها على المنطقة العربية

يضاف إلى ذلك المخاوف المتعلقة بالتغيرات المناخية وانبعاثات الكربون والغازات الدفيئة، حيث ازدادت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المرتبطة باحتراق الوقود في المنطقة العربية بنسبة 247 % بين العامين 1990 و2010، وتجاوزت هذه النسبة بكثير بعد 2011 وارتفعت بدرجات كبيرة نسبة النموّ السكاني في الفترة نفسها. ونجمَ ما يزيد على 95 %من هذه الانبعاثات عن استخدام النفط والغاز. وعلى الرغم أن مجمل مساهمة المنطقة في تغيّر المناخ العالمي لا تتجاوز نسبة 5 %، فالمنطقة لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي سواء على المستويات العالمية أو الإقليمية أو الوطنية، نظرًا لشدّة تأثّرها بالتغيرات المحتملة التي وثَّقها تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية للعام 2009. أو بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التي تشير إلى أن العقد المنصرم 2001 ـ 2010 كان الأشدّ حرارة في التاريخ الحديث، حيث سُجِّلت خلاله أعلى درجات الحرارة القياسية في 94 بلدًا وأخذت تزداد حتى الآن، كما أن مستوى سطح البحر آخذ في الارتفاع، وجليد المحيط المتجمد الشمالي آخذ في الذوبان بوتيرة أسرع من المتوقع بسنوات. وحتما سيؤثر ذلك على المنطقة العربية.

وقد توصّل تقرير حديث للبنك الدولي إلى أن آثار التغيّر المناخي بدأت تظهر فعلًا في العديد من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يُضاف إلى ذلك أنه من المتوقّع ازدياد الجفاف وارتفاع معدل درجات الحرارة في المنطقة وتعرضها لخطر ارتفاع مستويات سطح البحر. واستشهد التقرير بفيضان حوض نهر النيل عام 2006، وبفترة الجفاف القياسية في حوض نهر الأردن التي دامت خمس سنوات وانتهت في العام 2008. ومن بين أعلى 19 درجة حرارة قياسية في العام 2010، كان الربع تقريبًا في العالم العربي، بما في ذلك الكويت حيث سُجِّلت 52.6 درجة مئوية في العام 2010 و53.5 في العام 2011، وواصلت الزيادة فيما بعد، لذلك من مصلحة البلدان العربية اتخاذ إجراءات صارمة على الصعيد العالمي لتخفيف الآثار والتكيّف فيما يتعلق بتغير المناخ وتخفيف الاعتماد على أنواع الوقود الكربوني.

ولهذا فإن السياسات الصحيحة تساعد على النجاح في زيادة نسب مصادر الطاقة المتجدّدة في مزيج الطاقة وتطبيق برامج كفاءة الطاقة، وهذا يعطي ثماره على صعيدي الاقتصاد والبيئة. ولقد أصبح لدى 20 من الدول العربية سياسات ذات أهداف واضحة واستراتيجيات لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وأقرّت 16 دولة منها عددًا من السياسات الملائمة للطاقة المتجدّدة مثل التعريفة والحوافز الضريبيّة والتمويل العام وآليات الاستثمار.

C:\Users\Amal\Desktop\1024px-Climate_Change_Performance_Index.svg.png

خريطة البلدان الأكثر عرضة للتغيرات المناخية

نهج الترابط

أطلقت مجموعة البنك الدولي دراسة جديدة بعنوان “الترابط بين الماء والغذاء والطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” تشير إلى أنه في حين تعمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على بناء مستقبل أكثر استدامة فهناك حاجة إلى نهج جديد يتناول المصير المشترك لهذه القطاعات المختلفة. ويطلق التقرير الجديد على ذلك مصطلح “نهج الترابط.” ولإثبات القيمة المضافة لهذا النهج يسوق التقرير نماذج للترابط بين المياه والغذاء والطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويحللها. ويجد التحليل أن شح المياه سيتفاقم في جميع بلدان المنطقة على مدى العقود القادمة، وسيكون السبب الغالب في ذلك هو تزايد الطلب والزيادة السكانية . بل إن أكثر ما يثير القلق هو أن التقرير خلُص إلى احتمال نفاد المياه الجوفية في العديد من بلدان المنطقة بحلول عام 2050 ما لم تُتخذ الإجراءات الكفيلة بالحد من الاستخراج الجائر لهذه المياه، وبالتالي تأثير المياه المسيطر بوضوح على القطاعات الأخرى من خلال نقص المواد الغذائية الزراعية وزيادة الطاقة المستخدمة لإيجاد مصادر بديلة للمياه من تحلية مياه البحار ومعالجة مياه الصرف، وبالتالي فترابط القطاعات الثلاثة أمر حتمي.

أهمية الترابط للقطاعات الثلاثة

أمام الدول العربية فرص لتحقيق الكثير من المكاسب إذا ركزت على الترابط في أمن المياه والطاقة والغذاء في مسيرتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فعوامل الضغط على هذه القطاعات الثلاثة كثيرة في المنطقة، وكذلك القيود وعلاقات التداخل بينها. ويمكن تطبيق الترابط على مستويات مختلفة لاستيعاب الفوارق في الموارد الطبيعية التي تملكها الدول العربية، والتصدي للتحديات المعقدة التي تعيق تحقيق أمن المياه والطاقة والغذاء، وكذلك التغيرات البيئية والمناخ، بما في ذلك إدارة الموارد المائية المشتركة، واتخاذ القرارات المتعلقة بمزيج مصادر الطاقة المتجددة وإجراءات كفاءة استخدام الطاقة في الدول العربية، والجهود التي تبذلها الحكومات لتحقيق الأهداف الإنمائية، وأهداف الأمن الغذائي في ظل شح المياه وتدهور الأراضي الصالحة للزراعة.

إذًا تطبيق الدول العربية لسياسات من شأنها تعزيز التعاون بينها وتعزيز التكامل بين القطاعات الثلاثة، وتطبيق أحدث النظم بداية من التخطيط الجيد ووضع الاستراتيجيات وآليات تنفيذ المشروعات والاخذ في الاعتبار موارد وإمكانات القطاعات الثلاثة من شأنه أن يسهم بشكل كبير في التنمية الشاملة للمنطقة العربية وتحقيق أكثر من هدف من أهداف التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة والبيئة.

وكذلك فإن هناك ضرورة ملحة لبناء وتطوير القدرات لإدارة الترابط بشكل فاعل في المنطقة العربية على جميع المستويات، مؤسسات القطاع العام والمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني، حتى يتم استعراض الأدوات المتاحة للقطاعات الثلاثة وتحليل العلاقة بينها للمساعدة في اتخاذ القرار.

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى